فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

.المسألة الأولى: [في بَيَانِ فَضْلِ الْجِهَادِ]:

قَوْله تعالى: {قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}: هَذَا بَيَانُ فَضْلِ الْجِهَادِ، وَإِشَارَةٌ إلَى رَاحَةِ النَّفْسِ وَعَلَاقَتِهَا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيَانِ حَالِ مَنْ تَرَكَ الْهِجْرَةَ، وَآثَرَ الْبَقَاءَ مَعَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةَ مَقَاعِدَ: قَعَدَ لَهُ فِي طَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَتَذَرُ دِينَك وَدِينَ آبَائِك وَتُسْلِمَ. فَخَالَفَهُ وَأَسْلَمَ. وَقَعَدَ لَهُ فِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَذَرُ أَهْلَك وَمَالَك فَتُهَاجِرَ، فَخَالَفَهُ ثُمَّ هَاجَرَ. وَقَعَدَ لَهُ فِي طَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ لَهُ: تُجَاهِدُ فَتُقْتَلُ، وَتُنْكَحُ أَهْلُك، وَيُقْسَمُ مَالُك، فَخَالَفَهُ فَجَاهَدَ فَقَتَلَ. فَحَقَّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».

.المسألة الثانية: [في العشيرة]:

الْعَشِيرَةُ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَبْلُغُ عِقْدَ الْعَشَرَةِ، فَمَا زَادَ.
وَمِنْهُ الْمُعَاشَرَةُ، وَهِيَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْعَزْمِ الْكَثِيرِ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أَيْ اقْتَطَعْتُمُوهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالْكَسَادُ: نُقْصَانُ الْقِيمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ: لَا يَتْبَعُنِي رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، أَوْ بَنَى دَارًا وَلَمْ يَسْكُنْهَا. الْحَدِيثَ.

.المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}:

قَوْلُهُ: {فَتَرَبَّصُوا} صِيغَتُهُ الْأَمْرُ، وَمَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ، وَأَمْرُ اللَّهِ الَّذِي يَأْتِي فَتْحُ مَكَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَعْنَى الْآيَةِ الْهِجْرَةُ، وَيَكُونُ أَمْرُ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ الَّتِي تُنْزِلُ بِهِمْ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ، حَتَّى يَغْزُوَهُمْ الْعَدُوُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ، وَيَسْلُبَهُمْ أَمْوَالَهُمْ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإخوانكم وأزواجكم وَعَشِيرَتُكُمْ} يعني: قومكم.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {وعَشِيرَاتُكُمْ} بالألف بلفظ الجماعة، وقرأ الباقون بغير ألف.
{وَعَشِيرَتُكُمْ وأموال اقترفتموها}، يعني: اكتسبتموها بمكة، {وتجارة تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا}؛: تخشون أن تبقى عليكم فلا تنفق، {ومساكن تَرْضَوْنَهَا} يعني: منازلكم التي بمكة تعجبكم الإقامة فيها، {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ الله وَرَسُولِهِ}؛ يعني: أن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة، {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ}؛ يعني: في طاعة الله تعالى؛ {فَتَرَبَّصُواْ}، يعني: فانتظروا، {حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ}، يعني: فتح مكة، ويقال: الموت والقيامة.
وقال الضحاك: حتى يأتي الله بأمره، يعني: حتى يأمر الله بقتال آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم ثُمَّ قال: {والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين}.
وهذا وعيد من الله تعالى للذين لم يهاجروا، ويقال: من أول سورة براءة إلى قوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وءاتوا الزكواة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11] نزلت بعد فتح مكة.
ثم من قوله: {وَإِن نكثوا أيمانهم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ في دِينِكُمْ فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر إِنَّهُمْ لاَ أيمان لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة: 12] إلى هاهنا كان نزل قبل فتح مكة فوضع هاهنا.
ثم ما بعد هذا، نزل بعد فتح مكة وهو قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}؛ وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَءاتَوُاْ الزكواة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 5]، فأمرهم الله تعالى بأن يقاتلوا ويتوكلوا على الله، ويطلبوا النصرة منه، ولا يعتمدوا على الكثرة والقلة، لأن النصرة من الله تعالى؛ فذلك قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ}
ثم قال: {قُلْ} يا محمد للمتخلّفين عن الهجرة والجهاد {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} وقرأ أبو رجاء ويعقوب وعشيراتكم بالألف على الجمع واختلف فيه عن عاصم {وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} اكتسبتموها وقال قتادة: اكتسبتموها {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} وهو ضد النفاق وأصله البقاء. قال الشاعر:
كسدن من الفقر في قومهن ** وقد زادهن مقامي كسودا

