فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ} الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار، وعهد اسم يكون، وفي خبره ثلاثة أوجه: الأوّل: أنه كيف، وقدم للاستفهام، والثاني: للمشركين، {وعند} على هذين: ظرف للعهد، أو ليكون، أو صفة للعهد؛ والثالث: أن الخبر عند الله، وفي الآية إضمار.
والمعنى: كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه، وقيل: معنى الآية: محال أن يثبت لهؤلاء عهد، وهم أضداد لكم مضمرون للغدر، فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدّثوا به أنفسهم، ثم استدرك، فقال: {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام} أي: لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم، فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم {فاستقيموا لَهُمْ} قيل: هم بنو بكر، وقيل: بنو كنانة وبنو ضمرة، وفي ما وجهان: أحدهما: أنها مصدرية زمانية، والثاني: أنها شرطية، وفي قوله: {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين، فيكون تعليلًا للأمر بالاستقامة.
قوله: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير، والتقدير: كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم {لاَ يَرْقُبُواْ} أي: لا يراعوا فيكم {إِلا}: أي عهدًا {وَلاَ ذِمَّةً}.
قال في الصحاح: الإلّ العهد والقرابة: ومنه قول حسان:
لعمرك أن إلك من قريش ** كإلّ السقب من رئل النعام

قال الزجاج: الإلّ عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة، ومنه الإلة للحربة، ومنه أذن مؤللة: أي محددة، ومنه قوله طرفة بن العبد يصف ناقته بالحدة والانتصاب:
مؤللتان يعرف العنق منهما ** كسامعتي شاة بحومل مفرد

قال أبو عبيدة: الإلّ العهد، والذمة والنديم.
وقال الأزهري: هو اسم لله بالعبرانية، وأصله من الأليل، وهو البريق، يقال ألّ لونه يوّلّ إلا: أي صفا ولمع، والذمة العهد، وجمعها ذمم، فمن فسر الإلّ بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين.
وقال أبو عبيدة: الذمة: التذمم.
وقال أبو عبيد: الذمة: الأمان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ويسعى بذمتهم أدناهم» وروي عن أبي عبيدة أيضًا أن الذمة ما يتذمم به: أي ما يجتنب فيه الذمّ.
قوله: {يُرْضُونَكُم بأفواههم} أي: يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم، طلبًا لمرضاتهم وتطييب قلوبكم، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه، وتودّ ما فيه مساءتكم ومضرتكم، كما يفعله أهل النفاق وذو الوجهين، ثم حكم عليهم بالفسق، وهو التمرّد والتجري، والخروج عن الحق لنقضهم العهود، وعدم مراعلتهم للعقود، ثم وصفهم بقوله: {اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلًا} أي: استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنًا قليلًا حقيرًا، وهو ما آثروه من حطام الدنيا {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} أي: فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق، أو صرفوا غيرهم عنه.
قوله: {لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًا وَلاَ ذِمَّةً} قال النحاس: ليس هذا تكريرًا، ولكن الأوّل: لجميع المشركين، والثاني: لليهود خاصة، والدليل على هذا {اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلًا} يعني: اليهود، وقيل: هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على الإطلاق، وفي الأوّل: المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة {وَأُوْلَئِكَ هُمُ المعتدون} أي: المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد، أو البالغون في الشرّ والتمرد إلى الغاية القصوى {فَإِن تَابُواْ} عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام، {فَإِخوَانُكُمْ} أي: فهم إخوانكم {فِى الدين} أي في دين الإسلام {وَنُفَصّلُ الآيات} أي: نبينها ونوضحها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} بما فيها من الأحكام ويفهمونه، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها، والمراد بالآيات ما مرّ من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم.
وقد أخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام} قال: قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد، نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مقاتل قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عاهد أناسًا من بني ضمرة بن بكر وكنانة خاصة، عاهدهم عند المسجد الحرام، وجعل مدتهم أربعة أشهر، وهم الذين ذكر الله: {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام فَمَا استقاموا لَكُمْ فاستقيموا لَهُمْ} يقول: ما وفوا لكم بالعهد ففوا لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ قال: هم بنو جذيمة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام} قال: هو يوم الحديبية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِلًا وَلاَ ذِمَّةً} قال: الإلّ: القرابة، والذمة: العهد.
وأخرج الفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد قال: الإلّ الله عزّ وجلّ.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ، عن عكرمة مثله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلًا} قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {فإن تابوا} الآية يقول: إن تركوا اللات والعزّى، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإخوانكم في الدين.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: حرّمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} يقول: إن تركوا اللات والعزى، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فاخوانكم في الدين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فإِخوَانُكُم}
خبرُ مبتدأ محذوف، أي: فهم إخوانكم، والجملةُ الاسمية في محلِّ جزمٍ على جواب الشرط، و{فِي الدِّينِ} متعلِّقٌ بـ {إخْوانُكُمْ} لِمَا فيه من معنى الفعل. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
معناه: وإن قبلناهم وصَلُحُوا لولائنا فَلُحْمَةُ النّسَبِ في الدِّين بينكم وبينهم وشيجة، وإلا فليكن الأجانبُ مِنا على جانبٍ منكم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (12):

قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين السبب الموجب لمجازاتهم بجنس عملهم، وهو البراءة منهم وما يتبع ذلك إلى أن ختم بتقدير توبتهم، رجع إلى قسيم قوله: {فما استقاموا لكم} فقال: {وإن نكثوا أيمانهم} أي التي حلفوها لكم؛ ولما كان النقض ضارًا وإن قصر زمنه، أتى بالجار فقال: {من بعد عهدهم} أي الذي عقدوه {وطعنوا} أي أوقعوا الطعن {في دينكم} أي بقول أو فعل.
ولما كان هذا الفعل لا يستقل به في الأغلب إلا الرؤساء، أشار إلى ذلك بقوله: {فقاتلوا} ووضع موضع ضميرهم تحريضًا على قتالهم وإشارة إلى أنهم ما نكثوا وأقدموا على هجنة الكذب ولم يستهجنوا الخروج عن عادات الكرام إلا وقد رسخوا في الكفر فقال: {أئمة الكفر} ثم أشار- بقوله معللًا لجواز المقاتله: {إنهم لا أيمان لهم} إلى أن ذلك ولو فعله الأتباع ولم يكفهم الرؤساء فهو عن تمال منهم فابدؤوا بالرءوس فاقطعوها تنقطع الأذناب، وقراءة ابن عامر بالكسر معناها: لا أمان لهم لأنهم قد نقضوا العهد الموجب له بما وقع منهم، ومن طعن من أهل الذمة في الإسلام طعنًا ظاهرًا جاز قتله، فإن العهد مأخوذ عليه أن لا يطعن، ثم علل المقاتله بقوله: {لعلهم ينتهون} أي اجعلوا قصدكم لقتالهم أن يكون حالهم حال من ينتهي عن غيه بما يرى منكم من صادق الجد بماضي الحد، روى البخاري في التفسير عن حذيفة- رضى الله عنهم- قال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة احدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده. اهـ.