فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد مضى القول في الإسهام لهم في الأنفال.
الثالثة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} حُنين وادٍ بين مكة والطائف، وانصرف لأنه اسم مذكّر، وهي لغة القرآن.
ومن العرب من لا يصرفه، يجعله اسما للبُقْعة.
وأنشد:
نصرُوا نَبيَّهم وشدّوا أزره ** بحنينَ يوم تواكُل الأبطال

{ويوم} ظرف، وانتصب هنا على معنى: ونصركم يوم حنين.
وقال الفرّاء: لم تنصرف {مواطن} لأنه ليس لها نظير في المفرد وليس لها جِماع؛ إلاَّ أن الشاعر ربما اضطرّ فجمع، وليس يجوز في الكلام كلما يجوز في الشعر.
وأنشد:
فهنّ يَعْلُكْنَ حَدائداتها

وقال النحاس: رأيت أبا إسحاق يتعجب من هذا قال: أخذ قول الخليل وأخطأ فيه؛ لأن الخليل يقول فيه: لم ينصرف لأنه جَمْعٌ لا نظير له في الواحد، ولا يجمع جمع التكسير، وأما بالألف والتاء فلا يمتنع.
الرابعة قوله تعالى: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} قيل: كانوا اثني عشر ألفا.
وقيل: أحد عشر ألفًا وخمسمائة.
وقيل: ستة عشر ألفًا.
فقال بعضهم: لن نُغلب اليوم عن قِلّة.
فَوُكِلُوا إلى هذه الكلمة؛ فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا، فكان النصر والظفر للمسلمين ببركة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فبيّن الله عزّ وجلّ في هذه الآية أن الغلبة إنما تكون بنصر الله لا بالكثرة.
وقد قال: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 16].
الخامسة قوله تعالى: {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} أي من الخوف؛ كما قال:
كأن بلادَ اللَّه وهي عريضةٌ ** على الخائف المطلوبِ كفّةُ حابِلِ

