فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)}
{يُرِيدُونَ} يعني: اليهود والنصارى {أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بأفواههم}، يعني: يريدون أن يردوا القرآن تكذيبًا بألسنتهم؛ ويقال: يريدون أن يغيروا دين الإسلام بألسنتهم، ويقال: يريدون أن يبطلوا كلمة التوحيد بكلمة الشرك.
{ويأبى الله}، يعني: لا يرضى الله تعالى ولا يترك {إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}، يعني: يظهر دين الإسلام.
{وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} فيظهره. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ} أي يبطلوا دين الله بألسنتهم، بتكذيبهم إياه وإعراضهم عنه.
وقال الكلبي: يعني يردون القرآن بألسنتهم تكذيبًا له، وقال ابن عباس: يريد اليهود والنصارى أن يلزموا توحيد الرحمن بالمخلوقين الذين لا تليق بهم الربوبية، وقال الضحاك: يريدون أن يهلك محمد وأصحابه ولايعبد الله بالاسلام.
{ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} أي يُعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} وإنما أدخلت إلا لأن في أبت طرفًا من الجحد، ألا ترى أنّ قولك يثبت أن أفعل ولما فيه من الحذف تقديره: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره، كما قال:
وهل لي أُمّ غيرها أن تركتها ** أبى الله إلاّ أن أكون لها إبنا

هو الذي يعني يأبى إلاّ إتمام دينه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}
وفي نوره قولان:
أحدهما: أنه القرآن والإسلام، قاله الحسن وقتادة.
والثاني: أنه آياته ودلائله لأنه يهتدى بها كما يهتدى بالأنوار.
وإنما خص ذلك بأفواههم لما ذكرنا أنه ليس يقترن بقولهم دليل.
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} وليس يريد تمامه من نقصان لأن نوره لم يزل تامًا. ويحتمل المراد به وجهين:
أحدهما: إظهار دلائله.
والثاني: معونة أنصاره. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله} الآية.
{نور الله} في هذه الآية هداه الصادر عن القرآن والشرع المثبت في قلوب الناس فمن حيث سماه نورًا سمي محاولة إفساده والصد في وجهه إطفاء، وقالت فرقة: النور القرآني.
قال القاضي أبو محمد: ولا معنى لتخصيص شيء مما يدخل تحت المقصود بالنور، وقوله: {بأفواههم} عبارة عن قلة حيلتهم وضعفها، أخبر عنهم أنهم يحاولون مقاومة أمر جسيم بسعي ضعيف فكان الإطفاء بنفخ الأفواه، ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها فهي لا تجاوز الأفواه إلى فهم سامع، وقوله: {ويأبى} إيجاب يقع بعده أحيانًا إلا وذلك لوقوعه هو موقع الفعل المنفي، لأن التقدير ولا يريد الله إلا أن يتم نوره وقال الفراء: هو إيجاب فيه طرف من النفي، ورد الزجاج على هذه العبارة وبيانه ما قلناه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله}
قال ابن عباس: يخمدوا دين الله بتكذيبهم، يعني: أنهم يكذبون به ويُعرضون عنه يريدون إبطاله بذلك.
وقال الحسن وقتادة: نور الله: القرآن والإسلام.
فأما تخصيص ذلك بالأفواه، فلما ذكرنا في الآية قبلها.
وقيل: إن الله تعالى لم يذكر قولًا مقرونًا بالأفواه والألسن إلا وهو زور.
قوله تعالى: {ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نُورَه} قال الفراء: إنما دخلت {إلا} هاهنا، لأن في الإباء طرفًا من الجحد، ألا ترى أن أبيت كقولك: لم أفعل، ولا أفعل فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد، قال الشاعر:
فَهَلْ لِيَ أُمٌّ غيرُها إن تركتُها ** أبى الله إلا أن أكُون لَها ابنما

وقال الزجاج: المعنى: ويأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره.
قال مقاتل: {يتم نوره} أي: يظهر دينه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله} أي دِلالته وحججه على توحيده.
جعل البراهين بمنزلة النور لما فيها من البيان.
وقيل: المعنى نور الإسلام؛ أي أن يخمِدوا دين الله بتكذيبهم.
{بِأَفْوَاهِهِمْ} جمع فوه على الأصل؛ لأن الأصل في فمٍ فَوْهٌ، مثل حوض وأحواض.
{ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} يقال: كيف دخلت {إلا} وليس في الكلام حرف نفي، ولا يجوز ضربت إلا زيدًا.
فزعم الفراء أن {إلا} إنما دخلت لأن في الكلام طَرَفًا من الجَحْد.
قال الزجاج: الجحد والتحقيق ليسا بذوي أطراف.
وأدوات الجحد: ما، ولا، وإنْ، وليس: وهذه لا أطراف لها يُنطق بها، ولو كان الأمر كما أراد لجاز كرهت إلا زيدًا؛ ولكن الجواب أن العرب تحذف مع أبى.
والتقدير: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره.
وقال عليّ بن سليمان: إنما جاز هذا في أَبَى لأنها منع أو امتناع، فضارعت النفي.
قال النحاس: فهذا حسن؛ كما قال الشاعر:
وهل ليَ أُمٌّ غيرُها إن تركتها ** أبى اللَّه إلا أن أكون لها ابنما

. اهـ.

