فصل: فصل متى تجب الجزية؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال وحدثني الفضل بن دكين عن سعيد بن سنان عن عنترة قال كان علي يأخذ الجزية من كل ذي صنعة من صاحب الإبر إبرا ومن صاحب المسان مسان ومن صاحب الحبال حبالا ثم يدعو العرفاء فيعطيهم الذهب والفضة فيقتمسونه ثم يقول خذوا هذا فاقتسموه فيقولون لا حاجة لنا فيه فيقول أخذتم خياره وتركتم علي شراره لتحملنه.
قال أبو عبيد وإنما توجه هذا من علي رضي الله عنه أنه إنما كان يأخذ منهم هذه الأمتعة بقيمتها من الدراهم التي عليهم من جزية رءوسهم ولا يحملهم على بيعها ثم يأخذ ذلك من الثمن إرادة الرفق بهم والتخفيف عليهم.
قال ومثل هذا حديث معاذ رضي الله عنه حين قال باليمن ائتوني بحميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة وكذلك فعل عمر رضي الله عنه حتى كان يأخذ الإبل في الجزية.
وإنما يراد بهذا كله الرفق بأهل الذمة وألا يباع عليهم من متاعهم شيء ولكن يؤخذ مما سهل عليهم بالقيمة ألا تسمع إلى قول رسول الله أو عدله من المعافر فقد بين لك ذكر العدل أنه القيمة.
قال وحدثنا محمد بن كثير عن أبي رجاء الخراساني عن جسر قال شهدت كتاب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى إلى عدي بن أرطاة قرئ علينا بالبصرة أما بعد فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتيا وخسرانا مبينا فضع الجزية على من أطاق حملها وخل بينهم وبين عمارة الأرض فإن في ذلك صلاحا لمعاشر المسلمين وقوة على عدوهم ثم انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه فلو أن رجلا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك قال ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.
قال وحدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن محمد بن طلحة عن داود بن سليمان الجعفي قال كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عبدالحميد بن عبدالرحمن سلام عليك أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام وسنن خبيثة سنتها عليهم عمال السوء وإن أقوم الدين العدل والإحسان فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك أن توطنها الطاعة لله عز وجل فإنه لا قليل من الإثم وأمرتك ألا تطرق عليهم أرضهم وألا تحمل خرابا على عامر ولا عامرا على خراب ولا تأخذ من الخراب إلا ما يطيق ولا من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض وأمرتك ألا تأخذ في الخراج إلا وزن سبعة ليس لها آس ولا أجور الضرابين ولا إذابة الفضة ولا هدية النيروز والمهرجان ولا ثمن المصحف ولا أجور البيوت ولا دراهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض فاتبع في ذلك أمري فقد وليتك في ذلك ما ولاني الله ولا تعجل دوني بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه وانظر من أراد من الذرية الحج فعجل له مئة يتجهز بها والسلام عليك.
قال عبدالرحمن قوله دراهم النكاح يريد به بغايا كان يؤخذ منهن الخراج وقوله الذرية يريد به من كان ليس من أهل الديوان.

