فصل: الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: تَفْنِيدُ مِرَاءِ الرَّوَافِضِ، وَتَحْرِيفِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ لِهَذِهِ الْمَنَاقِبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ كَانَ ثَانِيَهِ فِي الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الشَّرْعِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ فَلَمْ يَرَ الْأَنْصَارُ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا قَبْلَهُ.
(السَّابِعَةُ)- وَهِيَ تُؤَيِّدُ مَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَى الِاثْنَيْنِيَّةِ مِنْ رِفْعَةِ الْمَقَامِ- قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» وَإِنَّهُمَا لَمَنْقَبَةٌ تَتَضَاءَلُ دُونَهَا الْمَنَاقِبُ، وَمَرْتَبَةٌ تَنْحَدِرُ عَنْ عُلْيَا سَمَائِهَا الْمَرَاتِبُ، أَكْبَرُ أَعْلَمِ رُسُلِ اللهِ بِاللهِ أَمَرَّهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِقَدْرِهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» بِكَذَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَحُومَ الظُّنُونُ أَوْ تَنْتَهِيَ الْآرَاءُ وَالْأَفْكَارُ إِلَى شَأْنٍ أَعْلَى مِنْ شَأْنِهَا، وَمَنَعَةٍ أَعَزُّ مِنْ مَنَعَتِهَا إِلَخْ.
(الثَّامِنَةُ) حِكَايَةُ رَبِّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ لِقَوْلِ رَسُولِهِ الَّذِي خَتَمَ بِهِ النَّبِيِّينَ، وَأَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، لِهَذَا الصَّاحِبِ الصِّدِّيقِ الْمَكِينِ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ، لَا مِنْ حُسْنِ ظَنِّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَبِّهِ وَاجْتِهَادِ رَأْيِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ اجْتِهَادًا أَقَرَّهُ رَبُّهُ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ عَنْهُ، وَجَعَلَهُ مِمَّا يَتَعَبَّدُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَكَانَتْ قِيمَتُهُ فِي غَايَتِهِ، بِمَعْنَى مَا كَانَ عَنِ الْوَحْيِ مُنْذُ بِدَايَتِهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِير الْمَعِيَّةِ مِنْ كَوْنِهَا مَعِيَّةً خَاصَّةً مِنْ نَوْعِ الْمَعِيَّةِ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ بِهَا مُوسَى وَهَارُوْنَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، إِلَّا أَنَّهَا أَعْلَى فِي ذَاتِهَا وَشَخْصِهَا مِنْ كُلِّ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ، فَالْمَعِيَّةُ الْإِلَهِيَّةُ مَعْنًى إِضَافِيٌ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِهِ وَمُتَعَلِّقِهِ، فَمَعِيَّةِ الْعِلْمِ عَامَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (58: 7) وَهِيَ لَا تَشْرِيفَ فِيهَا لِأَهْلِهَا بَلْ هِيَ تَهْدِيدٌ لَهُمْ، وَإِنْذَارٌ بِأَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهِ وَيَجْزِيهِمْ بِهِ،: وَأَعْلَى مِنْهَا مَعِيَّتُهُ تَعَالَى لِلْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّوْفِيقِ وَاللُّطْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَفِيهَا شَرَفٌ عَظِيمٌ، وَأَعْلَى مِنْهَا مَعِيَّتُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فِي مَقَامِ التَّأْيِيدِ عَلَى الْأَعْدَاءِ الْمُنَاوِئِينَ، وَهِيَ أَعْلَى الْأَنْوَاعِ كَمَا عَلِمْتَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ حَظٌّ مِنْهَا إِلَّا مَا ثَبَتَ لِلصِّدِّيقِ هُنَا.
(التَّاسِعَةُ) إِنْزَالُ اللهِ تَعَالَى سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْسِيرِ الْمَنْقُولِ الْمَعْقُولِ، وَهِيَ مَنْقَبَةٌ لَمْ يَرِدْ فِي التَّنْزِيلِ إِثْبَاتُهَا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ إِلَّا الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا وَرَدَ إِثْبَاتُهَا لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَائِمًا مُقَامَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْغَارِ وَسَائِرِ رِحْلَةِ الْهِجْرَةِ الشَّرِيفَةِ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا نَزَلَ التَّنْوِيهُ بِذَلِكَ فِي أَوَاخِرَ مُدَّةِ الْهِجْرَةِ أَيْ: سَنَةَ تِسْعٍ مِنْهَا، وَقَدْ رَوَيْنَا لَكَ مَا قَالَهُ عَلَيٌّ الْمُرْتَضَى كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قِبَلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ كَانَ الْمُبَلِّغُ لَهَا عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ.
