فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال شارح الجزولية أبو محمد بن الموفق: لما كانت للرجاء دخلها معنى الإنشاء فلم تتصرف، لأن تصرفها ينافي الإنشاء لأنها إذا تصرفت دلت على الخبر فيما مضى والحال والاستقبال، وذلك ينافي معنى الإنشاء الذي لا يصلح لماض ولا مستقبل، وقال بعض المتأخرين: عسى موضوعة لفعل يتوهم كونه في الاستقبال وهو على لفظ الماضي فاحتيج إلى أن بعده إذ لا مستقبل له، وذهب بعضهم إلى أن عسى حرف لعدم تصرفها ولا معناها في غيرها، والصحيح أنها فعل لفظًا ومعنى، أما لفظًا فظاهر، أي للحاق الضمائر وتاء التأنيث الساكنة، وأما معنى فلأنه إخبار عن طمع وقع للمتكلم، وجعل لفظها بلفظ الماضي لأن الطمع قد وقع، وإنما المطموع هو الذي يتوقع وينتظر، وأدخل أن على المطموع فيه لأنه لم يقع بعد، وجردت أخواتها عن أن لأن خبرها محقق في الحال إذ قد شرع فيه إلا كاد فإنها للمقاربة في الجملة؛ وقال ابن هشام المصري في توضيحه: ويجب كون خبرها جملة، وشذ كونه مفردًا نحو عسى الغوير أبؤسًا، ويكون الاسم مرفوعًا بعسى وأن، والفعل في موضع نصب على الخبر، وقال الرضى: إنما لم يتصرف في عسى لتضمنها معنى الحرف، أي إنشاء الطمع والرجاء، وقوله: أبؤسًا وصائمًا، لتضمن عسى معنى كان فأجري مجراه ومذهب المتأخرين أن عسى ترفع الاسم وتنصب الخبر ككان، وقال أبو طالب العبدي في شرح الإيضاح للفارسي: الأفعال موضوعة للتصرف من حيث كانت مقسمة بأقسام الزمان، ولولا ذلك لأغنيت المصادر عنها، ولهذا قال سيبوبة فأما الأفعال فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء فبنيت لما مضى ولما يكون ولما هو كائن لم ينقطع، ولما خالفت هذه الأفعال- يعني عسى ونعم وبئس وفعل التعجب- سائر الأفعال في الدلالة ترك تصرفها أبدًا بما أريدت له من المبالغة فيما جعلت دالة عليه، فمعنى عسى الطمع والإشقاق- كذا قال سيبوية، ولما اختصت بهذا المعنى ترك تصرفها، قال الرماني: منعت ذلك حملًا على لعل كما حملت ما على ليس والأول أولى لأنه ليس ينبغي أن يحمل باب الأفعال على الحروف، ولأن الأفعال في بابها بمنزلة الحروف في بابها في لزوم البناء، وإنما الأسماء تحمل عليها كما تقول في قطام وحزام: إنه بني لوقوعه موقع الفعل، وأن أسماء الاستفهام بنيت لوقوعها موقع الحرف ولا تقول في الأفعال إنها بنيت حملًا على الحروف ولا الحروف بنيت حملًا على الأفعال، بل كل منهما أصل فكذلك التصرف، ليس امتناعه لحمله على الحرف وجريه مجراه، وعسى من أخوات كان وإنما لم تذكر معها للمخالفة بترك التصرف وبلزوم أن الخبر وبكون فعلًا، ويدل على أنها من أخوات كان عسى الغوير أبؤسًا، فقد انكشف الأصل كما انكشف أصل أقام وأطال ونحوه بقوله:
صددت وأطولت الصدود وقلما ** وصل على طول الصدود يدوم

