فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ...} الآية.
أما الملجأ ففيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الحرز، قاله ابن عباس.
والثاني: الحصن، قاله قتادة.
والثالث: الموضع الحريز من الجبل، قاله الطبري.
والرابع: المهرب، قاله السدي. ومعاني هذه كلها متقاربة. وأما المغارات ففيها وجهان:
أحدهما: أنها الغيران في الجبال، قاله ابن عباس.
والثاني: المدخل الساتر لمن دخل فيه، قاله علي بن عيسى.
وأما المدَّخل ففيه وجهان:
أحدهما: أنه السرب في الأرض، قاله الطبري.
والثاني: أنه المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة.
{لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} يعني هربًا من القتال وخذلانًا للمؤمنين.
{وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي يسرعون، قال مهلهل:
لقد جمحت جماحًا في دمائهم ** حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا

اهـ.

.قال ابن عطية:

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
الملجأ من لجأ يلجأ إذا أوى واعتصم، وقرأ جمهور الناس {أو مَغارات} بفتح الميم، وقرأ سعيد بن عبد الرحمن بن عوف {أو مُغارات} بضم الميم وهي الغيران في أعراض الجبال ففتح الميم من غار الشيء إذا دخل كما تقول غارت العين إذا دخلت في الحجاج، وضم الميم من أغار الشيء غيره إذا أدخله، فهذا وجه من اشتقاق اللفظة، وقيل إن العرب تقول: غار الرجل وأغار بمعنى واحد أي دخل، قال الزجّاج: إذا دخل الغور فيحتمل أن تكون اللفظة أيضًا من هذا.
قال القاضي أبو محمد: ويصح في قراءة ضم الميم أن تكون من قولهم حبل مُغار أي مفتول ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبروم، فيجيء التأويل على هذا: لو يجدون عصرة أو أمورًا مرتبطة مشددة تعصمهم منكم أو مدخلًا لولوا إليه، وقرأ جمهور الناس {أو مُدخلًا} أصله مفتعل وهو بناء تأكيد ومبالغة ومعناه السرب والنفق في الأرض، وبما ذكرناه في الملجأ والمغارات، والمُدخل فسر ابن عباس رضي الله عنه، وقال الزجّاج المُدخل معناه قومًا يدخلونهم في جملتهم وقرأ مسلمة بن محارب والحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن كثير بخلاف عنه {أو مَدخلًا} فهذا من دخل وقرأ قتادة وعيسى بن عمر والأعمش {أو مدّخّلًا} بتشديدهما وقرأ أبي بن كعب {مندخلًا} قال أبو الفتح هذا كقول الشاعر [الكميت]: [البسيط]
ولا يدي في حميت السمن تندخل

قال القاضي أبو محمد: وقال أبو حاتم: قراءة أبي بن كعب {متدخلًا} بتاء مفتوحة، وروي عن الأعمش وعيسى {مُدخلًا} بضم الميم فهو من أدخل، وقرأ الناس {لولوا} وقرأ جد أبي عبيدة بن قرمل {لوالوا} من الموالاة، وأنكرها سعيد بن مسلم وقال: أظن لوالوا بمعنى للجؤوا، وقرأ جمهور الناس، {يجمحون} معناه يسرعون مصممين غير منثنين، ومنه قول مهلهل: [البسيط]
لقد جمحت جماحًا في دمائهم ** حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا

وقرأ أنس بن مالك {يجمزون} ومعناه يهربون، ومنه قولهم في حديث الرجم: فلما إذ لقته الحجارة جمزة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأَ}
المغارات: جمع مغارة، وهو الموضع الذي يغور فيه الإنسان، أي: يستتر فيه.
وقرأ سعيد بن جبير وابن أبي عبلة: {أو مُغارات} بضم الميم؛ لأنه يقال: أغرت وغُرت: إذا دخلتَ الغور، وأصل مدَّخَل: مدتخل، ولكن التاء تبدل بعد الدال دالًا، لأن التاء مهموسة، والدال مجهورة، والتاء والدال من مكان واحد، فكان الكلام من وجه واحد أخف.
وقرأ أُبيٌّ وأبو المتوكل وأبو الجوزاء: {أو مُتَدَخَّلًا} برفع الميم، وبتاء ودال مفتوحتين، مشددة الخاء.
وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران: {مُندخَلًا} بنون بعد الميم المضمومة.
وقرأ الحسن وابن يعمر ويعقوب: {مدخلًا} بفتح الميم وتخفيف الدال وسكونها.
قال الزجاج: من قال: {مَدْخلًا} فهو من دخل يدخل مدخلًا؛ ومن قال: {مُدْخلًا} فهو من أدخلته مُدخلًا، قال الشاعر:
الحمد لله مُمْسَانا ومُصْبَحَنَا ** بالخير صبَّحنا رَبِّي ومسَّانا

ومعنى مُدَّخل ومُدْخل: أنهم لو وجدوا قومًا يدخلون في جملتهم {لولَّوا} إليه، أي: إلى أحد هذه الأشياء {وهم يجمحون} أي: يسرعون إسراعًا لا يرد فيه وجوهَهم شيء.
يقال: جمح وطمح: إذا أسرع ولم يردَّ وجهه شيء، ومنه قيل: فرس جموح للذي إذا حمل لم يرده اللجام. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئًا} كذا الوقف عليه.
وفي الخط بألفَين: الأُولى همزة، والثانية عوض من التنوين؛ وكذا (رأيت) جزءًا.
والملجأ الحصن؛ عن قتادة وغيره.
ابن عباس: الحرز؛ وهما سواء.
يُقال: لجأت إليه لجأ (بالتحريك) وملجأ والتجأت إليه بمعنًى.
والموضع أيضًا لَجأً وَمَلْجأً.
والتّلجِئة الإكراه.
وألجأته إلى الشيء اضطررته إليه.
وألجأت أمري إلى الله أسندته.
وعمرو بن لجَأ التميميّ الشاعر؛ عن الجوهريّ.
{أَوْ مَغَارَاتٍ} جمع مَغارة؛ من غارَ يَغير.
قال الأخفش: ويجوز أن يكون من أغار يُغير؛ كما قال الشاعر:
الحمد للَّه مُمسانا ومُصْبَحَنَا

