فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} أي: فسادًا وشرًّا {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالفساد.
قال الشهاب: الإيضاع: إسراع سير الإبل. يقال: وضعت الناقة، تضع إذا أسرعت، وأوضعتها أنا.
والمراد: الإسراع بالنمائم، لأن الراكب أسرع من الماشي. فقيل: المفعول مقدَّر، وهو النمائم، فشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها، وأثبت لها الإيضاع. ففيه تخييلية ومكنية.
وقيل: إنه استعارة تبعية، شبه سرعة إفسادهم لذات البيْن بالنميمة، بسرعة سير الركائب، ثم استعير لها الإيضاع، وهو للإبل.
وخلال جمع خلل، وهو الفرجة، استعمل ظرفًا بمعنى بين.
واعلم أن قوله: {وَلَأَوْضَعُوا} مرسوم في الإمام بألفين، لأن الفتحة كانت تكتب ألفًا قبل الخط العربي، والخط العربي اختراع قريبًا من نزول القرآن، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفًا وفتحها ألفًا أخرى ونحوه: {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ}.
{يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: يطلبون لكم ما تفتنون، بإيقاع الخلاف فيما بينكم، وإلقاء الرعب في قلوبكم، وإفساد نيّاتكم {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: منقادون لقولهم مستحسنون لحديثهم، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، لضعف عقولهم، فيتوهمون منهم النصح والإعانة، وهم يريدون التخذيل والفتنة، فيؤدي إلى وقوع شرّ بين المؤمنين، وفساد كبير.
وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير، أي: فيكم عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.
قال ابن كثير: وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عامّ في جميع الأحوال. والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.
قال محمد بن إسحاق: كان استأذن، فيما بلغني، من ذوي الشرف منهم، عبد الله بن أبيّ ابن سلول والجدّ بن قيس، وكانوا أشرافًا في قومهم، فثبطهم الله، لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده.
وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيها يدعونهم إليه، لشرفهم فيهم، فقال: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}. انتهى.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، وفيه شمول للفريقين: القاعدين والسماعين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}
استئناف بياني لجملة {كره الله انبعاثهم فثبطهم} [التوبة: 46] لبيان الحكمة من كراهية الله انبعاثَهم، وهي إرادة الله سلامة المسلمين من أضرار وجود هؤلاء بينهم، لأنّهم كانوا يضمرون المكر للمسلمين فيخرجون مرغمين، ولا فائدة في جيش يغزو بدون اعتقاد أنّه على الحقّ، وتعدية فعل (الخروج) بفي شائعة في الخروج مع الجيش.
والزيادة: التوفير.
وحذف مفعول {زادوكم} لدلالة الخروج عليه، أي ما زادوكم قوة أو شيئًا ممّا تفيد زيادته في الغزو نصرًا على العدوّ، ثم استُثني من المفعول المحذوف الخبالُ على طريقة التهكّم بتأكيد الشيء بما يشبه ضده فإنّ الخبال في الحرب بعض من عدم الزيادة في قوة الجيش، بل هو أشدّ عدمًا للزيادة، ولكنّه ادّعي أنّه من نوع الزيادة في فوائد الحرب، وأنّه يجب استثناؤه من ذلك النفي، على طريقة التهكّم.
والخبال: الفساد، وتفكّك الشيء الملتحم الملتئم، فأطلق هنا على اضطراب الجيش واختلال نظامه.
وحقيقة {أوضعوا} أسرعوا سير الرِّكاب.
يقال: وضع البعيرُ وضعًا، إذا أسرع ويقال: أوضعتُ بعيري، أي سيّرته سيرًا سريعًا.
وهذا الفعل مختصّ بسير الإبل فلذلك يُنزَّل فعل أوضع منزلة القاصر لأنّ مفعوله معلوم من مادّة فعله.
وهو هنا تمثيل لحالة المنافقين حين يبذلون جهدهم لإيقاع التخاذل والخوف بين رجال الجيش، وإلقاء الأخبار الكاذبة عن قوّة العدوّ، بحال من يُجهد بعيره بالسير لإبلاغ خبر مهمّ أو إيصال تجارة لسوق، وقريب من هذا التمثيل قوله تعالى: {فجاسوا خلال الديار} [الإسراء: 5] وقوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} [المائدة: 62].
