فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والموقوف: أصح.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت.
قال المسلمون: فمن أين لنا الطعام؟ فأنزل الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَاء} قال: فأنزل الله عليهم المطر، وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم.
وأخرج ابن مردويه، عنه، قال: فأغناهم الله من فضله، وأمرهم بقتال أهل الكتاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عكرمة، في قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} قال: الفاقة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، في قوله: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} قال: بالجزية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن الضحاك مثله.
وأخرج نحوه عبد الرزاق عن قتادة.
وأخرج أبو الشيخ، عن الحسن، في قوله: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} قال: قذر.
وأخرج أبو الشيخ عنه، أيضًا قال: من صافحهم فليتوضأ.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صافح مشركًا فليتوضأ أو ليغسل كفيه» وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبهيقي في سننه، عن مجاهد، في قوله: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} قال: نزلت هذه الآية حين أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن شهاب، قال: نزلت في كفار قريش والعرب {وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} وأنزلت في أهل الكتاب: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} الآية إلى قوله: {حتى يُعْطُواْ الجزية}، فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، في قوله: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} يعني: الذين لا يصدّقون بتوحيد الله: {وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ} يعني الخمر والحرير {وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق} يعني: دين الإسلام {مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون} يعني: مذللون.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {عَن يَدٍ} قال: عن قهر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة، في قوله: {عَن يَدٍ} قال: من يده ولا يبعث بها غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي سنان في قوله: {عَن يَدٍ} قال: عن قدرة.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس، في قوله: {وَهُمْ صاغرون} قال: يمشون بها متلتلين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، قال: يلكزون.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سلمان، في الآية قال: غير محمودين. اهـ.

.قال الصابوني:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}
منع المشركين دخول المسجد الحرام:

.التحليل اللفظي:

{نَجَسٌ}: أي قذر، قال الزجاج: يقال لكل شيء مستقذر: نجسٌ.
وقال الفراء: لا تكاد العرب تقول: نَجِسٌ إلا وقبلها رجسٌ، فإذا أفردوها قالوا: نجس.
{عَيْلَةً}: العيلة: الفقر والفاقة، يقال: عال يعيل عيلةً إذا افتقر، وأعال فهو مُعيل إذا صار صاحب عيال، وقال أبو عبيدة: العيلة مصدر عال بمعنى افتقر وأنشد:
وما يَدْري الفقيرُ متى غِناه ** وما يدري الغنيّ متى يَعيل

{يَدِينُونَ}: من دان الرجل يدين إذا اتخذ الأمر له عقيدة والتزمه تقول: فلان يدين بكذا أي يلتزمه ويعتنقه، والمراد في الآية أنهم لا يلتزمون بدين الحق وهو دين الإسلام.
{الجزية}: اسم لما يعطيه المعاهد على عهده. قال ابن الأنباري: هي الخراج المجعول عليهم، سميت جزية لأنها قضاء ما وجب عليهم من قولهم: جزى يجزي إذا قضى.
قال أبو حيان: سميت جزية من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدى عليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، ومن هذا المعنى قول الشاعر:
نجزيكَ أو نُثْني عليكَ وإنّ من ** أثنَى عليكَ ما فعلت فقد جزى

{عَن يَدٍ}: أي يؤدون الجزية عن قهر وذل وطاعة يقال: أعطى يده إذا انقاد، ونزع يده إذا خرج عن الطاعة.
{صَاغِرُونَ}: الصاغر: الذليل الحقير، والصّغار الذل.
ومعنى الآية: حتى يدفعوا الجزية منقادين طائعين في حال الذل والهوان.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: يا أيها المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله، إنما المشركون قذر ورجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، فهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات، فلا تمكنوهم من دخول المسجد الحرام، بعد هذا العام، وإن خفتم- أيها المؤمنون- فقرًا أو فاقة بسبب منعكم إياهم من الحج ودخول الحرم، فسوف يغنيكم الله من فضله، ويوسع عليكم من رزقه، حتى لا يدعكم بحاجة إلى أحد وذلك راجع إلى مشيئته جل وعلا إن الله عليم حكيم.
قاتلوا أيها المؤمنون الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله من أهل الكتاب، ولا يصدقون باليوم الآخر على الوجه الذي جاء به رسول الله، ولا يدخلون في دين الإسلام دين الحق، ولا يحرمون ما حرّمه الله ورسوله، من (اليهود والنصارى) حتى يدفعوا لكم الجزية، عن انقياد وطاعة، وذل خضوع، وهم صاغرون مهينون.

