فصل: المسألة الخامسة: قوله: {خلالكم}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الخامسة: قوله: {خلالكم}:

أي فيما بينكم، ومنه قوله: {وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَرًا} [الكهف: 33] وقوله: {فَجَاسُواْ خلال الديار} [الإسراء: 5] وأصله من الخلل، وهو الفرجة بين الشيئين وجمعه خلال، ومنه قوله: {فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} [النور: 43] وقرئ من {خلله} وهي مخارج مصب القطر، وقال الأصمعي: تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم وخلالهم.
ويقال: جلسنا خلال بيوت الحي وخلال دورهم أي جلسنا بين البيوت ووسط الدور.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {ولأَوْضَعُواْ خلالكم} أي بالنميمة والإفساد وقوله: {يَبْغُونَكُمُ الفتنة} أي يبغون لكم، وقال الأصمعي: ابغني كذا أي اطلبه لي، ومعنى ابغني وابغ لي، سواء، وإذا قال ابغني، فمعناه: أعني على ما بغيته، ومعنى {الفتنة} هاهنا افتراق الكلمة وظهور التشويش.
واعلم أن حاصل الكلام هو أنهم لو خرجوا فيهم ما زادوهم إلا خبالًا، والخبال هو الإفساد الذي يوجب اختلاف الرأي وهو من أعظم الأمور التي يجب الاحتراز عنها في الحروب لأن عند حصول الاختلاف في الرأي يحصل الانهزام والانكسار على أسهل الوجوه.
ثم بين تعالى أنهم لا يقتصرون على ذلك بل يمشون بين الأكابر بالنميمة فيكون الإفساد أكثر، وهو المراد بقوله: {وَلأَوْضَعُواْ خلالكم}.
فأما قوله: {وَفِيكُمْ سماعون لَهُمْ} ففيه قولان: الأول: المراد: فيكم عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم، وهذا قول مجاهد وابن زيد.
والثاني: قال قتادة: فيكم من يسمع كلامهم ويقبل قولهم، فإذا ألقوا إليهم أنواعًا من الكلمات الموجبة لضعف القلب قبلوها وفتروا بسببها عن القيام بأمر الجهاد كما ينبغي.
فإن قيل: كيف يجوز ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم ونيتهم في الجهاد؟
قلنا: لا يمتنع فيمن قرب عهده بالإسلام أن يؤثر قول المنافقين فيهم ولا يمتنع كون بعض الناس مجبولين على الجبن والفشل وضعف القلب، فيؤثر قولهم فيهم، ولا يمتنع أن يكون بعض المسلمين من أقارب رؤساء المنافقين فينظرون إليهم بعين الإجلال والتعظيم، فلهذا السبب يؤثر قول هؤلاء الأكابر من المنافقين فيهم، ولا يمتنع أيضًا أن يقال: المنافقون على قسمين: منهم من يقتصر على النفاق ولا يسعى في الأرض بالفساد، ثم إن الفريق الثاني من المنافقين يحملونهم على السعي بالفساد بسبب إلقاء الشبهات والأراجيف إليهم.
ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: {والله عَلِيمٌ بالظالمين} الذين ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم ونفاقهم، وظلموا غيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيرهم في وجوه الآفات والمخالفات، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم أخبر الله تعالى أن لا منفعة للمسلمين في خروجهم معهم، بل عليهم مضرة منهم، فقال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم}؛ يعني: المنافقين لو خرجوا معكم {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا}، يعني: فسادًا ويقال: شرًا وجبنًا؛ {ولأوْضَعُواْ خلالكم}، يقول ساروا بينكم.
والإيضاع في اللغة هو إسراع الإبل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات: «أيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، فَإنَّ البِرَّ لَيْسَ فِي إيضَاعِ الإبِلِ وَلا فِي إيجَافِ الخَيْلِ».
يعني: إن المنافقين لو خرجوا معكم، يسرعون الإبل فيما بينكم ويؤتونكم.
ثم قال: {يَبْغُونَكُمُ الفتنة}، يعني: يطلبون منكم الشرك ويطلبون هزيمتكم وعيوبكم، ويفشون سركم.
{وَفِيكُمْ سماعون لَهُمْ}، يعني: وفي عسكركم عيون وجواسيس للمنافقين؛ ويقال: وفيكم من يسمع ما يقول المنافقون ويقبلون منه.
{والله عَلِيمٌ بالظالمين}، يعني: بالمنافقين.
وهذا وعيد لهم، يعني: عليم بعقوبتهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم} الآية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالجهاد لغزوة تبوك، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعسكره على ثنيّة الوداع، ولم يكن بأقلّ العسكرين، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم {لو خرجوا فيكم} يعني المنافقين {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} فسادًا، وقال الكلبي: شرًّا وقيل: غدرًا ومكرا {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} يعني ولأوضعوا ركابهم بينكم، يقال: وضعت الناقة تضع وضعًا ووضوعًا إذا أسرعت السير، وأوضعها أيضاعًا أي جدّ بها فأسرع، قال الراجز:
يا ليتني فيها جذع ** أخبّ فيها وأضعْ