وأصله قولهم: يسعى لكذا، إلاّ أنّه لمّا شاع إطلاق السعي في الحرص على الشيء خفيت ملاحظة تمثيل الحالة عند إطلاقه لكثرة الاستعمال فلذلك اختير هنا ذكر الإيضاع لعزّة هذا المعنى، ولما فيه من الصلاحية لتفكيك الهيئة بأن يُشبه الفاتنون بالرَّكب، ووسائلُ الفتنة بالرواحل.
وفي ذكر {خلالكم} ما يصلح لتشبيه استقرائهم الجماعات والأفراد بتغلغل الرواحل في خلال الطرق والشعاب.
والخلال: جمع خَلَل بالتحريك.
وهو الفرجة بين شيئين واستعير هنا لمعنى بينَكم تشبيهًا لجماعات الجيش بالأجزاء المتفرّقة.
وكتب كلمة {ولاَ أوضعوا} في المصحف بألف بعد همزة أوضعوا التي في اللام ألف بحيث وقع بعد اللام ألفان فأشبهت اللامُ ألف لا النافية لفعل {أوضعوا} ولا ينطق بالألف الثانية في القراءة فلا يقع التباس في ألفاظ الآية.
قال الزجاج: وإنّما وقعوا في ذلك لأنّ الفتحة في العبرانية وكثير من الألسنة تكتب ألفًا.
وتبعه الزمخشري، وقال ابن عطية: يحتمل أن تُمطل حركة اللام فتحدث ألف بين اللام والهمزة التي من أوضع، وقيل: ذلك لخشونة هجاء الأوّلين، يعني لعدم تهذيب الرسم عند الأقدمين من العرب.
قال الزمخشري: ومثلَ ذلك كتبوا {لا اذبحنّه} في سورة النمل (21) قلت: وكتبوا {لأعذّبنه} [النمل: 21] بلام ألف لا غير وهي بلصق كلمة {أوْ لأذبحنّه} [النمل: 21]، ولا في نحو {وإذًا لاتخذوك خليلًا} [الإسراء: 73] فلا أراهم كتبوا ألفًا بعد اللام ألف فيما كتبوها فيه إلاّ لمقصد، ولعلّهم أرادوا التنبيه على أنّ الهمزة مفتوحة وعلى أنّها همزة قطع.
وجملة {يبغونكم الفتنة} في موضع الحال من ضمير {ولو أرادوا الخروج} [التوبة: 46] العائد على الذين لا يؤمنون بالله في قوله تعالى: {إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر} [التوبة: 45] المرادِ بهم المنافقون كما تقدّم.
وبغى يتعدّى إلى مفعول واحد لأنّه بمعنى طلب، وتقدّم في قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون} في سورة آل عمران (83).
وعدّي {يبغونكم} إلى ضمير المخاطبين هنا على طريقة نزع الخافض، وأصله يبغون لكم الفتنة.
وهو استعمال شائع في فعل بغي بمعنى طلب.
والفتنة: اختلال الأمور وفساد الرأي، وتقدّمت في قوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنة} في سورة المائدة (71).
وقوله: {وفيكم سماعون لهم} أي في جماعة المسلمين، أي من بين المسلمين {سماعون لهم} فيجوز أن يكون هؤلاء السماعون مسلمين يصدقون ما يسمعونه من المنافقين.
ويجوز أن يكون السماعون منافقين مبثوثين بين المسلمين.
وهذه الجملة اعتراض للتنبيه على أنّ بغيهم الفتنةَ أشدّ خطرًا على المسلمين لأنّ في المسلمين فريقًا تنطلي عليهم حيلهم، وهؤلاء هم سذج المسلمين الذين يعجبون من أخبارهم ويتأثّرون ولا يبلُغون إلى تمييز التمويهات والمكائد عن الصدق والحقّ.
وجاء {سماعون} بصيغة المبالغة للدلالة على أنّ استماعهم تامّ وهو الاستماع الذي يقارنه اعتقاد ما يُسمع كقوله: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين} [المائدة: 41] وعن الحسن، ومجاهد، وابن زيد: معنى {سماعون لهم}، أي جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم، وقال قتادة وجهور المفسّرين: معناه وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم، قال النحاس الاغلب أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله {سماعون للكذب} [المائدة: 41].
وأمّا من يَقبل ما يسمعه فلا يكاد يقال فيه إلاّ سَامع مثل قائِل.
