فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لّي} يعني: جد بن قيس كان من المنافقين حرّضه النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى الغزو، فقال: يا رسول الله، إن قومي يعلمون حرصي على النساء، فأخشى أني لو خرجت وقعت في الإثم ولا تفتني ببنات الأصفر.
وكان الأصفر رجلًا من الحبش ملك ناحية من الروم، فتزوج رومية فولدت له بنات اجتمع فيهن سواد الحبش وبياض الروم فكنَّ فتنة، فقال جد بن قيس لا تفتني ببنات الأصفر، فإني أخاف أن لا أصبر وأضع يدي على الحرام.
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالقعود، فنزل: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لّي}، يعني: من المنافقين من يقول: ائذن لي في التخلف {وَلاَ تَفْتِنّى}، يعني: ولا توقعني في الفتنة.
ثم قال الله تعالى: {أَلا في الفتنة سَقَطُواْ}، يعني: في الكفر والنفاق وقعوا.
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين}، يعني: جعلت جهنم للكافرين، وهو جد بن قيس ومن تابعه. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} الآية.
نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا تجهّز لغزوة تبوك، قال له: يا أبا وهب، هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم وصفاء، قيل: وإنما أمر بذلك لأن الحبش غلبت على ناحية الروم فولدت لهم بنات قد أنجبت من بياض الروم وسواد الحبشة فكنّ صفر اللعس، فلمّا قال له ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جد: يارسول الله لقد عرفت قومي أني رجل مغرم بالنساء وأني أخشى إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتنّي بهن وائذنْ لي في القعود وأُعينك بمالي، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك فأنزل الله: {ومنهم} يعني ومن المنافقين {من يقول ائذن لي} في التخلف {ولا تفتنّي} ببنات الأصفر، قال قتادة: ولا تأتمنّي {أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} ألا في الإثم والشرك وقعوا بخيانتهم وخلافهم أمر الله ورسوله {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} مطيقة بهم وجامعتهم فيها، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة وكان منهم: «من سيّدكم؟» قالوا: جدّ بن قيس غير أنه نحيل جبان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأي داء أدوى من البخل، بل سيّدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور» فقال فيه حسّان:
وقال رسول الله والقول لاحق ** بمن قال منّا من تعدّون سيّدا

فقلنا له جدّ بن قيس على الذي ** نبخّله فينا وإن كان أنكدا

فقال وأي الداء أدوى من الذي ** رميتم به جدا وعالى بها يدا

وسوّد بشر بن البراء لجوده ** وحق لبشر ذي الندى أن يُسوّدا

إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله ** وقال خذوه إنه عائد غدا

. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي} يعني في التأخر عن الجهاد.
{وَلاَ تَفْتِنِّي} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تكسبني الإثم بالعصيان في المخالفة، قاله الحسن وقتادة وأبو عبيدة والزجاج.
والثاني: لا تصرفني عن شغلي، قاله ابن بحر.
والثالث: أنها نزلت في الجد بن قيس قال: ائذن لي ولا تفتني ببنات بني الأصفر فإني مشتهر بالنساء، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد.
{أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} فيها وجهان:
أحدهما: في عذاب جهنم لقوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}
والثاني: في محنة النفاق وفتنة الشقاق. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ومنهم من يقول ائذن لي}
نزلت في الجد بن قيس، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس هل لك العام في جلاد بني الأصفر، وقال له وللناس: اغزوا تغنموا بنات الأصفر، فقال له الجد بن قيس: ائذن لي في التخلف ولا تفتني بذكر بنات الأصفر، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهن، ذكر ابن إسحاق ونحو هذا من القول الذي فيه فتور كثير وتخلف في الاعتذار.
وأسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر»، فقال الجد ائذن ولا تفتنا بالنساء، وهذا منزع الأول إذا نظر، وهو أشبه بالنفاق والمحادة، وقال ابن عباس إن الجد قال: ولكني أعينك بمالي، وتأول بعض الناس قوله: {ولا تفتني} أي لا تصعب علي حتى أحتاج إلى مواقعة معصيتك ومخالفتك، فسهل أنت عليّ ودعني غير مجلح، وهذا تأويل حسن واقف مع اللفظ، لكن تظاهر ما روي من ذكر بنات الأصفر، وذلك معترض في هذا التأويل، وقرأ عيسى بن عمر {ولا تُفتني} بضم التاء الأولى قال أبو حاتم هي لغة بني تميم، والأصفر هو الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وكان أصفر اللون فيقال للروم بنو الأصفر، ومن ذلك قول أبي سفيان: أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر، ومنه قول الشاعر [عدي بن زيد العبادي]: [الخفيف]
وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ** وم لم يبق منهمُ مذكور

