فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (50):

قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كأنه قيل: ما الفتنة التي سقطوا فيها فأحاطت بهم جهنم بسببها؟ قيل: {إن} أي هي كونهم أن، ويجوز أن يكون علة لإحاطة جهنم بهم، وكأنهم- لأجل أنهم من الأوس والخزرج فالأنصار أقاربهم- خصوا النبي صلى الله عليه وسلم بالعدواة وشديد الحنق، وكذا ايضًا كان لا يسوءهم ويسرهم من الحسنة والسيئة إلا ما له وقع- بما أذن به التعبير بالإصابة دون المس- لا ما دونه، حفظًا لقلوب أقاربهم ورعيًا لأسرار نسائهم، فقال إشارة إلى ذلك: {تصبك} أي بتقدير الله ذلك {حسنة} أي بنصر أو غيره {تسؤهم} أي لما في قلوبهم من الضغن والمرض {وإن تصبك مصيبة} أي نكبة وإن صغرت كما وقع يوم أحد {يقولوا} أي سرورًا وتبجحًا بحسن آرائهم {قد أخذنا أمرنا} أي عصينا الذي أمرنا ولم نسلم قيادنا لأحد فنكون كالأعمه، لأن الأمر الحادثة وضد النهي، ومنه الأمير، رجل إمرّ وإمرة- بتشديد الميم المفتوحة مع كسر الهمزة وتفتح: ضعف الرأي، يوافق كل أحد على ما يريد من أمره كله، وهو الأعمه وزنًا ومعنى {من قبل} أي قبل أن تكون هذه المصيبة، فلم نكن مؤتمرين بأمر فيصيبنا فلم يكن ما أصاب من تبعه، فكان أمرهم- لو كانوا مطيعين- كان شيئًا متحققًا بيد الآمر، فلما عصوه كانوا كأنهم قد أخذوه منه.
ولما كان قولهم هذه بعيدًا عن الاستقامة، فكان جديرًا بأن لا يقال، وإن قيل كان حقيقًا بأن يستقال بالمباراة إلى الرجوع عنه والاستغفار منه، أشار تعالى إلى تماديهم فيه فقال: {ويتولوا} أي عن مقامهم هذا الذي قالوا فيه ذلك وإن طال إلى أهاليهم {وهم فرحون} أي لمصيبتكم لكفرهم ولخلاصهم منها. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{هل تربِّصون} بإظهار اللام وتشديد التاء: البزي وابن فليح، وقرأه حمزة وعلي وهشام مدغمًا حتى لا يجتمع ساكنان. الباقون: بإظهار اللام وتخفيف التاء {أن تقبل} بالياء التحتانية: حمزة وعلي وخلف. الباقون: بالفوقانية {مدخلًا} بضم الميم وسكون الدال: سهل ويعقوب. الباقون: بالدال المشددة المتفوحة.
{يلمزك} بضم الميم: سهل ويعقوب. الآخرون: بكسرها سوى عباس فإنه مخير.

.الوقوف:

{تسؤهم} ج لابتداء شرط آخر مع واو العطف {فرحون} o {لنا} ج للابتداء لفظًا مع الاتحاد معنى {هو مولانا} ط لابتداء إخبار من الله أو الحكاية عنهم.
{المؤمنون} o {الحسنيين} ط للاستئناف بعد تمام الاستفهام {بأيدينا} ط والوصل أصح لأن الفاء جواب {نتربص} {متربصون} o {منكم} ط.
{فاسقين} o {كارهون} o {ولا أولادهم} ط {كافرون} o {لمنكم} ط {يفرقون} o {يجمحون} o {في الصدقات} ط للشرط مع الفاء {يسخطون} o {ورسوله} لا إلى قوله: {راغبون} لأن الكل يتعلق بلو وجواب لو بعد التمام محذوف أي لكان خيرًا لهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
اعلم أن هذا نوع آخر من كيد المنافقين ومن خبث بواطنهم، والمعنى: إن تصبك في بعض الغزوات حسنة سواء كان ظفرًا، أو كان غنيمة، أو كان انقيادًا لبعض ملوك الأطراف، يسؤهم ذلك، وإن تصبك مصيبة من نكبة وشدة ومصيبة ومكروه يفرحوا به، ويقولوا قد أخذنا أمرنا الذي نحن مشهورون به، وهو الحذر والتيقظ والعمل بالحزم، من قبل أي قبل ما وقع وتولوا عن مقام التحدث بذلك، والاجتماع له إلى أهاليهم، وهم فرحون مسرورون، ونقل عن ابن عباس أن الحسنة في يوم بدر، والمصيبة في يوم أحد، فإن ثبت بخبر أن هذا هو المراد وجب المصير إليه، وإلا فالواجب حمله على كل حسنة، وعلى كل مصيبة، إذ المعلوم من حال المنافقين أنهم في كل حسنة وعند كل مصيبة بالوصف الذي ذكره الله ههنا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} يعني: إن أصابك الغنيمة والنصر ساءهم ذلك.
{وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ}، يعني: الشدة والنكبة الهزيمة.
{يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ}، يعني: حذرنا بالقعود والتخلف من قبل المصيبة.
{وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} بما أصابك وبتخلفهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} يعني بالحسنة النصر.
{وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ} أي أخذنا حذرنا فسلمنا.
{وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} أي بمصيبتك وسلامتهم.
قال الكلبي: عنى بالحسنة النصر يوم بدر، وبالمصيبة النكبة يوم أحد. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {إن تصبك حسنة} الآية.
أخبر تعالى عن معتقدهم وما هم عليه، والحسنة هنا بحسب الغزوة هي الغنيمة والظفر، والمصيبة الهزم والخيبة، واللفظ عام بعد ذلك في كل محبوب ومكروه، ومعنى قوله: {قد أخذنا أمرنا من قبل}، أي حزمنا نحن في تخلفنا ونظرنا لأنفسنا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} أي: نصر وغنيمة.
والمصيبة: القتل والهزيمة.
{يقولوا قد أخذنا أمرنا} أي: عَمِلنا بالحزم فلم نخرج.
{ويتوَلَّوْا وهم فرحون} بمصابك وسلامتهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}
شرط ومجازاة؛ وكذا {وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ} عطف عليه.
والحسنة: الغنيمة والظفر.
والمصيبة الانهزام.
ومعنى قولهم: {أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} أي احتطنا لأنفسنا، وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال.
{وَيَتَولَّوْا} أي عن الإيمان.
{وَّهُمْ فَرِحُونَ} أي معجبون بذلك. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {إن تصبك حسنة تسؤهم} يعني إن تصبك يا محمد حسنة من نصر وغنيمة تحزن المنافقين {وإن تصبك مصيبة} يعني من هزيمة أو شدة {يقولوا} يعني المنافقين {قد أخذنا أمرنا} يعني أخذنا أمرنا بالجد والحزم في القعود عن الغزو {من قبل} يعني من قبل هذه المصيبة {ويتولوا وهم فرحون} يعني مسرورين لما نالك من المعصية وسلامتهم منها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن تصبك حسنة تسؤهم}
قال ابن عباس: الحسنة في يوم بدر، والمصيبة يوم أحد.
وينبغي أن يحمل قوله على التمثيل، واللفظ عام في كل محبوب ومكروه، وسياق الحمل يقتضي أن يكون ذلك في الغزو، ولذلك قالوا: الحسنة الظفر والغنيمة، والمصيبة الخيبة والهزيمة، مثل ما جرى في أول غزوة أحد.
ومعنى أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم في التخلف عن الغزو، من قبل ما وقع من المصيبة.
ويحتمل أن يكون التولي حقيقة أي: ويتولوا عن مقام التحديث بذلك، والاجتماع له إلى أهليهم وهم مسرورون.
وقيل: أعرضوا عن الإيمان.
