فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان النسيء في الشهور عبارة عن تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، ليست له تلك الحرمة.
وروي عن ابن كثير من طريق شبل: النسء بوزن النفع وهو المصدر الحقيقي، كقولهم: نسأت، أي أخرت وروي عنه أيضًا: النسيء مخففة الياء، ولعله لغة في النسء بالهمزة مثل: أرجيت وأرجأت.
وروي عنه: النسي مشدد الياء بغير همزة وهذا على التخفيف القياسي.
والقول الثاني: قال قطرب: النسيء أصله من الزيادة يقال: نسأل في الأجل وأنسأ إذا زاد فيه، وكذلك قيل للبن النسء لزيادة الماء فيه، ونسأت المرأة حبلت، جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وقيل للناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسيء قال الواحدي: الصحيح القول الأول، وهو أن أصل النسيء التأخير، ونسأت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها، ونسأت الناقة أي أخرتها عن غيرها، لئلا يصير اختلاط بعضها ببعض مانعًا من حسن المسير، ونسأت اللبن إذا أخرته حتى كثر الماء فيه.
إذا عرفت هذين القولين فنقول: إن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية، فإنه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء، وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات، لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة، فعلموا أن بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية، ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين، احتاجوا إلى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران: أحدهما: أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهرًا بسبب اجتماع تلك الزيادات.
والثاني: أنه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر، وهكذا في الدور حتى ينتهي بعد مدة مخصوصة مرة أخرى إلى ذي الحجة، فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران: أحدهما: الزيادة في عدة الشهور.
والثاني: تأخير الحرمة الحاصلة لشهر إلى شهر آخر وقد بينا أن لفظ النسيء يفيد التأخير عند الأكثرين، ويفيد الزيادة عند الباقين، وعلى التقديرين فإنه منطبق على هذين الأمرين.
والحاصل من هذا الكلام: أن بناء العبادات على السنة القمرية يخل مصالح الدنيا، وبناؤها على السنة الشمسية يفيد رعاية مصالح الدنيا والله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم وإسمعيل عليهما السلام ببناء الأمر على رعاية السنة القمرية، فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمرية، واعتبروا السنة الشمسية رعاية لمصالح الدنيا، وأوقعوا الحج في شهر آخر سوى الأشهر الحرم، فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سببًا لزيادة كفرهم، وإنما كان ذلك سببًا لزيادة الكفر، لأن الله تعالى أمرهم بإيقاع الحج في الأشهر الحرم، ثم إنهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الأشهر، وذكروا لأتباعهم أن هذا الذي عملناه هو الواجب، وأن إيقاعه في الشهور القمرية غير واجب، فكان هذا إنكارًا منهم لحكم الله مع العلم به وتمردًا عن طاعته، وذلك يوجب الكفر بإجماع المسلمين فثبت أن عملهم في ذلك النسيء يوجب زيادة في الكفر، وأما الحساب الذي به يعرف مقادير الزيادة الحاصلة بسبب تلك الكبائس فمذكور في الزيجات، وأما المفسرون فإنهم ذكروا في سبب هذا التأخير وجهًا آخر فقالوا: إن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة، وكان ذلك شريعة ثابتة من زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان العرب أصحاب حروب وغارات فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها وقالوا: إن توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئًا لنهلكن، وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم.
قال الواحدي: وأكثر العلماء على أن هذا التأخير ما كان يختص بشهر واحد، بل كان ذلك حاصلًا في كل الشهور، وهذا القول عندنا هو الصحيح على ما قررناه.
واتفقوا أنه عليه السلام لما أراد أن يحج في سنة حجة الوداع عاد الحج إلى شهر ذي الحجة في نفس الأمر، فقال عليه السلام: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرًا» وأراد أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {زِيَادَةٌ في الكفر}:
معناه: أنه تعالى حكى عنهم أنواعًا كثيرة من الكفر، فلما ضموا إليها هذا العمل ونحن قد دللنا على أن هذا العمل كفر كان ضم هذا العمل إلى تلك الأنواع المذكورة سالفًا من الكفر زيادة في الكفر.