.قال الخازن:

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
{يريدون} يعني يريد رؤساء اليهود والنصارى {أن يطفئوا نور الله بأفواههم} يعني يريد هؤلاء إبطال دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بتكذيبهم إياه.
وقيل المراد: من النور الدلائل الدالة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وهي أمور أحدها المعجزات الباهرات الخارقة للعادة التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه وثانيها القرآن العظيم الذي نزل عليه من عند الله فهو معجزة له باقية على الأبد دالة على صدقه وثالثها أن دينه الذي أمر به هو دين الإسلام ليس فيه شيء سوى تعظيم الله والثناء عليه والانقياد لأمره ونهيه واتباع طاعته والأمر بعبادته والتبرئ من كل معبود سواه فهذه أمور نيرة ودلائل واضحة في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فمن أراد إبطال ذلك بكذب وتزوير فقد خاب سعيه وبطل عمله ثم إن الله سبحانه وتعالى وعد نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بمزيد النصر وإعلاء الكلمة وإظهار الدين بقوله: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} يعني ويأبى الله أن يعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ولو كره ذلك الكافرون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}
مثلهم ومثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق، ونور الله هداه الصادر عن القرآن والشرع المنبث، فمن حيث سماه نورًا سمى محاولة إفساده إطفاء.
وقالت فرقة: النور القرآن وكنى بالأفواه عن قلة حيلتهم وضعفها.
أخبر أنهم يحاولون أمرًا جسيمًا بسعيٍ ضعيف، فكان الإطفاء بنفخ الأفواه.
ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها، فهي لا تتجاوز الأفواه إلى فهم سامعٍ، وناسب ذكر الإطفاء الأفواه.
وقيل: إن الله لم يذكر قولًا مقرونًا بالأفواه والألسن إلا وهو زور، ومجيء إلا بعد ويأبى يدل على مستثنى منه محذوف، لأنه فعل موجب، والموجب لا تدخل معه إلا، لا تقول كرهت إلا زيدًا.
وتقدير المستثنى منه: ويأبى الله كل شيء إلا أنْ يتم قاله الزجاج.
وقال علي بن سليمان: جاز هذا في أبي، لأنه منع وامتناع، فضارعت النفي.
وقال الكرماني: معنى أبى هنا لا يرضى إلا أن يتم نوره بدوام دينه إلى أن تقوم الساعة.
وقال الفراء: دخلت إلا لأنّ في الكلام طرفًا من الجحد.
وقال الزمخشري: أجرى أبى مجرى لم يرد.
ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا بقوله: {ويأبى الله}، وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره؟. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}
إطفاءُ النار عبارةٌ عن إزالة لَهبِها الموجبةِ لزوال نورِها لا عن إزالة نورِها كما قيل، لكن لما كان الغرضُ من إطفاء نارٍ لا يراد بها إلا النورُ كالمصباح إزالةَ نورِها جُعل إطفاؤُها عبارةً عنها ثم شاع ذلك حتى كان عبارةً عن مطلق إزالةِ النور وإن كان لغير النار، والسرِّ في ذلك انحصارُ إمكانِ الإزالةِ في نورها والمرادُ بنور الله سبحانه إما حجتُه النيرةُ الدالةُ على وحدانيته وتنزُّهِه عن الشركاء والأولادِ أو القرآن العظيمِ الناطقِ بذلك أي يريد أهلُ الكتابين أن يردّوا القرآنَ ويكذِّبوه فيما نطَق به من التوحيد والتنزُّه عن الشركاء والأولادِ والشرائعِ التي من جملتها ما خالفوه من أمر الحِلِّ والحُرمة {بأفواههم} بأقاويلهم الباطلةِ الخارجةِ منها من غير أن يكونَ لها مصداقٌ تنطبقُ عليه أو أصلٌ تستند إليه حسبما حُكي عنهم. وقيل: المرادُ به نُبوةُ النبي صلى الله عليه وسلم، هذا وقد قيل: مُثِّلت حالُهم فيما ذكر بحال مَنْ يريد طمسَ نورٍ عظيم منبثَ في الآفاق بنفخة {ويأبى الله} أي لا يريد {إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} بإعلاء كلمةِ التوحيدِ وإعرازِ دينِ الإسلامِ وإنما صح الاستثناءُ المفرَّغُ من الموجَب لكونه بمعنى النفي كما أشير إليه لوقوعه في مقابلة قوله تعالى: {يُرِيدُونَ} وفيه من المبالغة والدِلالة على الامتناع ما ليس في نفي الإرادةِ، أي لا يريد شيئًا من الأشياء إلا إتمامَ نورِه فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه فضلًا عن الإطفاء، وفي إظهار النورِ في مَقام الإضمارِ مضافًا إلى ضميره عز وجل زيادةُ اعتناءٍ بشأنه وتشريفٌ له على تشريف وإشعارٌ بعِلة الحُكم {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} جوابُ لو محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه، والجملةُ معطوفةٌ على جملة قبلها مقدرةٍ وكلتاهما في موقع الحال، أي لا يريد الله إلا إتمامَ نورِه لو لم يكرَهِ الكافرون ذلك ولو كرهوه، أي على كل حال مفروضٍ وقد حُذفت الأولى في الباب حذفًا مطردًا لدلالة الثانيةِ عليها دَلالةً واضحةً لأن الشيء إذا تحقق عند المانِع فلأَنْ يتحققَ عند عدمِه أولى وعلى هذا السرِّ يدور ما في أن ولو الوصليتين من التأكيد وقد مر زيادةُ تحقيق لهذا مرارًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}
إطفاء النار على ما في القاموس إذهاب لهبها الموجب لإذهاب نورها لا إذهاب نورها على ما قيل، لكن لما كان الغرض من إطفاء نار لا يراد بها إلا النور كالمصباح إذهاب نورها جعل إطفاؤها عبارة عنه ثم شاع ذلك حتى كان عبارة عن مطلق إذهاب النور وإن كان لغير النار، والمراد بنور الله حجته تعالى النيرة المشرقة الدالة على وحدانيته وتنزهه سبحانه عن الشركاء والأولاد أو القرآن العظيم الصادع الصادح بذلك، وقيل: نبوته عليه الصلاة والسلام التي ظهرت بعد أن استطال دجا الكفر صبحًا منيرًا، وأيًا ما كان فالنور استعارة أصلية تصريحية لما ذكر، وإضافته إلى الله تعالى قرينة، والمراد من الإطفاء الرد والتكذيب أي يريد أهل الكتابين أن يردوا ما دل على توحيد الله تعالى وتنزيهه عما نسبوه إليه سبحانه: {بأفواههم} أي بأقاويلهم الباطلة الخارجة عنها من غير أن يكون لها مصداق تنطبق عليه أو أصل تستند إليه بل كانت أشبه شيء بالمهملات، قيل: ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية بأن يشبه حالهم في محاولة إبطال نبوته صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ويكون قوله تعالى: {ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} ترشيحًا للاستعارة لأن إتمام النور زيادة في استنارته وفشو ضوئه فهو تفريع على المشبه به معنى الإفراط والتفريط حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله تعالى العظيم الشأن ومن شأن النور المضاف إليه سبحانه أن يكون عظيمًا فكيف يطفيء بنفخ الفم، وتمم كلًا من الترشيح والتجريد بما تمم لما بين الكفر الذي هو ستر وإزالة للظهور والإطفاء من المناسبة وبين دين الحق الذي هو التوحيد والشرك من المقابلة انتهى.
ولا يخلو عن حسن.
والظاهر أن المراد بالنور هنا هو الأول إلا أنه أقيم الظاهر مقام الضمير وأضيف إلى ضميره سبحانه لمزيد الاعتناء بشأنه وللإشعار بعلة الحكم، والاستثناء مفرغ فالمصدر منصوب على أنه مفعول به والمصحح للتفريغ عند جمع كون {يأبى} في معنى النفي، والمراد به إما لا يريد لوقوعه في مقابلة يريدون كما قيل أو لا يرضى كما ارتضاه بعض المحققين بناءً على أن المراد بإرادة إتمام نوره سبحانه إرادة خاصة وهي الإرادة على وجه الرضا بقرينة {نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} لا الإرادة المجامعة لعدم الرضا كما هو مذهب أهل الحق خلافًا لمن يسوي بينهما.
وقال الزجاج: إن مصحح التفريغ عموم المستثنى منه وهو محذوف ولا يضر كون ذلك نسبيًا إذ غالب العموميات كذلك بل قد قيل: ما من عام إلا وقد خص منه البعض، أي يكره كل شيء يتعلق بنوره إلا إتمامه، وقرينة التخصيص السياق.
ولا يجوز تأويل الجماعة عنده إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي فيلزم جريان التفريغ في كل شيء وهو كما ترى، والحق أنه لا مانع من التأويل إذا اقتضاه المقام، وإتمام النور بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز دين الإسلام {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} جواب {لَوْ} محذوف لدلالة ما قبله عليه أي يتم نوره.
والجملة معطوفة على جملة قبلها مقدرة أي لو لم يكره الكافرون ولو كره وكلتاهما في موضع الحال، والمراد أنه سبحانه يتم نوره ولابد. اهـ.