فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

.فصل: أصل اللغات:

قال الأشعري والجبائي والكعبي: اللغات كلها توقيفية.
بمعنى أن الله تعالى خلق علمًا ضروريًا بتلك الألفاظ وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني.
واحتجوا عليه بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} والكلام على التمسك بهذه الآيه سؤالًا وجوابًا ذكرناه في أصول الفقه.
وقال أبو هاشم: إنه لابد من تقدم لغه إصطلاحيه واحتج على أنه لابدّ وأن يكون الوضع مسبوقًا بالإصطلاح بأمور أحدها: أنه لو حصل العلم الضروري بأنه تعالى وضع هذه اللفظه لهذا المعنى لكان ذلك العلم إما أن يحصل للعاقل أو لغير العاقل، لا جائز أن يحصل للعاقل لأنه لو حصل العلم الضروري بأنه تعالى وضع ذلك اللفظ لذلك المعنى لصارت صفه الله تعالى معلومه بالضروره مع أنه ذاته معلومه بلإستدلال وذلك محال ولا جائز أن يحصل لغير العاقل لأنه يبعد في العقول أن يحصل العلم بهذه اللغات مع ما فيها من الحكم العجيبه لغير العاقل، فثبت أن القول بالتوقيف فاسد.
وثانيها: أنه تعالى خاطب الملائكه وذلك يوجب تقدم لغه على ذلك التكلم.
وثالثها: أن قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} يقتضي إضافة التعليم إلى الأسماء.
وذلك يقتضي في تلك الأسماء أنها كانت أسماء قبل ذلك التعليم، وإذا كان كذلك كانت اللغات حاصلة قبل ذلك التعليم.
ورابعها: أن آدم عليه السلام لما تحدى الملائكة بعلم الأسماء فلابد وأن تعلم الملائكة كونه صادقًا في تعيين تلك الأسماء لتلك المسميات، وإلا لم يحصل العلم بصدقه، وذلك يقتضي أن يكون وضع تلك الأسماء لتلك المسميات متقدمًا على ذلك التعليم.
والجواب عن الأول: لم لا يجوز أن يقال بخلق العلم الضروري بأن واضعًا وضع هذه الأسماء لهذه المسميات من غير تعيين أن ذلك الواضع هو الله تعالى أو الناس؟ وعلى هذا لا يلزم أن تصير الصفة معلومة بالضرورة حال كون الذات معلومة بالدليل.
سلمنا أنه تعالى ما خلق هذا العلم في العاقل، فلم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى خلقه في غير العاقل والتعويل على الاستعباد في هذا المقام مستبعد.
وعن الثاني: لم لا يجوز أن يقال خاطب الملائكة بطريق آخر بالكتابة وغيرها.
وعن الثالث: لا شك إن إرادة الله تعالى وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني سابقة على التعليم فكفى ذلك في إضافة التعليم إلى الأسماء، وعن الرابع: ماسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم. اهـ.

.فصل: المراد في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء كُلَّهَا}:

قال الفخر:
من الناس من قال قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء كُلَّهَا} أي علمه صفات الأشياء ونعوتها وخواصها والدليل عليه أن الاسم اشتقاقه إما من السمة أو من السمو، فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة وصفات الأشياء ونعوتها وخواصها دالة على ماهياتها، فصح أن يكون المراد من الأسماء: الصفات، وإن كان من السمو فكذلك لأن دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء فإن العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول، فكان الدليل أسمى في الحقيقة، فثبت أنه لا امتناع في اللغة أن يكون المراد من الاسم الصفة، بقي أن أهل النحو خصصوا لفظ الاسم بالألفاظ المخصوصة، ولكن ذلك عرف حادث لا اعتبار به، وإذا ثبت أن هذا التفسير ممكن بحسب اللغة وجب أن يكون هو المراد لا غيره، لوجوه:
أحدها: أن الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أكثر من الفضيلة في معرفة أسمائها، وحمل الكلام المذكور لإظهار الفضيلة على ما يوجب مزيد الفضيلة، أولى من حمله على ما ليس كذلك، وثانيها: أن التحدي إنما يجوز ويحسن بما يتمكن السامع من مثله في الجملة، فإن من كان عالمًا باللغة والفصاحة، يحسن أن يقول له غيره على سبيل التحدي: ائت بكلام مثل كلامي في الفصاحة، أما العربي فلا يحسن منه أن يقول للزنجي في معرض التحدي: تكلم بلغتي، وذلك لأن العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات ألبتة: بل ذلك لا يحصل إلا بالتعليم، فإن حصل التعليم، حصل العلم به وإلا فلا، أما العلم بحقائق الأشياء، فالعقل متمكن من تحصيله فصحَّ وقوع التحدي فيه.
القول الثاني: وهو المشهور أن المراد أسماء كل ما خلق الله من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم من العربية والفارسية والرومية وغيرها، وكان ولد آدم عليه السلام يتكلمون بهذه اللغات فلما مات آدم وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد منهم بلغة معينة من تلك اللغات، فغلب عليه ذلك اللسان، فلما طالت المدة ومات منهم قرن بعد قرن نسوا سائر اللغات، فهذا هو السبب في تغير الألسنة في ولد آدم عليه السلام.
قال أهل المعاني: قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ ال أسماء} لابد فيه من إضمار، فيحتمل أن يكون المراد وعلم آدم أسماء المسميات، ويحتمل أن يكون المراد وعلم آدم مسميات الأسماء، قالوا لكن الأول أولى لقوله: {أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء} وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم} ولم يقل أنبئوني بهؤلاء وأنبأهم بهم، فإن قيل: فلما علمه الله تعالى أنواع جميع المسميات، وكان في المسميات ما لا يكون عاقلًا، فلم قال عرضهم ولم يقل عرضها؟ قلنا لأنه لما كان في جملتها الملائكة والإنس والجن وهم العقلاء، فغلب الأكمل، لأنه جرت عادة العرب بتغليب الكامل على الناقص كلما غلبوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الأسماء كُلَّهَا} الأسماء هنا بمعنى العبارات، فإن الاسم قد يطلق ويراد به المسمَّى؛ كقولك: زيد قائم، والأسد شجاع.
وقد يراد به التسمية ذاتها؛ كقولك: أسد ثلاثة أحرف؛ ففي الأوّل يقال: الاسم هو المسمَّى بمعنى يراد به المسمى، وفي الثاني لا يراد به المسمَّى؛ وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من استعمالها؛ ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} على أشهر التأويلات؛ ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعةً وتسعين اسما» ويجرِي مجرى الذات، يقال: ذاتٌ ونفسٌ وعينٌ واسم بمعنًى؛ وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} [الرحمن: 78] {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم: 23]. اهـ.

.فصل: معنى الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام:

قال القرطبي:
واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علّمها لآدم عليه السلام؛ فقال ابن عباس وعِكرمة وقتادة ومجاهد وابن جُبير: علّمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها.
وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن عليّ قال: كنت جالسًا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنِيَة واسم السَّوْط؛ قال ابن عباس: «وعلّم آدم الأسماء كلها».
قلت: وقد روي هذا المعنى مرفوعًا على ما يأتي؛ وهو الذي يقتضيه لفظ {كلها} إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم؛ وفي البخاريّ من حديث أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربّنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كلِّ شيء» الحديث.
قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفًا، وأن الله تعالى علّمها آدم عليه السلام جملةً وتفصيلًا.
وكذلك قال ابن عباس: علّمه أسماء كل شيء حتى الجَفْنة والمِحْلَب.
وروى شَيْبان عن قتادة قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة، وسمَّى كل شيء باسمه وأنْحَى منفعة كل شيء إلى جنسه.
قال النحاس: وهذا أحسن ما روي في هذا.
والمعنى علّمه أسماء الأجناس وعرّفه منافعها، هذا كذا، وهو يصلح لكذا.
وقال الطبريّ: علّمه أسماء الملائكة وذرّيته؛ واختار هذا ورجّحه بقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة}.
وقال ابن زيد: علّمه أسماء ذرّيته كلهم.
وقال الربيع بن خُثيم: أسماء الملائكة خاصة.
وقال القُتَبيّ: أسماء ما خلق في الأرض.
وقيل: أسماء الأجناس والأنواع.
قلت: القول الأوّل أصحّ، لما ذكرناه آنفًا ولِمَا نبيّنه إن شاء الله تعالى.

.فائدة: ذكر الخلاف في المقصود بما عرض على الملائكة في قوله تعالى: {ثم عرضهم على الملائكة}:

واختلف المتأوّلون أيضًا هل عرض على الملائكة أسماء الأشخاص أو الأسماء دون الأشخاص؛ فقال ابن مسعود وغيره: عرض الأشخاص لقوله تعالى: {عَرَضَهُمْ} وقوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء}.
وتقول العرب: عَرَضْتُ الشيء فأَعْرَض؛ أي أظهرته فظهر.
ومنه: عَرَضْتُ الشيء للبيع.
وفي الحديث: «إنه عَرَضهم أمثال الذر» وقال ابن عباس وغيره: عرض الأسماء.
وفي حرف ابن مسعود: {عرضهنّ}؛ فأعاد على الأسماء دون الأشخاص؛ لأن الهاء والنون أخصّ بالمؤنث.
وفي حرف أُبَيّ: {عرضها}.
مجاهد: أصحاب الأسماء.
فمن قال في الأسماء إنها التسميات فاستقام على قراءة أُبَيّ {عرضها}.
وتقول في قراءة من قرأ: {عرضهم} إن لفظ الأسماء يدلّ على أشخاص؛ فلذلك ساغ أن يقال للأسماء: {عرضهم}.
وقال في {هؤلاء} المراد بالإشارة: إلى أشخاص الأسماء، لكن وإن كانت غائبة فقد حضر ما هو منها بسببٍ وذلك أسماؤها.
قال ابن عطية: والذي يظهر أن الله تعالى علّم آدم الأسماء وعرضهنّ عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها، ثم إن آدم قال لهم: هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا.
وقال الماوَرْدِيّ: وكان الأصح توجّه العرض إلى المسمّين.
ثم في زمن عرضهم قولان: أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم.
الثاني: أنه صوّرهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم.
الخامسة: واختلف في أوّل من تكلم باللسان العربيّ؛ فرُوِيَ عن كَعب الأحبار: أن أوّلَ مَن وضع الكتاب العربيّ والسُّرْيانيّ والكتبَ كلّها وتكلّم بالألسنة كلّها آدم عليه السلام.
وقاله غير كعب الأحبار.
فإن قيل: قد روي عن كعب الأحبار من وجه حَسَن قال: أوّل مَن تكلّم بالعربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام وألقاها نوح على لسان ابنه سام؛ ورواه ثَور بن زيد عن خالد بن مَعْدان عن كعب.
ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول مَن فتق لسانه بالعربية المبيّنة إسماعيل وهو ابن عشر سنين» وقد رُوي أيضًا: أن أوّل مَن تكلّم بالعربية يَعْرُب بن قَحْطان، وقد روي غير ذلك.
قلنا: الصحيح أن أوّل مَن تكلّم باللغات كلّها من البشر آدمُ عليه السلام، والقرآن يشهد له؛ قال الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} واللّغات كلّها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «وعلّم آدم الأسماء كلّها حتى القَصْعَة والقُصَيعة» وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أوّل من تكلم بالعربيّة من ولد إبراهيم عليه إسماعيلُ عليه السلام.
وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولًا على أن المذكور أوّل من تكلّم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا، والله أعلم.
وكذلك جبريل أوّل من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علّمها الله آدم أو جبريل؛ على ما تقدّم، والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الألوسي:

{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} عطف على {قَالَ} [البقرة: 0 3]، وفيه تحقيق لمضمون ما تقدم، وظاهر الابتداء بحكاية التعليم يدل على أن ما مر من المقاولة إنما جرت بعد خلقه عليه السلام بمحضر منه بأن قيل إثر نفخ الروح فيه: إن جاعل إياه خليفة، فقيل ما قيل، وقيل: إنه معطوف على محذوف، أي فخلق وعلم، أو فخلقه وسواه ونفخ فيه الروح وعلم، أو فجعل في الأرض خليفة وعلم، وإبراز اسمه عليه السلام للتنصيص عليه والتنويه بذكره.
وآدم صرح الجواليقي وكثيرون أنه عربي ووزنه أفعل من الأدمة بضم فسكون السمرة وياما أحيلاها في بعض، وفسرها أناس بالبياض أو الأدمة بفتحتين الأسوة والقدوة أو من أديم الأرض ما ظهر منها.
وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه غير واحد، أنه تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها، فخلق منها آدم، فلذلك تأتي بنوه أخيافًا، أو من الأدم أو الأدمة، الموافقة والألفة، وأصله أأدم بهمزتين فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها بعد فتحة، ومنع صرفه للعلمية ووزن الفعل، وقيل: أعجمي ووزنه فاعل بفتح العين ويكثر هذا في الأسماء كشالخ وآزر ويشهد له جمعه على أوادم بالواو لا أآدم بالهمزة، وكذا تصغيره على أويدم لا أؤيدم واعتذر عنه الجوهري بأنه ليس للهمزة أصل في البناء معروف، فجعل الغالب عليها الواو ولم يسلموه له، وحينئذٍ لا يجري الاشتقاق فيه لأنه من تلك اللغة لا نعلمه ومن غيرها لا يصح، والتوافق بين اللغات بعيد، وإن ذكر فيه فذاك للإشارة إلى أنه بعد التعريب ملحق بكلامهم، وهو اشتقاق تقديري اعتبروه لمعرفة الوزن والزائد فيه من غيره، ومن أجراه فيه حقيقة كمن جمع بين الضب والنون، ولعل هذا أقرب إلى الصواب.
والأسماء جمع اسم وهو باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشيء ودليلًا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ الموضوعة بجميع اللغات والصفات والأفعال، واستعمل عرفًا في الموضوع لمعنى مفردًا كان أو مركبًا مخبرًا عنه أو خبرًا أو رابطة بينهما، وكلا المعنيين محتمل.
والعلم بالألفاظ المفردة والمركبة تركيبًا خبريًا أو إنشائيًا يستلزم العلم بالمعاني التصورية والتصديقية.
وإرادة المعنى المصطلح مما لا يصلح لحدوثه بعد القرآن.
وقال الإمام: المراد بالأسماء صفات الأشياء ونعوتها وخواصها، لأنها علامات دالة على ماهياتها، فجاز أن يعبر عنه بالأسماء، وفيه كما قال الشهاب نظر إذ لم يعهد إطلاق الاسم على مثله حتى يفسر به النظم، وقيل: المراد بها أسماء ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعزي إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: اللغات، وقيل: أسماء الملائكة، وقيل: أسماء النجوم، وقال الحكيم الترمذي: أسماؤه تعالى، وقيل وقيل وقيل.
والحق عندي ما عليه أهل الله تعالى، وهو الذي يقتضيه منصب الخلافة الذي علمت، وهو أنها أسماء الأشياء علوية أو سفلية جوهرية أو عرضية، ويقال لها أسماء الله تعالى عندهم باعتبار دلالتها عليه، وظهوره فيها غير متقيد بها.
ولهذا قالوا: إن أسماء الله تعالى غير متناهية، إذ ما من شيء يبرز للوجود من خبايا الجود، إلا وهو اسم من أسمائه تعالى وشأن من شئونه عز شأنه، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن.
ومن هنا قال قدس سره:
إن الوجود وإن تعدد ظاهرا ** وحياتكم ما فيه إلا أنتم

