فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اختلفوا في الجنة المذكورة في هذه الآية، هل كانت في الأرض أو في السماء؟ وبتقدير أنها كانت في السماء فهل هي الجنة التي هي دار الثواب أو جنة الخلد أو جنة أخرى؟ فقال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصفهاني: هذه الجنة كانت في الأرض، وحملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة كما في قوله تعالى: {اهبطوا مِصْرًا} [البقرة: 61] واحتجا عليه بوجوه أحدها: أن هذه الجنة لو كانت هي دار الثواب لكانت جنة الخلد ولو كان آدم في جنة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120]، ولما صح قوله: {مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20].
وثانيها: أن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى: {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِين} [الحجر: 48].
وثالثها: أن إبليس لما امتنع عن السجود لعن فما كان يقدر مع غضب الله على أن يصل إلى جنة الخلد.
ورابعها: أن الجنة التي هي دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35] ولقوله تعالى: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِى الجنة خالدين فِيهَا} [هود: 108] إلى أن قال: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] أي غير مقطوع، فهذه الجنة لو كانت هي التي دخلها آدم عليه السلام لما فنيت، لكنها تفنى لقوله تعالى: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه} [القصص: 88] ولما خرج منها آدم عليه السلام لكنه خرج منها وانقطعت تلك الراحات.
وخامسها: أنه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدئ الخلق في جنة يخلدهم فيها ولا تكليف لأنه تعالى لا يعطي جزاء العاملين من ليس بعامل ولأنه لا يهمل عباده بل لابد من ترغيب وترهيب ووعد ووعيد، وسادسها: لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء لكان ذلك أولى بالذكر لأن نقله من الأرض إلى السماء من أعظم النعم، فدل ذلك على أنه لم يحصل، وذلك يوجب أن المراد من الجنة التي قال الله تعالى له: {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} جنة أخرى غير جنة الخلد.
القول الثاني: وهو قول الجبائي: أن تلك الجنة كانت في السماء السابعة والدليل عليه قوله تعالى: {اهبطوا مِنْهَا} [البقرة: 38]، ثم إن الإهباط الأول كان من السماء السابعة إلى السماء الأولى، والإهباط الثاني كان من السماء إلى الأرض.
القول الثالث: وهو قول جمهور أصحابنا: أن هذه الجنة هي دار الثواب والدليل عليه أن الألف واللام في لفظ الجنة لا يفيدان العموم لأن سكنى جميع الجنان محال، فلابد من صرفها إلى المعهود السابق والجنة التي هي المعهودة المعلومة بين المسلمين هي دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إليها، والقول الرابع: أن الكل ممكن والأدلة النقلية ضعيفة ومتعارضة فوجب التوقف وترك القطع. والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الجنة} الجنة: البُستان، وقد تقدّم القول فيها.
ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخُلْد وإنما كان في جنة بأرض عَدَن.
واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس، فإن اللَّه يقول: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] وقال: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا} [النبأ: 35] وقال: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا} [الواقعة: 25 26].
وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48].
وأيضًا فإن جنة الخُلْد هي دار القُدْس، قُدّست عن الخطايا والمعاصي تطهيرًا لها.
وقد لَغَا فيها إبليس وكَذَب، وأُخْرِج منها آدم وحواء بمعصيتهما.
قالوا: وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخُلْد وهو في دار الخُلْد والمُلْك الذي لا يبلَى؟ فالجواب: أن الله تعالى عَرّف الجنة بالألف واللام؛ ومن قال: أسأل الله الجنة؛ لم يُفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد.
ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم؛ وقد لَقِي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى: أنت أشقيتَ ذُرّيتك وأخرجتهم من الجنة؛ فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة، فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لردّ على موسى؛ فلما سكت آدم على ما قَرّره موسى صحّ أن الدار التي أخرجهم الله عز وجل منها بخلاف الدار التي أُخرجوا إليه.
وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قُضي عليه بالفناء.
وقد أجمع أهل التأويل على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية، وقد دخلها النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ثم خرج منها وأخبر بما فيها وأنها جنة الخلد حقًّا.