.فصل متى تجب الجزية؟

وتجب الجزية في آخر الحول ولا يطالبون بها قبل ذلك هذا قول الإمام أحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة تجب بأول الحول وتؤخذ منه كل شهر بقسطه ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أصل في الجزية وهي أنها عنده عقوبة محضة يسلك بها مسلك العقوبات البدنية ولهذا يقول إذا اجتمعت عليه جزية سنين تداخلت كما تتداخل العقوبات ولو أسلم وعليه جزية سنين سقطت كلها كما تسقط العقوبات ولو مات بعد الحول وقبل الأخذ سقطت عنه.
وفي الجامع الصغير ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت السنة وجاءت السنة الأخرى لم يؤخذ منه وهذا عند أبي حنيفة.
وقالا تؤخذ منه فإن مات عند تمام السنة لم تؤخذ منه في قولهم جميعا وعلى هذا فلو كانت تجب بآخر الحول لاستقرت بمضيه ولم تسقط ولم تتداخل كالزكاة والدية والجزية وجبت بدلا عن القتل وعصمة الدم في حقه وعوضا عن النصرة لهم في حقنا وهذا إنما يكون في المستقبل لا في الماضي لأن القتال إنما يفعل لحراب قائم في الحال لا لحراب ماض وكذا النصرة في المستقبل لأن الناصر وقعت الغنية عنه.
وسر المسألة أن سبب الجزية قائم في الحال ويعطيها على المستقبل شيئا فشيئا بحسب احتمال المحل لتعويض الضربات في الحدود.
ولهذا قالوا تؤخذ كل شهر بقسطه فإنها لو أخرت حتى دخل العام الثاني سقطت كما قال محمد في الجامع.
وعلى هذا فلا تستقر عليه جزية أبدا ولا سبيل إلى أن تؤخذ سلفا وتعجيلا فأخذت مفرقة على شهور العام لقيام مقتضى لصدقته من الكفر وفي الأخذ من الذب عنه والنصرة.
وقال محمد في كتاب الزيادات في نصراني مرض السنة كلها فلم يقدر على أن يعمل وهو موسر أنه لا تجب عليه الجزية لأنها إنما تجب على الصحيح المعتمل.
وكذلك إن مرض نصف السنة أو أكثرها فإن صح ثمانية أشهر أو أكثر فعليه الجزية ولأن المريض لا يقدر على العمل فهو خال من الغنى.
وكذلك إذا مرض أكثر السنة أن الأكثر يقوم مقام الجميع.
وكذلك إذا مرض نصف السنة أن الموجب والمسقط تساويا فيما طريقه العقوبة وكان الحكم للمسقط كالحدود.
واحتج لهذا القول بأن الله سبحانه أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية وبأنها عقوبة وإذلال وصغار للكفر وأهله فلا يتأخر عن القدرة على أخذها.
قالوا وهذا على أصل من جعلها أجرة سكنى الدار أطرد فإن الأجرة تجب عقيب العقد وإنما أخذت منهم مقسطة بتكرر الأعوام رفقا بهم وليستمر نفع الإسلام بها وقوته كل عام بخراج الأرضين.
قال الأكثرون لما ضرب رسول الله الجزية على أهل الكتاب والمجوس لم يطالبهم بها حتى ضربها عليهم ولا ألزمهم بأدائها في الحال وقت نزول الآية بل صالحهم عليها وكان يبعث رسله وسعاته فيأتون بالجزية والصدقة عند محلهما واستمرت على ذلك سيرة خلفائه من بعده وهذا مقتضى قواعد الشريعة وأصولها فإن الأموال التي تتكرر بتكرر الأعوام إنما تجب في آخر العام لا في أوله كالزكاة والدية ولو أن رجلا أجل على رجل مالا كل عام يعطيه كذا وكذا لم يكن له المطالبة بقسط العام الأول عقيب العقد.
وأما قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية} فليس المراد به العطاء الأول وحده بل العطاء المستمر المتكرر ولو كان المراد به ما ذكرتم لكان الواجب أخذ الجميع عقيب العقد وهذا لا سبيل إليه على أن المعنى حتى يلتزموا عطاء الجزية وبذلها وهذه كانت سنة رسول الله فيهم أنهم إذا التزموا له بذل الجزية كف عنهم بمجرد التزامهم ولهذا يحرم قتالهم إذا التزموها قبل إعطائهم إياها اتفاقا ولهذا قال في حديث بريدة فادعهم إلى الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإنما كان يدعوهم إلى الإقرار بها والتزامها دون الأخذ في الحال.
واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم تجب بأول السنة دفعة واحدة ولكن تستقر جزءا بعد جزء.
وقال بعضهم معنى إضافة الوجوب إلى أول السنة انبساطه على جميع الأوقات لا أنها تجب دفعة واحدة بأول السنة وبنوا على ذلك الأخذ بالقسط إذا أسلم أو مات أو جن.
وقال بعضهم إنما يدخل وقت وجوبها عند انقضاء السنة وهذا هو المشهور.