وذكر النقاش والمهدوي أن الأصفر رجل من الحبشة وقع ببلاد الروم فتزوج وأنسل بنات لهن جمال وهذا ضعيف، وقوله: {ألا في الفتنة سقطوا} أي في الذي أظهروا الفرار منه بما تبين لك وللمؤمنين من نفاقهم وصح عندكم من كفرهم وفسد مما بينكم وبينهم، و{سقطوا} عبارة منبئة عن تمكن وقوعهم ومنه على الخبير سقطت، ثم قال: {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}، وهذا توعد شديد لهم أي هي مآلهم ومصيرهم كيف ما تقلبوا في الدنيا فإليها يرجعون فهي محيطة بهذا الوجه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي}
سبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجَدِّ بن قيس: «يا جَدُّ، هل لك في جِلاد بني الأصفر، لعلك أن تغنم بعض بنات الأصفر»، فقال: يا رسول الله، ائذن لي فأقيم، ولا تفتني ببنات الأصفر.
فأعرض عنه، وقال: «قد أذنت لك» ونزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وهذه الآية وما بعدها إلى قوله: {إنما الصدقات} في المنافقين.
قوله تعالى: {ومنهم} يعني: المنافقين {من يقول ائذن لي} أي: في القعود عن الجهاد، وهو الجد بن قيس.
وفي قوله: {ولا تفتنّي} أربعة أقوال:
أحدها: لا تفتنّي بالنساء، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد.
والثاني: لا تُكسبني الإثم بأمرك إيَّايَ بالخروج وهو غير متيسِّر لي، فآثم بالمخالفة، قاله الحسن، وقتادة، والزجاج.
والثالث: لا تكفِّرني بإلزامك إيَّايَ الخروج، قاله الضحاك.
والرابع: لا تصرفني عن شغلى، قاله ابن بحر.
قوله تعالى: {ألا في الفتنة سقطوا} في هذه الفتنة أربعة أقوال:
أحدها: أنها الكفر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: الحرج، قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: الإثم، قاله قتادة، والزجاج.
والرابع: العذاب في جهنم، ذكره الماوردي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي}
من أذِن يأذَن.
وإذا أمرت زدت همزة مكسورة وبعدها همزة هي فاء الفعل، ولا يجتمع همزتان؛ فأبدلت من الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت إيذن.
فإذا وصلت زالت العلة في الجمع بين همزتين، ثم همزت فقلت: {ومنهم من يقول ائذن لي}.
وروى وَرْشٌ عن نافع {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اوذَنْ لِي} خفف الهمزة.
قال النحاس: يقال إيذن لفلان ثم إيذن له، هجاء الأولى والثانية واحد بألف وياء قبل الذال في الخط.
فإن قلت: إيذن لفلان وأذنْ لغيره كان الثاني بغير ياء؛ وكذا الفاء.
والفرق بين ثُمّ والواو أن ثم يوقف عليها وتنفصل، والواو والفاء لا يوقف عليهما ولا ينفصلان.
قال محمد بن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدّ بن قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك: «يا جدّ، هل لك في جِلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووُصَفاء» فقال الجدّ: قد عرف قومي أني مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن، فلا تَفْتِنّي وأذن لي في القعود وأعينك بمالي؛ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قد أذنت لك» فنزلت هذه الآية.
أي لا تفتنّي بصباحة وجوههم، ولم يكن به علة إلا النفاق.
قال المهدويّ: والأصفر رجل من الحبشة كانت له بنات لم يكن في وقتهن أجمل منهن، وكان ببلاد الروم.
وقيل: سُمُّوا بذلك لأن الحبشة غلبت على الروم، وولدت لهم بنات فأخذن من بياض الروم وسواد الحبشة، فكنّ صُفرًا لُعْسًا.
قال ابن عطية: في قول ابن إسحاق فتور.
وأسند الطبريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا تغنموا بنات الأصفر» فقال له الجد: إيذن لنا ولا تفتنّا بالنساء.
وهذا منزع غير الأوّل، وهو أشبه بالنفاق والمُحادّة.
ولما نزلت قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لبني سلمة وكان الجدّ بن قيس منهم: «من سيدكم يا بني سلمة»؟ قالوا: جدّ بن قيس، غير أنه بخيل جبان.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وأيّ داء أدوى من البخل بل سيدكم الفتى الأبيض بشر بن البراء بن مَعْرُور» فقال حسان بن ثابت الأنصاريّ فيه:
وسُوّد بشر بن البراء لجوده ** وحقّ لبشر بن البرا أن يُسَوَّدَا