وأما قولهم: إن الجنة دار القُدْس وقد طهّرها الله تعالى من الخطايا فجهلٌ منهم؛ وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدّسة وهي الشام، وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدّسها وقد شُوهد فيها المعاصي والكفر والكذب ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي؛ وكذلك دار القُدْس.
قال أبو الحسن بن بطال: وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السُّنّة مجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام، فلا معنى لقول مَن خالفهم.
وقولهم كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخُلْد وهو في دار الخلد؛ فيُعكس عليهم ويقال: كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مُسْكة من عقل، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلا، على ما قال أبو أمامة على ما يأتي. اهـ.
وقال القرطبي:
قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} أي لا تقرباها بأكل؛ لأن الإباحة فيه وقعت.
قال ابن العربي: سمعت الشّاشيّ في مجلس النَّضْر بن شُميل يقول: إذا قيل لا تقرَب بفتح الراء كان معناه لا تَلَبَّس بالفعل، وإذا كان بضم الراء فإن معناه لا تَدْنُ منه.
وفي الصحاح: قَرُب الشيءُ يقرُب قُرْبًا أي دنا.
وقَرِبته بالكسر أَقْرَبه قُرْبانا أي دنَوْت منه.
وقَرَبت أقْربُ قِرابة مثل كتبت أكتب كتابة إذا سِرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة؛ والاسم القَرَب.
قال الأصمعي: قلت لأعرابيّ: ما القَرَب؟ فقال: سَيْرُ الليل لِورْد الغد.
وقال ابن عطية قال بعض الحذاق: إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب.
قال ابن عطية: وهذا مثالٌ بَيّن في سدّ الذرائع.
وقال بعض أرباب المعاني قوله: {ولا تَقْرَبَا} إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة، وأن سكناه فيها لا يدوم؛ لأن المخلَّد لا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا يُنْهَى.
والدليل على هذا قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} فدلّ على خروجه منها. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في الشجرة ما هي، فروى مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها البر والسنبلة.
وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشجرة فقال: هي الشجرة المباركة السنبلة.
وروى السدي عن ابن عباس وابن مسعود أنها الكرم، وعن مجاهد وقتادة أنها التين، وقال الربيع بن أنس: كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث.
واعلم أنه ليس في الظاهر ما يدل على التعيين فلا حاجة أيضًا إلى بيانه لأنه ليس المقصود من هذا الكلام أن يعرفنا عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصودًا في الكلام، لا يجب على الحكيم أن يبينه بل ربما كان بيانه عبثًا لأن أحدنا لو أراد أن يقيم العذر لغيره في التأخر فقال: شغلت بضرب غلماني لإساءتهم الأدب لكان هذا القدر أحسن من أن يذكر عين هذا الغلام ويذكر اسمه وصفته، فليس لأحد أن يظن أنه وقع هاهنا تقصير في البيان، ثم قال بعضهم الأقرب في لفظ الشجرة أن يتناول ماله ساق وأغصان، وقيل لا حاجة إلى ذلك لقوله تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] مع أنها كالزرع والبطيخ فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجرًا.
قال المبرد: وأحسب أن كل ما تفرعت له أغصان وعيدان فالعرب تسميه شجرًا في وقت تشعبه وأصل هذا أنه كل ما شجر أي أخذ يمنه ويسرة يقال: رأيت فلانًا في شجرته الرماح.
وقال تعالى: {حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] وتشاجر الرجلان في أمر كذا. اهـ.

.قال ابن عطية:

واختلف في هذه {الشجرة} التي نهى عنها ما هي؟
فقال ابن مسعود وابن عباس: هي الكَرْم ولذلك حرمت علينا الخمر.
وقال ابن جريج عن بعض الصحابة: هي شجرة التين.
وقال ابن عباس أيضًا وأبو مالك وعطية وقتادة: هي السنبلة وحبها ككلى البقر، أحلى من العسل، وألين من الزبد.
وروي عن ابن عباس أيضًا: أنها شجرة العلم، فيها ثمر كل شيء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لا يصح عن ابن عباس.
وحكى الطبري عن يعقوب بن عتبة: أنها الشجرة التي كانت الملائكة تحنك بها للخلد.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضًا ضعيف.
قال: واليهود تزعم أنها الحنظلة، وتقول: إنها كانت حلوة ومُرَّت من حينئذ.
