فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا أتاهم الله وَرَسُولُهُ} أي ما أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات طيبي النفوس به وان قل فما وإن كانت من صيغ العموم إلا أن ما قبل وما بعد قرينة على التخصيص، وبعض أبقاها على العموم أي ما أعطاهم من الصدقة أو الغنيمة قيل لأنه الأنسب، وذكر الله عز وجل للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام كان بأمره سبحانه: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} أي كفانا فضله وما قسمه لنا كما يقتضيه المعنى {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} بعد هذا حسبما نرجو ونأمل {إِنَّا إِلَى الله راغبون} في أن يخولنا فضله جل شأنه، والآية بأسرها في حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره أي لكان خيرًا لهم وأعود عليهم، وقيل: إن جواب الشرط {قَالُواْ} والواو زائدة وليس بذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} جملة معطوفة على جملة: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] باعتبار ما تفرّع عليها من قوله: {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58] عطفًا ينبئ عن الحالة المحمودة، بعد ذكر الحالة المذمومة.
وجواب {لو} محذوف دلّ عليه المعطوف عليه، وتقديره: لكان ذلك خيرًا لهم.
والإيتاء: الإعطاء، وحقيقته إعطاء الذوات ويطلق مجازًا على تعيين المواهب كما في {وآتاه الله الملك والحكمة} [البقرة: 251] وفي {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [المائدة: 54].
وقوله: {ما آتاهم الله} من هذا القبيل، أي ما عيّنه لهم، أي لِجماعتهم من الصدقات بنوطها بأوصاف تحقّقت فيهم كقوله: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: 60] الآية.
وإيتاء الرسول صلى الله عليه وسلم إعطاؤه المال لمن يرى أن يعطيه ممّا جعل الله له التصرّف فيه، مثل النفَل في المغانم، والسلَب، والجوائز، والصلات، ونحو ذلك، ومنه إعطاؤه من جعل الله لهم الحقّ في الصدقات.
ويجوز أن يكون إيتاء الله عين إيتاء الرسول عليه الصلاة والسلام وإنّما ذكر إيتاء الله للإشارة إلى أنّ ما عينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما عيّنه الله لهم، كما في قوله: {سيؤتينا الله من فضله ورسوله} أي ما أوحى الله به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم وقوله: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1].
وحسب: اسم بمعنى الكافي، والكفاية تستعمل بمعنى الاجتزاء، وتستعمل بمعنى ولي مهمّ المكفي، كما في قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله} وهي هنا من المعنى الأول.
ورضي إذا تعدّى إلى المفعول دلّ على اختيارِ المرضيّ، وإذا عدّي بالباء دلّ على أنّه صار راضيًا بسبب ما دخلت عليه الباء، كقوله: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38].
وإذا عدّي بـ(عن) فمعناه أنّه تجاوز عن تقصيره أو عن ذنبه {فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة: 96].
فالقول هنا مراد به الكلام مع الاعتقاد، فهو كناية عن اللازم مع جواز إرادة الملزوم، فإذا أضمروا ذلك في أنفسهم فذلك من الحالة الممدوحة ولكن لمّا وقع هذا الكلام في مقابلة حكاية اللَّمز في الصدقات، واللَّمز يكون بالكلام دلالة على الكراهية، جعل ما يدلّ على الرضا من الكلام كناية عن الرضى.
وجملة {سيؤتينا الله من فضله ورسوله} بيان لجملة {حسبنا الله} لأنّ كفاية المهمّ تقتضي تعهّد المكفي بالعوائد ودفع الحاجة، والإيتاءُ فيه بمعنى إعطاء الذوات.
والفضل زيادة الخير والمنافع {إن الله لذو فضل على الناس} [غافر: 61] والفضل هنا المعطَى: من إطلاق المصدر وإرادة المفعول، بقرينة من التبعيضية، ولو جعلت {من} ابتدائية لصحّت إرادة معنى المصدر.
وجملة {إنا إلى الله راغبون} تعليل.
أي لأنّنا راغبون فضله.
وتقديم المجرور لإفادة القصر، أي إلى الله راغبون لا إلى غيره، والكلام على حذف مضاف، تقديره: إنّا راغبون إلى ما عيّنه الله لنا لا نطلب إعطاء ما ليس من حقّنا.
والرغبة الطلب بتأدب. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}
كيف يقول الحق سبحانه وتعالى: {مَا آتَاهُمُ} مع أنهم لم يأخذوا شيئًا، بل إنهم قد سخطوا؛ لأنهم لم يأخذوا شيئًا.
نقول: إن الله يريد أن يلفتهم إلى أن له عطاء في المنح وعطاء في المنع. فعطاء الحق سبحانه لمن أخذ، وحرمان الحق سبحانه للبعض، كل ذلك فيه عطاء من الحق جل وعلا، ولكن الناس لا يلتفتون إلى ذلك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين منع الغنائم عن الأنصار في حنين أخذوا المعية مع رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا أكبر وأسْمَى من الغنائم، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المحيا محياكم، والممات مماتكم. لو سلك الناس شِعْبًا وسلك الأنصار شِعْبًا لَسلكْتُ شِعْب الأنصار».
