فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)}
كيف يكون المُفْلِسُ من عرفانه كالمخلص في إيمانه؟
وكيف يكون المحجوبُ عن شهوده كالمستهلَكِ في وجوده؟
كيف يكون مَنْ يقول أنا كمن يقول أنت؟ وأنشدوا:
وأحبابُنا شتَّان: وافٍ وناقِصٌ ** ولا يستوي قطٌّ مُحِبٌّ وباغِضُ

قوله: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لِهُمْ}، إنْ تَمَسْكُوا بحبل وفائنا أحللناهم ولاءنا، وإِنْ زاغوا عن عهدنا أبليناهم بصدِّنا، ثم لم يَرْبَحُوا في بُعْدِنا.
{إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}: المُتَّقي الذي يستحق محبةَ مَنْ يُتَّقَى؛ وذلك حين يتقي محبَّةَ نَفْسِه، وذلك بِتَرْكِ حظِّه والقيام بِحقِّ ربِّه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أنكر سبحانه ان يكون للمشركين غير المستثنين عهد، بين السبب الموجب للانكار مكررًا أداة الإنكار تأكيدًا للمعنى فقال: {كيف} أي يكون لهم عهد ثابت {وإن} أي والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة فهم إن {يظهروا عليكم} أي إن يعل أمر لهم على أمركم بأن يظفروا بكم بعد العهد والميثاق {لا يرقبوا} أي لا ينظروا ويرعوا {فيكم} أي في أذاكم بكل جليل وحقير {إلًا} أي قرابة محققة {ولا ذمة} أي عهدًا، يعني أن الأمر المبيح للنبذ خوف الخيانة، وعلام الغيوب يخبركم أنهم في غاية الخيانة لكم، والإل هذا: القرابة- وهو قول ابن عباس، والمادة تدور على الألة وهي حربة في نصلها عرض، ويلزمها الصفاء والرقة والبريق، ويشبه به الإسراع في العدو، والثبات في نفسها، ومنه القرابة والعهد والتغير في وصفها، ومنه تغير رائحة الإناء وفساد الأسنان والصوت، ومنه الأنين والجؤار في الدعاء مع البكاء وخرير الماء والطعن والقهر-، ومنه: إن هذا- أي كلام مسيلمة- ما يخرخ من إل، أي من ربوبية، وفي إل الله، أي قدرته وإلهيته.
ولما كان ذلك مظنة لأن يقال: قد أكدوا لنا الأيمان وأوثقوا العهود، ولم يدعوا بابًا من أبواب الاستعطاف، قال معللًا لما مضى مجيبًا لمن استبعده: {يرضونكم} وعبر بأقصى ما يمكن الكلام به من القلوب تحقيقًا لأنهم ليس في قلوبهم شيء منه فقال: {بأفواههم} أي بذلك التأكيد، وصرح بالمقصود بقوله: {وتأبى قلوبهم} أي العمل بما أبدته ألسنتهم، وقليل منهم من يحمله الخوف ونحوه على الثبات أو يرجع عن الفسق ويؤمن {وأكثرهم فاسقون} أي راسخو الأقدام في الفسق خارجون- لمخالفة الفعل للقول- عما تريدونه، وإذا نقض الأكثر اضطر الأقل إلى موافقتهم.
اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ}
اعلم أن قوله: {كَيْفَ} تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل كونه معلومًا أي كيف يكون عهدهم وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق لم ينظروا إلى حلف ولا عهد (ولم يبقوا عليكم) هذا هو المعنى، ولابد من تفسير الألفاظ المذكورة في الآية يقال: ظهرت على فلان إذا علوته، وظهرت على السطح إذا صرت فوقه.
قال الليث: الظهور الظفر بالشيء.
وأظهر الله المسلمين على المشركين أي أعلاهم عليهم ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ ظاهرين} [الصف: 14] وقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} [التوبة: 33] أي ليعليه، وتحقيق القول فيه أن من غلب غيره حصلت له صفة كمال، ومن كان كذلك أظهر نفسه ومن صار مغلوبًا صار كالناقص، والناقص لا يظهر نفسه ويخفي نقصانه فصار الظهور كناية للغلبة لكونه من لوازمها فقوله: {إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} يريد أن يقدروا عليكم وقوله: {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} قال الليث: رقب الإنسان يرقبه رقبة ورقوبًا وهو أن ينتظره ورقيب القوم حارسهم وقوله: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى} [طه: 94] أي لم تحفظه، أما الأول ففيه أقوال: الأول: أنه العهد قال الشاعر:
وجدناهم كاذبًا إلهم ** وذو الإل والعهد لا يكذب

يعني العهد الثاني: قال الفراء: الإل القرابة.
قال حسان:
لعمرك أن إلك من قريش ** كإل السقب من رأل النعام

يعني القرابة والثالث الإل الحلف.
قال أوس بن حجر:
لولا بنو مالك والإل مرقبه ** ومالك فيهم الآلاء والشرف

