فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولو أرادوا الخروج} الآية حجة على المنافقين، أي ولو أرادوا الخروج بنياتهم لنظروا في ذلك واستعدوا له قبل كونه، والعدة ما يعد للأمر ويروى له من الأشياء، وقرأ جمهور الناس {عُدة} بضم العين وتاء تأنيث، وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية بن محمد {عُدة} بضم العين وهاء إضمار يريد عدته فحذفت تاء التأنيث لما أضاف، كما قال: {وأقام الصلاة} يريد إقامة الصلاة، هذا قول الفراء، وضعفه أبو الفتح، وقال إنما خذف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير عوضًا منها، وقال أبو حاتم: هو جمع عدة على عد، كبرة وكبر ودرة ودر، والوجه فيه عدد ولكن لا يوافق خط المصحف، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبان وزر بن حبيش {عِده} بكسر العين وهاء إضمار وهو عندي اسم لما يعد كالريح والقتل لأن العدو سمي قتلًا إذ حقه أن يقتل هذا في معتقد العرب حين سمته، {انبعاثهم} نفوذهم لهذه الغزوة، والتثبيط التكسيل وكسر العزم، وقوله: {وقيل}، يحتمل أن يكون حكاية عن الله تعالى أي قال الله في سابق قضائه {اقعدوا مع القاعدين}، ويحتمل أن يكون حكاية عنهم أي كانت هذه مقالة بعضهم لبعض إما لفظًا وإمًا معنى، فحكي في هذه الألفاظ التي تقتضي لهم مذمة إذ القاعدون النساء والأطفال، ويحتمل أن يكون عبارة عن إذن محمد صلى الله عليه وسلم عبارة عن التخلف والتراخي كما هو في قول الشاعر:
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وليس للهيئة في هذا كله مدخل، وكراهية الله انبعاثهم رفق بالمؤمنين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ} يعني: المستأذنين له في القعود.
وفي المراد بالعُدَّة قولان:
أحدهما: النية، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: السلاح، والمركوب، وما يصلح للخروج، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والانبعاث: الانطلاق.
والتثبُّط: ردُّك الإنسان عن الشيء يفعله.
قوله تعالى: {وقيل اقعدوا} في القائل لهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أُلهموا ذلك خذلانًا لهم، قاله مقاتل.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله غضبًا عليهم.
والثالث: أنه قول بعضهم لبعض، ذكرهما الماوردي.
وفي المراد بالقاعدين قولان:
أحدهما: أنهم القاعدون بغير عذر، قاله ابن السائب.
والثاني: أنهم القاعدون بعذر كالنساء والصبيان، ذكره علي بن عيسى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} أي لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أُهبة السفر.
فتركُهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف.
{ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم} أي خروجهم معك.
{فَثَبَّطَهُمْ} أي حبسهم عنك وخذلهم.
لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرّضنا على المؤمنين.
ويدلّ على هذا أن بعده {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} [التوبة: 47].
{وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين} قيل: هو من قول بعضهم لبعض.
وقيل: هو من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا هو الإذن الذي تقدّم ذكره.
قيل: قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم غضبًا، فأخذوا بظاهر لفظه وقالوا: قد أذن لنا.
وقيل: هو عبارة عن الخذلان؛ أي أوقع الله في قلوبهم القعود.
ومعنى {مَعَ القاعدين} أي مع أُولِي الضرر والعميان والزَّمْنَى والنسوان والصبيان. اهـ.

.قال الخازن:

{ولو أرادوا الخروج} يعني إلى الغزو معكم {لأعدوا له عدة} لتهؤوا له بإعداد آلات السفر وآلات القتال من الكراع والسلاح {ولكن كره الله انبعاثهم} يعني خروجهم إلى الغزو معكم {فثبطهم} يعني منعهم وحبسهم عن الخروج معكم والمعنى أن الله سبحانه وتعالى كره خروج المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم فصرفهم عنه وهاهنا يتوجه سؤال وهو أن خروج المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة فإن كان فيه مصلحة فلم قال: ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم، وإن كان فيه مفسدة.
فلم عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في أذنه لهم بالقعود والجواب عن السؤال أن خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه مفسدة عظيمة بدليل أنه تعالى أخبر عن تلك المفسدة بقوله تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا}، بقي فلم عاتب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقوله لم أذنت لهم فنقول إنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم قبل تمام الفحص وإكمال التأمل والتدبر في حالهم فلهذا السبب قال الله تعالى: {لم أذنت لهم}؟ وقيل إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحي إليه في أمرهم بالقعود {وقيل اقعدوا مع القاعدين} معناه أنهم لما استأذنوه في القعود.
قيل لهم: اقعدوا مع القاعدين وهم النساء والصبيان والمرضى وأهل الأعذار ثم اختلفوا في القائل من هو فقيل، قال بعضهم لبعض: اقعدوا مع القاعدين.
وقيل: القائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قال ذلك لهم على سبيل الغضب لما استأنذوه في القعود فقال لهم اقعدوا مع القاعدين فاغتنموا ذلك وقعدوا وقيل إن القائل ذلك هو الله سبحانه وتعالى بأن ألقى في قلوبهم القعود لما كره انبعاثهم مع المسلمين إلى الجهاد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو أرادوا الخروج لأعَدّوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}
قال ابن عباس: عدّة من الزاد والماء والراحلة، لأنّ سفرهم بعيد في زمان حر شديد.
وفي تركهم العدّة دليل على أنهم أرادوا التخلف.
وقال قوم: كانوا قادرين على تحصيل العدّة والإهبة.
وروى الضحاك عن ابن عباس: العدّة النية الخالصة في الجهاد.
وحكى الطبري: كل ما يعد للقتال من الزاد والسلاح.
وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية: عُدَّ بضم العين من غير تاء، والفراء يقول: تسقط التاء للإضافة، وجعل من ذلك وإقام الصلاة أي وإقامة الصلاة.
وورد ذلك في عدة أبيات من لسان العرب، ولكن لا يقيس ذلك، إنما نقف فيه مع مورد السماع.
قال صاحب اللوامح: لما أضاف جعل الكناية تائبة عن التاء فأسقطها، وذلك لأنّ العد بغير تاء، ولا تقديرها هو البثر الذي يخرج في الوجه.
وقال أبو حاتم: هو جمع عدة كبرة وبر ودرة ودر، الوجه فيه عدد، ولكن لا يوافق خط المصحف.
وقرأ ذر بن حبيش وإبان عن عاصم: عده بكسر العين، وهاء إضمار.
قال ابن عطية: وهو عندي اسم لما يعد كالذبح والقتل للعد، وسمي قتلًا إذ حقه أن يقتل.
وقرئ أيضًا: عبة بكسر العين، وبالتاء دون إضافة أي: عدة من الزاد والسلاح، أو مما لهم مأخوذ من العدد.
ولما تضمنت الجملة انتفاء الخروج والاستعداد، وجاء بعدها ولكن، وكانت لا تقع إلا بين نقيضين أو ضدين أو خلافين على خلاف فيه، لا بين متفقين، وكان ظاهر ما بعد لكن موافقًا لما قبلها.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف موقع حرف الاستدراك؟ (قلت): لما كان قوله: {ولو أرادوا الخروج} معطيًا معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو.
قيل: {ولكن كره الله انبعاثهم}، كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول: ما أحسن إليّ زيد ولكن أساء إليّ انتهى.
وليست الآية نظير هذا المثال، لأنّ المثال واقع فيه لكن بين ضدين، والآية واقع فيها لكن بين متفقين من جهة المعنى، والانبعاث الانطلاق والنهوض.
قال ابن عباس: {فثبطهم} كسلهم وفتر نياتهم.
وبنى وقيل للمفعول، فاحتمل أن يكون القول: أذن الرسول لهم في القعود، أو قول بعضهم لبعض إما لفظًا وإما معنى، أو حكاية عن قول الله في سابق قضائه.
وقال الزمخشري: جعل القاء الله تعالى في قلوبهم كراهة الخروج أمرًا بالقعود.
وقيل: هو من قول الشيطان بالوسوسة.
قال: (فإن قلت): كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة، وتعالى الله عن إلهام القبيح.
(قلت): خروجهم كان مفسدة لقوله تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا} فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنًا ومصلحة انتهى.
وهذا السؤال والجواب على طريقة الاعتزال في المفسدة والمصلحة، وهذا القول هو ذمٌّ لهم وتعجيز، وإلحاق بالنساء والصبيان والزني الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخلفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} والقعود هنا عبارة عن التخلف والتراخي كما قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

اهـ.