قال القاضي أبو محمد وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها، وفي حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء، ولا يؤمر ولا ينهى.
وقيل إن هذه الشجرة كانت خصت بأن تحوج آكلها إلى التبرز، فلذلك نهي عنها فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرز أهبط إلى الأرض. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نُهي عنها فأكل منها؛ فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جُبير وجَعْدة بن هُبيرة: هي الكَرْم؛ ولذلك حُرّمت علينا الخمر.
وقال ابن عباس أيضًا وأبو مالك وقَتادة: هي السُّنْبُلة، والحبّةُ منها ككُلَى البقر، أحْلَى من العسل وألْيَن من الزُّبْد؛ قاله وَهْب بن مُنَبِّه.
ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه.
وقال ابن جُريج عن بعض الصحابة: هي شجرة التِّين، وكذا روى سعيد عن قتادة، ولذلك تُعَبَّر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم عليه السلام على أكلها؛ ذكره السُّهَيْلي.
قال ابن عطية: وليس في شيء من هذا التعيين ما يَعْضُده خبرٌ وإنما الصواب أن يُعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها.
وقال القُشيري أبو نصر: وكان الإمام والدي رحمه الله يقول: يُعلم على الجملة أنها كانت شجرة المِحْنة.
واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فقال قوم: أكلا من غير التي أشير إليها، فلم يتأوّلا النهي واقعًا على جميع جنسها، كأن إبليس غَرّه بالأخذ بالظاهر.
قال ابن العربي: وهي أوّل معصية عصي الله بها على هذا القول.
قال: وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنِث.
وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا: لا حِنْث فيه.
وقال مالك وأصحابه: إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنَث بأكل جنسه، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حُمل عليه وحنِث بأكل غيره؛ وعليه حُملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عُيِّنت له وأريد بها جنسها؛ فحمل القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فَرْعٍ من هذا؛ وهو أنه إذا حلَف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزًا منها على قولين؛ قال في الكتاب: يحنَث؛ لأنها هكذا تؤكل.
وقال ابن الموّاز: لا شيء عليه؛ لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزًا فراعى الاسم والصفة.
ولو قال في يمينه: لا آكل من هذه الحنطة لحِنث بأكل الخبز المعمول منها.
وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف.
وقال آخرون: تأوّلا النّهي على النّدب.
قال ابن العربيّ: وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ها هنا؛ لقوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} فقرن النّهي بالوعيد، وكذلك قوله سبحانه: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} [طه: 117].
وقال ابن المُسَيّب: إنما أكل آدم بعد أن سَقَته حَوّاء الخمر فسَكِر وكان في غير عقله.
وكذلك قال يزيد بن قُسيط، وكان يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل.
قال ابن العربيّ: وهذا فاسد نقلًا وعقلًا، أما النّقل فلم يصح بحال، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47].
وأما العقل فلأن الأنبياء بعد النبوّة معصومون عما يؤدّي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم.
قلت: قد استنبط بعض العلماء نبوّة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائهِمْ} [البقرة: 3] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله جلّ وعَزّ.
وقيل: أكلها ناسيًا، ومن الممكن أنهما نَسِيَا الوعيد.
قلت: وهو الصحيح لإخبار الله تعالى في كتابه بذلك حَتْمًا وجَزْمًا فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمُ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].
ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقّظ لكثرة معارفهم وعُلُوّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكّر النّهي تضييعًا صار به عاصيًا؛ أي مخالفًا.
قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كِفّة ميزان ووُضع حِلْم آدم في كِفّة أخرى لرجحهم؛ وقد قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
قلت: قولُ أبي أُمامة هذا عمومٌ في جميع بني آدم.
وقد يحتمل أن يخصّ من ذلك نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان أوفر الناس حلمًا وعقلًا.
وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الأنبياء. والله أعلم.
قلت: والقول الأوّل أيضًا حَسَن؛ فظنّا أن المراد العَيْن وكان المراد الجنس؛ كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهبًا وحريرًا فقال: «هذان حرامان على ذكور أمتي» وقال في خبر آخر: «هذان مهلكان أمتي» وإنما أراد الجنس لا العين. اهـ.