فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم} نقضوا عهودهم، الأيمان جمع يمين بمعنى: الحلف.
{مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} عقدهم.
يعني: مشركي قريش.
قال الأكثرون: المرادُ: نكثهم لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: المرادُ: حمل العهد على الإسلام، ويؤيدهُ قراءة من قرأ {وإن نكثُوا إيمانَهُم} بكسر الهمزة والأول أولى، للقراءة المشهورة؛ ولأنَّ الآية وردت في ناقضي العهد، وقوله: {وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه، وهذا دليلٌ على أنَّ الذِّمِّي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرًا لا يَبْقَى له عهد.
قوله: {فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر} أي: متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {أئِمَّة} بهمزتين ثانيتهما مُسهَّلة بَيْنَ بَيْنَ، ولا ألف بينهما.
والكوفيون وابن ذكوان عن ابن عامر بتحقيقهما، من غير إدخال ألف بينهما، وهشام كذلك، إلاَّ أنَّه أدخل بينهما ألفًا، هذا هو المشهور بين القراء السبعة، وفي بعضها كلامٌ يأتي إن شاء الله تعالى، ونقل أبو حيان عن نافع ومن معه، أنَّهم يبدلون الثانية ياء صريحة، وأنَّهُ قد نُقِلَ عن نافعٍ المدُّ بينهما، أي: بين الهمزة والياء.
فأمَّا قراءةُ التحقيق، وبينَ بينَ، فقد ضعَّفها جماعةٌ من النحويين، كأبي علي الفارسي، وتابعيه، ومن القرَّاء أيضًا من ضعَّف التَّحقيق مع روايته له وقراءتِهِ به لأصحابه، ومنهم من أنكر التسهيل بينَ بينَ، فلم يقرأ به لأصحاب التخفيف، وقرءوا بياء خفيفة الكسر، نَصُّوا على ذلك في كتبهم، وأمَّا القراءةُ بالياء فهي التي ارتضاها الفارسيُّ، وهؤلاء الجماعة؛ لأنَّ النُّطقَ بالهمزتين في كلمة واحدة ثقيل، وهمزة بينَ بينَ بزنة المخففة.
والزمخشري جعل القراءة بصريح الياء لَحْنًا، وتحقيق الهمزتين غير مقبولٍ عند البصريين، قال: فإن قلت: كيف لفظ أئمة؟ قلت: بهمزة بعدها همزةُ بين بين، أي: بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة، وإن لم تكنْ مقبولةً عند البصريين، وأمَّا التصريحُ بالياء فلا يجوزُ أن تكون، ومن قرأ بها فهو لاحن مُحرِّفٌ.
قال أبُو حيَّان: وذلك دَأبه في تلحين المقرئين، وكيف يكون لحنًا، وقد قرأ بها رَأسُ النُّحاة البصريين أبو عمرو بن العلاءِ، وقارئ أهْلِ مكة ابنُ كثير، وقارئ أهل المدينة نافعٌ؟
قال شهابُ الدِّين: لايُنقَمُ على الزمخشريُّ شيءٌ، فإنه إنَّما قال: إنَّها غيرُ مقبولة عند البصريين، ولا يلزم من ذلك أنه لا يقبلها، غاية ما في الباب أنَّه نقل عن غيره، وأمَّا التصريحُ بالياء فإنَّه معذورٌ فيه، لما تقدَّم من أنه اشتُهِر بين القراء التسهيل بين بين، لا الإبدال المحض، حتَّى إنَّ الشَّاطبي جعل ذلك مذهبًا للنحويين، لا للقراء، فالزمخشري إنما اختار مذهب القراء لا مذهب النُّحاة في هذه اللَّفظة.
وقد رَدَّ أبو البقاء قراءة التَّسهيل بينَ بينَ، فقال: ولا يجوزُ هنا أن تجعل بين بين، كما جعلت همزة أئذا؛ لأنَّ الكسرة هنا منقولة، وهناك أصليةٌ، ولو خُفِّفت الهمزةُ الثانية على القياس لقُلبت ألفًا، لانفتاح ما قبلها، ولكن تُرِكَ ذلك لتتحرك بحركةِ الميم في الأصل.
قال شهابُ الدِّين قوله منقولةٌ لا يُفيد؛ لأنَّ النقل هنا لازم، فهو كالأصل، وقوله ولوْ خُفِّفَتْ على القياس إلى آخره، لا يُفيد أيضًا؛ لأنَّ الاعتناء بالإدغام سابقٌ على الاعتناء بتخفيف الهمزة.
