فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخرِ}
فإن قيل: فأهل الكتاب قد آمنوا بالله واليوم الآخر فكيف قال ذلك فيهم،؟
ففيه جوابان:
أحدهما: أن إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بجميع حقوقه، فكانوا بترك الإقرار بحقوقه كمن لا يقرّ به.
والثاني: أنه ذمّهم ذم من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر للكفر بنعمته، وهم في الذم بالكفر كغيرهم.
{وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه ما أمر الله سبحانه وتعالى بنسخه من شرائعهم.
والثاني: ما أحله لهم وحرمه عليهم.
{وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ} والحق هنا هو الله تعالى، وفي المراد بدينه في هذا الموضع وجهان:
أحدهما: العمل بما في التوراة من اتباع الرسول، قاله الكلبي.
والثاني: الدخول في دين الإسلام لأنه ناسخ لما سواه من الأديان، وهو قول الجمهور.
{مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني من آباء الذين أوتوا الكتاب.
الثاني: من الذين أوتوا الكتاب بين أظهرهم لأنه في اتباعه كآبائهم.
{حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} فيه تأويلان:
أحدهما: حتى يضمنوا الجزية وهو قول الشافعي لأنه يرى أن الجزية تجب انقضاء الحول وتؤخذ معه.
والثاني: حتى يدفعوا الجزية.
وفي الجزية وجهان:
أحدهما: أنها من الأسماء المجملة لا يوفق على علمها إلا بالبيان.
والثاني: أنها من الأسماء العامة التي يجب إجراؤها على عمومها إلا ما خص بالدليل.
ثم قال تعالى: {عَن يَدٍ} وفيه أربعة تأويلات:
أحدها: عن غنى وقدرة.
والثاني: أنها من عطاء لا يقابله جزاء، قاله أبو عبيدة.
والثالث: أن يروا أن لنا في أخذها منهم يدًا عليهم بحقن دمائهم بها.
والرابع: يؤدونها بأيديهم ولا ينفذونها مع رسلهم كما يفعله المتكبرون.
{وَهُمْ صَاغِرُونَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن يكونوا قيامًا والآخذ لها جالسًا، قاله عكرمة.
والثاني: أن يمشوا بها وهم كارهون، قاله ابن عباس.
والثالث: أن يكونوا أذلاء مقهورين، قاله الطبري.
والرابع: أن دفعها هو الصَّغار بعينه.
والخامس: أن الصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام، قاله الشافعي. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}
هذه الأشياء تضمنت قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى يقتلوا أو يؤدوا الجزية، قال مجاهد: وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلة الله عليه وسلم في غزو الروم ومشى نحو تبوك، ومن جعل أهل الكتاب مشركين في هذه الآية عنده ناسخة بما فيها من أخذ الجزية لقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] ونفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر من حيث تركوا شرع الإسلام الذي يجب عليهم الدخول فيه، فصار جميع ما لهم في البعث وفي الله عز وجل من تخيلات واعتقادات لا معنى لها، إذ تلقوها من غير طريقها، وأيضًا فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة لأنهم تشعبوا وقالوا: عزيز ابن الله والله ثالث ثلاثة وغير ذلك، ولهم أيضًا في البعث آراء كشراء منازل الجنة من الرهبان، وقول اليهود في النار نكون فيها أيامًا بعد ونحو ذلك، وأما قوله: {لا يحرمون ما حرم الله ورسوله} فبين، ونص على مخالفتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما قوله: {ولا يدينون} فمعناه ولا يطيعون ويمتثلون، ومنه قول عائشة: ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين، والدين في اللغة لفظة مشتركة وهي هاهنا الشريعة، وهي مثل قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]، وأما قوله: {من الذين أوتوا الكتاب} فنص في بني إسرائيل وفي الروم وأجمع الناس في ذلك، وأما المجوس فقال ابن المنذر: لا أعلم خلافًا في أن الجزية تؤخذ منهم.