(الْعَاشِرَةُ) تَأْيِيدُهُ بِجُنُودٍ لَمْ يَرَهَا الْمُخَاطَبُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَطْفِ جُمْلَةِ التَّأْيِيدِ عَلَى جُمْلَةِ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، وَيَأْتِي فِي هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ، وَجَعْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَقَامِ الْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً مَعَ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إِثْبَاتُ اللهِ تَعَالَى صُحْبَتَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْظَمِ مَوَاطِنِ بَعْثَتِهِ، وَأَطْوَارِ نُبُوَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَمَّى أَتْبَاعَهُ فِي عَهْدِهِ أَصْحَابًا تَوَاضُعًا مِنْهُ، وَتَرْبِيَةً لَهُمْ عَلَى احْتِرَامِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ وَمُعَامَلَتِهِمْ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَإِزَالَةً لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنِ احْتِقَارِ بَعْضِ الْقَبَائِلِ لِبَعْضٍ، وَاحْتِقَارِ الْأَغْنِيَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ لِمَنْ دُونَهُمْ.
وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ فِي شُعُوبٍ أُخْرَى كَالْهُنُودِ مِنْ جَعْلِ النَّاسِ طَبَقَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بِالتَّحَكُّمِ وَالتَّوَارُثِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مَبْعُوثٌ إِلَى الْجَمِيعِ وَلِإِصْلَاحِ الْجَمِيعِ- فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَأَقَرَّتْهُ شَرِيعَةُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ مَنْ تُفَاضِلِ أَفْرَادِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ وَمَعَالِي الْأَخْلَاقِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (49: 13)، {وفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} (4: 95 و96) {والَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ} (20) إِلَخْ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَرَدَ فِي فَضَائِلِ الْهِجْرَةِ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَوَّلُ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّهُ امْتَازَ بِهِجْرَتِهِ مَعَ الرَّسُولِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَرَغْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِ الْإِذْنِ الْإِلَهِيِّ لَهُ، إِذْ مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَحْدَهُ انْتِظَارًا مِنْهُ لِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِهِجْرَتِهِ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ- فَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كُلُّ مَا عَلِمْنَا مِنَ الْمَزَايَا فِي الْهِجْرَةِ، وَأَنْ يَكُونَ بِهَا أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ سَيِّدِ الْمُهَاجِرِينَ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ تَكُونَ صُحْبَتُهُ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ صُحْبَةِ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ مُغَاضَبَةِ عَمَرَ لَهُ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» إِشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّاحِبَ الْأَكْمَلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ قَدْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا أَضَافَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، إِذِ الْإِضَافَةُ هُنَا كَالْإِضَافَةِ فِي قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (17: 1) إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ عَبِيدُ الله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (19: 93) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَكْذِيبِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَهَاتَانِ مَنْقَبَتَانِ فِي الصُّحْبَةِ وَالْهِجْرَةِ جَعَلْنَاهُمَا وَاحِدَةً، وَقَدْ يُثَلِّثُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَصَلَ إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَآهُ مَعَهُ جَمَاعَةُ الْأَنْصَارِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوَّلَ جَمَاعَةٍ، وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ ظَهَرَتْ بِهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) حِكَايَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ: لَا تَحْزَنْ فَكَوْنُهُ صلى الله عليه وسلم يُعْنَى بِتَسْلِيَتِهِ وَطَمْأَنَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَإِخْبَارُ اللهِ بِذَلِكَ فِيمَا يُتَعَبَّدُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَمْرٌ أَعْظَمُ، وَنَاهِيكَ بِتَعْلِيلِهِ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ مِنْ مَعِيَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا. وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ الْحُزْنِ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْقُرْآنِ خِطَابًا مِنْ قَبْلِهِ تَعَالَى إِلَّا لِلنَّبِيِّ الْأَعْظَمِ صلى الله عليه وسلم وَوَرَدَ خِطَابًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقَدْ عَلَّلَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ بِمَعِيَّةِ اللهِ تَعَالَى لِلْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَعَلَّلَ هُنَا بِالْمَعِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنْهَا وَأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَكْمَلُ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ لِهِدَايَةِ الْبَشَرِ كَافَّةً، فَهُوَ يَمْدَحُ الْإِيمَانَ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةَ وَأَهْلَهَا، وَيَذُمُّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَالْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ، وَالصِّفَاتَ الْقَبِيحَةَ وَأَهْلَهَا، وَلَا تَرَى فِيهِ مَدْحًا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرِ رَسُولِهَا صلى الله عليه وسلم إِلَّا لِصَاحِبِهِ الْأَكْبَرِ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَلَا ذَمًّا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْكُفَّارِ غَيْرِ أَبِي لَهَبِ وَامْرَأَتِهِ. فَاخْتِصَاصُ أَبِي بَكْرٍ بِالْمَدْحِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْقَبَةٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى- أَيِ الِاخْتِصَاصُ- غَيْرُ مَوْضُوعِ الْمَدْحِ الْمُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُهُ فَهُوَ يَجْعَلُ قِيمَتَهُ مُضَاعَفَةً، إِذْ لَوْ كَانَ فِي التَّنْزِيلِ مَدْحٌ لِغَيْرِهِ كَالْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ الْوَارِدَةِ فِي فَضَائِلِهِ وَفَضَائِلِ آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لَمَا كَانَتْ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالصِّدِّيقِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْحُ الْمَفْرُوضُ لِغَيْرِهِ دُونَ مَدْحِهِ فِي مَوْضُوعِهِ، كَمَا هُوَ شَأْنُ أَحَادِيثِ الْمَنَاقِبِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَدْحُ فِي سِيَاقِ تَوْبِيخِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّثَاقُلِ فِي إِجَابَةِ الرَّسُولِ إِلَى مَا اسْتَنْفَرَهُمْ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَالْآثَارُ فِيهِ؟.
وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ أَنَّ قِصَّةَ الْأَعْمَى تَتَضَمَّنُ ثَنَاءً عَلَيْهِ بِالْخَشْيَةِ، وَهُوَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْمُؤَذِّنُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَإِنَّ السِّيَاقَ فِيهَا لَيْسَ سِيَاقَ مَدْحٍ. وَقوله تعالى: {وَهُوَ يَخْشَى} (80: 9) لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخَشْيَةَ خَاصَّةً بِهِ، وَلَا أَنَّهُ مُمْتَازٌ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ فِيهَا مِنْ إِثْبَاتِ الْفَضْلِ لَهُ مَا لَا يَخْفَى، وَلَا يَرِدُ أَيْضًا عَلَى ذَمِّ أَبِي لَهَبٍ مَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَفِي سُورَةِ الْعَلَقِ، فِي أَبِي جَهْلٍ؛ فَإِنَّ الذَّمَّ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْوَصْفِ لَا بِالشَّخْصِ، مَعَ كَوْنِ الْمَوْصُوفِ قَدْ عُرِفَ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ لَا مِنَ النَّصِّ. وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ كَتَوَاتُرِ وَصْفِ الصَّاحِبِ لِلصِّدِّيقِ وَدُونَهُ وَصْفُ الْأَعْمَى لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّنَا عَدَمُ الْحَصْرِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي بَحْثِنَا.

.الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: تَفْنِيدُ مِرَاءِ الرَّوَافِضِ، وَتَحْرِيفِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ لِهَذِهِ الْمَنَاقِبِ:

قال الفخر الرَّازِيُّ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَاسْتِنْبَاطِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَنَاقِبِ بِدُونِ مَا أَلْهَمَنَا اللهُ تَعَالَى إِيَّاهُ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّوَافِضَ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الطَّعْنِ فِي أَبِي بَكْرٍ مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ حَقِيرَةٍ جَارِيَةٍ مَجْرَى إِخْفَاءِ الشَّمْسِ بِكَفٍّ مِنَ الطِّينِ.
(فَالْأَوَّلُ) قَالُوا: إِنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: {لَا تَحْزَنْ} فَذَلِكَ الْحُزْنُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَكَيْفَ نَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهُ؟ وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ مُذْنِبًا وَعَاصِيًا فِي ذَلِكَ الْحُزْنِ.
(وَالثَّانِي) قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي مَكَّةَ أَنْ يَدُلَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُوقِفَهُمْ عَلَى أَسْرَارِهِ وَمَعَانِيهِ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ دَفْعًا لِهَذَا الشَّرِّ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ وَإِنْ دَلَّتْ هَذِهِ الْحَالَةُ عَلَى فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ مَعَ كَوْنِ الْكُفَّارِ قَاصِدِينَ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلْفِدَاءِ، فَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ عَلِيٍّ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مَنْ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ صَاحِبًا لِلرَّسُولِ- فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ. اهـ.
هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ أَخَسُّ مِنْ شُبَهَاتِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي رَدِّهِ رَدًّا آخَرَ لِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ إِمَامِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي عَصْرِهِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 303) فَدَلَّ هَذَا عَلَى قِدَمِ هَذَا الْجَهْلِ وَالسَّخْفِ فِي الْقَوْمِ.
وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ الشِّهَابُ الْآلُوْسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ نَقْلًا عَنْهُمْ، وَكَانَ كَثِيرَ الِاحْتِكَاكِ بِعُلَمَائِهِمْ فِي بَغْدَادَ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَأَنْكَرَ الرَّافِضَةُ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْفَضْلِ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قالوا: إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْفَضْلِ إِنْ كَانَ: ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ مُتَمِّمًا لِلْعَدَدِ- وَإِنْ كَانَ: إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِ شَخْصَيْنِ فِي مَكَانٍ، وَكَثِيرًا مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَإِنْ كَانَ (لِصَاحِبِهِ) فَالصُّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ كَمَا فِي قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ} (18: 37) وَقوله سبحانه: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (81: 22) وَ{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} (12: 39) بَلْ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ مَنْ يَعْقِلُ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ:
إِنَّ الْحِمَارَ مَعَ الْحِمَارِ مَطِيَّةٌ ** وَإِنْ خَلَوْتَ بِهِ فَبِئْسَ الصَّاحِبُ

وَإِنْ كَانَ لَا تَحْزَنْ فَيُقَالُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُزْنُ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً وَإِلَّا لَمَا نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً لِمَكَانِ النَّهْيِ، وَذَلِكَ مُثْبِتُ خِلَافِ مَقْصُودِكُمْ، عَلَى أَنَّ فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُبْنِ مَا فِيهِ- وَإِنْ كَانَ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِثْبَاتَ مَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ، لَكِنْ أَتَى بِنَا سَدًّا لِبَابِ الْإِيحَاشِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْإِتْيَانِ بـ {أَوْ} فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (34: 24) وَإِنْ كَانَ: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (40)} فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْكِيكُ الضَّمَائِرِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي تَخْصِيصِهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّكِينَةِ هُنَا مَعَ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فِي قوله سبحانه: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (48: 26) إِشَارَةً إِلَى ضِدِّ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ- وَإِنْ كَانَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ خُرُوجِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَعَهُ إِلَّا حَذَرًا مِنْ كَيْدِهِ لَوْ بَقَى مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، وَفِي كَوْنِ الْمُجَهِّزِ لَهُمْ بِشِرَاءِ الْإِبِلِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ إِشَارَةٌ لِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَرَاءَ ذَلِكَ فَبَيِّنُوهُ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُهُمْ.
(قَالَ الشِّهَابُ الْآلُوْسِيُّ إِثْرَ نَقْلِهِ): وَلَعَمْرِي إِنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَذَيَانِ الْبمَحْمُومِ أَوْ عَرْبَدَةِ السَّكْرَانِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ حَكَى فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مَا هُوَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَدُّهُ رَحْمَةٌ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَا كُنَّا نَفْتَحُ فِي رَدِّهِ فَمَا، أَوْ نَجْرِي فِي مَيْدَانِ تَزْيِيفِهِ قَلَّمَا. ثُمَّ رَدَّ كُلَّ كَلِمَةٍ قَالُوهَا رَدًّا عِلْمِيًّا أَدَبِيًّا مُفْحِمًا، وَمَا شَرَحْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْهَا بِمَعُونَةِ أَحَادِيثِ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمَنَاقِبِ الَّتِي هِيَ نُصُوصٌ ظَاهِرَةٌ فِي تَفْضِيلِ الصِّدِّيقِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه وَعَنْهُمْ، وَلَعْنِ مُبْغِضِيهِ وَمُبْغِضِيهِمْ، وَمَا سَنَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ هُنَا مِنْ إِفْحَامِهِمْ يُغْنِينَا عَنْ نَقْلِ عِبَارَتِهِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ فِي تَفْنِيدِهَا هَذَا التَّحْرِيفُ لِكَلَامِ اللهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَالِافْتِرَاءُ الْمَفْضُوحُ الْمَعْلُومُ بُطْلَانُهُ بِالْبَدَاهَةِ، وَإِنَّمَا أَخْتَارُ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ الْآلُوْسِيِّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ:
وَأَيْضًا إِذَا انْفَتَحَ بَابُ هَذَا الْهَذَيَانِ أَمْكَنَ لِلنَّاصِبِيِّ أَنْ يَقُولَ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى فِي عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْتُوتَةِ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةَ هَاجَرَ إِلَّا لِيَقْتُلَهُ الْمُشْرِكُونَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْتَرِيحَ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَعْجَبَ وَلَا أَبْطَلَ مِنْ قَوْلِ الشِّيعِيِّ إِنَّ إِخْرَاجَ الصِّدِّيقِ إِنَّمَا كَانَ حَذَرًا مِنْ شَرِّهِ. فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ، الْمُسْتَهْجَنَ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ. اهـ.