وجيء بحرف (في) من قوله: {وفيكم سماعون لهم} الدالّ على الظرفية دون حرف (من) فلم يقل ومنكم سمّاعون لهم أو ومنهم سماعون، لئلا يتوهّم تخصيص السماعين بجماعة من أحد الفريقين دون الآخر لأنّ المقصود أنّ السماعين لهم فريقان فريق من المؤمنين وفريق من المنافقين أنفسهم مبثوثون بين المؤمنين لإلقاء الأراجيف والفتنة وهم الأكثر فكان اجتلاب حرف (في) إيفاء بحقّ هذا الإيجاز البديع ولأنّ ذلك هو الملائم لمحملي لفظ {سماعون} فقد حصلت به فائدتان.
وجملة {والله عليم بالظالمين} تذييل قصد منه إعلام المسلمين بأنّ الله يعلم أحوال المنافقين الظالمين ليكونوا منهم على حذر، وليتوسّموا فيهم ما وسمهم القرآن به، وليعلموا أنّ الاستماع لهم هو ضرب من الظلم.
والظلم هنا الكفر والشرك {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا}
والخبال مرض عقلي ينشأ معه اختلال موازين الفكر، فتقول: فلان مخبول، أي: أنه يحكم في القضايا بدون عقل، إذن فقوله تعالى: {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} أي: أنهم لن يكونوا إلا مصدرًا لبلبلة الأفكار لو خرجوا معكم للقتال، فلا تستطيعون اتخاذ القرار السليم. فكأنهم عين عليكم، وضدكم وليسوا معكم، وقد يكونون من عوامل الهزيمة التي لم يُرِدْهَا الله لكم، وليسوا من عوامل النصر، فكأن عدم خروجهم هو دفع لشَر، كان سيقع لو أنهم خرجوا معكم. وشاء الحق عدم خروجهم حفاظًا على قوة المؤمنين وقدرتهم على الجهاد.
وقوله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} أي: أنهم كانوا سيُحْدثون فُرْقة بين صفوف المؤمنين ويُفرِّقونهم، وسيتغلغلون بينهم للإفسَاد؛ لأن الخلال هو الفُرْجة بين الشيئين أو الشخصين، فيدخل واحد منهم بين فريق من المؤمنين فيفسد، وآخر يفسد فريقًا آخر، وهكذا يمشون خلال المؤمنين ليفرقوا بينهم.
ولكن التساؤل: هل كانوا سيخرجون معهم أو فيهم؟ هم كانوا سيدخلون في الفُرج بين المؤمنين ليبلبلوا أفكارهم. ونقول: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وعندما تسمع كلمة {فيكُم} اعلم أنها تغلغل ظرف ومظروف؛ ولذلك قال الحق سبحانه وتعالَى في موضع آخر من القرآن ما يوضح لنا الظرف والمطروف، قال الحق: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71].
هل كان فرعون سيصلب السحرة في داخل الجذوع أم على الجذوع؟ وإن كان أهل اللغة قد قالوا: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض. فإننا لا نرضى هذا الجواب؛ لأننا إن رضيناه في أساليب البشر، لا يمكن أن نقبله في أساليب كلام الله؛ لأن هناك معنى في الظرفية؛ ومعنى آخر في استخدام حرف على.
ولو قال الحق سبحانه وتعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} معناه: أن عملية الصَّلْب ستتم بقوة بحيث تدخل أجزاء من جسم المصلوب في المصلوب فيه، أي: أن جنود فرعون كانوا سَيَدقُّون على أجساد السحرة حتى تدخل في جذوع النخل، وتصبح هذه الأجساد وجذوع النخل وكأنها قطعو واحدة، هذه صورة لقسوة الصلب وقوته.
لكن إذا قلنا: على جذوع النخل لكان المعنى أخفَّ، ولكان الصَّلْب أقل قسوة، فكأن القرآن الكريم قد استعمل ما يعطينا دقة المعنى. بحيث إذا تغيَّر حرف اختل المعنى. ونجد الحق سبحانه وتعالى يقول في موضع آخر من القرآن الكريم: {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 113].
أي: أن سرعتنا في العمل الصالح تنتهي بنا إلى المغفرة، إذن: فنحن قبل أن نسرع إلى الصالح من الأعمال لم نكن في المغفرة، وعندما نسارع نصل إليها.
ثم نجد قول الحق سبحانه وتعالى أيضًا: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} [الأنبياء: 90] ولم يقل: يسارعون إلى الخيرات؛ لأن عملهم الآن خير، وهم سيسارعون فيه؛ أي سيزيدونه؛ إذن: إنْ سارعتَ إلى شيء كأنه لم يكن في بالك، ولكنك ستسرع إليه، ولكن سارعتَ في الخير، فكأنك في الخير أولًا ثم تزيد في فعل الخير.