فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



8- شعبان: جمعه شعبانات وشعابين، من تشعب إذا تفرق كانوا يتشعبون فيه في طلب المياه، وقيل في الغارات.
وقال ثعلب: قال بعضهم: إنما سمي شعبان لأنه شعب، أي: ظهر بين شهر رمضان ورجب.
9- رمضان: سمي به لأن وضعه وافق الرَّمَضَ بفتحتين، وهو شدة الحر، وجمعه رمضانات وأرمضاء.
وعن يونس أنه سمع رماضين، مثل شعابين. وقيل: هو مشتق من رمض الصائم يرمض، إذا اشتد حرّ جوفه من شدة العطش، وهو قول الفراء.
قال بعض العلماء: يكره أن يقال جاء رمضان وشبهه، إذا أريد به الشهر، وليس معه قرينة تدلّ عليه، وإنما يقال: جاء شهر رمضان، واستدل بحديث: «لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا شهر رمضان» وهذا الحديث ضعّفه البيهقي، وضعفه ظاهر، لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أن رمضان من أسماء الله تعالى، فلا يعمل به.
والظاهر جوازه من غير كراهة، كما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين، لأنه لم يصح في الكراهة شيء.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدل على الجواز مطلقًا كقوله: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار وصفِّدت الشياطين».
وحقق السهيلي أن لحذف شهر مقامًا يباين مقام ذكره، يراعيه البليغ.
وحاصله أن في حذفه إشعارًا بالعموم، وفي ذكره خلاف ذلك، لأنك إذا قلت شهر كذا، كان ظرفًا وزال العموم من اللفظ، إذ المعنى في الشهر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان»، ولم يقل: شهر رمضان، ليكون العمل فيه كله. انتهى. فليتأمل.
10- شوال: شهر عيد الفطر، وأول أشهر الحج، وجمعه شوالات وشواويل، وقد تدخله الألف واللام.
قال ابن فارس: وزعم ناس أن الشوال سمي بذلك لأنه وافق وقتًا تشول فيه الإبل، أي: ترفع ذنبها للقاح، وهو قول الفراء.
وقال غيره: سمي بتشويل ألبان الإبل، وهو تولّيه وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر، وانقطاع الرطب وكانت العرب تتطيّر من عقد المناكح فيه، وتقول: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها، حتى تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها. فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم، وقالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، وأيّ نسائه كان أحظى عنده مني؟
11- ذو القعدة: بفتح القاف، والكسر لغة، سمي به لأن العرب كانوا يقعدون فيه عن الأسفار، والغزو والميرة وطلب الكلأ، ويحجون في ذي الحجة، والجمع ذوات القعدة، وذوات القعدات، والتثنية ذواتا القعدة وذواتا القعدتين، فثنوا الإسمين وجمعوهما، وهو عزيز، لأن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة، ولا تتوالى على كلمة علامتا تثنية ولا جمع.
12- ذو الحجة: الشهر الذي يقع فيه الحج سمي بذلك للحج فيه، والجمع ذوات الحجة، ولم يقولوا: ذوو على واحده، والفتح فيه أشهر من الكسر، والحجة بالكسر المرة الواحدة من الحج، وهو شاذّ لأن القياس في المرة الفتح- انتهى.
وقد أوردنا هذا ملخصًا عن المصباح والقاموس وشرحه.
المسألة الثانية:
قدمنا أن الأشهر الحرم الأربعة، ثلاثة سَرْدٌ أي: متتابعة، وواحد فرد وكانت العرب لا تستحل فيها القتال، إلَّا حيّان: خثعم وطيّئ، فإنهما كانا يستحلان الشهور، وكان الذين ينسؤون الشهور أيام الموسم يقولون حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين، فكانت العرب تستحل دماءهم خاصة في هذه الشهور.
وكان لقوم من غطفان وقيس، يقال لهم الهبا آت، ثمانية أشهر حرم، يقال لها البَسْل يحرمونها تشددًا وتعمقًا.
الثالثة: قال ابن كثير: إنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل أداء المناسك- الحج والعمرة- فحرم قبل أشهر الحج، شهر وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك.
وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والإعتمار به، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا.
الرابعة: قال النووي في شرح مسلم: وقد اختلفوا في كيفية عدتها على قولين حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكاتب قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة قال: والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة قال: وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وقوم ينكرون هذا ويقولون: جاءوا بهن من سنتين.
قال أبو جعفر: وهذا غلط بيّن، وجهل باللغة، لأنه قد علم المراد، وأن المقصود ذكره، وأنها في كل سنة، فكيف يتوهم أنها من سنتين؟ قال: والأوْلى والإختيار ما قاله أهل المدينة، لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالوا، من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم، قال: وهذا أيضًا قول أكثر أهل التأويل.
الخامسة: استنبط بعضهم من قوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أن الإثم في هذه الأشهر المحرمة آكد وأبلغ في الإثم في غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم.
وقال ابن عباس فيما رواه عنه عليّ بن أبي طلحة: أنه تعالى اختص من الأشهر أربعة أشهر جعلهن حرامًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء. وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلًا واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظّموا ما عظم الله، فإنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم، وأهل العقل- نقله ابن كثير-.
أقوال: أن ابن جرير اختار في قوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ما قاله ابن إسحاق فيما تقدم.
أقوال: هو الظاهر المتبادر.
السادسة: قال المهايمي: إنما كان منها أربعة حرم ليكون ثلث السنة تغليبًا للتحليل الذي هو مقتضى سعة الرحمة، على التحريم الذي هو مقتضى الغضب فجعل أول السنة وآخرها وهو المحرم وذو الحجة، ولما لم يكن له وسط صحيح، أخذ أول النصف الآخر وهو رجب، فبقي من الثلث شهر، فأخذ قبل الآخر وهو ذو القعدة، ليكون مع آخر السنة المتصلة بأولها وترًا، وبقي وترية رجب فتتم السنة على التحريم باعتبار أولها وأخرها، وأوسطها، مع تذكر وترية الحق المؤكد للتحريم. انتهى..
السابعة: استدل جماعة بقوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ، وكذا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ}، وبقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية.
وذهب آخرون إلى أن تحريم القتال فيها، منسوخ بآية السيف، يعني قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} قالوا: ظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك أمرًا عامًّا في الشهر الحرام، لأوشك أن يقيده بانسلاخها، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام، وهو ذو القعدة، كما ثبت في الصحيحين أنه خرج إلى هوازن في شوال، فما كسرهم واستفاء أموالهم ورجع فلّهم، لجؤوا إلى الطائف، فعمد إلى الطائف فحاصرهم أربعين يومًا، وانصرف ولم يفتتحها، فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام.
وأجاب الأولون بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيد بانسلاخ الأشهر الحرم، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} الآية، فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مفيدة بما ورد في تحريم القتال في الأشهر الحرم، كما هي مقيدة بتحريم القتال في الحرَم، للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه، فقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} الآية، من باب التهييج والتحضيض، أي: كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم، فاجتمعوا كذلك لهم، أو هو إذن للمؤمنين بقتال المشركين في الشهر الحرام، إذا كانت البداءة منهم، كما قال تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}، وقال تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف، فإنهم هم الذين ابتدؤوا القتال، وجمعوا الرجال، ودعوا إلى الحرب والنزال، فعندها قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فلما تحصّنوا بالطائف، ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم، فنالوا من المسلمين، وقتلوا جماعة واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبًا من أربعين يومًا، وكان ابتداؤه في شهر حلال، ودخل الشهر الحرام، فاستمر فيه أيامًا، ثم قفل عنهم، لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الإبتداء، وهذا أمر مقرر، وله نظائر كثيرة.
فالمحرم هو ابتداء القتال في الأشهر الحرام، لا إتمامه، وبهذا يحصل الجمع، ولذا قال ابن جريج: حلف بالله عطاءُ بن أبي رَبَاح، ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، وما نسخت إلا أن يقاتلوا فيها.
الثامنة، قال في الإكليل في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةِ الشُّهُورِ} الآية، إنَّ الله وضع هذه الأشهر وسماها ورتبها على ما هي عليه، وأنزل ذلك على أنبيائه، فيستدل بها لمن قال: إن اللغات توقيفية.
التاسعة: في الإكليل أيضًا: استدل بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} من قال إن الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم كان فرض عين.
العاشرة: قال ابن إسحاق: كان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحل منها ما حرم الله، وحرم منها ما أحل الله عزَّ وجلَّ القَلَمَّس وهو حذيفة بن عبد فُقَيْم بن عدي بن عامر بن ثعلبة، بن الحارث بن مالك بن كنانة، بن خُزَيْمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، بن نزار بن معد بن عدنان، ثم قال بعده على ذلك ابنه عبّاد، ثم ابنه قَلَع، ثم أمية بن قلع ثم ابنه عوف بن أمية، ثم ابنه أبو ثُمامة جُنادة بن عوف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام، فكانت العرب إذا فرغت من حجها، اجتمعت إليه، فقام فيهم خطيبًا فحرم رجبًا، وذا القعدة، وذا الحجة، ويحل المحرم عامًا، ويجعل مكانه صفر، ويحرمه عامًا ليواطئ عدة ما حرم الله، فيحل ما حرم الله يعني ويحرم ما أحل الله. انتهى.
والقَلَمَّس بقاف فلام مفتوحتين ثم ميم مشددة. قال في القاموس وشرحه: هو رجل كناني من نَسَأَةِ الشهور على معدّ في الجاهلية، كان يقف عند جمرة العقبة ويقول: أحد الصفرين، وحرمت صفر المؤخر، وكذا في الرجبين، يعني رجبًا وشعبان، ثم يقول: انفروا على اسم الله تعالى. قال شاعرهم:
وفينا ناسئ الشهر القَلَمَّس