قال القاضي أبو محمد: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»، فقال كثير من العلماء معنى ذلك في أخذ الجزية منهم، وليسوا أهل الكتاب، فعلى هذا لم يتعد التشبيه إلى ذبائحهم ومناكحهم، وهذا هو الذي ذكره ابن حبيب في الواضحة، وقال بعض العلماء: معناه سنوا بهم سنة أهل الكتاب إذ هم أهل كتاب، فعلى هذا يتجه التشبيه في ذبائحهم وغيرها، والأول هو قول مالك وجمهور أصحابه، وروي أنه قد كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت، وأما مجوس العرب فقال ابن وهب: لا تقبل منهم جزية ولابد من القتال أو الإسلام، وقال سحنون وابن القاسم وأشهب: تؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها، وأما عبدة الأوثان من العرب فلم يستثن الله فيهم جزية ولا بقي منهم على الأرض بشر، قال ابن حبيب وإنما لهم القتال أو الإسلام وهو قول ابن حنيفة.
قال القاضي أبو محمد: ويوجد لابن القاسم أن الجزية تؤخذ منهم، وذلك أيضًا في التفريع لابن الجلاب وهو احتمال لا نص، وأما أهل الكتاب من العرب فذهب مالك رحمه الله إلى أن الجزية تؤخذ منهم، وأشار إلى المنع من ذلك أبو حنيفة، وأما السامرة والصابئون فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى تؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم، وقالت فرقة لا تؤكل ذبائحهم، وعلى هذا لا تؤخذ الجزية منهم، ومنع بعضهم الذبيحة مع إباحة أخذ الجزية منهم وأما عبدة الأوثان والنيران وغير ذلك فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم، وهو قول مالك في المدونة، وقال الشافعي وأبو ثور: لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط ومذهب مالك رحمه الله أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال البالغين الأحرار العقلاء، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، ولا تضرب على الصبيان والنساء والمجانين ولا تضرب على رهبان الديارات والصوامع المنقطعين، قال مالك في الواضحة: وأما إن كانت قد ضربت عليهم ثم انقطعوا بعد ذلك فلا تسقط عنهم، وأما رهبان الكنائس فتضرب عليهم، واختلف في الشيخ الفاني، ومن راعى أن علتها الإذلال أمضاها في الجميع وقال النقاش: العقوبات الشرعية تكون في الأموال والأبدان فالجزية من عقوبات الأموال، وأما قدرها فذهب رحمه الله وكثير من أهل العلم على ما فرضه عمر رضي الله عنه وذلك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهمًا على أهل الفضة، وفرض رضي الله ضيافة وأرزاقًا وكسوة، قال مالك في الواضحة ويحط ذلك عنهم اليوم لما....... عليهم من اللوازم، فهذا أحد ما ذكر عن عمر وبه أخذ مالك، قال سفيان الثوري رويت عن........ عمر ضرائب مختلفة.
قال القاضي أبو محمد: وأظن ذلك بحسب اجتهاده رضي الله عنه في يسرهم وعسرهم، وقال الشافعي وغيره: قدر الجزية دينار على الرأس، ودليل ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا بذلك وأخذه جزية اليمن كذلك أو قيمته معافر وهي ثياب، وقال كثير من أهل العلم ليس لذلك في الشرع حد محدود وإنما ذلك إلى اجتهاد الإمام في كل وقت وبحسب قوم قوم، وهذا كله في العنوة، وأما الصلح فهو ما صولحوا عليه من قليل أو كثير، واختلف في المذهب في العبد الذي يعتقه الذمي أو المسلم هل يلزمه جزية أم لا؟ وقال ابن القاسم لا ينقص أحد من أربعة دنانير كان فقيرًا أو غنيًا، وقال أصبغ: يحط الفقير بقدر ما يرى من حاله، وقال ابن الماجشون لا يؤخذ من الفقير شيء والجزية وزنها فعلة من جزى يجزي إذا كافى عن ما أسدى إليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، وهي كالقعدة والجلسة.
ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الكامل]
يجزيك أو يثني عليك وإن من ** أثنى عليك يما فعلتَ كمن جزى

وقوله تعالى: {عن يد} يحتمل تأويلات، منها أن يريد سوق الذمي لها بيده لا مع رسول ليكون في ذلك إذلال له، ومنها أن يريد عن نعمة منكم قبلهم في قبولها منهم وتمينهم، واليد في اللغة النعمة والصنع الجميل، ومنها أن يريد عن قوة منكم عليهم وقهر لا تبقى لهم معه راية ولا معقل، واليد في كلام العرب القوة، يقال: فلان ذو يد ويقال ليس لي بكذا وكذا يد أي قوة، ومنها أن يريد أن ينقذوها ولا يؤخروا بها كما تقول بعته يدًا بيد، ومنها أن يريد عن استسلام منهم وانقياد على نحو قولهم ألقى فلان بيده إذا عجز واستسلم، وقوله: {وهو صاغرون} لفظ يعم وجوهًا لا تنحصر لكثرتها ذكر منها عن عكرمة أن يكون قابضها جالسًا والدافع من أهل الذمة قائم، وهذا ونحوه داع إلى صغارهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}
قال المفسرون: نزلت في اليهود والنصارى.
قال الزجاج: ومعناها: لا يؤمنون بالله إيمان الموحِّدين، لأنهم أقرُّوا بأنه خالقُهم، وأنَّه له ولد، وكذلك إيمانهم بالبعث لأنهم لا يقرُّون بأنَّ أهل الجنة يأكلون ويشربون.
وقال الماوردي: إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بحقوقه، وهم لا يقرُّون بها، فكانوا كمن لا يُقِرُّ به.
قوله تعالى: {ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُهُ} قال سعيد بن جبير: يعني: الخمر والخنزير.
قوله تعالى: {ولا يدينون دين الحق} في الحق قولان:
أحدهما: أنه اسم الله، فالمعنى: دين الله، قاله قتادة.
والثاني: أنه صفة للدين، والمعنى: ولا يدينون الدِّينَ الحقَّ؛ فاضاف الاسم إلى الصفة.
وفي معنى {يدينون} قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الطاعة، والمعنى: لا يطيعون الله طاعةَ حقٍّ، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أنه من دان الرجل يدين كذا: إذا التزمه.
ثم في جملة الكلام قولان:
أحدهما: أن المعنى: لا يدخلون في دين محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ناسخ لما قبله.
والثاني: لا يعملون بما في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية} قال ابن الأنباري: الجزية: الخراج المجعول عليهم، سميت جزية لانها قضاء لما عليهم؛ أُخذ من قولهم: جَزى يَجْزي: إذا قضى؛ ومنه قوله تعالى: {لا تَجْزِي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} [البقرة: 48] وقوله: «ولا تَجْزِي عن أحدٍ بعدَك».
وفي قوله: {عن يدٍ} ستة أقوال:
أحدها: عن قهر، قاله قتادة، والسدي.
وقال الزجاج: عن قهر وذُلٍّ.
والثاني: أنه النقد العاجل، قاله شريك، وعثمان بن مقسم.
والثالث: أنه إعطاء المبتدئ بالعطاء، لا إعطاء المكافيء، قاله ابن قتيبة.
والرابع: أن المعنى: عن اعتراف للمسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم.
والخامس: عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية منهم إنعام عليهم، حكاهما الزجاج.
والسادس: يؤدُّونَها بأيديهم، ولا ينفذونها مع رسلهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وهم صاغرون} الصاغر: الذليل الحقير.
وفي ما يُكَلَّفونه من الفعل الذي يوجب صغارهم خمسة أقوال:
أحدها: أن يمشوا بها مُلَبَّبين، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن لا يُحمدوا على إعطائهم، قاله سلمان الفارسي.
والثالث: أن يكونوا قيامًا والآخذ جالسًا، قاله عكرمة.
والرابع: أن دفع الجزية هو الصغار.
والخامس: أن إجراء أحكام الإسلام عليهم هو الصغار.