فصل: باب حُكْمُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ تُقْبَلُ مِنْ الْجَمِيعِ الْجِزْيَةُ إلَّا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الزِّنْجِ، وَنَحْوِهِمْ: إذَا سُبُوا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُقَاتَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ عَلَى الصَّلَاةِ،، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الْعَرَبُ لَا يُسْبَوْنَ، وَهَوَازِنُ سُبُوا ثُمَّ تَرَكَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} يَقْتَضِي قَتْلَ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عُمُومَهُ مَقْصُورٌ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ فِي اللَّفْظِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ بِقوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا} فَعَطَفَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَخْتَصُّ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ النَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ، وَالصَّابِئِينَ مُشْرِكِينَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَارَى قَدْ أَشْرَكَتْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عِبَادَةَ الْمَسِيحِ، وَالْمَجُوسُ مُشْرِكُونَ مِنْ حَيْثُ جَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا مُغَالِبًا، وَالصَّابِئُونَ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَالْآخَرُ لَا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَلَكِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فِي وُجُوهٍ أُخَرُ، إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، فَلَمْ يُوجِبْ قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} إلَّا قَتْلَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى الشِّرْكِ مَوْجُودًا فِي مَقَالَاتِ هَذِهِ الْفِرَقِ مِنْ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ فَقَدْ انْتَظَمَهُمْ اللَّفْظُ، وَلَوْلَا وُرُودُ آيَةِ التَّخْصِيصِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُّوا مِنْ الْجُمْلَةِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى حُكْمِ الْآيَةِ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ إقْرَارِ الْمَجُوسِ بِالْجِزْيَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ، وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ مُجَالِدًا يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ.
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزَ قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُنْذِرِ أَنَّهُ مَنْ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَجُوسِ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.
وَرَوَى قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ لَهُمْ امْرَأَةٌ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَكَّارَ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عِمْرَانَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: أَمَّا بَعْدُ فَاسْأَلْ الْحَسَنَ مَا مَنَعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَبَيْنَ مَا يَجْمَعُونَ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَجْمَعُهُنَّ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؟ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ الْجِزْيَةَ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى مَجُوسِيَّتِهِمْ، وَعَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَفَعَلَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.
وَرَوَى مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ الْعَرَبِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ السَّوَادِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَهَا مِنْ بَرْبَرَ.
وَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ.
وَقَدْ نَقَلَتْ الْأُمَّةُ أَخْذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ السَّوَادِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَأَهْلَ عِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَنُزِعَ ذَلِكَ مِنْ صُدُورِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِنَّهُ إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَسْلَافَهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ نُزِعَ مِنْ صُدُورِهِمْ، فَإِذًا لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْن مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ: إنَّ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْإِسْلَامَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ لَهُمْ امْرَأَةٌ، وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَجَازَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُنَاكَحَةُ نِسَائِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَلَمَّا ثَبَتَ أَخْذُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ، وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ ثَبَتَ جَوَازُ أَخْذِهَا مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ أَهْلَ كِتَابٍ كَانُوا أَوْ غَيْرَ أَهْلِ كِتَابٍ إلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ، وَبِقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَهَذَا فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ سِوَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَدِيثُ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: إذَا لَقِيتُمْ عَدُوَّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُوهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُوهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ.
وَذَلِكَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ، وَخَصَّصْنَا مِنْهُمْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالْآيَةِ وَسِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ.

.باب حُكْمُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ:

قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلَى قَوْلِهِ: {مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ نِحْلَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُتَمَسِّكِينَ بِجَمِيعِ شَرَائِعِهِمْ، وَقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَتَوَلَّى قَوْمًا مِنْهُمْ فِي حُكْمِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ: إنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ لِقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وَذَلِكَ حِينَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَقُولُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: إنَّ لِي دِينًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْك أَلَسْت رَكُوسِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَسْت تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك فِي دِينِك فَنَسَبَهُ إلَى صِنْفٍ مِنْ النَّصَارَى مَعَ إخْبَارِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَسِّكٍ بِهِ بِأَخْذِهِ الْمِرْبَاعَ، وَهُوَ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ، وَالْغَنِيمَةُ غَيْرُ مُبَاحَةٍ فِي دِينِ النَّصَارَى، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ انْتِحَالَ بَنِي تَغْلِبَ لِدِينِ النَّصَارَى يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمَهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَجَبَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَالْجِزْيَةُ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ عُقُوبَةً وَجَزَاءً عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ لَهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، وَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ اسْمَ الْجِزْيَةِ يَتَنَاوَلُهُ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ فِي تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّصْرَانِيِّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ: فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَكَانَ الْعِتْقُ قَدْ أَضَرَّ بِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي بَنِي تَغْلِبَ شَيْئًا.
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ، وَأَنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ؛ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ؛ قَالَ: وَكَانَ عُمَارَةُ يَقُولُ: قَدْ فَعَلُوا فَلَا عَهْدَ لَهُمْ.
وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَدْ وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَالنَّقْلُ الشَّائِعُ عَمَلًا، وَهُوَ مِثْلُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ، وَوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِينَ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي عَقَدَهَا عَلَى كَافَّةِ الْأُمَّةِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي نَفَاذِهَا وَجَوَازِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَئِنْ بَقِيَتْ لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ لَأَقْتُلَنَّ الْمُقَاتِلَةَ، وَلَأَسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ وَذَلِكَ أَنِّي كَتَبْت الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْ عَلِيًّا فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَانْعَقَدَ بِهِ إجْمَاعُهُمْ، وَثَبَتَ بِهِ اتِّفَاقُهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَعْتَقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَوَازُ عُقُودِ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ عَلَى الْأُمَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَنَا الِاقْتِصَارُ بِهِمْ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ، وَإِعْفَاؤُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ.
