فصل: افْتِرَاءُ الرَّوَافِضِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالطَّعْنُ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَحُفَّاظِ السُّنَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَمِنْهَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا مَنَعَ الْجَيْشَ غَنَائِمَ مَكَّةَ فَلَمْ يَغْنَمُوا مِنْهَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَلَا مَتَاعًا وَلَا سَبْيًا وَلَا أَرْضًا كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا هَلْ غَنِمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، وَكَانُوا قَدْ فَتَحُوهَا بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ وَفِيهِمْ حَاجَةٌ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْجَيْشُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ، فَحَرَّكَ سُبْحَانَهُ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ لِغَزْوِهِمْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ إِخْرَاجَ أَمْوَالِهِمْ وَنِعَمِهِمْ وَشِيَاهِهِمْ وَسَبْيِهِمْ مَعَهُمْ نُزُلًا وَضِيَافَةً وَكَرَامَةً لِحِزْبِهِ وَجُنْدِهِ، وَتَمَّمَ تَقْدِيرَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ أَطْعَمَهُمْ فِي الظَّفَرِ، وَأَلَاحَ لَهُمْ مَبَادِئَ النَّصْرِ {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [8: 42] فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَبَرَدَتِ الْغَنَائِمُ لِأَهْلِهَا، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي دِمَائِكُمْ، وَلَا فِي نِسَائِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ، فَأَوْحَى اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَى قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ، فَجَاءُوا مُسْلِمِينَ، فَقِيلَ: إِنَّ مِنْ شُكْرِ إِسْلَامِكُمْ وَإِتْيَانِكُمْ أَنْ نَرُدَّ عَلَيْكُمْ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَسَبْيَكُمْ، {إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [8: 70].
وَمِنْهَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ غَزْوَ الْعَرَبِ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ، وَخَتَمَ غَزْوَهُمْ بِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ؛ وَلِهَذَا يَقْرِنُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ بِالذِّكْرِ فَيُقَالُ: بَدْرٌ وَحُنَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعُ سِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ قَالَتْ بِأَنْفُسِهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَمَى فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ فِيهِمَا، وَبِهَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ طَفِئَتْ جَمْرَةُ الْعَرَبِ لِغَزْوِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، فَالْأُولَى خَوَّفَتْهُمْ وَكَسَرَتْ مِنْ حَدِّهِمْ، وَالثَّانِيَةُ اسْتَفْرَغَتْ قُوَاهُمْ، وَاسْتَنْفَدَتْ سِهَامَهُمْ، وَأَذَلَّتْ جَمْعَهُمْ، حَتَّى لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَبَرَ بِهَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَفَرَّحَهُمْ بِمَا نَالُوهُ مِنَ النَّصْرِ وَالْمَغْنَمِ وَكَانَتْ كَالدَّوَاءِ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ كَسْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ جَبَرَهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ تَمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ شَرِّ هَوَازِنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِمْ طَاقَةٌ، وَإِنَّمَا نُصِرُوا عَلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أُفْرِدُوا عَنْهُمْ لَأَكَلَهُمْ عَدُوُّهُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى. اهـ. ثُمَّ عَقَدَ فُصُولًا أُخْرَى لِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْفِقْهِ.

.افْتِرَاءُ الرَّوَافِضِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالطَّعْنُ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَحُفَّاظِ السُّنَّةِ:

مُلَخَّصُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ:
أَنْ جَيْشَ الْمُسْمِلِينَ كَانَ ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ أَلْفَانِ مِنَ الطُّلَقَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُ الْمُصِرُّ عَلَى شِرْكِهِ، الَّذِي يَتَرَبَّصُ بِالْمُؤْمِنِينَ الدَّوَائِرَ لِيَثْأَرَ مِنْهُمْ، وَالَّذِي يُرِيدُ قَتْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ ضُعَفَاءُ الْإِيمَانِ وَالشُّبَّانُ الَّذِينَ جَاءُوا لِلْغَنِيمَةِ لَا لِإِعْزَازِ الْحَقِّ بِالْجِهَادِ.
وَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ رَشْقُ النِّبَالِ كَرِجْلِ الْجَرَادِ فَرَّ هَؤُلَاءِ وَأَدْبَرُوا فَذُعِرَ الْجَيْشُ، وَفَرَّ غَيْرُهُمُ اضْطِرَابًا، كَمَا هِيَ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَا جُبْنًا، وَكَانَتْ حِكْمَةُ اللهِ فِي ذَلِكَ تَرْبِيَةَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ. وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَعَادَتِهِ، وَثَبَتَ مَعَهُ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يُفَارِقُونَهُ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ عَدَّهُمْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَدَّ مَنْ رَآهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ سَائِرَ الْجَيْشِ قَدِ انْهَزَمَ جُبْنًا، وَتَرَكَ الرَّسُولَ وَهُوَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ عَمْدًا، بَلْ وَلَّى الْجُمْهُورُ مُدْبِرِينَ بِالتَّبَعِ لِلطُّلَقَاءِ وَالْأَحْدَاثِ الَّذِينَ فَرُّوا مِنْ رَشْقِ السِّهَامِ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأُلُوفِ لَا يَعْرِفُ مَكَانَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا عَرَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا عَلِمَ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَاسِيَّمَا الْأَنْصَارُ بِمَكَانِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِدَاءِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه أَسْرَعُوا فِي الْعَطْفِ وَالرُّجُوعِ. هَذَا مَا رَوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ وَالْمُؤَرِّخُونَ.
وَأَمَّا الرَّوَافِضُ فَإِنَّهُمْ يَطْعَنُونَ كَعَادَتِهِمْ فِي جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ فَرُّوا كُلُّهُمْ جُبْنًا وَعِصْيَانًا لِلَّهِ، وَإِسْلَامًا لِرَسُولِهِ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَاسْتَحَقُّوا غَضَبَهُ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، إِلَّا نَفَرَا قَلِيلًا لَا يَتَجَاوَزُونَ الْعَشَرَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ثَبَتُوا بِالتَّبَعِ لِثَبَاتِ عَلِيٍّ كَرَمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ وَحْدَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلَاهُ لَقُتِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَزَالَ الْإِسْلَامُ مِنَ الْأَرْضِ.
ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ 3، 4 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كِتَابًا لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ الْمُعَاصِرِينَ كَبَّرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ تِلَاوَةِ (عَلِيٍّ) أَوَائِلَ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَصَغَّرَ إِمَارَةَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ وَفَنَّدْنَا شُبَهَهُ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ كَبَّرَ صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ ثَبَاتَ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حُنَيْنٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ التَّكْبِيرِ، وَحَقَّرَ سَائِرَ الصَّحَابَةِ أَقْبَحَ التَّحْقِيرِ، وَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ فَرَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْفَارِّينَ، وَهَمَّ بِزَعْمِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا عَلِيًّا وَثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَقِيلَ تِسْعَةٌ ثَبَتُوا بِثَبَاتِهِ.
أَمَّا زَعْمُهُ أَنَّ عُمَرَ قَدْ فَرَّ، وَهُوَ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَلَا أَصْحَابُ السِّيَرِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بِهِ رِوَايَةَ قَتَادَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ فِيهَا هَزِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ انْهَزَمَ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. اهـ.
فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ مَا فِي كَلَامِهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالِافْتِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِئَلَّا يَضِلَّ بَعْضُ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى كِتَابِهِ فِي فَهْمِهَا.
قَالَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ إِلَخْ. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ رَوَى بِإِسْنَادِهِ، أَنَّهُ رَوَاهُ مُسْنَدًا مَوْصُولًا، وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِيهِ مُعَلَّقَةٌ بَدَأَهَا الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِلَخْ. قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْحِ: وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ (يَعْنِي يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) وَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ. اهـ.
وَيُرِيدُ بِهَذَا الِاخْتِصَارِ ذِكْرَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّافِضِيُّ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مَحْصُورٌ فِي قَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ لِيُفَسِّرَهُ بِأَنَّهُ فِي النَّاسِ الْفَارِّينَ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ مُحْتَمَلَةٌ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ ثَبَتُوا، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ الْقَسْطَلَانِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ فِي النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يَنْهَزِمُوا، وَمَتَى كَانَ عُمَرُ جَبَانًا يَفِرُّ مِنَ الْقِتَالِ؟! وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللهَ بِأَنْ يُعِزَّ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَشُدُّ بِهِ الدِّينَ فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا عُبِدَ اللهُ جَهْرَةً حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ.
وَقَدْ طَعَنَ الرَّافِضِيُّ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَلَاسِيَّمَا أَصْحَابُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِينَ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ، وَأَقْسَمَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَبَّدُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ إِذْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السِّكِّينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [48: 18] ثُمَّ قَالَ فِيهِمْ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [48: 29] وَهَذَا الْكِتَابُ وَسَائِرُ كُتُبِ الرَّوَافِضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَشَدُّ غَيْظًا بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فَرُّوا فِي أَثَرِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: وَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِرِكَابِهِ. قِيلَ: وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ: ثَبَتَ مَعَهُ تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ الْمُفِيدُ فِي الْإِرْشَادِ. اهـ.
وَهُوَ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى إِرْشَادِ مُفِيدِهِ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَكِبَارِ مُصَنِّفِيهِمْ فِي تَأْيِيدِ نِحْلَتِهِمْ، فَذَكَرَ مَا اعْتَمَدَهُ بِصِيغَةِ التَّعْرِيضِ بَعْدَ جَزْمِهِ هُوَ بِثَبَاتِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ.
ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} خَاصٌّ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم فَيُقَالُ لَهُ: وَلِمَاذَا عَطَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي؟ أَلَيْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ وَالَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ كَانُوا قَدِ اضْطَرَبُوا عِنْدَ اضْطِرَابِ الْجُمْهُورِ فِي تِلْكَ الْهَزِيمَةِ؟ أَوَلَيِسَ نُزُولُ السَّكِينَةِ لَازِمًا أَوْ مَلْزُومًا لِعَوْدَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ إِلَى الْقِتَالِ؟ وَهَلْ عَادُوا إِلَّا بَعْدَ أَنْ زَالَ ذَلِكَ الِاضْطِرَابُ وَاخْتِلَاطُ الْأَمْرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُمْ بِفِرَارِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؟ وَهَلْ زَالَ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّكِينَةِ لَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَنِدَاءَ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه وَعَلِمُوا مَكَانَهُ صلى الله عليه وسلم؟ وَهَلْ يَكُونُ أَصْحَابُ هَذِهِ الْكَرَّةِ النَّاهِضَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْفَرَّةِ الْعَارِضَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَوَاقِفِ السَّابِقَةِ وَالْفُتُوحَاتِ اللَّاحِقَةِ مِنَ الْجُبَنَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِغَضَبِ الْجَبَّارِ، وَيَكُونُ فِرَارُهُمْ خِذْلَانًا لِلرَّسُولِ وَتَعَمُّدَا لِإِسْلَامِهِ لِلْكُفَّارِ كَمَا افْتَرَى هَذَا الرَّافِضِيُّ الْكُفْرَ؟.
وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ عَطْفُ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ بِثُمَّ الدَّالِّ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ تَوَلِّي الْأَدْبَارِ أَنَّ الِاضْطِرَابَ الْمُنَافِيَ لِلسِّكِّينَةِ بِانْهِزَامِ الطُّلَقَاءِ كَانَ عَامًّا؛ إِذْ تَبِعَهُ انْهِزَامُ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وَهُوَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْمَآلُ فَالْجَيْشُ اضْطَرَبَ لِهَزِيمَةِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُ، وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم اضْطَرَبَ بَالُهُ حُزْنًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَمَّتْ حِكْمَةُ اللهِ فِي ابْتِلَائِهِمْ بِذَلِكَ أَنْزَلَ سَكِينَةً عَلَى رَسُولِهِ، فَأَمَرَ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بِنِدَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَنَادَاهُمْ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَنْزَلَ اللهُ السِّكِّينَةَ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَتِهِ وَالْعِلْمِ بِمَكَانِهِ.
إِنَّ الرَّافِضِيَّ عَمَدَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مُجْمَلَ الْقِصَّةِ بِمَا وَافَقَ هَوَاهُ مِنْ نَقْلٍ، وَمَا مَزَجَهُ بِهِ مِنْ تَأْوِيلٍ بَاطِلٍ- إِلَى تَحْرِيفِ الْآيَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، فَزَعَمَ: أَنَّهُمَا تَوْبِيخٌ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا عَدَا الَّذِينَ ثَبَتُوا وَهُمْ فِي زَعْمِهِ ثَلَاثَةٌ، بَلْ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَخَصَّ أَصْحَابَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بِالذِّكْرِ، بَلْ بِالذَّمِّ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا صَاحِبَ الدِّينِ لِجُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَطَغَامِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ مَا نَصُّهُ:
فَأَيْنَ مَا بَايَعْتُمْ بِهِ اللهَ سُبْحَانَهُ، وَمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَلَّا تَفِرُّوا عَنْهُ، وَمَنْ فَرَّ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ؟ فَمَا وَفَيْتُمْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ (كَذَا) إِذْ يَقُولُ: {إِنِ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} [9: 111] أَنْقَضْتُمُ الْعَهْدَ؟ أَمِ اسْتَقَلْتُمُ الْبَيْعَ {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [9: 25] غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، وَلَا مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} [8: 16] انْتَهَى. بِحُرُوفِهِ وَتَحْرِيفِهِ لِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى إِذْ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ تَفْسِيرًا لِآيَةِ يَوْمِ حُنَيْنٍ الَّتِي لَمْ تَكُنْ إِلَّا تَذْكِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِعِنَايَةِ اللهِ تَعَالَى بِهِمْ وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالتَّوَلِّي فِي أَوَّلِ الْمَعْرَكَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهَذَا التَّحْرِيفِ أَنْ يَهْدِمَ كُلَّ مَا لِلصَّحَابَةِ الْكِرَامِ مِنَ الثَّنَاءِ فِي كِتَابِ اللهِ، وَيَجْعَلَهُمْ مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ، وَيُحَوِّلُ رِضْوَانَ اللهِ عَنْهُمْ إِلَى غَضَبِهِ، وَوَعْدِهِ إِيَّاهُمْ بِالْجَنَّةِ إِلَى وَعِيدِهِمْ بِالنَّارِ.
أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّافِضِيَّ كَيْفَ لَمْ يُتِمَّ آيَةَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمُبْطِلَةٌ لِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ قوله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111) فَلَوْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ أَوْ يَسْتَقِيلُونَ هَذَا الْبَيْعَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِبْشَارِ بِهِ، وَلَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَمِ اسْتَقَلْتُمُ الْبَيْعَ، إِلَى قَوْلِ الْأَنْصَارِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عِنْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْعِهِ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَوَعْدِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ- إِذْ قَالُوا: لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ، وَقَدْ شَهِدَ اللهُ وَرَسُولُهُ لَهُمْ بِالْوَفَاءِ. وَشَهِدَ عَلَيْهِمُ الرَّافِضِيُّ بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ، وَاسْتِقَالَةِ الْبَيْعِ!!.
وَقَدْ أَعَادَ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ذِكْرَ مَا زَعَمَهُ مِنْ فِرَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَأَنْزَلَ بِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ، وَكَانَ أَعْظَمَ نَاشِرٍ لَهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
ثُمَّ فَسَّرَ السِّكِّينَةَ بِتَثْبِيتِ الْقَلْبِ وَتَسْكِينِهِ وَإِيدَاعِهِ الْجُرْأَةَ وَالْبَسَالَةَ وَقَالَ: وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الثَّلَاثَةُ أَوِ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ مَرَّ ذِكْرُهُمْ وَقَدْ جَهِلَ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ طَعْنٌ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ مِنَ السَّكِينَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ، لِعَطْفِ نُزُولِهَا عَلَى تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ بثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرَاخِي، وَالصَّوَابُ اللَّائِقُ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَا ذَكَرْنَا.
ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ هَذَا الطَّعْنِ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ عَلَى أَنَّهُ حَصَرَهُ بَعْدُ فِي (عَلِيٍّ) وَحْدَهُ- قَالَ: فَإِذَا تَدَبَّرْتَ حَالَةَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا قَرَّعَهُمْ فِيهِ وَعَاتَبَهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ وَكَيْفَ بَاهَى اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ الْعَسْكَرَ الْمِجَرَّ، وَالْجَحْفَلَ الْحَاشِدَ بِأَعْلَامِ الصَّحَابَةِ، وَأَكَابِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَصَنَادِيدِهِمْ، وَمَنْ إِلَيْهِمُ الْإِيمَاءُ وَالْإِشَارَةُ- ظَهَرَتْ لَكَ عَظْمَتُهُ وَمَكَانَتُهُ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَبْلَغُهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنِ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ إِلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ وَأَسْهَبَ مِنَ الْمَعَانِي الشَّرِيعَةِ فِي تَحْقِيرِ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى خَصَّ بِالذِّكْرِ الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِينَ بَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ سَيْفَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَفَاتِحَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، وَرَافِعَ لِوَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَالْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ وَأَبَا أَيُّوبَ وَأَمْثَالَهُمْ مِنْ صَنَادِيدِ الْإِسْلَامِ الْأَعْلَامِ، فَزَعَمَ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا أَنَّ تِلْكَ الصَّدْمَةَ أَطَارَتْ أَفْئِدَتَهُمْ وَشَرَدَتْ بِهِمْ فِي كُلِّ وَادٍ لِيَقُولَ فِي عَلِيٍّ وَكَيْفَ قَامَ فِي وَجْهِهَا، وَانْتَصَبَ لِصَدِّهَا، وَأَقْدَمَ عَلَى رَدِّهَا بِصَدْرٍ أَوْسَعَ مِنَ الْفَضَاءِ، وَقَلْبٍ أَمْضَى مِنَ الْقَضَاءِ وَزَعَمَ بَلْ أَقْسَمَ أَنَّهُ لَقَدْ فَازَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ بِأَجْرِهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَضْلِهَا وَطَارَ بِفَخْرِهَا كَأَنَّهُ يَشْعُرُ شُعُورًا خَفِيًّا لَا يُدْرِكُهُ عَقْلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ إِثْبَاتُ غُلُوِّهِ فِيهِ إِلَّا بِافْتِرَاءِ مَنَاقِبَ لَهُ مَقْرُونَةً بِتَحْقِيرِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالْكَذِبِ عَلَى اللهِ فِي الْأَمْرَيْنِ، كَزَعْمِهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَّعَهُمْ، وَبَاهَى بِهِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.