فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {مَّن يَلْمِزُكَ}
قرأ العامة {يلمزك} بكسر الميم مِنْ لَمَزه يَلْمِزه، أي: عابه، وأصله الإِشارة بالعين ونحوها.
قال الأزهري: أصلُه الدفع، لَمَزْته: دفعته، وقال الليث: هو الغَمْز في الوجه ومنه هُمَزَةٌ لُمَزَة، أي: كثيرُ هذين الفعلين.
وقرأ يعقوب وحماد بن سلمة عن ابن كثير والحسن وأبو رجاء ورُويت عن أبي عمرو بضمها وهما لغتان في المضارع.
وقرأ الأعمش يُلْمِزُك مِنْ أَلْمز رباعيًا. وروى حماد بن سلمة: {يُلامِزُك} على المفاعلة من واحدٍ كسافرَ وعاقَب.
وقد تقدَّم الكلام على {إذا} الفجائيةِ مرارًا والعامل فيها: قال أبو البقاء: {يَسْخَطون} لأنه قال: إنها ظرفُ مكان، وفيه نظر تقدَّم في نظيره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
أولئك أصحاب الأطماع؛ يتملقون في الظاهر ما دامت الأرفاقُ واصلةً إليهم، فإنْ انقطَعَتْ انقلبوا كأن لم يكن بينكم وبينهم مودة.
ويقال مَنْ كان رضاؤه بوجدان سبب، وسُخْطُه في عدم ما يوصِّله إلى نصيبه فهو ليس من أهل الولاء، إنما هو قائم بحظِّه، غيرُ صالحٍ للصحبة، وأمَّا المتحقِّقُ فكما قيل:
فَسِرْتُ إليكَ في طلبِ المعالي ** وسَارَ سِوَايَ في طلب المعاش

اهـ.

.تفسير الآية رقم (59):