قِيلَ لَهُ: الْجِزْيَةُ لَيْسَ لَهَا مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ جَزَاءٌ وَعُقُوبَةٌ عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْجَزَاءُ لَا يَخْتَصُّ بِمِقْدَارٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ هُوَ عِنْدَنَا جِزْيَةٌ لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ، وَتُوضَعُ مَوَاضِعَ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَدَقَةَ لَهُمْ، إذْ كَانَ سَبِيلُ الصَّدَقَةِ وُقُوعَهَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَلَا قُرْبَةَ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ بَنُو تَغْلِبَ: نُؤَدِّي الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً، وَلَا نَقْبَلُ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ عِنْدَنَا جِزْيَةٌ، وَسَمُّوهَا أَنْتُمْ مَا شِئْتُمْ.
فَأَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّهَا جِزْيَةٌ.
وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَأْخُوذًا مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَزَرْعِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ جِزْيَةً لَمَا أُخِذَتْ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ.
قِيلَ: لَهُ: يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بَعْضَ أُمَرَائِهِ عَلَى بَعْضِ بُلْدَانِ الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تُؤْخَذُ مِنْ مَوَالِي بَنِي تَغْلِبَ إذْ كَانُوا كُفَّارًا الْجِزْيَةُ، وَلَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الْحُقُوقُ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا صَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَوَالِيَ، فَمَوَالِيهِمْ بَاقُونَ عَلَى حُكْمِ سَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَخْذِ جِزْيَةِ الرُّءُوسِ مِنْهُمْ عَلَى الطَّبَقَاتِ الْمَعْلُومَةِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَكُونُوا فِي حُكْمِ مَوَالِيهِمْ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ مَوْلَاهُ فِي بَابِ سُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
قِيلَ: لَهُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الِانْتِسَابِ إلَيْهِمْ، نَحْوُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ يُسَمَّى هَاشِمِيًّا، وَمَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ يُسَمَّى تَمِيمِيًّا، وَفِي النُّصْرَةِ وَالْعَقْلِ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُ ذَوُو الْأَنْسَابِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُهُمْ فِي إيجَابِ الْجِزْيَةِ وَسُقُوطِهَا.
وَأَمَّا شَرْطُ عُمَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ إذَا أَرَادُوا الْإِسْلَامَ، فَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَوْلَادَهُمْ الْإِسْلَامَ إذَا أَرَادُوهُ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا مَكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَكْرَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ الْكُوفِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُبَيْدٍ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إذْ أَقْبَلَ الرَّشِيدُ، فَقَامَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مُعْتَلَّ الْقَلْبِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَامَ وَدَخَلَ، وَدَخَلَ النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ، فَأَمْهَلَ الرَّشِيدُ يَسِيرًا ثُمَّ خَرَجَ الْإِذْنُ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَجَزِعَ أَصْحَابُهُ لَهُ، فَأُدْخِلَ فَأُمْهِلَ ثُمَّ خَرَجَ طَيِّبَ النَّفْسِ مَسْرُورًا، قَالَ: قَالَ لِي: مَا لَك لَمْ تَقُمْ مَعَ النَّاسِ؟ قَالَ: كَرِهْت أَنْ أَخْرُجَ عَنْ الطَّبَقَةِ الَّتِي جَعَلْتنِي فِيهَا، إنَّك أَهَّلَتْنِي لِلْعِلْمِ فَكَرِهْت أَنْ أَخْرُجَ إلَى طَبَقَةِ الْخِدْمَةِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ مِنْهُ، وَإِنَّ ابْنَ عَمِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمِيلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءَ، فَمَنْ قَامَ بِحَقِّ الْخِدْمَةِ، وَإِعْزَازِ الْمَلِكِ فَهُوَ هَيْبَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَمَنْ قَعَدَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ الَّتِي عَنْكُمْ أُخِذَتْ فَهُوَ زَيْنٌ لَكُمْ، قَالَ: صَدَقْت يَا مُحَمَّدُ ثُمَّ شَاوَرَنِي فَقَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ لَا يَنْصُرُوا أَوْلَادَهُمْ، وَقَدْ نَصَرُوا أَبْنَاءَهُمْ، وَحَلَّتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمْ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: قُلْت: إنَّ عُمَرَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ نَصَرُوا أَوْلَادَهُمْ بَعْدَ عُمَرَ، وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَابْنُ عَمِّك.
وَكَانَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَيْك، وَجَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَنُ، فَهَذَا صُلْحٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَلَا شَيْءَ يَلْحَقُك فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَشَفْت لَك الْعِلْمَ، وَرَأْيُك أَعْلَى، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا نُجْرِيهِ عَلَى مَا أَجْرَوْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، إنَّ اللَّه جَلَّ اسْمُهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْمَشُورَةِ تَمَامًا لِمَا بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ، فَكَانَ يُشَاوِرُ فِي أَمْرِهِ فَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِالدُّعَاءِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَك، وَمُرْ أَصْحَابَك بِذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرْت لَك بِشَيْءٍ تُفَرِّقُهُ عَلَى أَصْحَابِك.