احتج الجبائي بهذه الآية على فساد قول من يقول: الإيمان مجرد الاعتقاد والإقرار، قال: لأنه تعالى بين أن هذا العمل زيادة في الكفر والزيادة على الكفر يجب أن تكون إتمامًا، فكان ترك هذا التأخير إيمانًا، وظاهر أن هذا الترك ليس بمعرفة ولا بإقرار.
فثبت أن غير المعرفة والإقرار قد يكون إيمانًا قال المصنف رضي الله عنه: هذا الاستدلال ضعيف، لأنا بينا أنه تعالى لما أوجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة مثلًا من الأشهر القمرية، فإذا اعتبرنا السنة الشمسية، فربما وقع الحج في المحرم مرة وفي صفر أخرى.
فقولهم: بأن هذا الحج صحيح يجزى، وأنه لا يجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة إن كان منهم بحكم علم بالضرورة كونه من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فكان هذا كفرًا بسبب عدم العلم وبسبب عدم الإقرار.
أما قوله تعالى: {يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ} فهذا قراءة العامة وهي حسنة لإسناد الضلال إلى الذين كفروا لأنهم إن كانوا ضالين في أنفسهم فقد حسن إسناد الضلال إليهم، وإن كانوا مضلين لغيرهم حسن أيضًا، لأن المضل لغيره ضال في نفسه لامحال.
وقراءة أهل الكوفة {يضل} بضم الياء وفتح الضاد، ومعناه: أن كبراءهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، فأسند الفعل إلى المفعول كقوله في هذه الآية: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالهم} أي زين لهم ذلك حاملوهم عليه.
وقرأ أبو عمرو في رواية من طريق ابن مقسم {يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ} بضم الياء وكسر الضاد وله ثلاثة أوجه: أحدها: يضل الله به الذين كفروا.
والثاني: يضل الشيطان به الذين كفروا.
والثالث: وهو أقواها يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأقوالهم، وإنما كان هذا الوجه أقوى لأنه لم يجر ذكر الله ولا ذكر الشيطان.
واعلم أن الكناية في قوله: {يُضِلُّ بِهِ} يعود إلى النسيء وقوله: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا} فالضمير عائد إلى النسيء.
والمعنى: يحلون ذلك الإنساء عامًا ويحرمونه عامًا.
قال الواحدي: يحلون التأخير عامًا وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم، ويحرمون التأخير عامًا آخر وهو العام الذي يدعون المحرم على تحريمه.
قال رضي الله عنه هذا التأويل إنما يصح إذا فسرنا النسيء بأنهم كانوا يؤخرون المحرم في بعض السنين، وذلك يوجب أن ينقلب الشهر المحرم إلى الحل وبالعكس، إلا أن هذا إنما يصلح لو حملنا النسيء على المفعول وهو المنسوء المؤخر، وقد ذكرنا أنه مشكل لأنه يقتضي أن يكون الشهر المؤخر كفرًا وأنه غير جائز إلا إذا قلنا إن المراد من النسيء المنسوء وهو المفعول، وحملنا قوله: {إِنَّمَا النسىء} زيادة في الكفر على أن المراد العمل الذي به يصير النسيء سببًا في زيادة الكفر، وبسبب هذا الإضمار يقوى هذا التأويل.
أما قوله: {لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} قال أهل اللغة يقال: واطأت فلانًا على كذا إذا وافقته عليه.
قال المبرد: يقال: تواطأ القوم على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد يطأ حيث يطأ صاحبه والإيطاء في الشعر من هذا وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين على لفظ واحد، ومعنى واحد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم ما أحلوا شهرًا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرًا من الحلال، ولم يحرموا شهرًا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرًا من الحرام، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة، مطابقة لما ذكره الله تعالى، هذا هو المراد من المواطأة.