.قال ابن القيم:

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}
والتثبيط رد الإنسان عن الشيء الذي يفعله قال ابن عباس: يريد خذلهم وكسلهم عن الخروج وقال في رواية أخرى: حبسهم قال مقاتل: وأوحى إلى قلوبهم اقعدوا مع القاعدين وقد بين سبحانه حكمته في هذا التثبيط والخذلان قبل وبعد فقال: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} فلما تركوا الإيمان به وبلقائه وارتابوا بما لا ريب فيه ولم يريدوا الخروج في طاعة الله ولم يستعدوا له ولا أخذوا أهبة ذلك كره سبحانه انبعاث من هذا شأنه فإن من لم يرفع به وبرسوله أو كتابه رأسا ولم يقبل هديته التي أهداها إليه على يد أحب خلقه إليه وأكرمهم عليه ولم يعرف قدر هذه النعمة ولا شكرها بل بدلها كفرا فإن طاعة هذا وخروجه مع رسوله يكرهه الله سبحانه فثبطه لئلا يقع ما يكره من خروجه وأوحى إلى قلبه قدرا وكونا أن يقعد مع القاعدين ثم أخبر سبحانه عن الحكمة التي تتعلق بالمؤمنين في تثبيط هؤلاء عنهم فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا وَلأَوْضَعُوا} والخبال الفساد والاضطراب فلو خرجوا مع المؤمنين لأفسدوا عليهم أمرهم فأوقعوا بينهم الاضطراب والاختلاف قال ابن عباس: ما زادوكم إلا خبالا عجزا وجبنا يعني يجبنوهم عن لقاء العدو بتهويل أمرهم وتعظيمهم في صدورهم ثم قال: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُم} أي أسرعوا في الدخول بينكم للتفريق والإفساد قال ابن عباس: يريد ضعفوا شجاعتكم يعني بالتفريق بينهم لتفريق الكلمة فيجبنوا عن العدو.
وقال الحسن: لا أوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات البين.
وقال الكلبي: ساروا بينكم يبغونكم العيب.
قال لبيد:
أرانا موضعين لختم عيب ** وسحر بالطعام وبالشراب

أي مسرعين ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
تبا لهن بالعرفان لما عرفنني ** وقلن أمرؤ باغ أكل وأوضعا