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} بفتح الجيم، وقرأ أبو علي حيوة (نِجْسٌ) على وزن رجس، وقرأ ابن السميقع (أنجاسٌ) على صيغة الجمع.
2- قرأ الجمهور {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} وقرئ (عائلة) و(عايلة).

.سبب النزول:

لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا أن يقرأ على مشركي مكة أول سورة براءة، ويَنْبِذَ إليهم عهدهم، وأن يخبرهم أنّ الله بريءٌ من المشركين ورسولهُ، قال أناسٌ: يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة وانقطاع السبُل وفقد الحمولات فنزلت الآية الكريمة {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا...} الآية.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: أطلق القرآن الكريم على المشركين أنهم نجس، والإخبار عنهم بصيغة المصدر فيه مبالغة كأنهم صاروا عين النجاسة، وأصل التعبير (إنما المشركون كالنجس) لكنه حذفت منه أداة الشبه، ووجه الشبه، فأصبح (تشبيهًا بليغًا).
وقال بعض العلماء: المراد أنهم ذوو نجس أي أصحاب نجس فالكلام على (حذف مضاف) وإنما عبّر عنهم أصحاب نجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، وإشراكهم بالله، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون.
اللطيفة الثانية: النهي عن قربان المسجد الحرام جاء بطريق المبالغة لأن الغرض نهيهم عن دخول المسجد الحرام، فإذا نهوا عن قربانه كان النهي عن دخوله من باب أولى، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} [الأنعام: 152] وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} [الإسراء: 32] فيكون النهي عن أكل مال اليتيم، وارتكاب الزنى محرمًا من باب أولى.
اللطيفة الثالثة: تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ} لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله آمِنِينَ} [الفتح: 27] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتمًا، بل لابد من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير، وفي دفع الآفات.
اللطيفة الرابعة: في التعبير في ختام الآية: {إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة، فإن شاء الله أغنى، وإن شاء أفقر، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله:
لو كانَ بالحيَلِ الغِنَى لوجدتني ** بنجوم أقطارِ السّماءِ تعلّقي

لكنّ من رَزَقَ الحجا حَرَم الغِنَى ** ضدّان مفترقان أيّ تفرق

ومن الدليل على القضاء وكونه ** بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ

اللطيفة الخامسة: نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) لأن إيمانهم مغشوش مدخول، وليس إيمانًا كما يجب، لأنهم جعلوا لله ولدًا، وزوجة، وبدّلوا كتابهم، وحرّموا ما لم يحرّم الله، وأحلّوا ما لم يُحلّه، ووصفوا المولى جل وعلا بما لا يليق، فهم وإن زعموا الإيمان غير مؤمنين إيمانًا صحيحًا، وهذا هو السرّ في التعبير القرآن بنفي الإيمان عنهم.
قال الكرماني: نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة؟

ذهب جمهور المفسرين إلى أن لفظ المشركين خاص بعبّاد الأوثان والأصنام، لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهًا آخر، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفارًا إلا أن لفظ (المشركين) لا يتناولهم، لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام.
وقال بعض العلماء إن لفظ المشركين يتناول جميع الكفار، سواء منهم عُبّاد الأوثان أو أهل الكتاب لقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] أن يكفر به فأطلق لفظ الإشراك على الكفر.
أقول: هذا هو الصحيح وهو أن اللفظ يشمل كل كافر، وأن النهي عن دخول المسجد الحرام عام لكل كافر، فلا فرق بين الوثني واليهودي أو النصراني في الحكم.