وقال: أقصرْ فإنك طالما ** أوضعت في إعجالها

قال محمد بن إسحاق يعني: أسرع الفرار في أوساطكم وأصل الخلال من الخلل وهو الفرجة بين الشيئين وبين القوم في الصفوف وغيرها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تراصّوا في الصفوف لايخللكم الشيطان كأولاد الحذف».
{يَبْغُونَكُمُ الفتنة} أي يبغون لكم، يقول: يطلبون لكم ماتفتنون به، يقولون: لقد جمع العدو لكم فعل وفعل، يخبلونكم.
وقال الكلبي: يبغونكم الفتنة يعني الغيب والسر، وقال الضحاك: يعني الكفر، يقال فيه: بغيته أبغيه بغاء إذا التمسته بمعنى بغيت له، ومثله عكمتك إن عكمت لك فيها، وإذا أرادوا أعنتك عليه قالوا: أبغيتك وأحلبتك وأعمكمتك.
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} قال مجاهد وابن زيد بينكم عيون لهم عليكم يوصلون مايسمعون منكم، وقال قتادة وابن يسار: وفيكم من يسمع كلامهم ويطبعهم {والله عَلِيمٌ بالظالمين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} يعني اضطرابًا حكاه ابن عيسى.
والثاني: فسادًا، قاله ابن عباس.
فإن قيل: فلم يكونوا في خبال فيزدادوا بهؤلاء الخارجين خبالًا.
قيل هذا من الاستثناء المنقطع، وتقديره: ما زادوكم قوة، ولكن أوقعوا بينكم خبالًا.
{وَلأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أما الإيضاع فهو إسراع السير، ومنه قول الراجز:
يا ليتني فيها جذع ** أخُبّ فيها وأضَعْ

وأما الخلال فهو من تخلل الصفوف وهي الفُرَج تكون فيها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ وَلاَ يَتَخَلَّلْكُمْ، كَأَولاَدِ الحذف يَعْنِي الشَّيَاطِينَ» والخلال هو الفساد، وفيه هاهنا وجهان:
أحدهما: لأسرعوا في إفسادكم.
والثاني: لأوضعوا الخلف بينكم.
وفي الفتنة التي يبغونها وجهان:
أحدهما: الكفر.
والثاني: اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة.
{وَفِيكُمْ سّمَّاعُونَ لَهُمْ} وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم، قاله قتادة وابن إسحاق.
والثاني: وفيكم عيون منكم ينقلون إلى المشركين أخباركم، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {لو خرجوا فيكم} الآية خبر بأنهم لو خرجوا لكان خروجهم مضرة، وقولهم: {إلا خبالًا} استثناء من غير الأول، وهذا قول من قدر أنه لم يكن في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال، فيزيد المنافقون فيه، فكأن المعنى ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالًا، ويحتمل أن يكون استثناء غير منقطع وذلك أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك كان فيه منافقون كثير ولهم لا محالة خبال، فلو خرج هؤلاء لالتأموا مع الخارجين فزاد الخبال، والخبال الفساد في الأشياء المؤتلفة الملتحمة كالمودات وبعض الأجرام، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
يا بني لبينى لستما بيدِ ** إلاّ يدًا مخبولة العضدِ

وقرأ ابن أبي عبلة {ما زادكم} بغير واو، وقرأ جمهور الناس {لأوضعوا} ومعناه لأسرعوا السير، و{خلالكم} معناه فيما بينكم من هنا إلى هنا يسد الموضع الخلة بين الرجلين، والإيضاع سرعة السير، وقال الزجّاج {خلالكم} معناه فيما يخل بكم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وماذا يقول في قوله: {فجاسوا خلال الديار} [الاسراء: 5] وقرأ مجاهد فيما حكى النقاش عنه {ولأوفضوا} وهو أيضًا بمعنى الإسراع ومنه قوله تعالى: {إلى نصب يوفضون} [المعارج: 43]، وحكي عن الزبير أنه قرأ {ولأرفضوا} قال أبو الفتح: هذه من رفض البعير إذا أسرع في مشيه رقصًا ورقصانًا، ومنه قول حسان بن ثابت: [الكامل]
رقص القلوص براكب مستعجل

