فصل: المسألة الحادية عشرة: (اختلاف العلماء فيما وجبت الجزية عنه):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



السَّادِسُ: غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَلَا مَدْعُوٍّ لَهُمْ.
السَّابِعُ: تُوجَأُ عُنُقُهُ.
الثَّامِنُ: عَنْ ذُلٍّ.
التَّاسِعُ: عَنْ غِنًى.
الْعَاشِرُ: عَنْ عَهْدٍ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: نَقْدًا غَيْرَ نَسِيئَةٍ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: اعْتِرَافًا مِنْهُمْ أَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: عَنْ قَهْرٍ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: عَنْ إنْعَامٍ بِقَبُولِهَا عَلَيْهِمْ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مُبْتَدِئًا غَيْرَ مُكَافِئٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ مِنْهَا مُتَدَاخِلَةٌ، وَمِنْهَا مُتَنَافِرَةٌ، وَتَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُون الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْحَقِيقَةَ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْمَجَازَ.
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةَ فَيَرْجِعُ إلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَدْفَعُهَا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَنِيبٍ فِي دَفْعِهَا أَحَدًا.
وَأَمَّا جِهَةُ الْمَجَازِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّعْجِيلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقُوَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمِنَّةَ وَالْإِنْعَامَ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَهُوَ قَائِمٌ وَالْآخِذُ جَالِسٌ فَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ عَنْ يَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَمْشُونَ بِهَا وَهُمْ كَارِهُونَ، مِنْ الصَّغَارِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ: وَلَا مَقْهُورِينَ يَعُودُ إلَى الصَّغَارِ وَالْيَدِ، وَحَقِيقَةُ الصَّغَارِ تَقْلِيلُ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَجْسَامِ، أَوْ مِنْ الْمَعَانِي في الْمَرَاتِبِ وَالدَّرَجَاتِ.

.المسألة الحادية عشرة: [اختلاف العلماء فيما وجبت الجزية عنه]:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ عَنْهُ؛ فَقَالَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَدَلًا عَنْ حَقْنِ الدَّمِ وَسُكْنَى الدَّارِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: إنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالْجِهَادِ.
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سِرُّ اللَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَاسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، وَهُوَ جِنَايَةٌ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُسَبِّبُهَا عُقُوبَةً؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَهُمْ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ الْمُقَاتِلُونَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَسُكْنَى الدَّارِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْمُعَاقَدَةِ وَالتَّرَاضِي، وَلَا تَقِفُ الْعُقُوبَاتُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالرِّضَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْعُقُوبَاتُ بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً، وَالْعُقُوبَاتُ تَجِبُ مُعَجَّلَةً؛ وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا وَجَبَتْ بِالرِّضَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوهَا قَسْرًا.
وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ اخْتِلَافَ الْعُقُوبَاتِ بِالْقِلَّةِ وَالْيَسَارِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَبْعُدُ فِي الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ دُونَ الْمَالِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِالثُّيُوبَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْإِنْكَارِ، فَكَمَا اخْتَلَفَتْ عُقُوبَةُ الْبَدَنِ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْمُوجَبِ عَلَيْهِ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخْتَلِفَ عُقُوبَةُ الْمَالِ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْمَالِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ.
وَأَمَّا تَأْجِيلُهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرْبَةِ لَازِبٍ فِيهَا.
وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَفَائِدَتُهَا أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا دَيْنٌ اسْتَقَرَّ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْقِطُهُ الْإِسْلَامُ كَأُجْرَةِ الدَّارِ.

.المسألة الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}:

شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُؤَدَّى عُقُوبَةً وَهِيَ الْجِزْيَةُ، وَبَيْنَ مَا يُؤَدَّى طُهْرَةً وَقُرْبَةً وَهِيَ الصَّدَقَةُ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى».
وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ، وَالْيَدُ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ؛ فَجَعَلَ يَدَ الْمُعْطِي فِي الصَّدَقَةِ عُلْيَا، وَجَعَلَ يَدَ الْمُعْطِي فِي الْجِزْيَةِ صَاغِرَةً سُفْلَى، وَيَدَ الْآخِذِ عُلْيَا، ذَلِكَ بِأَنَّهُ الرَّافِعُ الْخَافِضُ، يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ، وَكُلُّ فِعْلٍ أَوْ حُكْمٍ يَرْجِعُ إلَى الْأَسْمَاءِ حَسْبَمَا مَهَّدْنَاهُ فِي الْأَمَدِ الْأَقْصَى.
فَإِنْ قِيلَ؛ وَهِيَ:

.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: [الحكمة في حقن الدم بالمال اليسير المدفوع بالجزية]:

إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ فَحَقَنَ دَمَهُ بِمَالٍ يَسِيرٍ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ؛ هَلْ هَذَا إلَّا كَالرِّضَا بِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَا نَقُولُ: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْ الْحِكْمَةِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَتَقْوِيَةً لَهُمْ، وَرِزْقٌ حَلَالٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْكَافِرُ لَيَئِسَ مِنْ الْفَلَاحِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَلَكَةُ؛ فَإِذَا أَعْطَى الْجِزْيَةَ وَأُمْهِلَ لَعَلَّهُ أَنْ يَتَدَبَّرَ الْحَقَّ، وَيَرْجِعَ إلَى الصَّوَابِ، لاسيما بِمُرَاقَبَةِ أَهْلِ الدِّينِ، وَالتَّدَرُّبِ بِسَمَاعِ مَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ عَظِيمَ كُفْرِهِمْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إدْرَارِ رِزْقِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنْ اللَّهِ، يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ، وَهُمْ يَدْعُونَ لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ».
وَقَدْ بَيَّنَ عُلَمَاءُ خُرَاسَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالُوا: إنَّ الْعُقُوبَاتِ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مَا فِيهِ هَلَكَةُ الْمُعَاقَبِ.
وَالثَّانِي: مَا يَعُودُ بِمَصْلَحَةٍ عَلَيْهِ، مِنْ زَجْرِهِ عَمَّا ارْتَكَبَ، وَرَدِّهِ عَمَّا اعْتَقَدَ وَفَعَلَ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} يعني: لا يصدقون بتوحيد الله، {وَلاَ باليوم الآخر} بالبعث بعد الموت، {وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ}، في التوراة والإنجيل والقرآن، {وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق}، يقول: لا يخضعون لدين الحق، ولا يقرون بشهادة لا إله إلا الله.
ومعناه لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين، لأن أهل الكتاب كانوا يقرون بالله، ولكنهم قالوا: لله ولد؛ وأقروا بالبعث، ولكنهم لا يقرون لأهل الجنة بالنعمة، لأنهم لا يقرون بالأكل والشرب والجماع.
فليس يدينون دين الحق، يعني: دين الإسلام؛ ويقال: دين الله تعالى، لأن الله تعالى هو الحق، فأمر الله تعالى بقتلهم إلا أن يعطوا الجزية.
وهو قوله تعالى: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون}؛ قال بعضهم: عن قهر وذلّ، كما يقال: اليد في هذا لفلان، يعني: الأمر النافذ لفلان.
ويقال: {عَن يَدٍ}، يعني: عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية وترك أنفسهم يد ونعمة عليهم.
ويقال: عن اعتراف المسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم.
ويقال: {عَن يَدٍ} يعني: عن قيام يمشون بها صاغرين تؤخذ من أيديهم.
وقال الأخفش: يعني: كرهًا.
{وَهُمْ صاغرون}، يعني: ذليلين.
قال الفقيه: قتال الكفار على ثلاثة أنواع: في وجه، يقاتلون حتى يسلموا ولا يقبل منهم إلا الإسلام، وهم مشركو العرب والمرتدون من الأعراب أو من غيرهم؛ وفي وجه آخر، يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية؛ وهم اليهود والنصارى والمجوس؛ فأما اليهود والنصارى بهذه الآية، وأما المجوس بالخبر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ» وفي الوجه الثالث، واختلفوا فيه، وهم المشركون من غير العرب وغير أهل الكتاب، مثل الترك والهند ونحو ذلك، في قول الشافعي: لا يجوز أخذ الجزية منهم، وفي قول أبي حنيفة وأصحابه: يجوز أخذ الجزية منهم، كما يجوز من المجوس، لأنهم من غير العرب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله}.
قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرب الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك.
وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود واراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية فأنزل الله عز وجل: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر}.
{وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق} أراد الدين الحق فأضاف الاسم إلى الصفة. قال قتادة: الحق هو الله عز وجل، ودينه الإسلام، وقال أبو عبيدة معناه: طاعة أهل الإسلام، وكل من أطاع ملكًا أو ذا سلطان فقد دان له دينًا. قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي في طاعة عمرو.
{مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} يعني اليهود والنصارى يؤخذ منهم الجزية وألاّ يقاتلوا، ويؤخذ الجزية أيضًا من الصابئين والسامرة؛ لأن سبيلهم في أهل الكتاب سبيل أهل البدع فيها، ويؤخذ الجزية أيضًا من المجوس، وقد قيل: إنهم كانوا من أهل الكتاب فرفع كتابهم.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين، حدّثنا محمد بن يحيى و[.............] قالا: حدّثنا عثمان بن صالح، حدّثنا ابن وهب، أخبرنا يوسف عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأن عمر أخذها من مجوس السواد وأن عثمان بن عفان أخذها من بربر.
ابن حامد أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين، حدّثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا: حدّثنا أبو عاصم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أدري كيف أصنع المجوس؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب».
قال أبو عاصم: مشيت ميلًا وهرولت ميلًا حتى سمعت من جعفر بن محمد، حدّثنا، يعني هذا الحديث، وإنما منعنا من نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم (وإتيان) الفروج والاطعمة على الخطر، ولا يجوز الإقدام عليها بالشك.
قال الحسن: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الجزيرة على الإسلام لا يقبل منهم غيره، وكان أفضل الجهاد، وكان بعده جهاد آخر على هذه الطعمة في شأن أهل الكتاب.
{قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} ألاّ يتبعوا ماسواهما بدعة وضلالة، ولايؤخذ الجزية من الأوثان {حتى يُعْطُواْ الجزية} وهو ما يعطي المعاهد على عهده من الجزية، وهي فعلة من جزى يجزي إذا قضى عليه، والجزية مثل القعدة والجلسة ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم الذي يبذلونه للمسلمين دفعًا عنها.
وأما قدرها: فقال أنس: قسَّم النبي على كل محتلم دينارًا، وقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الفقراء من أهل الذمة كل واحد منهم درهمًا، وعلى الاوساط أربعة وعشرين، وعلى أهل الثروة ثمانية وأربعين درهمًا، ولم يجاوز به خمسين درهمًا، وليس شيء موقت ولكن على ما صولحوا عليه.
{عَن يَدٍ} أي بالنقل من يده إلى يد من يدفعه إليه، كما يقال كلّمته فمًا لفم.
وقال أبو عبيدة: يقال: أكلّ من [...] من غير طيب نفس منه أعطاه عن يد، وقال القتيبي: يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد إذا أعطاه مبتدئًا غير مكلف.
وقال ابن عباس: هو أنها يعطونها بأيديهم، يمشون بها كارهين ولايجيئون بها ركبانًا ولا يرسلون {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أذلاّء مقهورون، قال ابن عباس يتلتلون بها تلتلة وقال عكرمة: معنى الصغار هو أن تأخذها وأنت جالس وهو قائم. قال الكلبي: إنه إذا (جاء يعطي) صفع في قفاه، وقيل: إعطاؤه إياها هو الصغار، وقيل: إنّه لا يقبل فيها رسالة ولا وكالة، وقيل: إنه يجري عليهم أحكام الإسلام وهو الصَغَار.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن جعفر، حدّثنا علي بن حرب، حدّثنا السباط، حدّثنا عبد العزيز بن [...] عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء إلى ابن عباس رجل فقال: الأرض من أرض الخراج يعجز عنها أهلها أفأعمرها وأزرعها وأودي خراجها؟ قال: لا، وجاء آخر فقال له ذلك قال: لا وتلا قوله: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} الآية إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}، أيعمد أحدكم إلى الصغار في عنق أحدهم فينزعه فيجعله في عنقه؟
وقال كليب بن وائل: قلت لابن عمر: إشتريت أرضًا، قال: الشراء حسن. قال: فإنّي أعطي من كل جريب أرض درهما وقفيز طعام؟ قال: ولا تجعل في عنقك صغارًا.
وروى ميمون بن مهران عن ابن عمر قال ما يسرّني أن لي الأرض كلها بجزية خمسة دراهم أقر فيها الصغار على نفسي. اهـ.