.الحكم الثاني: هل أعيان المشركين نجسة؟

دلّ ظاهر قوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} على نجاسة المشركين. وقد تقدم معنا أن المراد من اللفظ (النجاسة المعنوية) أي أن معهم الشرك المنزّل منزلة النجس الذي يجب اجتنابه، أو أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجناية والطهارة، وعدم اجتنابهم النجاسات وقد نقل صاحب الكشاف: عن ابن عباس أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير تمسكًا بظاهر الآية. وروى ابن جرير عن الحسن البصري أنه قال: من صافحهم فليتوضأ.
ولكنّ الفقهاء على خلاف ذلك فقد ذهبوا إلى أن أبدانهم طاهرة، لأنهم لو أسلموا كانت أجسامهم طاهرة بالإجماع، مع أنه لم يوجد ما يطهرها من الماء أو النار أو التراب أو ما شابه ذلك، والآية لا تدل على نجاسة الظاهر وإنما يدل على نجاسة الباطن، ولا شك أنهم لا يتطهرون، ولا يغتسلون، ولا يجتنبون النجاسات، فجعلوا نجسًا مبالغة في وصفهم بالنجاسة.
الترجيح: الصحيح رأي الجمهور لأن المسلم له أن يتعامل معهم، وقد كان عليه السلام يشرب من أواني المشركين، ويصافح غير المسلمين والله أعلم.

.الحكم الثالث: هل يمنع المشرك من دخول المسجد؟

دلّ قوله تعالى: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام} على منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وقد اختلف العلماء في المراد من لفظ (المسجد الحرام) على أقوال عديدة:
أ- المراد خصوص المسجد الحرام أخذًا بظاهر الآية وهو مذهب الشافعية.
ب- المراد الحرم كلّه (مكة) وما حولها من الحرم وهو قول عطاء ومذهب الحنابلة.
ج- المراد المساجد جميعًا المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد بالقياس وهو مذهب المالكلية.
د- المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة وهو مذهب الحنفية.
دليل الشافعي: احتج الشافعي رحمه الله بظاهر الآية: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام} فقال: الآية خاصة في المسجد الحرام. عامة في الكفار. فأباح دخول غير المسلمين سائر المساجد. ومنع جميع الكفار من دخول المسجد الحرام.
دليل أحمد: واستدل الإمام أحمد رحمه الله بأن لفظ (المسجد الحرام) قد يطلق ويراد به الحرم كله كما في قوله تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} [الفتح: 25] وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله آمِنِينَ} [الفتح: 27] وقد كان الصد عن دخول مكة، وأخبر تعالى بأنهم سيدخلونها آمنين.
دليل مالك: واستدل مالك رحمه الله بأن العلة وهي (النجاسة) موجودة في المشركين. والحرمة ثابتة لكل المساجد، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها. فقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
دليل أبي حنيفة: واستدل أبو حنيفة رحمه الله على أن المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة بما يلي:
أولًا: قوله تعالى: {بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} فإن تقييد الني بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام.
ثانيًا: قول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي بسورة براءة: «وألاّ يحجّ بعد هذا العام مشرك».
ثالثًا: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في مواسم الحج، فإن ذلك يضر بمصالحهم المالية، فأخبرهم تعالى بأن الله يغنيهم من فضله.
رابعًا: إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.
قال صاحب الكشاف: إن معنى قوله تعالى: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام} أي لا يحجوا ولا يعتمروا، ويدل عليه قول علي: «وألاّ يحج بعد عامنا هذا مشرك»: فلا يمنعون من دخول الحرم، والمسجد الحرام، وسائر المساجد عند أبي حنيفة.