ووقعت {ولا أوضعوا} بألف بعد لا في المصحف، وكذلك وقعت في قوله: {أو لأذبحنه} [النمل: 21]، قيل وذلك لخشونة هجاء الأولين قال الزجّاج: إنما وقعوا في ذلك لأن الفتحة في العبرانية وكثير من الألسنة تكتب ألفًا.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن تمطل حركة اللام فيحدث بين اللام والهمزة التي من أوضع، وقوله: {يبغونكم الفتنة} أي يطلبون لكم الفتنة، وقوله: {وفيكم سماعون} قال سفيان بن عيينة والحسن ومجاهد وابن زيد معناه جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم، ورجحه الطبري، قال النقاش: بناء المبالغة يضعف هذا القول، وقال جمهور المفسرين معناه وفيكم مطيعون سامعون لهم، وقوله: {والله عليم بالظالمين} توعد لهم ولمن كان من المؤمنين على هذه الصفة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال الزجاج: ثم أعلم الله عز وجل لم كره خروجهم، فقال: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبَالًا} والخبال: الفساد وذهاب الشيء.
وقال ابن قتيبة: الخبال: الشر.
فإن قيل: كأن الصحابة كان فيها خبال حتى قيل: {ما زادوكم إلا خبالًا}؟ فالجواب: أنه من الاستثناء المنقطع، والمعنى: ما زادوكم قوَّة، لكن أوقعوا بينكم خبالًا.
وقيل: سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج، ضرب عسكره على ثنيَّة الوداع، وخرج عبد الله بن أُبيّ، فضرب عسكره على أسفل من ذلك؛ فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلَّف ابن أُبي فيمن تخلَّف من المنافقين، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {ولأوضعوا خلالكم} قال الفراء: الإيضاع: السير بين القوم.
وقال أبو عبيدة: لأسرعوا بينكم، وأصله من التخلل.
قال الزجاج: يقال: أوضعت في السير: أسرعت.
قوله تعالى: {يبغونكم الفتنة} قال الفراء: يبغونها لكم.
وفي الفتنة قولان:
أحدهما: الكفر، قاله الضحاك، ومقاتل، وابن قتيبة.
والثاني: تفريق الجماعة، وشتات الكلمة، قال الحسن: لأوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات بينكم.
قوله تعالى: {وفيكم سمَّاعون لهم} فيه قولان:
أحدهما: عيون ينقلون إليهم أخباركم، قاله مجاهد، وابن زيد.
والثاني: مَن يسمع كلامهم ويطيعهم، قاله قتادة، وابن إسحاق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا}
هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم.
والخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف.
وهذا استثناء منقطع؛ أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال، وقيل: المعنى لا يزيدونكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالًا؛ فلا يكون الاستثناء منقطعًا.
قوله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} المعنى لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد.
والإيضاع، سرعة السير.
وقال الراجز:
يا ليتني فيها جَذَعْ ** أَخُبُّ فيها وَأَضَعْ

يقال: وَضع البعيرُ إذا عدا، يضع وضعًا ووضوعًا إذا أسرع السير.
وأوضعته حملته على العَدْوِ.
وقيل: الإيضاع سير مثلُ الخَبَب.
والخلل الفرجة بين الشيئين؛ والجمع الخلال، أي الفُرَج التي تكون بين الصفوف.
أي لأوضعوا خلالكم بالنميمة وإفساد ذات البين.
{يَبْغُونَكُمُ الفتنة} مفعول ثانٍ.
والمعنى يطلبون لكم الفتنة؛ أي الإفساد والتحريض.
ويقال: أبغيته كذا أعنته على طلبه.
وبَغَيته كذا طلبته له.
وقيل: الفتنة هنا الشرك.
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم.
قتادة: وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم.
النحاس: القول الأوّل أولى؛ لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سَمّاع يسمع الكلام: ومثله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: 42].
والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع؛ مثل قائل. اهـ.