ولما بين تعالى كون هذا العمل كفرًا ومنكرًا قال: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالهم والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} قال ابن عباس والحسن: يريد زين لهم الشيطان هذا العمل والله لا يرشد كل كفار أثيم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}
فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ:

.المسألة الأولى: قَوْله تعالى: {النَّسِيءُ}:

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: نَسَأَ يَنْسَأُ، إذَا زَادَ؛ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ التَّأْخِيرُ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ أَنْسَأْت الشَّيْءَ إنْسَاءً، وَنَسَاءَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَلَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ.
أَمَّا الطَّبَرِيُّ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَيُقَالُ: أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك، كَمَا تَقُولُ: زَادَ اللَّهُ فِي أَجَلِك، وَتَقُولُ: أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك أَيْ زَادَهُ مُدَّةً، وَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ عَنْ الثَّانِي، وَمَنَعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْهَمْزِ، وَرَدَّ عَلَى نَافِعٍ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ إلَّا مِنْ النِّسْيَانِ، كَمَا قَالَ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
وَاحْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ التَّأْخِيرُ بِنَقْلِ الْعَرَبِ لِهَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ أَوَائِلِهَا، وَقَيَّدَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مَشْيَخَةُ الْعَرَبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا، أَيْ نُؤَخِّرْهَا، مَهْمُوزَةٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْهَمْزُ، كَمَا يُقَالُ خَطِيَّةٌ وَخَطِيئَةٌ، وَالصَّابِيُونَ وَالصَّابِئُونَ، وَتَخْفِيفُ الْهَمْزِ أَصْلٌ، وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ أَصْلٌ، وَالْبَدَلُ وَالْقَلْبُ أَصْلٌ كُلُّهُ لُغَوِيٌّ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى الطَّبَرِيِّ.
وَأَمَّا فَصْلُ التَّعَدِّي فَضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُتَعَدِّيَةَ بِالْوَجْهَيْنِ مِنْ وُجُوهِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَفِي تَعَدِّيهَا بِهِ، وَعَدَمِهِ كَثِيرَةٌ.

.المسألة الثانية: كَيْفِيَّةُ النَّسِيءِ:

ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ، فَيُنَادِي: أَلَا إنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُعَابُ وَلَا يُجَابُ، أَلَا وَإِنَّ صَفَرًا الْعَامَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ، فَنُحَرِّمُهُ عَامًا، وَنُحِلُّهُ عَامًا، وَكَانُوا مَعَ هَوَازِنَ وَغَطَفَانَ وَبَنِي سُلَيْمٍ.
وَفِي لَفْظَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا قَدَّمْنَا الْمُحَرَّمَ وَأَخَّرْنَا صَفَرًا، ثُمَّ يَأْتِي الْعَامُ الثَّانِي فَيَقُولُ: إنَّا حَرَّمْنَا صَفَرًا وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّمَ؛ فَهُوَ هَذَا التَّأْخِيرُ.
الثَّانِي: الزِّيَادَةُ؛ قَالَ قَتَادَةُ: عَمَدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَزَادُوا صَفَرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَكَانَ يَقُومُ قَائِمُهُمْ فِي الْمَوْسِمِ فَيَقُولُ: أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ الْعَامَ الْمُحَرَّمَ، فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَقُولُ: أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَرًا فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ، وَيَقُولُونَ: الصَّفَرَانِ.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَجْعَلُونَهُ صَفَرَيْنِ، فَلِذُلِّك قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لَا صَفَرَ».
وَكَذَلِكَ رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ.
الثَّالِثُ: تَبْدِيلُ الْحَجِّ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ آخَرَ: إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ.
قَالَ: حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّةِ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا فِي الْمُحَرَّمِ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَرَ عَامَيْنِ، فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَامَيْنِ حَتَّى وَافَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي خُطْبَتِهِ: «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ».
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ.
وَقَدْ بَلَّغْت، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، قَضَى اللَّهُ أَنْ لَا رِبَا، وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.
أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ، فَاحْذَرُوهُ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى دِينِكُمْ، وَإِنَّ النَّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا إلَى قَوْلِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ.
وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةُ حُرُمٌ؛ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ.