فصل: فصل في بني تغلب وأحكامهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الرابع عشر قوله وإنما أذن الله تعالى بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعده.
فيقال إن أريد بما دانوا به قبل محمد فذلك إنما هو قبل مبعث المسيح فلا تقبل من يهودي جزية إلا أن يعلم أن آباءه توارثوا اليهودية قبل مبعث المسيح فإنها بطلت بمبعثه كما بطلت هي والنصرانية وسائر الأديان بمبعث رسول الله.
وإن أريد به ما دانوا به قبل مبعثه وإن كان باطلا منسوخا فما الفرق بين ذلك وبين ما دانوا به بعد المبعث قبل أن تبلغهم الدعوة وتقوم عليهم الحجة؟ فإنك إنما اعتبرت وقت مبعثه خاصة.
وإن أريد به ما دانوا به قبل قيام الحجة عليهم انتقض ذلك من وجهين.
أحدهما أنك لم تعتبر ذلك وإنما اعتبرت نفس المبعث.
الثاني أن الدين إذا كان باطلا قبل المبعث لم يكن لتمسك الآباء به أثر في إقرار الأبناء.
الخامس عشر أنهم إذا دانوا بدين قد أقر أهله عليه بعد المبعث مع بطلانه قطعا فقد أقروا على دين مبدل منسوخ وأخذت منهم الجزية عليه.
السادس عشر أن قوله بخلاف ما أحدثوا من الدين بعده يشعر بأنه كان صحيحا إلى زمن المبعث فأحدثوا بعد المبعث دينا آخر غيره فكذلك لا يقرون عليه وهذا خلاف الواقع فإنهم كانوا قد أحدثوا وبدلوا قبل مبعث رسول الله فلما بعث على ذلك الإحداث والتبديل وانضاف إليه إحداث آخر وتبديل آخر فلم يكن دينهم قبل المبعث سالما من الإحداث والتبديل بل كان كله قد انتقض إلا الشيء القليل منه.
السابع عشر قوله فإن أقام على ما كان عليه وإلا نبذ إليه عهده فيقال متى سار رسول الله وخلفاؤه في أهل الذمة هذه السيرة؟ ومتى قال هو أو أحد من خلفائه ليهودي أو نصراني متى دخل أباؤك في الدين؟ فإن كانوا دخلوا فيه قبل مبعثي وإلا نبذت إليك العهد وأيضا فإن الذي كان عليه باطل قطعا سواء أدرك آباؤه حقه أو لم يدركوه فهو مقيم على ما كان عليه آباؤه من الباطل.
الثامن عشر أن إقراره بين أظهر المسلمين على باطل دينه بالجزية والذل والصغار والتزام أحكام الملة وكف شره عن المسلمين خير وأنفع للمسلمين من أن يخرج بماله إلى بلاد الكفار المحاربين فيكون قوة للكفار محاربا للإسلام ممتنعا من أداء الجزية وجريان أحكام الملة عليه مع إقامته على الدين الباطل.
التاسع عشر قوله ومن بدل دينه من كتابية لم يحل نكاحها فيقال إذا كان العلم بكون الكتابية دخل آباؤها في الدين قبل النسخ والتبديل شرطا في حل نكاحها لم يحل نكاح امرأة من أهل الكتاب حتى يعرف أن آباءها كانوا كذلك وهذا لا سبيل إلى العلم به إلا من جهتهم وخبرهم لا يقبل في ذلك والمسلمون لا علم لهم بذلك فلا يحل نكاح امرأة كتابية أصلا وهذا خلاف نص القرآن.
ولا يقال من لم يعلم حال أبويها جاز نكاحها فإن شرط الحل إذا لم يعلم ثبوته امتنع ثبوت الحل والصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يسألوا عن ذلك.
وقد ألزم المزني الشافعي بالنكاح فقال الشافعي في كتاب النكاح إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهو حلال قال المزني وهذا عندي أشبه ثم احتج بقول ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وهذا من أحسن الاحتجاج.
ثم قال المزني فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس.
الوجه العشرون أنه لو صح اشتراط ذلك الشرط لم يبح لنا ذبيحة أحد من أهل الكتاب لأنا لا نعلم متى دخل آباؤه في الدين والجهل بوجود الشرط كالعلم بانتفائه في امتناع ثبوت الحكم قبل تحققه.
وقد قال الشافعي رحمه الله تنصرت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله محمدا وينزل عليه الفرقان فدانت بدين أهل الكتاب فأخذ عليه الصلاة والسلام الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو كندة ومن أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب فدل ما وصفت على أن الجزية ليست على الأحساب وإنما هي على الأديان فقد صرح رحمه الله تعالى بعدم اعتبار الأنساب في الجزية وأخبر أنها على الأديان ومعلوم أن هذا لا فرق بينه وبين أن يكون الآباء دانوا بالدين قبل تبديله أو لم يكونوا كذلك وكون الآباء قد دخلوا في الدين قبل نزول القرآن بعد بطلانه وتبديله لا أثر له فإنهم بين المبعث وضرب الجزية كانوا قد دخلوا في دين يقرون عليه.
ونكتة المسألة أنهم بعد المبعث وإن دخلوا في دين باطل قد دخلوا في دين يقرون عليه وذلك قبل الأمر بالجهاد.
فهذه الوجوه ونحوها وإن كانت مبطلة لهذا الأصل فإنها من أصول الشافعي رحمه الله تعالى وقواعده فمن كلامه وكلام أمثاله الأئمة استفدناها ومنه ومنهم تعلمناها ولم نخرج فيها عن أصوله وقواعده وليس المعتنون بالوجوه والطرق واختلاف المنتسبين إليه والاعتناء بعباراتهم أقرب إليه منا ولا أولى به بل هذه طريقته وأصوله التي أوصى بها أصحابه فمن وافقه في نفس أصوله أحق به ممن أعرض عنها والله المستعان.
وقد قال أبو المعالي الجويني في نهايته بعد أن حكى كلام بعض أصحاب الشافعي إن من تنصر أو تهود بعد تبديل الدينين وتغيير الكتابين قبل مبعث نبينا نظر فإن تمسك بالدين غير مبدل وحذف التبديل ثم أدركه الإسلام قبلت الجزية منه وإن دخل في الدين المبدل ثم أدركه الإسلام لم يقبل منه وإن كان ذلك قبل المبعث.
وهل يقبل من أولاده؟ فيه وجهان مبنيان على أن الجزية هل تؤخذ من أولاد المرتدين؟ قال وهذا كلام مختلط لا تعويل عليه والمذهب القطع بأخذ الجزية ممن تمسك بالدين المبدل قبل المبعث وأدركه الإسلام نطرا إلى تغليب الحقن وإذا تعلق بالكتاب فليس كله مبدلا وغير المبدل منه ينتصب شبهة في جواز حقن دمه بالجزية إذ ذاك لا ينحط عن الشبهة التي تعلق بها المجوس فلا ينبغي أن يعتد بهذا بل الوجه القطع بقبول الجزية كما قدمنا. انتهى.
وهذا الذي ذكره في غاية القوة وما ذكره من حكى كلامه مخالف للمعلوم المقطوع به من سنة رسول الله وبقي عليه درجة واحدة وهي القطع بأخذها ممن تهود بعد المبعث قبل الأمر بالقتال إذ كانوا مقرين على دينهم فقد دخل في دين باطل يقر أهله عليه كما تقدم.

.فصل في بني تغلب وأحكامهم:

بنو تغلب بن وائل بن ربيعة بن نزار من صميم العرب انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية وكانوا قبيلة عظيمة لهم شوكة قوية واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام فصولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم عوضا من الجزية واختلفت الرواية متى صولحوا:
ففي سنن أبي داود من حديث إبراهيم بن مهاجر عن زياد بن حدير قال قال علي لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي ألا ينصروا أبناءهم.
لكن قال أبو داود هذا حديث منكر بلغني عن أحمد بن حنبل أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارا شديدا.
وقال أبو علي اللؤلؤي لم يقرأه أبو داود في العرضة الثانيةانتهى.
وإبراهيم بن مهاجر ضعفه غير واحد والمشهور أن عمر هو الذي صالحهم.
قال أبو عبيد ثنا أبو معاوية ثنا أبو إسحاق الشيباني عن السفاح عن داود بن كردوس قال صالحت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن بني تغلب بعدما قطعوا الفرات وأرادوا أن يلحقوا بالروم على ألا يصبغوا صبيا ولا يكرهوا على دين غير دينهم وعلى أن عليهم العشر مضاعفا من كل عشرين درهما درهم فكان داود يقول ليس لبني تغلب ذمة قد صبغوا في دينهم.
قال أبو عبيد قوله لا يصبغوا في دينهم يعني لا ينصروا أولادهم.
قال أبو عبيد وكان عبدالسلام بن حرب الملائي يزيد في إسناد هذا الحديث بلغني ذلك عنه عن الشيباني عن السفاح عن داود عن عبادة بن النعمان عن عمر.
وحدثني سعيد بن سليمان عن هشيم قال ثنا مغيرة عن السفاح بن المثنى عن زرعة ابن النعمان أو النعمان بن زرعة أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكلمه في نصارى بني تغلب وكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يأخذ منهم الجزية فتفرقوا في البلاد فقال النعمان لعمر يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواش ولهم نكاية في العدو فلا تعن عدوك عليك بهم فصالحهم عمر رضي الله عنه على أن أضعف عليهم الصدقة واشترط عليهم ألا ينصروا أولادهم.
قال مغيرة فحدثت أن عليا قال لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.
وحدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن زياد بن حدير أن عمر رضي الله عنه أمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر:
قال أبو عبيد والحديث الأول حديث داود بن كردوس وزرعة هو الذي عليه العمل أن يكون عليهم الضعف مما على المسلمين ألا تسمعه يقول من كل عشرين درهما درهم وإنما يؤخذ من المسلمين إذا مروا بأموالهم على العاشر من كل أربعين درهما درهم فذلك ضعف هذا وهو المضاعف الذي اشترط عمر عليهم وكذلك سائر أموالهم من المواشي والأرضين يكون عليها في تأويل هذا الحديث الضعف أيضا فيكون في كل خمس من الإبل شاتان وفي العشر أربع شياه ثم على هذا ما زادت وكذلك الغنم والبقر وعلى هذا الحب والثمار فيكون ما سقته السماء فيه عشران وفيما سقي بالغرب عشر وفي حديث عمر رضي الله عنه وشرطه عليهم أن يكون على أموال نسائهم وصبيانهم مثلما على أموال رجالهم وكذلك يقول أهل الحجاز. انتهى.
فهذا الذي فعله عمر رضي الله عنه وافقه عليه جميع الصحابة والفقهاء بعدهم.
ويروى عن عمر بن عبدالعزيز أنه أبى عليهم إلا الجزية وقال لا والله إلا الجزية وإلا فقد آذنتم بالحرب.
ولعله رأى أن شوكتهم ضعفت ولم يخف منهم ما خاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن عمر رضي الله عنه كان بعد مشغولا بقتال الكفار وفتح البلاد فلم يأمن أن يلحقوا بعده فيقوونهم عليه وعمر بن عبدالعزيز أمن ذلك.
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لئن بقيت لهم لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم فإنهم نقضوا العهد ونصروا أولادهم.
وعلى هذا فلا تجري هذه الأحكام التي ذكرها الفقهاء فيهم فإنهم ناقضون للعهد ولكن العمل على جريانها عليهم فلعل بعض الأئمة جدد لهم صلحا على أن حكم أولادهم حكمهم كسائر أهل الذمة والله أعلم.

.فصل كيفية أخذ الصدقة من بني تغلب:

فتؤخذ الصدقة منهم مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما من ذكر وأنثى وصغير وكبير وزمن وصحيح وأعمى وبصير هذا قول أهل الحجاز وأهل العراق وفقهاء الحديث منهم الإمام أحمد وأبو عبيد إلا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى استثنى الصبيان والمجانين بناء على أصله في أنه لا زكاة عليهم ولا تؤخذ الصدقة مضاعفة من أرضهم كما تؤخذ من أرض الصبي والمجنون المسلم الزكاة.
وأما الشافعي رحمه الله تعالى فإنه قال المأخوذ منهم جزية وإن كان باسم الصدقة فلا تؤخذ إلا ممن تؤخذ منه الجزية فلا تؤخذ من امرأة ولا صبي ولا مجنون وحكمها عنده حكم الجزية وإن خالفتها في الاسم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبوا الاسم.
وقال النعمان بن زرعة خذ منهم الجزية باسم الصدقة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى واختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب فروي عنه أنه صالحهم على أن يضعف عليهم الجزية ولا يكرهوا على غير دينهم وهكذا حفظ أهل المغازي فقالوا رامهم عمر رضي الله عنه على الجزية فقالوا اردد ما شئت بهذا الاسم لا اسم الجزية فراضاهم على أن أضعف عليهم الصدقة وقال للمعشر فإذا أضعفتها عليهم فانظر إلى مواشيهم وذهبهم وورقهم وأطعمتهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها وكل ما أمر أخذ فيه من مسلم خمس فخذ خمسين وعشر فخذ عشرين ونصف عشر فخذ عشرا وربع عشر فخذ نصف عشر وكذلك.
مواشيهم فخذ الضعف منهم وكل ما أخذ من عشر ذمي فمسلكه مسلك الفيء وما أتجر به نصارى العرب وأهل دينهم وإن كانوا يهودا تضاعف عليهم فيه الصدقة. انتهى.
قالوا ولأنهم أهل ذمة فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة كغيرهم من أهل الذمة.
قالوا ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم فكان جزية كما لو أخذ باسم الجزية.