إذا ما أتاه الوفد أذهب ماله ** وقال خذوه إنني عائد غدًا

{أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} أي في الإثم والمعصية وقعوا.
وهي النفاق والتخلف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} أي مسيرهم إلى النار.
فهي تحدق بهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني}
نزلت في الجد بن قيس وكان من المنافقين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى غزوة تبوك قال للجد بن قيس: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء.
فقال الجد: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بحب النساء وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ائذن لي في القعود ولا تفتني بهن وأعينك بمالي قال ابن عباس: اعتل الجد بن قيس ولم تكن له علة إلا النفاق فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قد أذنت لك» فأنزل الله فيه ومنهم يعني ومن المنافقين من يقول ائذن لي يعني في التخلف والقعود في المدينة ولا تفتني يعني ببنات بني الأصفر وهم الروم {ألا في الفتنة سقطوا} يعني أنهم وقعوا في الفتنة العظيمة وهي النفاق ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود عنه {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} يعني يوم القيامة تحيط بهم وتجمعهم فيها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}
نزلت في الجد بن قيس، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس: «هل لك العام في جلاد بني الأصفر» وقال له وللناس: «اغزوا تغنموا بنات الأصفر» فقال الجد: ائذن لي في التخلف ولا تفتني بذكر بنات الأصفر، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهم وتفتني، ولا تفتني بالنساء.
هو قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد.
وقيل: ولا تفتني أي ولا تصعب عليّ حتى احتاج إلى مواقعة معصيتك فسهِّل عليّ، ودعني غير مختلج.
وقال قريبًا منه الحسن وقتادة والزجاج قالوا: لا تكسبني الإثم بأمرك إياي بالخروج وهو غير متيسر لي، فآثم بمخالفتك.
وقال الضحاك: لا تكفرني بإلزامك الخروج معك.
وقال ابن بحر: لا تصرفني عن شغلي معك هلك مالي وعيالي.
وقيل: إنه قال: ولكنْ أعينك بمالي.
ومتعلق الإذن محذوف تقديره: في القعود وفي مجاورته الرسول صلى الله عليه وسلم على نفاقه.
وقرأ ورش: بتخفيف همزة إئذن لي بإبدالها واوًا لضمة ما قبلها.
وقال النحاس ما معناه: إذا دخلت الواو أو الفاء على أأئذن، فهجاؤها في الخط ألف وذال ونون بغير ياء، أو ثم فالهجاء ألف وياء وذال ونون، والفرق أنَّ ثم يوقف عليها وتنفصل بخلافهما.
وقرأ عيسى بن عمرو: {لا تفتني} بضم التاء الأولى من أفتن.
قال أبو حاتم هي لغة تميم، وهي أيضًا قراءة ابن السميفع، ونسبها ابن مجاهد إلى إسماعيل المكي.
وجمع الشاعر بين اللغتين فقال:
لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت ** سعيدًا فأمسى قد قلا كل مسلم

والفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف، وظهور كفرهم، ونفاقهم.
ولفظة سقطوا تنبئ عن تمكن وقوعهم فيها.
وقال قتادة: الإثم بخلافهم الرسول في أمره، وإحاطة جهنم بهم إما يوم القيامة، أو الآن على سبيل المجاز.
لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها، أو لأنّ مصيرهم إليها. اهـ.