وقيل: عن الرسول، فيكون التولي مجازًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِن تُصِبْكَ}
في بعض مغازيك {حَسَنَةٌ} من الظَفَر والغنيمة {تَسُؤْهُمْ} تلك الحسنةُ أي الحسنةُ أي تورِثُهم مساءةً لفرط حسَدِهم وعداوتهم لك {وَإِن تُصِبْكَ} في بعضها {مُّصِيبَةٌ} من نوع شدة {يَقُولُواْ} متبجّحين بما صنعوا حامدين لآرائهم {قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} أي تلافَيْنا ما يُهمّنا من الأمر، يعنون به الاعتزالَ عن المسلمين والقعودَ عن الحرب والمداراةَ مع الكفرة وغيرَ ذلك من أمور الكفر والنفاقِ قولًا وفعلًا {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ إصابةِ المصيبة في وقت تدارُكِه، يشيرون بذلك إلى أن المعاملةَ المذكورةَ إنما تروّج عند الكفرةِ بوقوعها حالَ قوةِ الإسلامِ لا بعد إصابةِ المصيبة {وَيَتَوَلَّواْ} عن مجلس الاجتماعِ والتحدثِ إلى أهاليهم أو يُعرِضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم {وَّهُمْ فَرِحُونَ} بما صنعوا من أخذ الأمرِ وبما أصابه عليه الصلاة والسلام، والجملة حالٌ من الضمير في {يقولوا} {ويتولوا} لا في الأخير فقط، لمقارنة الفرَحِ لهما معًا، وإيثارُ الجملةِ الاسمية للدِلالة على دوام السرورِ، وإسنادُ المَساءة إلى الحسنة والمَسرَّة إلى أنفسهم دون المصيبة بأن يقال: وإن تُصِبْك مصيبةٌ تَسْرُرْهم للإيذان باختلاف حاليهم حالتي عروضِ المَساءة والمسرةِ بأنهم في الأولى مضطرون وفي الثانية مختارون. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}
{إِن تُصِبْكَ} في بعض مغازيك {حَسَنَةٌ} من الظفر والغنيمة {تَسُؤْهُمْ} تلك الحسنة أي تورثهم مساءة وحزنًا لفرط حسدهم لعنهم الله تعالى وعداوتهم {وَإِن تُصِبْكَ} في بعضها {مُّصِيبَةٍ} كانكسار جيش وشدة {يَقُولُواْ} متبجحين بما صنعوا حامدين لآرائهم {قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} أي تلا فينا ما يهمنا من الأمير يعنون به التخلف والقعود عن الحرب والمداراة مع الكفرة وغير ذلك من أمو الكفر والنفاق قولًا وفعلًا {مِن قَبْلُ} أي من قبل إصابة المصيبة حيث ينفع التدارك، يشيرون بذلك إلى أن نحو ما صنعوه إنما يروج عند الكفرة بوقوعه حال قوة الإسلام لا بعد إصابة المصيبة {وَيَتَوَلَّواْ} أي وينصرفوا عن متحدثهم ومحل اجتماعهم إلى أهليهم وخاصتهم أو يتفرقوا وينصرفوا عنك يا رسول الله: {وَّهُمْ فَرِحُونَ} بما صنعوا وبما أصابك من السيئة، والجملة في موضع الحال من الضمير في {يَقُولُواْ وَيَتَوَلَّواْ} فإن الفرح مقارن للأمرين معًا، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على دوام السرور، وإنما لم يؤت بالشرطية الثانية على طرز الأولى بأن يقال: وإن تصبك مصيبة تسرهم بل أقيم ما يدل على ذلك مقامه مبالغة في فرط سرورهم مع الايذان بأنهم في معزل عن إدراك سوء صنيعهم لاقتضاء المقام ذلك، وقل: إن إسناد المساءة إلى الحسنة والمسرة إلى أنفسهم للايذان باختلاف حالهم حالتي عروض المساءة والمسرة بأنهم في الأولى مضطرون وفي الثانية مختارون، وقوبل هنا الحسنة بالمصيبة ولم تقابل بالسيئة كما قال سبحانه في سورة آل عمران: {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} [آل عمران: 120] لأن الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو هناك للمؤمنين وفرق بين المخاطبين فإن الشدة لا تزيده صلى الله عليه وسلم إلا ثوابًا فإنه المعصوم في جميع أحواله عليه الصلاة والسلام، وتقييد الإصابة في بعض الغزوات لدلالة السياق عليه، وليس المراد به بعضًا معينًا هو هذه الغزوة التي استأذنوا في التخلف عنها وهو ظاهر.
نعم سبب النزول يوهم ذلك، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا في المدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فأنزل الله تعالى الآية فتأمل. اهـ.