أي أسرع حتى كلت مطيته: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} قال قتادة: وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم.
وقال ابن إسحاق: وفيكم قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم ومعناه على هذا القول وفيكم أهل سمع وطاعة لهم لو صحبهم هؤلاء المنافقون أفسدوهم عليكم قلت فتضمن سماعين معنى مستجيبين وقال مجاهد وابن زيد والكلبي: المعنى وفيكم عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم أي جواسيس والقول هو الأول كما قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أي قابلون له ولم يكن في المؤمنين جواسيس للمنافقين فان النافقين كانوا مختلطين بالمؤمنين ينزلون معهم ويرحلون ويصلون معهم ويجالسونهم ولم يكونوا متحيزين عنهم قد أرسلوا فيهم العيون ينقلون إليهم أخبارهم فإن هذا إنما يفعله من انحاز عن طائفة ولم يخالطها وأرصد بينهم عيونا له فالقول قول قتادة وابن إسحاق والله أعلم فإن قيل انبعاثهم إلى طاعته طاعة له فكيف يكرهها وإذا كان سبحانه يكرهها فهو يحب ضدها لا محالة إذ كراهة أحد الضدين تستلزم محبة الضد الآخر فيكون قعودهم محبوبا له فكيف يعاقبهم عليه قيل هذا سؤال له شأن وهو من أكبر الأسئلة في هذا الباب وأجوبة الطوائف على حسب أصولهم فالجبرية تجيب عنه بأن أفعاله لا تعلل بالحكم والمصالح وكل ممكن فهو جائز عليه ويجوز أن يعذبهم على فعل ما يحبه ويرضاه وترك ما يبغضه ويسخطه والجميع بالنسبة إليه سواء وهذه الفرقة قد سدت على نفسها باب الحكمة والتعليل والقدرية تجيب عنه على أصولها بأنه سبحانه لم يثبطهم حقيقة ولم يمنعهم بل هم منعوا أنفسهم وثبطوها عن الخروج وفعلوا ما لا يريد ولما كان في خروجهم المفسدة التي ذكرها الله سبحانه ألقى في نفوسهم كراهة الخروج مع رسوله قالوا وجعل سبحانه إلقاء كراهة الانبعاث في قلوبهم كراهة مشيئة من غير أن يكره هو سبحانه انبعاثهم فإنه أمرهم به قالوا وكيف يأمرهم بما يكرهه ولا يخفى على من نور الله بصيرته فساد هذين الجوابين وبعدهما من دلالة القرآن فالجواب الصحيح أنه سبحانه أمرهم بالخروج طاعة له ولأمره واتّباعا لرسوله صلى الله عليه وسلم ونصرة له وللمؤمنين وأحب لك منهم ورضيه لهم دينا وعلم سبحانه أن خروجهم لو خرجوا لم يقع على هذا الوجه بل يكون خروجهم خروج خذلان لرسوله وللمؤمنين فكان خروجا يتضمن خلاف ما يحبه ويرضاه ويستلزم وقوع ما يكرهه ويبغضه فكان مكروها له من هذا الوجه ومحبوبا له من الوجه الذي خرج عليه أولياؤه وهو يعلم أنه لا يقع منهم إلا على الوجه المكروه إليه فكرهه وعاقبهم على ترك الخروج الذي يحبه ويرضاه لا على ترك الخروج الذي يبغضه ويسخطه وعلى هذا فليس الخروج الذي كرهه منهم طاعة حتى لو فعلوه لم يثبهم عليه ولم يرضه منهم وهذا الخروج المكروه له ضدان أحدهما: الخروج المرضي المحبوب وهذا الضد هو الذي يحبه والثاني: التخلف عن رسوله والقعود عن الغزو معه وهذا الضد يبغضه ويكرهه أيضا وكراهته للخروج على الوجه الذي كانوا يخرجون عليه لا ينافي كراهته لهذا الضد فيقول للسائل قعودهم مبغوض له ولكن هاهنا أمران مكروهان له سبحانه وأحدهما أكره له من الآخر لأنه أعظم مفسدة فإن قعودهم مكروه له وخروجهم على الوجه الذي ذكره أكره إليه ولم يكن لهم بد من أحد المكروهين إليه سبحانه فدفع المكروه الأعلى بالمكروه الأدنى فإن مفسدة قعودهم عنه أصغر من مفسدة خروجهم معه فإن مفسدة قعودهم تختص بهم ومفسدة خروجهم تعود على المؤمنين فتأمل هذا الموضع فإن قلت فهلا وفقهم للخروج الذي يحبه ويرضاه وهو الذي خرج عليه المؤمنون قلت قد تقدم جواب مثل هذا السؤال مرارا وأن حكمته سبحانه تأبى أن يضع التوفيق في غير محله وعند غير أهله فالله أعلم حيث يجعل هداه وتوفيقه وفضله وليس كل محل يصلح لذلك ووضع الشيء في غير محله لا يليق بحكمته فإن قلت وعلى ذلك فهلا جعل المحال كلها صالحة قلت يأباه كمال ربوبيته وملكه وظهور آثار أسمائه وصفاته في الخلق والأمر وهو سبحانه لو فعل ذلك لكان محبوبا له فإنه يحب أن يذكر ويشكر ويطاع ويوحد ويعبد ولكن كان ذلك يستلزم فوات ما هو أحب إليه من استواء أقدام الخلائق في الطاعة والإيمان وهو محبته لجهاز أعدائه والانتقام منهم وإظهار قدر أوليائه وشرفهم وتخصيصهم بفضله وبذل نفوسهم له في معاداة من عاداه وظهور عزته وقدرته وسطوته وشدة أخذه وأليم عقابه وأضعاف أضعاف هذه الحكم التي لا سبيل للخلق ولو تناهوا في العلم والمعرفة إلى الإحاطة بها ونسبة ما عقلوه منها إلى ما خفي عليهم كنقرة عصفور في بحر. اهـ.