فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

ثم قال على وجه التعجب: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَرَسُولُهُ}؛ ويقال: على وجه التوبيخ، يعني: لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله.
ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام}، يعني: بني كنانة وبني ضمرة، وهم لم ينقضوا العهد فأمر الله بإتمام عهدهم.
ويقال هم بنو خزاعة وبنو مدلج وبنو خزيمة.
{فَمَا استقاموا لَكُمْ} على وفاء العهد، {فاستقيموا لَهُمْ} بالوفاء على التمام.
{إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} الذين يتقون ربهم ويمتنعون عن نقض العهد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ} على معنى التعجب، ومعناه جحد أي لا يكون لهم عهد، كما تقول في الكلام: هل أنت إلا واحد منّا، أي أنت، وكيف يستيقن مثلك؟ أي لايستيقن، ومنه: هل أنت إلا أصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين عَاهَدْتُمْ عِندَ المسجد الحرام} واختلفوا فيه فقال ابن عياش: هم قريش، وقال قتادة وابن زيد: هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، قال الله عز وجل: {فَمَا استقاموا لَكُمْ} على العهد {فاستقيموا لَهُمْ} قالوا: فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة، فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بأربعة أشهر يختارون من أمرهم أما أن يسلموا، واما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا، فأسلموا قبل الأربعة أشهر.
قال السدي وابن إسحاق والكلبي: هم من قبائل بكر بن خزيمة وهو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش، وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله وبين قريش، فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بني بكر، فأمر بأتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته، وهذا القول أقرب إلى الصواب، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة، فكيف يأتي شيء قد مضى.
{فَمَا استقاموا لَكُمْ فاستقيموا لَهُم} وإنما هم الذين قال الله عز وجل: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئًا} كما نقصكم قريش، ولم يظاهروا عليكم أحد كما ظاهرت (من) قريش بني بكر على خزاعة (سلفا) رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِيْنَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ...} الآية يحتمل وجهين:
أحدهما: إذا لم يعطوا أمانًا.
الثاني: إذا غدروا وقاتلوا.
وفي قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم قوم من بني بكر بن كنانة، قاله ابن إٍسحاق.
والثاني: أنهم قريش، وهو قول ابن عباس.
والثالث: خزاعة، قاله مجاهد.
والرابع: بنو ضمرة، قاله الكلبي.
{فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} يعني فما أقاموا على الوفاء بالعهد فأقيموا عليه، فدل على أنهم إذا نقضوا العهد سقط أمانهم وحلّت دماؤهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله} الآية لفظ استفهام وهو على جهة التعجب والاستبعاد، أي على أي وجه يكون للمشركين عهد وهم قد نقضوا وجاهروا بالتعدي ثم استثنى من عموم المشركين القوم الذين عوهدوا عند المسجد الحرام أي في ناحيته وجهته، وقال ابن عباس فيما روي عنه: المعني بهذا قريش، وقال السدي: المعني بنو خزيمة بن الديل، وقال ابن إسحاق: هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض، وقال قوم: المعني خزاعة قاله مجاهد وهو مردود بإسلام خزاعة عام الفتح، وقال بعض من قال إنهم قريش إن هذه الآية نزلت فلم يستقيموا بل نقضوا فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك، وحكى الطبري هذا القول عن ابن زيد وهو ضعيف متناقض، لأن قريشًا وقت الأذان بالأربعة الأشهر لم يكن منهم إلا مسلم، وذلك بعد فتح مكة بسنة وكذلك خزاعة، قاله الطبري وغيره، وقوله: {إن الله يحب المتقين} يريد به الموفين بالعهد من المؤمنين، فلذلك جاء بلفظ مغترق الوفاء بالعهد متضمن الإيمان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} أي: لا يكون لهم ذلك {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وفيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم بنو ضمرة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم قريش، قاله ابن عباس أيضًا.
وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فنكثوا وظاهروا المشركين.
والثالث: أنهم خزاعة، قاله مجاهد.
وذكر أهل العلم بالسِّيَر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح سهيل بن عمرو في غزوة الحديبية، كتب بينه وبينه: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكفُّ بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنَّه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنَّه من أتى محمدًا منهم بغير إذن وليه ردَّه إليه، وأنه من أتى قريشًا من أصحاب محمد لم يردُّوه، وأن محمدًا يرجع عنَّا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا في قابل في أصحابه، فيقيم بها ثلاثًا، لا يدخل علينا بسلاح، إلا سلاح المسافر، السيوفَ في القُرب، فوثبتْ خزاعة.
فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها، ثم إن قريشًا أعانت بني بكر على خزاعة بالرجال والسلاح فبيَّتوا خزاعة ليلًا، فقتلوا منهم عشرين رجلًا.
ثم إن قريشًا ندمت على ما صَنَعَتْ، وعلموا أنَّ هذا نقضٌ للعهد والمدة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج قوم من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصابهم، فخرج إليهم وكانت غزاة الفتح.
قال أبو عبيدة: الإسلال: السرقة، والإغلال: الخيانة.
قال ابن الأعرابي: وقوله: {وأن بيننا عيبة مكفوفة} مَثَل، أراد: أنَّ صُلْحَنَا مُحْكَم مُسْتَوْثَقٌ منه، كأنه عيبة مشرجة.
وزعم بعض المفسرين أن قوله: {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} نُسخ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]. اهـ.

.قال الخازن:

{كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله}
هذا على وجه التعجيب ومعناه الجحد أي لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله وهم يغدرون وينقضون العهد ثم استثنى فقال سبحانه وتعالى: {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال ابن عباس: هم قريش.
وقال قتادة: هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وقال السدي محمد بن عباد ومحمد بن إسحاق هم بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو الديل قبائل من بني بكر كانوا دخلوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبة، وقال مجاهد: هم أهل العهد من خزاعة {فما استقاموا لكم} يعني على العهد {فاستقيموا لهم} يعني ما أقاموا على العهد ثم إنهم لم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم إما أن يسلموا وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا فأسلموا بعد الأربعة الأشهر والصواب من ذلك قول من قال إنهم قبائل من بني بكر وهم خزيمة وبنو مدلج من ضمرة وبنو الديل وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية ولم يكن نقض العهد إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة وإنما كان الصواب هذا القول لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وذلك قبل فتح مكة لأن بعد الفتح كيف يقول لشيء قد مضى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم وإنما هم الذين قال الله فيهم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئًا كما نقصكم قريش ولم يظاهروا عليكم أحدًا كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {إن الله يحب المتقين} يعني أنه سبحانه وتعالى يحب الذين يوفون بالعهد إذا عاهدوا ويتقون نقضه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام}
هذا استفهام معناه التعجب والاستنكار والاستبعاد.
قال التبريزي والكرماني: معناه النفي، أي لا يكون لهم عهد وهم لكم ضد.
ونبه على علة انتفاء العهد بالوصف الذي قام به وهو الإشراك.
وقال القرطبي: وفي الآية إضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر والنكث؟ انتهى.
والاستفهام يراد به النفي كثيرًا، ومنه قول الشاعر:
فها ذي سيوف يا هدى بن مالك ** كثير ولكن ليس بالسيف ضارب

أي ليس بالسيف ضارب.
ولما كان الاستفهام معناه النفي، صلح مجيء الاستثناء وهو متصل.
وقيل: منقطع، أي لكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام.
قال الحوفي: ويجوز أن يكون الذين في موضع خبر على البدل من المشركين، لأن معنى ما تقدم النفي، أي: ليس يكون للمشركين عهد إلا الذين لم ينكثوا.
قال ابن عباس: هم قريش.
وقال السدي: بنو جذيمة بن الديل.
وقال ابن إسحاق: قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش.
وقال الزمخشري: كبني كنانة وبني ضمرة.
وقال قوم منهم مجاهد: هم خزاعة ورد بإسلامهم عام الفتح.
وقال ابن زيد: هم قريش نزلت فلم يستقيموا، فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك.
وضعف هذا القول بأنّ قريشًا بعد الأذان بأربعة أشهر لم يكن فيهم إلا مسلم، وذلك بعد فتح مكة بسنة، وكذلك خزاعة قاله الطبري.
فما استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على الوفاء.
وجوز أبو البقاء أن يكون خبر يكون كيف، لقوله: كيف كان عاقبة مكرهم، وأن يكون الخبر للمشركين.
وعند على هذين ظرف للعهد، أو ليكون، أو للحال، أو هي وصف للعهد.
وأن يكون الخبر عند الله، وللمشركين تبيين، أو تعلق بيكون، وكيف حال من العهد انتهى.
والظاهر أنّ ما مصدرية ظرفية، أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم، وليست شرطية.
وقال أبو البقاء: هي شرطية كقوله: {ما يفتح الله للناس من رحمة} انتهى.
فكان التقدير: ما استقاموا لكم من زمان فاستقيموا لهم.
وقال الحوفي: ما شرط في موضع رفع بالابتداء، والخبر استقاموا، ولكم متعلق باستقاموا، فاستقيموا لهم الفاء جواب الشرط انتهى.
فكان التقدير فأي: وقت استقاموا فيه لكم فاستقيموا لهم.
وإنما جوز أن تكون شرطية لوجود الفاء في فاستقيموا، لأن المصدرية الزمانية لا تحتاج إلى الفاء.
وقد أجاز ابن مالك في المصدرية الزمانية أن تكون شرطية وتجزم، وأنشد على ذلك ما يدل ظاهره على صحة دعواه.
وقد ذكرنا ذلك في كتاب التكميل، وتأولنا ما استشهد به.
فعلى قوله تكون زمانية شرطية: أنّ الله يحب المتقين، يعني أن الوفاء بالعهد من أخلاق المتقين، والتربص بهؤلاء إن استقاموا من أعمال المؤمنين، والتقوى تتضمن الإيمان والوفاء بالعهد. اهـ.