{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} (تعجبكم) قال السدي: يعني القصور والمنازل {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} قال عطاء: بقضائه، وقال مجاهد ومقاتل: يعني فتح مكة {والله لاَ يَهْدِي} لا يُرشد ولا يوفّق {القوم الفاسقين} الخارجين من طاعته إلى معصيته. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قُلْ إِن كَانَ ءَآبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} يعني اكتسبتموها.
{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} فيها وجهان:
أحدهما: أنها أموال التجارات إذا نقص سعرها وكسد سوقها.
والثاني: أنهن البنات الأيامى إذا كسدن عند آبائهن ولم يخطبن.
{وَمَسَاكِنَ تَرْضَونَهَا} وهذا نزل في قوم أسلموا بمكة فأقاموا بها ولم يهاجروا إِشفاقًا على فراق ما ذكره الله تعالى ميلًا إليه وحبًّا له فذمهم الله تعالى على ذلك وقال: {... فَتَربَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد.
والثاني: حتى يأتي الله بأمره من عقوبة عاجلة أو آجلة، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ}
هذه الآية تقوي مذهب من رأى أن هذه والتي قبلها إنما مقصودها الحض على الهجرة، وفي ضمن قوله: {فتربصوا} وعيد بين، وقوله: {بأمره} قاله الحسن الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله، وقال مجاهد: الإشارة إلى فتح مكة، والمعنى فإذا جاء الله بأمره فلم تسلبوا ما يكون لكم أجرًا ومكانة في الإسلام.
قال القاضي أبو محمد: وذكر الأبناء في الآية لما جلبت ذكرهم المحبة، والأبناء صدر في المحبة وليسوا كذلك في أن تتبع آراؤهم كما في الآية المتقدمة، وقرأ جمهور الناس {وعشيرتكم}، وقرأ عاصم وحده بخلاف عنه وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وعصمة {وعشيراتكم}، وحسن هذا الجمع إذ لكل أحد عشيرة تختص به، ويحسن الإفراد أن أبا الحسن الأخفش قال إنما تجمع العرب عشائر ولا تكاد تقول عشيرات، و{اقترفتموها} معناه اكتسبتموها، وأصل الاقتراف والمقارفة مقاربة الشيء، {وتجارة تخشون كسادها} بيّن في أنواع المال، وقال ابن المبارك: الإشارة إلى البنات اللواتي لا يتزوجن لا يوجد لهن خاطب {ومساكن} جمع مسكن بفتح الكاف مفعل من السكنى، وما كان من هذا معتل الفاء فإنما يأتي على مفعل بكسر العين كموعد وموطن، والمساكن القصور والدور، و{أحب} خبر كان، وكان الحجاج بن يوسف يقرؤها {أحبُّ} بالرفع وله في ذلك خبر مع يحيى بن يعمر سأله الحجاج هل تسمعني الجن قال نعم في هذا الحرف، وذكر له رفع أحب فنفاه.
قال القاضي أبو محمد: وذلك خارج في العربية على أن يضمر في كان الأمر والشأن ولم يقرأ بذلك، وقوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} عموم لفظ يراد به الخصوص فيمن يوافي على فسقه، أو عموم مطلق على أنه لا هداية من حيث الفسق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم...} الآية.
في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في الذين تخلَّفوا مع عيالهم بمكة ولم يهاجروا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن علي بن أبي طالب قدم مكة، فقال لقوم: ألا تهاجرون؟ فقالوا: نقيم مع إخواننا وعشائرنا ومساكننا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن سيرين.
والثالث: أنه لما نزلت الآية التي قبلها، قالوا: يا رسول الله، إن نحن اعتزلنا مَنْ خالفنا في الدين، قطعنا آباءنا وعشيرتنا، وذهبت تجارتنا، وخربت ديارنا، فنزلت هذه الآية، ذكره بعض المفسرين في هذه الآية، وذكره بعضهم في الآية الأولى كما حكيناه عن ابن عباس.
فأما العشيرة، فهم الأقارب الأدنون.
وروى أبو بكر عن عاصم: {وعشيراتُكم} على الجمع.
قال أبو علي: وجهه أن كل واحد من المخاطَبين له عشيرة، فإذا جمعت قلت: عشيراتكم؛ وحجة من افرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغنى بذلك عن جمعها.
وقال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع عشيرة: عشيرات، إنما يجمعونها على عشائر.
والاقتراف بمعنى الاكتساب.
والتربص: الانتظار.
وفي قوله: {حتى يأتيَ الله بأمره} قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد، والأكثرون.
ومعنى الآية: إن كان المُقام في أهاليكم، وكانت الأموال التي اكتسبتموها {وتجارةٌ تخشون كسادها} لفراقكم بلدكم {ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم} من الهجرة، فأقيموا غير مُثابين حتى تُفتح مكة، فيسقط فرض الهجرة.
والثاني: أنه العقاب، قاله الحسن. اهـ.