والرُّحب (بضم الراء) السَّعة.
تقول منه: فلان رُحْب الصدر.
والرحب (بالفتح): الواسع.
تقول منه: بلد رَحْب، وأرض رَحْبة.
وقد رَحُبت ترحُب رُحبًا ورَحابة.
وقيل: الباء بمعنى مع؛ أي مع رحبها.
وقيل: بمعنى على، أي على رحبها.
وقيل: المعنى برحبها؛ فما مصدرية.
السادسة قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} روى مسلم عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وَلّيتم يوم حُنين يا أبا عُمارة، فقال: أشهد على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ما وَلّى، ولكنه انطلق أَخِفَّاءُ من الناس، وحُسَّرٌ إلى هذا الحيّ من هوازن.
وهم قوم رُماة فرمَوْهم برشْق من نَبل كأنها رِجْل من جراد فانكشفوا؛ فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النبيّ لاَ كذِب. أنا ابن عبد المطلب. اللَّهُمّ نزّل نصرك» قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نَتَّقِي به، وإن الشجاع منا للَّذي يُحاذِي به؛ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {لقد نصركم الله}
النصر المعونة على الأعداء بإظهار المسلمين عليهم {في مواطن كثيرة} يعني أماكن كثيرة والمراد بها غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه وبعوثه وكانت غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم تسع عشرة غزوة زاد بريدة في حديثه قاتل في ثمان منهم ويقال إن جميع غزواته وسراياه وبعوثه سبعون وقيل: ثمانون وهو قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} {ويوم حنين} يعني: ونصركم الله ففي يوم حنين أيضًا فأعلم الله سبحانه وتعالى أنه هو الذين يتولى نصر المؤمنين في كل موقف وموطن ومن يتولى الله نصره فلا غالب له وحنين اسم واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا.
وقال عروة: هو إلى جانب ذي المجاز وكانت قصة حنين على ما نقله الرواة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان فخرج إلى حنين لقتال هوازن ويقيف في اثني عشر ألفًا عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء وقال عطاء: كانوا ستة عشر ألفًا.
وقال الكلبي: كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط وكان المشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف وكان على هوازن مالك بن عوف النصري وعلى ثقيف كنانة بن عبد يا ليل فلما التقى الجمعان قال رجل من الأنصار يقال له سلمة بن سلامة بن رقيش لن نغلب اليوم من قلة فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ووكلوا إلى كلمة الرجل.
وفي رواية: فلم يرض الله قوله ووكلهم إلى أنفسهم.
وذكر ابن الجوزي عن سعيد بن المسيب، أن القائل لذلك أبو بكر الصديق.
وحكى ابن جرير الطبري: أن القائل لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناد هذه الكلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بعد لأنه صلى الله عليه وسلم كان في جميع أحواله متوكلًا على لله لا يلتفت إلى كثرة عدد ولا إلى غيره بل نظره إلى ما يأتي من عند الله من النصر والمعونة قالوا: فلما التقى الجمعان اقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم المشركون وخلوا عن الذراري ثم تنادوا: يا حماة السواد اذكروا الفضائح.
فتراجعوا وانكشف المسلمون.
وقال قتادة: ذكر لنا أن الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل القوم هربوا (ق).
عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة فقال أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برقش من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم نصرك» زاد أبو خيثمة ثم وصفهم.
قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا للذين يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء بن عازب يا أبا عمارة فررتم يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤه حسرًا ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم جمع هوازن وبنى نصر فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به فنزل ودعا واستنصر وقال: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب».
ثم صفهم وروى شعبة عن أبي إسحاق قال: قال البراء إن هوازن كانوا قومًا رماة ولما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر.
قوله: ولكنه انطلق اخفاء من الناس: الإخفاء: جمع خفيف وهم المسرعون من الناس الذين ليس لهم ما يعوقهم.
والحسر: جمع حاسر وهو الذي لا درع عليه يقال إذا رمى القوم بأسرهم إلى جهة واحدة: رمينا رشقًا.
والرجل من الجراد القطعة الكبيرة منه.
وقوله: كنا إحمر البأس يعني إذا اشتد الحرب والبأس بالموحدة من تحت الشدة والخوف.
وقال الكلبي: كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس وقال غيره لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ غير عمه العباس بن عبد المطلب وابن عمه أبو سفيان بن الحارث وأيمن بن أم أيمن قتل يوم حنين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيمن أخو أسامة بن زيد لأمه أمهما بركاة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته.
(م) عن العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن فاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولي المسملون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي عباس ناد أصحاب السمرة» فقال العباس، وكان رجلًا صيتًا: فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة.
قال: فوالله لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا لبيك لبيك.
قال فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج.
فقالوا: يا بني الحرث بن الخزرج يا بني الحرث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حين حمي الوطيس قال ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: «انهزموا ورب محمد» قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصيانه فما زلت أرى حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا.
قوله حمي الوطيس، أي اشتد الحرب.
قال الخطابي: هذه الكلمة لم تسمع قبل أن يقولها النبي صلى الله عليه وسلم من العرب وهي ما اقتضبه وأنشأه.
والوطيس في اللغة: التنور.
وقوله: حدهم كليلًا يعني لا يقطع شيئًا.
(م) عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا قال: فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم.
وقال: «شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة».
فولوا مدبرين فهزمهم الله بذلك وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين أخرجه مسلم بزيادة فيه قال سعيد بن جبير: أمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
وروى أن رجلًا من بني نصر يقال له شجرة قال للمؤمنين بعد القتال: أين الخيل البالق والرجال عليهم ثياب بيض ما كنا نراهم فيكم إلا كهيئة الشامة وما كان قتلنا إلا بأيديهم فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الملائكة.
وروي أن رجلًا من المشركين قال يوم حنين لما التقينا وأصحاب محمد لم يقفوا لنا حلب شاة أن كشفناهم فبينا نحن نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا.
قال: فانهزمنا وركبوا أكتافنا فكانت إياها.
واختلفوا هل قاتلت الملائكة يوم حنين على قولين والصحيح إنها لم تقاتل إلا يوم بدر وإنما كانت الملائكة يوم حنين مددًا وعونًا.
وذكر البغوي أن الزهري قال: بلغني أن شيبة بن عثمان قال استدبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن عثمان وعثمان بن طلحة وكانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسوله على ما في نفسي فالتفت إليّ وضرب في صدري وقال أعيذك بالله يا شيبة فارعدت فرائصي فنظرت إليه وهو أحب إليّ من سمعي وبصري فقلت أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطلعك الله على ما في نفسي فلما هزم الله المشركين وولوا مدبرين انطلقوا إلى أوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأشعريين يقال له أبو عامر وأمره على الجيش فسار إلى أوطاس فاقتتلوا بها قوتل دريد بن الصمة وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيال المشركين وهرب أميرهم مالك بن عوف النصري فأتى الطائف فتحصن بها وأخذ ماله وأهله فيمن أخذ وقتل أبو عامر أمير المسلمين.