ووزن {أئِمَّة} أفْعِلة، لأنَّها جمع إمام كحمار وأحْمِرة والأصل: أأمِمَة فالتقى ميمان، فأريد إدغامهما فنُقلت حركةُ الميم الأولى للسَّاكن قبلها، وهو الهمزة الثانية، فأدَّى ذلك إلى اجتماع همزتين ثانيتهما مكسورة، فالنحويون البصريون يوجبون إبدال الثانية ياء، وغيرهم يحقق، أو يسهِّل بين بين، ومنْ أدخلَ الألف فللخفَّة حتى يُفَرِّق بين الهمزتين، والأحسنُ أن يكون ذلك في التحقيق، كما قرأ هشام، وأمَّا ما رواه أبو حيان عن نافع من المدِّ مع نقله عنه أنَّه يصرِّح بالياء فللمبالغة في الخفة.
قوله: {لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} قرأ ابنُ عامر {لا أيمان} بكسر الهمزة، وهو مصدرُ آمَن يُؤمن إيمانً.
هل هو من الأمان؟ وفي معناه حينئذٍ وجهان:
أحدهما: أنهم لا يؤمنون في أنفسهم، أي: لا يُعطون أمانًا بعد نُكثهم وطعنهم، ولا سبيل إلى ذلك.
والثاني: الإخبار بأنهم لا يُوفُون لأحدٍ بعهدٍ يعقدُونَه له، أو من التصديق أي: إنَّهم لا إسلام لهم، واختار مكيٌّ التأويل الأوَّل، لما فيه من تجديد فائدة لمْ يتقدَّم لها ذكرٌ؛ لأنَّ وصفهم بالكفر وعدم الإيمان قد سَبَقَ وعُرِف.
وقرأ الباقون بالفتح، وهو جمعُ يمين وهذا مناسب للنكث، وقد أُجمع على فتح الثَّانية، ويعني نفي الأيمان عن الكُفَّارِ، أنَّهم لا يُوفُون بها وإن صدرتْ منهم وثَبتَتْ؛ وهذا كقول الآخر: [الطويل]
وإِنْ حَلَفْتَ لا يَنْقُضُ النَّأيُ عَهْدَهَا ** فَليْسَ لِمخْضُوبِ البَنَانِ يَمِينُ

وبذلك قال الشَّافعي، وحمله أبو حنيفةَ على حقيقته أنَّ يمين الكافرِ لا تكونُ يمينًا شرعيةً، وعند الشافعي يمينٌ شرعيةٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
إذا جنحوا إلى الغَدْرِ، ونكثوا ما قدَّموه من ضمان الوفاء بالعهد، وبسطوا ألسنتَهم فيكم باللوم فاقصدوا مَنْ رحى الفتنةِ عليه تدور، وغُصْنُ الشَّرِّ مِنْ أَصْلِه يَتَشَعَّبُ، وهم سادةُ الكفار وقادتهم.
وحقُّ القتالِ إعدادُ القوةِ جهرًا، والتبرِّي عن الحول والقوة سِرًّا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (13):

قوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نفى أيمانهم بنفي إيمانهم، شرع يقيم الدليل على ذلك بأمور ارتكبوها، كل منها بسبب باعث على الإقدام عليهم، ويحث على قتالهم في صورة تعجيب ممن يتواني فيه فقال: {ألا} وهو حرف عرض، ومعناه هنا الحض لدخول همزة الإنكار على النافي فنفته فصار مدخولها مثبتًا على سبيل الحث عليه فهو ابلغ مما لو أثبت بغير هذا الأسلوب {تقاتلون قومًا} أي وإن كانوا ذوي منعة عظيمة {نكثوا أيمانهم} أي في قصة عاصم وأصحابه والمنذر وأصحابه والإعانة على خزاعة وغير ذلك، فكان النكث لهم عادة وخلقًا، وهذا يدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم ليكون ذلك زاجرًا عن النقض، وكانت قصة خزاعة أنه كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة قتل في الجاهلية، وكانت خزاعة قد دخلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية لما كان لهم فيه من المحبة من مسلمهم وكافرهم لما بينهم من الحلف- كما تقدم آخر الأنفال، ودخلت بنو بكر في عهد قريش فمرت على ذلك مدة، ثم إن أنس بن زنيم الديلي هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه غلام من خزاعة فوقع به فشجه فخرج إلى قومه فأراهم شجته فثار الشر مع ما كان بينهم، وما تطلب بنو بكر من خزاعة من دمائها، فكلمت بنو نفاثة من بني بكر أشراف قريش فوجدوا القوم إلى ذلك سراعًا فأعانوهم بالسلاح والكراع والرجال، فخرج نوفل بن معاوية الديلي وهو يومئذ قائدهم؛ قال ابن إسحاق: وليس كل بني بكر بايعه- وقال الواقدي: واعتزلت بنو مدلج فلم ينقضوا العهد- حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم، فأصابوا منهم رجلًا وتجاوزوا واقتتلوا وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيًا متنكرين منتقبين: صفوان بن أمية ومكرز بن حفص بن الأخيف وحويطب بن عبد العزى وعكرمة بن أبي جهل وأجلبوا معهم أرقاءهم، وكانت خزاعة آمنة لمكان العهد والموادعة.