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر تعالى عن حالهم السيئ الدنيء الذي لا يجديهم في الدنيا ويهلكهم في الأخرى، نبههم على ما هو الأصلح لهم من الحال الشريف السني فقال: {ولو أنهم} أي المنافقين {رضوا ما آتاهم الله} أي المنعم بجميع النعم لأن له جميع الكمال {ورسوله} الذي عظمته من عظمته قل ذلك المؤتي أو كثر طال زمنه أو قصر {وقالوا} أي مع الرضى {حسبنا الله} أي كافينا لأن له جميع العظمة فهو الغني المطلق.
ولما كانت الكفاية تارة تكون بالتنجيز العاجل وتارة بالوثوق بالوعد الآجل، بين أن الثاني هو المراد لأنه أدل على الإيمان فقال: {سيؤتينا الله} أي الملك الأعظم بوعد لا خلف فيه واعتقدوا أن لا حق لأحد فقالوا: {من فضله ورسوله} أي الذي لا يخالف أمره، على ما قدر لنا في الأزل؛ ثم عللوا ذلك بقولهم: {إنا إلى الله} أي المستجمع لصفات الكمال وحده {راغبون} أي عريقون في الرغبة، فلذلك نكتفي بما يأتي من قبله كائنًا ما كان، أي لكان ذلك خيرًا لهم لأنه لا ينالهم إلا ما قسم سبحانه لهم شاؤوا أو أبوا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ} الآية.
والمعنى: ولو أنهم رضوا بما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة وطابت نفوسهم وإن قل، وقالوا: كفانا ذلك وسيرزقنا الله غنيمة أخرى، فيعطينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما أعطانا اليوم، إنا إلى طاعة الله وإفضاله وإحسانه لراغبون.
واعلم أن جواب {لو} محذوف، والتقدير: لكان خيرًا لهم وأعود عليهم، وذلك لأنه غلب عليهم النفاق ولم يحضر الإيمان في قلوبهم، فيتوكلوا على الله حق توكله، وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيم والتهويل، وهو كقولك للرجل: لو جئتنا، ثم لا تذكر الجواب، أي لو فعلت ذلك لرأيت أمرًا عظيمًا.
المسألة الثانية:
الآية تدل على أن من طلب الدنيا آل أمره في الدين إلى النفاق.
وأما من طلب الدنيا بقدر ما أذن الله فيه وكان غرضه من الدنيا أن يتوسل إلى مصالح الدين فهذا هو الطريق الحق، والأصل في هذا الباب أن يكون راضيًا بقضاء الله، ألا ترى أنه قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى الله راغبون} فذكر فيه مراتب أربعة:
المرتبة الأولى: الرضا بما آتاهم الله ورسوله لعلمه بأنه تعالى حكيم منزه عن العبث والخطأ، وحكيم بمعنى أنه عليم بعواقب الأمور، وكل ما كان حكمًا له وقضاء كان حقًا وصوابًا ولا اعتراض عليه.
والمرتبة الثانية: أن يظهر آثار ذلك الرضا على لسانهم، وهو قوله: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} يعني أن غيرنا أخذوا المال ونحن لما رضينا بحكم الله وقضائه فقد فزنا بهذه المرتبة العظيمة في العبودية، فحسبنا الله.
والمرتبة الثالثة: وهي أن الإنسان إذا لم يبلغ إلى تلك الدرجة العالية التي عندها يقول: {حَسْبُنَا الله} نزل منها إلى مرتبة أخرى وهي أن يقول: {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} إما في الدنيا إن اقتضاه التقدير، وإما في الآخرة وهي أولى وأفضل.
والمرتبة الرابعة: أن يقول: {إِنَّا إِلَى الله راغبون} فنحن لا نطلب من الإيمان والطاعة أخذ الأموال والفوز بالمناصب في الدنيا، وإنما المراد إما اكتساب سعادات الآخرة.
وإما الاستغراق في العبودية على ما دل لفظ الآية عليه فإنه قال: {إِنَّا إِلَى الله راغبون} ولم يقل: إنا إلى ثواب الله راغبون.
ونقل أن عيسى عليه السلام مر بقوم يذكرون الله تعالى فقال: ما الذي يحملكم عليه؟ قالوا: الخوف من عقاب الله، فقال: أصبتم ثم مر على قوم آخرين يذكرون الله، فقال: ما الذي يحملكم عليه، فقالوا: الرغبة في الثواب، فقال: أصبتم، ثم مر على قوم ثالث مشتغلين بالذكر فسألهم فقالوا: لا نذكره للخوف من العقاب، ولا للرغبة في الثواب، بل لإظهار ذلة العبودية، وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته، وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته.
فقال: أنتم المحقون المحققون. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ} يعني: إنهم لو رضوا بما رزقهم الله تعالى، وبما يعطيهم رسول الله من العطية، {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله}؛ يعني: يقيننا بالله.
{سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ}، يعني: سيعطينا الله من رزقه {وَرَسُولُهُ}، يعني: سيعطينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة إذا كان عنده سعة وفضل.
{إِنَّا إِلَى الله راغبون}، يعني: طامعون وراجون.
ولم يذكر جوابه، لأن في الكلام دليلًا عليه، ومعناه: ولو أنهم فعلوا ذلك، لكان خيرًا لهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله} الآية.
وصف للحال التي ينبغي أن يكون عليها المستقيمون، يقول تعالى: ولو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم وما أعطاهم على يدي رسوله ورجوا أنفسهم فضل الله ورسوله وأقروا بالرغبة إلى الله لكان خيرًا لهم وأفضل مما هم فيه، وحذف الجواب من الآية لدلالة ظاهر الكلام عليه، وذلك من فصيح الكلام وإيجازه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون}
هذا وصف لحال المستقيمين في دينهم، أي رضوا قسمة الله ورسوله وقالوا: كفانا فضل الله، وعلقوا آمالهم بما سيؤتيه الله إياهم، وكانت رغبتهم إلى الله لا إلى غيره.
وجواب لو محذوف تقديره: لكان خيرًا لهم في دينهم ودنياهم.
وكان ذلك الفعل دليلًا على انتقالهم من النفاق إلى محض الإيمان، لأنّ ذلك تضمن الرضا بقسم الله، والإقرار بالله وبالرسول إذ كانوا يقولون: سيؤتينا الله من فضله ورسوله.
وقيل: جواب لو هو قوله: {وقالوا} على زيادة الواو، وهو قول كوفي.
قال الزمخشري: والمعنى: ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم، وقالوا: كفانا فضل الله تعالى وصنعه، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى، فسيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما آتانا اليوم، إنا إلى الله في أنْ يغنمنا ويخولنا فضله راغبون انتهى.
وقال ابن عباس: {راغبون} فيما يمنحنا من الثواب ويصرف عنا من العقاب.
وقال التبريزي: {راغبون} في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقة وغيرها مما في أيدي الناس.
وقيل: {ما آتاهم الله} بالتقدير، {ورسوله} بالقسم انتهى.
وأتى أولًا بمقام الرضا وهو فعل قلبي يصدر عمن علم أنه تعالى منزه عن العتب والخطأ عليم بالعواقب، فكل قضائه صواب وحق، لا اعتراض عليه.
ثم ثنى بإظهار آثار الوصف القلبي وهو الإقرار باللسان، فحسبنا ما رضي به.
ثم أتى ثالثًا بأنه تعالى ما داموا في الحياة الدنيا مادّ لهم بنعمه وإحسانه، فهو إخبار حسن إذ ما من مؤمن إلا ونعمُ الله مترادفة عليه حالًا ومآلًا، إما في الدنيا، وإما في الآخرة.
ثم أتى رابعًا بالجملة المقتضية الالتجاء إلى الله لا إلى غيره، والرغبة إليه، فلا يطلب بالإيمان أخذ الأموال والرئاسة في الدنيا ولما كانت الجملتان متغايرتين وهما ما تضمن الرضا بالقلب، وما تضمن الإقرار باللسان، تعاطفتا.
ولما كانت الجملتان الأخيرتان من آثار قولهم: حسبنا الله لم تتعاطفا، إذ هما كالشرح لقولهم: حسبنا الله، فلا تغاير بينهما. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ} أي ما أعطاهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم من الصدقات طيِّبي النفوسِ به وإن قلَّ، وذكرُ الله عز وجل للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسولُ صلى الله عليه وسلم كان بأمره سبحانه: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} أي كفانا فضلُه وصنعُه بنا وما قسمه لنا {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} بعد هذا حسبما نرجو ونؤمّل {إِنَّا إِلَى الله راغبون} في أن يُخوِّلنا فضلَه، والآيةُ بأسرها في حيز الشرطِ، والجوابُ محذوفٌ بناء على ظهوره أي لكان خيرًا لهم. اهـ.