لكن للفرق مقام وللجمع مقام ولكل مقام مقال، ولولا المراتب لتعطلت الأسماء والصفات، وتعليمها له عليه السلام على هذا ظهور الحق جل وعلا فيه منزهًا عن الحلول والاتحاد والتشبيه بجميع أسمائه وصفاته المتقابلة حسب استعداده الجامع بحيث علم وجه الحق في تلك الأشياء، وعلم ما انطوت عليه وفهم ما أشارت إليه، فلم يخف عليه منها خافية ولم يبق من أسرارها باقية، فيالله هذا الجرم الصغير كيف حوى هذا العلم الغزير.
واختلف الرسميون بينهم في كيفية التعليم بعد أن فسر بأنه فعل يترتب عليه العلم غالبًا، وبعد حصول ما يتوقف عليه من جهة المتعلم كاستعداده لقبول الفيض وتلقيه من جهة المعلم لا تخلف.
فقيل: بأن خلق فيه عليه السلام بموجب استعداده علمًا ضروريًا تفصيليًا بتلك الأسماء وبمدلولاتها وبدلالتها ووجه دلالتها، وقيل: بأن خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة مستعدًا لإدراك أنواع المدركات، وألهمه معرفة ذوات الأشياء وأسمائها وخواصها ومعارفها وأصول العلم وقوانين الصناعات وتفاصيل آلاتها وكيفيات استعمالاتها فيكون ما مر من المقاولة قبل خلقه عليه السلام، والقول: بأن التعليم على ظاهره وكان بواسطة ملك غير داخل في عموم الخطاب ب {أنبؤوني} مما لا أرتضيه، اللهم إلا إن صح خبر في ذلك، ومع هذا أقول: للخبر محمل غير ما يتبادر مما لا يخفى على من له ذوق، وقيل: غير ذلك.
ثم إن هذا التعليم لا يقتضي تقدم لغة اصطلاحية كما زعمه أبو هاشم واحتج عليه بوجوه ردت في التفسير الكبير، إذ لو افتقر لتسلسل الأمر أو دار، والإمام الأشعري يستدل بهذه الآية على أن الواضع للغات كلها هو الله تعالى ابتداءً ويجوز حدوث بعض الأوضاع من البشر كما يضع الرجل علم ابنه.
والمعتزلة يقولون: الواضع من البشر آدم أو غيره ويسمى مذهب الاصطلاح.
وقيل: وضع الله تعالى بعضها ووضع الباقي البشر وهو مذهب التوزيع وبه قال الأستاذ، والمسألة مفصلة بأدلتها وما لها وما عليها في أصول الفقه.
وقرأ اليماني: {تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ} مبنيًا للمفعول، وفي البحر أن التضعيف للتعدية وهي به سماعية، وقيل: قياسية، والحريري في شرح لمحته يزعم أن علم المتعدي لاثنين يتعدى به إلى ثلاثة، وقد وهم في ذلك.
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة} أي المسميات المفهومة من الكلام وتذكير الضمير على بعض الوجوه لتغليب ما اشتملت عليه من العقلاء، وللتعظيم بتنزيلها منزلتهم في رأي على البعض الآخر.
وقيل: الضمير للأسماء باعتبار أنها المسميات مجازًا على طريق الاستخدام.
ومن قال: الاسم عين المسمى قال: الأسماء هي المسميات والضمير لها بلا تكلف وإليه ذهب مكي والمهدوي ويرد عليه أن {أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء} يدل على أن العرض للسؤال عن أسماء المعروضات لا عن نفسها وإلا لقيل: أنبؤوني بهؤلاء، فلابد أن يكون المعروض غير المسئول عنه فلا يكون نفس الأسماء، ومعنى عرض المسميات تصويرها لقلوب الملائكة، أو إظهارها لهم كالذر، أو إخبارهم بما سيوجده من العقلاء وغيرهم إجمالًا، وسؤالهم عما لابد لهم منه من العلوم والصنائع التي بها نظام معاشهم ومعادهم إجمالًا أيضًا، وإلا فالتفصيل لا يمكن علمه لغير اللطيف الخبير، فكأنه سبحانه قال: سأوجد كذا وكذا فأخبروني بما لهم وما عليهم، وما أسماء تلك الأنواع من قولهم: عرضت أمري على فلان فقال لي كذا، فلا يرد أن المسميات عند بعض أعيان ومعان، وكيف تعرض المعاني كالسرور والحزن والجهل والعلم، وعندي أن عرض المسميات عليهم يحتمل أن يكون عبارة عن اطلاعهم على الصور العلمية والأعيان الثابتة التي قد يطلع عليها في هذه النشأة بعض عباد الله تعالى المجردين، أو إظهار ذلك لهم في عالم تتجسد فيه المعاني وهذا غير ممتنع على الله تعالى بل إن المعاني الآن متشكلة في عالم الملكوت بحيث يراها من يراها، ومن أحاط خبرًا بعالم المثال لم يستبعد ذلك، وقيل: إنهم شهدوا تلك المسميات في آدم عليه السلام، وهو المراد بعرضها:
وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر

وقرأ أبيّ: {ثُمَّ عَرْضُهَا} وعبد الله: {عرضهن} والمعنى عرض مسمياتها أو مسمياتهن، وقيل: لا تقدير. اهـ.