ولما ذكرهم بمطلق نكثهم في حقهم عامة، وذكرهم بما خصوا به سيدهم بل سيد الخلق كلهم فقال: {وهموا بإخراج الرسول} أي من مكة في عمرة القضاء، بل أمروه بالخروج عند انقضاء الثلاثة الأيام وألحو في ذلك وهو وإن كان قاضاهم على ذلك، لكن قد نقل ابن إسحاق وغيره في قصة النداء بسورة براءة أنه كان في القضية والعهد الذي كان بينه وبينهم أن لا يمنع من البيت أحد جاءه زائرًا، ولعلهم هموا بإخراجه قبل الثلاثة الأيام لما داخلهم من الحسد عند ما عاينوا من نشاط أصحابه وكثرتهم وحسن حالهم، وذلك غير بعيد من أفعالهم، وإظهارهم التبرؤ به صلى الله عليه وسلم حتى اجترؤوا- وهو أعلى الخلق مقدارًا، وأظهرهم هيئة وأنوارًا وأطهرهم رسومًا وآثارًا- على الإلحاح عليه في الخروج من بلد آبائه وأجداده الذين هم أحقهم بها ومسقط رأسه وموضع مرباه، ولكن لم أراه مصرحًا به، وهوعندي على ما فيه أولى مما ذكروه من الهم بإخراجه عند الهجرة على ما لا يخفى، أو يكون المراد ما همّ به ابن أبي المنافق ومن تابعه من أصحابه من إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة حيث قال في غزوة المريسيع: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الذل بعد إعطائهم العهود على الإيواء والنصرة والإسلام، وذلك لتذكير المؤمنين بمسارعتهم إلى النقض بعد أن أثبت أنهم في الالتحام في كيد الإسلام كالجسد الواحد، فكأنه يقول: إذا ترك هؤلاء إيمانهم فاولئك أحرى أن ينقضوا أيمانهم، وهو بعث للمؤمنين على التبرؤ من الكافرين منافقين كانوا أو مجاهرين مقاربين أو مباعدين.
ولما ذكرهم بالخيانة عامة وخاصة، أتبعها ما حققها بالقتال فقال: {وهم بدءوكم} أي بتطابق من ضمائرهم وظواهرهم {أول مرة} أي بالقتال والصد في الحديبية بعد إخباركم إياهم بأنكم لم تجيئوا للقتال وأنكم ما جئتم إلا زوارًا للبيت الحرام الذي الناس فيه سواء وأنتم أحق به منهم، وذلك أول بالنسبة إلى هذا الثاني مثل قوله: {إنكم رضيتم بالقعود أول مرة} وقال بعض المفسرين: المراد بأول مرة قتالهم خزاعة، وهو واضح لأنه بعد عقد الصلح، وقيل: في بدر بعد ما سلمت عيرهم وقالوا: لا نرجع حتى نستأصل محمدًا وأصحابه، وقيل: المراد به مطلق القتال لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم بالكتاب المنير ودعاهم بغاية اللين، وتحداهم به عند التكذيب، فعدلوا عن ذلك إلى القتال فهم البادئون البادئ أظلم.
ولما أمرهم بالقتال وكان مكرهًا إلى النفوس على كل حال.
شرع يبين الأسباب الحاملة على التواني عن قتالهم، وحصرها في في الخشية والعاطفة، وقسم العاطفة إلى ما سببه القرب في محاسن الأفعال وإلى ما سببه القرب في النسب والصهر، ونقض الكل وبين أنه لا شيء منها يصلح للسببية، فقال بادئًا بالخشية لأنها السبب الأعظم في ترك المصادمة منكرًا عليهم موبخًا لهم ليكون أبلغ في الحث على قتالهم منبهًا على أن التواني عنهم مصحح للوصف بالجبن ورقة الدين: {أتخشونهم} أي أتخافون أن يظفرون بكم في القتال بأن يكونوا على باطلهم أشد منكم على حقكم {فالله} أي الذي له مجامع العظمة {أحق} أي منهم {أن تخشوة} أي بأن يكون مخشيًا لكم لما تعلمون من قدرته في أخذه لمن خالفه ولو بعد طول الأناة {إن كنتم مؤمنين} أي فإن من صدق بانه الواحد الذي تفرد بصفات العظمة لم ينظر إلى غير هيبته. اهـ.