.قال القرطبي:

{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ}
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه والأبُ لابنه والأخُ لأخيه والرجل لزوجته: إنا قد أمِرنا بالهجرة؛ فمنهم من تسارع لذلك، ومنهم من أبى أن يهاجر، فيقول: والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئًا أبدًا.
ومنهم من تتعلّق به امرأته وولده ويقولون له: أنشدك بالله ألاّ تخرج فنضيع بعدك؛ فمنهم من يَرِقّ فيَدَع الهجرة ويقيم معهم؛ فنزلت: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إَنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان}.
يقول: إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة.
{وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} بعد نزول الآية: {فأولئك هُمُ الظالمون}.
ثم نزل في الذين تخلّفوا ولم يهاجروا: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} وهي الجماعة التي ترجع إلى عقَدْ واحد كعقدِ العشرة فما زاد؛ ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء.
{وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} يقول: اكتسبتموها بمكة.
وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره.
{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} قال ابن المبارك: هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبًا.
قال الشاعر:
كسَدْن من الفقر في قومهنّ ** وقد زادهنّ مقامي كُسودا

{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} يقول: ومنازل تعجبكم الإقامة فيها.
{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة.
{وأحَبّ} خبر كان.
ويجوز في غير القرآن رفع {أحب} على الابتداء والخبر، واسم كان مضمر فيها.
وأنشد سيبويه:
إذا مِتُّ كان الناسُ صِنفانِ: شامِتٌ ** وآخَرُ مثْنٍ بالذي كنتُ أصنَع

وأنشد:
هي الشفاء لدائي لو ظفِرتُ بها ** وليس منها شفاءُ الداءِ مبذول

وفي الآية دليل على وجوب حبّ الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأُمة، وأن ذلك مقدّم على كل محبوب.
وقد مضى في آل عمران معنى محبة الله تعالى ومحبة رسوله.
{وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ} صيغته صيغة أمْرٍ ومعناه التهديد.
يقول: انتظروا.
{حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} يعني بالقتال وفتحِ مكة؛ عن مجاهد.
الحسن: بعقوبة آجلة أو عاجلة.
وفي قوله: {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} دليلٌ على فضل الجهاد، وإيثاره على راحة النفس وعلائقها بالأهل والمال.
وسيأتي فضل الجهاد في آخر السورة.
وقد مضى من أحكام الهجرة في النساء ما فيه كفاية، والحمد لله.
وفي الحديث الصحيح: «إن الشيطان قَعَد لابن آدم ثلاثَ مقاعد قعد له في طريق الإسلام فقال لِمَ تَذَر دينَك ودينَ آبائك فخالفَه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ثم قعد في طريق الجهاد فقال له تجاهد فتُقتل فينْكح أهلك ويُقسم مالك فخالَفه وجاهد فحق على الله أن يدخله الجنة» وأخرجه النَّسائيّ من حديث سَبَرة بن أبي فاكِه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان...» فذكره.
قال البخاريّ: ابن الفاكِه ولم يذكر فيه اختلافًا.
وقال ابن أبي عَدِيّ: يُقال ابن الفاكِه وابن أبي الفاكِه. انتهى. اهـ.