ولزوم الفعل بخبرها لجعله عوضًا من التصرف الذي كان ينبغي أن يكون لها، وأما لزوم أن فلما أريد من صرف الكلام إلى تأويل الاستقبال لأن أن تخلص إليه، والبيت الممثل به فيه شيء طريف، وهو مصدر مجموع واقع موقع مصدر واقع موقع فعل، والمصادر في أصلها لا تجمع ولكنه ضرورة ومثل، فالأصل أن بأس ثم أبؤسًا- انتهى كلام العبدي، وعندي أنه عند ما يقوى المعنى الذي سقيت له من طمع أو إشفاق يجعل خبرها اسمًا تنبيهًا على أنها الآن بمنزلة كان لما اشتد من شبهها لها بذلك؛ قال أبو طالب: وإذا وليها أن والفعل كان في موضع رفع، وسد طول الكلام مسد الخبر، ومعناها الذي هو الإشفاق والطمع قريب من المقاربة في كاد، فلذلك حذف أن من خبرها حملًا لها على كاد كما جوزوا دخول أن في خبر كاد حملًا لها على عسى؛ وقال شارح الجزولية: وحذف أن من خبر عسى أكثر من إلحاق أن في خبر كاد لمقاربة كاد ذات الفعل، وأن تنافي ذلك، قال: ومن الفرق بينهما أن عسى لا يضمر فيها ضمير الشأن والقصة لشبهها بالحرف لعدم تصرفها، وتضمر في كاد لتصرفها، ثم رجح أنه يضمر فيها وإن لن تتصرف كما أضمر في نعم وبئس وقال ابن هشام الخضراوي في شرح الإيضاح أيضًا: إن سيبويه قدر عسى بقارب، أي فترفع وتنصب لأن قارب متعد، وقدرها بقرب، أي فلا تنصب لعدم تعديه، قال: ولا تدخل عسى على الماضي؛ قال أبو علي: لأنها للاستقبال المحض ولذلك وقع بعدها أن فلا تصلح للماضي بوجه؛ وقال شارح الجزولية: عسى لها مع الظاهر مذهبان: أحدهما أن تكون ناقصة بمعنى كان الناقصة، تحتاج إلى اسم وخبر إلا أنه يشترط في خبرها أن يكون فعلًا، وأصله أن يكون اسمًا مثل خبر كان إلا أنه عدل عنه إلى الفعل تنبيهًا على الدلالة على ما هو المقصود من الرجاء وتقوية لما يفيده الرجاء من الاستقبال، وشبهت في هذا الوجه بقارب زيد الخروج تحقيقًا لبيان الإعراب لا في المعنى، لأن قارب زيد الخروج ليس فيه إنشاء رجاء ولا غيره، وإنما هو تمثيل لتقدير الإعراب اللفظي لأنه أصلها أن تكون كذلك، وإنما طرأ عليها إنشاء الرجاء كما كان ذلك في التعجب ونعم وبئس وغيرهما؛ والمذهب الثاني أن تأتي تامة فتستعمل استعمال قرب فتدخل على أن مع الفعل فتقول: عسى أن يقوم زيد، واستغنى فيها- بأن والفعل- عن الخبرين كما استغنى في ظننت أن يقوم زيد عن المفعولين، وذلك لاشتماله على مسند ومسند إليه، وهو المقصود بهذه الأفعال، فإذا قلت: زيد عسى أن يقوم، احتمل أن تكون الناقصة فيكون فيها ضمير يعود على زيد هو اسمها وأن مع الفعل خبرها، ويحتمل أن تكون التامة فلا يكون فيها ضمير وكون أن مع الفعل فاعلها؛ وقال ابن الخباز الموصلي في كتابه النهاية في شرح كفاية الكفاية: عسى للطمع للمبالغة في الطمع، فلا يكون خبرها ماضيًا لأن معناها الرجاء والطمع، والماضي لا يطمع فيه ولا يرجى لحصوله، واستدل على أنها لا تستعمل إلا في المستقبل بقول بعض شعراء الحماسة:
عسى طيء من طيء بعد هذه ** ستطفيء غلات الكلى والجوانح

فأتى بالسين لأنه لم يمكنه الإتيان بأن في الشعر؛ وقال شارح الجزولية ما معناه: إنه التزم في خبرها الفعل للدلالة على الاستقبال وألزم أن تقوية لذلك، ولهذا لم يكن خبرها اسمًا وإن كان أصله أن يكون اسمًا إذ لا دلالة للاسم على الزمان، ولم يوضع مكانها السين وسوف لأنهما يدلان على تنفيس في الزمان والغرض هنا تقريبه، وقد يجيء في الشعر قليلًا- وأنشد البيت المذكور؛ وقال ابن الخباز: ودخول الاستفهام عليها يؤذن بأنها ليست للطمع لأن الاستفهام لا يدخل على الطمع ولا على ما ليس بخبر، فدخول هل عليها مما يؤذن بأنها خبر- انتهى.