قال ابن عباس: المغارات الغِيران والسراديب، وهي المواضع التي يستتر فيها؛ ومنه غار الماء وغارت العين.
{أَوْ مُدَّخَلًا} مفتعل من الدخول؛ أي مسلكًا نختفي بالدخول فيه، وأعاده لاختلاف اللفظ.
قال النحاس: الأصل فيه مدتخل.
قلبت التاء دالًا؛ لأن الدال مجهورة والتاء مهموسة وهما من مخرج واحد.
وقيل: الأصل فيه مُتَدَخّل على مُتَفَعّل؛ كما في قراءة أبيّ: {أو مُتَدَخَّلًا} ومعناه دخول بعد دخول، أي قومًا يدخلون معهم.
المهدَويّ: متدخّلًا من تدخّل مثل تفعّل إذا تكلّف الدخول.
وعن أُبَيّ أيضًا: مُنْدَخلًا من اندخَل، وهو شاذ، لأن ثلاثيه غير متعدّ عند سيبويه وأصحابه.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن مُحَيْصِن: {أو مَدْخلًا} بفتح الميم وإسكان الدال.
قال الزجاج: ويقرأ {أو مُدْخلًا} بضم الميم وإسكان الدال.
الأول من دخل يدخل.
والثاني من أدخل يدخل.
كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه:
مُغَارَ ابن همّامٍ على حَيّ خَثْعَمَا

ورُوي عن قتادة وعيسى والأعمش {أو مدّخّلا} بتشديد الدال والخاء.
والجمهور بتشديد الدال وحدها؛ أي مكانًا يدخلون فيه أنفسهم.
فهذه ست قراءات.
{لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ} أي لرجعوا إليه.
{وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي يسرعون، لا يردّ وجوهَهم شيء.
من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام.
قال الشاعر:
سَبُوحًا جَمُوحًا وإحضارها ** كَمَعْمعة السَّعَف الموُقَدِ

والمعنى: لو وجدوا شيئًا من هذه الأشياء المذكورة لولّوْا إليه مسرعين هربًا من المسلمين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلًا لولوا إليه وهم يجمحون}
لما ذكر فرق المنافقين من المؤمنين أخبر بما هم عليه معهم مما يوجبه الفرق وهو أنهم لو أمكنهم الهروب منهم لهربوا، ولكنْ صحبتهم لهم صحبة اضطرار لا اختيار.
قال ابن عباس: الملجأ الحرز.
وقال قتادة: الحصن.
وقال السدي: المهرب.
وقال الأصمعي: المكان الذي يتحصن فيه.
وقال ابن كيسان: القوم يأمنون منهم.
والمغارات جمع مغارة وهي الغار، ويجمع على غيران بني من غار يغور إذا دخل مفعلة للمكان كقولهم: مزرعة.
وقيل: المغارة السرب تحت الأرض كنفق اليربوع.
وقرأ سعد بن عبد الرحمن بن عوف: مغارات بضم الميم، فيكون من أغار.
قيل: وتقول العرب: غار الرجل وأغار بمعنى دخل، فعلى هذا يكون مغارات من أغار اللازم.
ويجوز أن يكون من أغار المنقول بالهمزة من غار، أي أماكن في الجبال يغيرون فيها أنفسهم.
وقال الزجاج: ويصح أن يكون من قولهم: جبل مغار أي مفتول.
ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم، فيجيء التأويل على هذا لو يجدون نصرة أو أمورًا مرتبطة مشدّدة تعصمهم منكم أو مدّخلًا لولوا إليه.
وقال الزمخشري ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع، بمعنى مهارب ومغارّ انتهى.
والمدّخل قال مجاهد: المعقل يمنعهم من المؤمنين.
وقال قتادة: السرب يسيرون فيه على خفاء.
وقال الكلبي: نفقًا كنفق اليربوع.
وقال الحسن: وجهًا يدخلون فيه على خلاف الرسول.
وقيل: قبيلة يدخلون فيها تحميهم من الرسول ومن المؤمنين.
وقال الجمهور: مدّخلًا وأصله مدتخل، مفتعل من ادّخل، وهو بناء تأكيد ومبالغة، ومعناه السرب والنفق في الأرض قاله: ابن عباس.
بدئ أولًا بالأعم وهو الملجأ، إذ ينطلق على كل ما يلجأ إليه الإنسان، ثم ثنى بالمغارات وهي الغيران في الجبال، ثم أتى ثالثًا بالمدّخل وهو النفق باطن الأرض.
وقال الزجاج: المدّخل قوم يدخلونهم في جملتهم.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ومسلمة بن محارب وابن محيصن ويعقوب وابن كثير بخلاف عنه: مدخلًا بفتح الميم من دخل.
وقرأ محبوب عن الحسن: مدخلًا بضم الميم من أدخل.
وروى ذلك عن الأعمش وعيسى بن عمر.
وقرأ قتادة وعيسى بن عمر والأعمش: {مدخلًا} بتشديد الدال والخاء معًا أصله متدخل، فأدغمت التاء في الدال.