.فصل ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون:

هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم قال ابن المنذر ولا أعلم عن غيرهم خلافهم.
وقال أبو محمد في المغني لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا.
قال أبو عبيد ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا أيوب عن نافع عن أسلم.
مولى عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقاتلوا في سبيل الله ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم ولا يقتلوا النساء ولا الصبيان ولا يقتلوا إلا من جرت عليه المواسي وكتب إلى أمراء الأجناد أن يضربوا الجزية ولا يضربوها على النساء والصبيان ولا يضربوها إلا على من جرت عليه المواسي.
قال أبو عبيد يعني من أنبت.
وهذا الحديث هو الأصل فيمن تجب عليه الجزية ومن لا تجب عليه ألا قراه إنما جعلها على الذكور المذكورين دون الإناث والأطفال وأسقطها عمن لا يستحق القتل وهم الذرية.
وقد جاء في كتاب النبي إلى معاذ باليمن خذ من كل حالم دينارا تقوية لقول عمر رضي الله عنه ألا تراه خص الحالم دون المرأة والصبي إلا أن في بعض ما ذكرنا من كتبه الحالم والحالمة فنرى والله أعلم أن المحفوظ المثبت من ذلك هو.
الحديث الذي لا ذكر للحالمة فيه لأنه الأمر الذي عليه المسلمون وبه كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد.
فإن يكن الذي فيه ذكر الحالمة محفوظا فإن وجهه عندي أن يكون ذلك كان في أول الإسلام إذ كان نساء المشركين وولدانهم يقتلون مع رجالهم وقد كان ذلك ثم نسخ.
ثم ذكر حديث الصعب بن جثامة الذي في صحيح البخاري أن رسول الله بعث سرية فأصابت من أبناء المشركين فقال رسول الله هم من آبائهم.
قال أبو عبيد ثم جاء النهي بعد ذلك وذكر الأحاديث التي فيها النهي عن قتل النساء والذرية.
قلت لم يشرع رسول الله قتل النساء والذرية في شيء من مغازيه البتة.
والنبي نهى عن قتل النساء والذرية في مغازيه قبل إرسال معاذ إلى اليمن كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان.
ورأى الناس في بعض غزواته مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال انظر علام اجتمع هؤلاء فجاء فقال امرأة قتيل فقال ما كانت هذه لتقاتل وكان على المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا.
وفي لفظ لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا ذكره أحمد.
وفي سنن أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
بل النهي عن قتل النساء وقع يوم الخندق ويوم خيبر كما في المسند من حديث ابن كعب ابن مالك عن عمه أن النبي حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان.
وفي المعجم للطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي مر بامرأة يوم الخندق مقتولة فقال من قتل هذه فقال رجل أنا يا رسول الله قال ولم قال نازعتني سيفي فسكت.
وهذا كله كان قبل إرسال معاذ إلى اليمن.
فالصواب أن ذكر الحالمة في الحديث غير محفوظ والله أعلم.

.فصل المرأة إن بذلت الجزية من نفسها:

فإن بذلت المرأة الجزية أخبرت أنه لا جزية عليها فإن قالت أنا أتبرع بها قبل منها ولم تكن جزية ولو شرطته على نفسها ولها الرجوع متى شاءت وإن بذلت لتصير إلى دار الإسلام ولا تسترق مكنت من ذلك بغير شيء ولكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام وتعقد لها الذمة ولا يؤخذ منها شيء إلا أن تتبرع به بعد معرفتها أنه لا شيء عليها.
وإن أخذ منها شيء على غير ذلك رد إليها لأنها بذلته معتقدة أنه عليها وأن دمها لا يحقن إلا به فأشبه من أدى مالا إلى من يعتقد أنه له فتبين أنه ليس له.
ولو حاصر المسلمون حصنا ليس فيه إلا نساء فبذلن الجزية لتعقد لهن الذمة عقدت لهن بغير شيء وحرم استرقاقهن.
فإن كان معهن في الحصن رجال فسألوا الصلح لتكون الجزية على النساء والصبيان دون الرجال لم يصح وإن بذلوها على الجميع جاز وكان جزية على الرجال خاصة.

.فصل أحكام أولاد أهل الذمة إذا بلغوا والمجنون إذا أفاق:

فإذا بلغ الصبي من أهل الذمة وأفاق المجنون لم يحتج إلى تجديد عقد وذمة بل العقد الأول يتناول البالغين ومن سيبلغ من أولادهم أبدا وعلى هذا استمرت سنة رسول الله وسنة خلفائه كلهم في جميع الأعصار حتى يومنا هذا لم يفردوا كل من بلغ بعقد جديد.