فتفسيرها بما ذكرته- من أنها لما يمكن أن يكون وهو خليق بأن يكون- أول، ويكون الطمع لازمًا لمضمون الكلام لا أنه مدلولها بالمطابقة- والله الموفق. اهـ.

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى لما بين أن الكافر ليس له أن يشتغل بعمارة المسجد، بين أن المشتغل بهذا العمل يجب أن يكون موصوفًا بصفات أربعة:
الصفة الأولى: قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر} وإنما قلنا إنه لابد من الإيمان بالله لأن المسجد عبارة عن الموضع الذي يعبد الله فيه، فما لم يكن مؤمنًا بالله، امتنع أن يبني موضعًا يعبد الله فيه، وإنما قلنا إنه لابد من أن يكون مؤمنًا بالله واليوم الآخر لأن الاشتغال بعبادة الله تعالى إنما تفيد في القيامة، فمن أنكر القيامة لم يعبد الله، ومن لم يعبد الله لم يبن بناء لعبادة الله تعالى.
فإن قيل: لم لم يذكر الإيمان برسول الله؟
قلنا فيه وجوه: الأول: أن المشركين كانوا يقولون: إن محمدًا إنما ادعى رسالة الله طلبًا للرياسة والملك، فههنا ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وترك النبوة كأنه يقول مطلوبي من تبليغ الرسالة ليس إلا الإيمان بالمبدأ والمعاد، فذكر المقصود الأصلي وحذف ذكر النبوة تنبيهًا للكفار على أنه لا مطلوب له من الرسالة إلا هذا القدر.
الثاني: أنه لما ذكر الصلاة، والصلاة لا تتم إلا بالأذان والإقامة والتشهد، وهذه الأشياء مشتملة على ذكر النبوة كان ذلك كافيًا.
الثالث: أنه ذكر الصلاة، والمفرد المحلى بالألف واللام ينصرف إلى المعهود السابق، ثم المعهود السابق من الصلاة من المسلمين ليس إلا الأعمال التي كان أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ذكر الصلاة دليلًا على النبوة من هذا الوجه.
الصفة الثانية: قوله: {وأقام الصلاة} والسبب فيه أن المقصود الأعظم من بناء المساجد إقامة الصلوات، فالإنسان ما لم يكن مقرًا بوجوب الصلوات امتنع أن يقدم على بناء المساجد.
الصفة الثالثة: قوله: {وآتى الزكاة}.
واعلم أن اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في عمارة المسجد كأنه يدل على أن المراد من عمارة المسجد الحضور فيه، وذلك لأن الإنسان إذا كان مقيمًا للصلاة فإنه يحضر في المسجد فتحصل عمارة المسجد به، وإذا كان مؤتيًا للزكاة فإنه يحضر في المسجد طوائف الفقراء والمساكين لطلب أخذ الزكاة فتحصل عمارة المسجد به.
وأما إذا حملنا العمارة على مصالح البناء فإيتاء الزكاة معتبر في هذا الباب أيضًا لأن إيتاء الزكاة واجب وبناء المسجد نافلة، والإنسان ما لم يفرغ عن الواجب لا يشتغل بالنافلة والظاهر أن الإنسان ما لم يكن مؤديًا للزكاة لم يشتغل ببناء المساجد.
والصفة الرابعة: قوله: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله} وفيه وجوه: الأول: أن أبا بكر رضي الله عنه بنى في أول الإسلام على باب داره مسجدًا وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن والكفار يؤذونه بسببه، فيحتمل أن يكون المراد هو تلك الحالة، يعني إنا وإن خاف الناس من بناء المسجد إلا أنه لا يلتفت إليهم ولا يخشاهم ولكنه يبني المسجد للخوف من الله تعالى.