وقال عمير بن قيس المعروف بِجَذْل الطِّعان:
لقد علمت معدٌّ أنَّ قومي ** كرامُ الناس أنَّ لهم كراما

ألسنا الناسئين على معدّ ** شهورَ الحِلّ نجعلها حراما

فأي الناس فاتونا بِوتْرٍ ** وأي الناس لم نُعْلِكْ لِجَاما

وروي أن أول من سن النسيء عَمْرو بن لُحَيّ، والذي صح من حديث أبي هريرة وعائشة، أن عَمْرو بن لحيّ أول من سيّب السوائب، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت عَمْرو بن لحيّ يجر قُصْبَهُ في النار». اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}
استئناف بياني ناشيء عن قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله} [التوبة: 36] الآية لأنّ ذلك كالمقدّمة إلى المقصود وهو إبطال النسيء وتشنيعه.
والنسيء يطلق على الشهر الحرام الذي أرجئت حرمتُه وجعلت لشهر آخر فالنسيء فَعِيل بمعنى مفعول من نَسَأ المهموز اللام، ويطلق مصدرًا بوزن فعيل مثل نَذير من قوله: {كيف نذير} [الملك: 17]، ومثل النكير والعذر وفعله نسأ المهموز، أي أخّر، فالنسيء بهمزة بعد الياء في المشهور.