يعني الحلف.
والرابع: الإل هو الله عز وجل، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما سمع هذيان مسيلمة قال: إن هذا الكلام لم يخرج من إل، وطعن الزجاج في هذا القول وقال: أسماء الله معلومة من الأخبار والقرآن ولم يسمع أحد يقول: يا إل.
الخامس: قال الزجاج: حقيقة الإل عندي على ما توجبه اللغة تحديد الشيء، فمن ذلك الألة الحربة.
وأذن مؤللة، فالإل يخرج في جميع ما فسر من العهد والقرابة.
السادس: قال الأزهري: أيل من أسماء الله عز وجل بالعبرانية، فجائز أن يكون عرب.
فقيل إل.
السابع: قال بعضهم: الإل مأخوذ من قولهم إل يؤل ألا، إذا صفا ولمع ومنه الآل للمعانه، وأذن مؤللة شبيهة بالحربة في تحديدها وله أليل أي أنين يرفه به صوته، ورفعت المرأة أليلها إذا ولولت، فالعهد سمي إلا، لظهوره وصفائه من شوائب الغدر، أو لأن القوم إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه.
أما قوله: {وَلاَ ذِمَّةً} فالذمة العهد، وجمعها ذمم وذمام، كل أمر لزمك، وكان بحيث لو ضيعته لزمتك مذمة، وقال أبو عبد الله الذمة ما يتذمم منه، يعني ما يجتنب فيه الذم يقال: تذمم فلان، أي ألقى على نفسه الذم، ونظيره تحوب، وتأثم وتحرج.
أما قوله: {يُرْضُونَكُم بأفواههم وتأبى قُلُوبُهُمْ} أي يقولون بألسنتهم كلامًا حلوًا طيبًا، والذي في قلوبهم بخلاف ذلك، فإنهم لا يضمرون إلا الشر والإيذاء إن قدروا عليه {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} وفيه سؤالان:
السؤال الأول: الموصوفون بهذه الصفة كفار.
والكفر أقبح وأخبث من الفسق، فكيف يحسن وصفهم بالفسق في معرض المبالغة في الذم.
السؤال الثاني: أن الكفار كلهم فاسقون، فلا يبقى لقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} فائدة.
والجواب عن الأول: أن الكافر قد يكون عدلًا في دينه، وقد يكون فاسقًا خبيث النفس في دينه، فالمراد هاهنا أن هؤلاء الكفار الذين من عادتهم نقض العهود {أَكْثَرُهُمْ فاسقون} في دينهم وعند أقوامهم، وذلك يوجب المبالغة في الذم.
والجواب عن الثاني: عين ما تقدم، لأن الكافر قد يكون محترزًا عن الكذب، ونقض العهد والمكر والخديعة، وقد يكون موصوفًا بذلك، ومثل هذا الشخص يكون مذمومًا عند جميع الناس وفي جميع الأديان، فالمراد بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} أن أكثرهم موصوفون بهذه الصفات المذمومة، وأيضًا قال ابن عباس: لا يبعد أن يكون بعض أولئك الكفار قد أسلم وتاب، فلهذا السبب قال: {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} حتى يخرج عن هذا الحكم أولئك الذين دخلوا في الإسلام. اهـ.

.قال السمرقندي:

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}؛ يقول: كيف تقاتلوهم.
ويقال: كيف يكون لهم عهد، وقد سبق في الكلام ما يدل على هذا الإضمار {وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} يقول: يغلبوا عليكم ويظفروا بكم.
{لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلًا وَلاَ ذِمَّةً}، يعني: لا يحفظوا فيكم قرابة ولا عهدًا.
وقال سعيد بن جبير: الإل هو الله.
وقال ابن عباس: الإل القرابة والذمة العهد.
وقال مجاهد: لا يرقبون الله ولا عهدًا.
وعن الضحاك أنه قال: الإل القرابة والذمة العهد.
{يُرْضُونَكُم بأفواههم}، يعني: بألسنتهم مثل قول المنافقين.
{على قُلُوبِهِمْ}، يعني: وتنكر قلوبهم يقولون قولًا بغير حقيقة.
{وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون}، يعني: عاصون بنقض العهد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}
مردود على الآية الأُولى تقديره: كيف يكون لهؤلاء عهودٌ وهم إن يظهروا عليكم يظفروا فيقتلوكم {لاَ يَرْقُبُواْ} قال ابن عباس: لا يحفظوا، وقال الاخفش: كيف لايقتلونهم، وقال الضحاك: لا ينتظروا، وقال قطرب: لا يراعوا {فِيكُمْ إِلًا} قال ابن عباس والضحاك: قرابة، وقال يمان: رحِمًا، دليله قول حسان:
لعمرك إنّ إلّك من قريش ** كإلّ السقب من رأل النعام

وقال قتادة: الإلّ: الحلف، دليله قول أوس بن حجر:
لولا بنو مالك والالّ من فيه ** ومالك فهم اللألاء والشرف

وقال السدّي وابن زيد: هو العهد، ولكنه لما اختلف اللفظان كرّر وإن كان معناهما واحدًا كقول الشاعر:
وألفى قولها كذبا ومينا

وهو إحدى الروايتين عن مجاهد يدلّ عليه قول الشاعر:
وجدناهُم كاذبًا إلّهم ** وذو الإلّ والعهد لا يكذب

وقيل: هو اليمين والميثاق، وقال أبو مجلز ومجاهد في ساير الروايات: الإلّ هو الله عز وجل، وكان عبيد بن عميرة يقرأ جبرإلّ بالتشديد، يعني عبد الله، وفي الخبر أنّ ناسًا قدموا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه من قوم المسلمين فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرأوا، فقال أبو بكر: إن هذا الكلام لم يخرج من إلّ.
والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة: لايرقبون في مؤمن ايلًا، بالياء يعني بالله عز وجل مثل جبرئيل وميكائيل {وَلاَ ذِمَّةً} عهدًا وجمعها ذمم، وقيل: تذممًا ممن لا عهد له {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ} يعطونكم ويرونكم بألسنتهم خلاف مافي قلوبهم مثل قول المنافقين {وتأبى قُلُوبُهُمْ} الإيمان {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} ناكثون ناقضون كافرون. اهـ.