الثاني: يحتمل أن يكون المراد منه أن يبني المسجد لا لأجل الرياء والسمعة وأن يقال إن فلانًا يبني مسجدًا، ولكنه يبنيه لمجرد طلب رضوان الله تعالى ولمجرد تقوية دين الله.
فإن قيل: كيف قال: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله} والمؤمن قد يخاف الظلمة والمفسدين؟
قلنا: المراد من هذه الخشية الخوف والتقوى في باب الدين، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره.
اعلم أنه تعالى قال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءَامَنَ بالله} أي من كان موصوفًا بهذه الصفات الأربعة وكلما وردت {إِنَّمَا} تفيد الحصر وفيه تنبيه على أن المسجد يجب صونه عن غير العبادة فيدخل فيه فضول الحديث وإصلاح مهمات الدنيا.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتي في آخر الزمان أناس من أمتي يأتون المساجد يقعدون فيها حلقًا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم، فليس لله بهم حاجة». وفي الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش». قال عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى: «إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زواري فيها عمارها طوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره». وعنه عليه الصلاة والسلام: «من ألف المسجد ألفه الله تعالى». وعنه عليه الصلاة والسلام: «إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان». وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسرج في مسجد سراجًا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوؤه». وهذه الأحاديث نقلها صاحب الكشاف.
ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأوصاف قال: {فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين} وفيه وجوه: الأول: قال المفسرون: {عَسَى} من الله واجب لكونه متعاليًا عن الشك والتردد.
الثاني: قال أبو مسلم: {عَسَى} هاهنا راجع إلى العباد وهو يفيد الرجاء فكان المعنى إن الذين يأتون بهذه الطاعات إنما يأتون بها على رجاء الفوز بالاهتداء لقوله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] والتحقيق فيه أن العبد عند الإتيان بهذه الأعمال لا يقطع على الفوز بالثواب، لأنه يجوز على نفسه أنه قد أخل بقيد من القيود المعتبرة في حصول القبول.
والثالث: وهو أحسن الوجوه ما ذكره صاحب الكشاف وهو أن المراد منه تبعيد المشركين عن مواقف الاهتداء، وحسم أطماعهم في الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها، فإنه تعالى بين أن الذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع وضموا إليها الخشية من الله، فهؤلاء صار حصول الاهتداء لهم دائرًا بين لعل وعسى فما بال هؤلاء المشركين يقطعون بأنهم مهتدون ويجزمون بفوزهم بالخير من عند الله تعالى وفي هذا الكلام ونحوه لطف بالمؤمنين في ترجيح الخشية على الرجاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

.المسألة الْأُولَى: [في الشَّهَادَة لَعُمَّار الْمَسَاجِدِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ صَحِيحَةٌ]:

دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَعُمَّار الْمَسَاجِدِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ رَبَطَهَا بِهَا، وَأَخْبَرَ عَنْهَا بِمُلَازَمَتِهَا، وَالنَّفْسُ تُطَمْئِنُ بِهَا وَتَسْكُنُ إلَيْهَا، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الصَّلَاحِ لَيْسَ فِي مَقَاطِعِ الشَّهَادَاتِ، فَلَهَا وُجُوهٌ، وَلِلْعَارِفِينَ بِهَا أَحْوَالٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ كُلُّ أَحَدٍ بِمِقْدَارِ حَالِهِ وَعَلَى مُقْتَضَى صِفَتِهِ؛ فَمِنْهُمْ الذَّكِيُّ الْفَطِنُ الْمُحَصِّلُ لِمَا يَعْلَمُ اعْتِقَادًا وَإِخْبَارًا، وَمِنْهُمْ الْمُغَفَّلُ؛ فَكُلُّ أَحَدٍ يَنْزِلُ عَلَى مَنْزِلَتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى صِفَتِهِ.