وبذلك أخذوا ما هو أكبر وأهم وأعظم من الغنائم. إذن فقد يكون في المنع إيتاء.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {مَا آتَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ} وهو عز وجل المشرِّع، والرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلِّغ والمنفِّذ، فإذا ما رَضُوا بقسمة الله، فالرِّضاء عمل قلبي كان عليهم أن يترجموه بكلام نزوعي هو: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} فكأن الرضا عمل القلب، والتعبير عن الرضا عمل اللسان، وما داموا قد احتسبوا الأمر عند الله، فالله هو الذي يرعى، وفي عطائه خير وفي منعه خير. ولذلك نجد الطيبين من الناس إن غُلِبُوا على أمرهم يقولون: إن لنا ربًا، أي: إياك أن تفهم أنك حينَ منعتني أو أخذت حقي بأن اعتديت عليّ ستمضي بهذا الفعل دون عقاب؛ لأن لي ربًا يغار عليّ، وسبحانه سيعوِّضني أكثر مما أخذت، ويجعل ما أخذته مني قَسْرًا؛ نقمة عليك.
ولذلك فأهم ما يجب أن يحرص عليه المؤمن ليس هو الصلة بالنعمة ولكن الصلة بالمنعم. وفي أن الله هو القادر على أن يعوِّض أي شيء يفوت.
ويوضح لنا سبحانه الصورة أكثر فيقول: {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ} أي سيعوضنا عنها بخير منها. وعطاء الله دائمًا فضل؛ لأنه يعطي الإنسان قبل أن يكون قادرًا على عبادته، حتى وهو في بطن أمه لا يقدر على شيء، فإذا كنت في الدنيا قد فكرت بالعقل الذي خلقك لك الله، وعملت بالطاقة التي خلقها لك الله، وفي الأرض التي خلقها الله، فإنك في بطن أمك لم تكن قادرًا على أي شيء. وحين تخرج وتنمو وتكبر فأنت تحيا في كون مليء بنعم الله، لم تخلق فيه شيئًا، ولم تُوجد فيه خيرًا. وإنما جئت إلى الكون وهو كامل النعم، فلا أنت أوجدت الأرض ولا صنعتَ الشمس، بل إن نعمة واحدة من نعم الله، فلا أنت أوجدت الأرض ولا صنعتَ الشمس، بل إن نعمة واحدة من نعم الله، وهي المطر؛ إن توقفت هلك كل من في الأرض.
ونلمس أثر ذلك حين تأتي مواسم الجفاف في أي منطقة من العالم، ونرى كيف يهلك كل شيء؛ الزرع والإنسان والحيوان.
والحق سبحانه وتعالى قد خلقنا في عالم أغيار، فالقادر اليوم قد يصبح غير قادر غدًا، والصحيح اليوم قد يصبح مريضًا معلولًا غدًا، والقوي يضعف، حتى نعرف أن ما نملكه من قدرة وقوة ليست أمورًا ذاتية فينا، ولكنها منحة من الله؛ يأخذها وقتما يشاء، ونرى القوى الذي كان يفتك بيده ويؤذي بها غيره ويُذِلُّ اناس بها. نراه وقد أصيبت يده، فلا تصل إليها الأوامر من المخ فتُشَل. إذن: فقدرة أي إنسان ليست ذاتية فيه، بل هي من فضل الله سبحانه وتعالى، وكل شيء في الكون هو من فضل الله.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى الله رَاغِبُونَ} ويقال: رغب في كذا أي أراده، ويقال: رغب عن كذا، أي ترك هذا الأمر. ويقال: رغب إلى كذا أي سار في الطريق نحوه. وهنا قال الحق: {إِنَّا إِلَى الله رَاغِبُونَ} وما دُمْنا إلى الله راغبين، كان يجب ألا نعزل عطاء الدنيا عن عطاء الآخرة، فالدنيا ليست كل شيء عندك؛ ما دُمْت راغبًا إلى الله الذي سيعطيك نعيمًا لا حدود له في الآخرة. ولذلك فرغبتنا في الله كان يجب ألا تجعلنا نسخط على نعيم فاتنا في الدنيا؛ لأن هناك نعيمًا بلا حدود ينتظرنا في الآخرة. اهـ.

.ومن فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة التوبة: آية 52]

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}
{إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هي حسن العواقب، وهما النصرة والشهادة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} إحدى السوأتين من العواقب، إمّا {أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ} وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود {أَوْ} بعذاب {بِأَيْدِينا} وهو القتل على الكفر {فَتَرَبَّصُوا} بنا ما ذكرنا من عواقبنا {إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} ما هو عاقبتكم، فلابد أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.

.[سورة التوبة: آية 53]

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فاسِقِينَ (53)}
{أَنْفِقُوا} يعنى في سبيل اللّه ووجوه البر {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} نصب على الحال، أي طائعين أو مكرهين. فإن قلت: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: {لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ}؟ قلت: هو أمر في معنى الخبر، كقوله تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا} ومعناه: لن يتقبل منكم أنفقتم طوعًا أو كرهًا. ونحوه قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} وقوله:
أسِيئِى بِنَا أوْ أحْسِنِى لَا مَلُومَةً

أى لن يغفر اللّه لهم، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم. ولا نلومك- أسأت إلينا أم أحسنت.
فإن قلت: متى يجوز نحو هذا؟ قلت: إذا دلّ الكلام عليه كما جاز عكسه في قولك رحم اللّه زيدًا وغفر له. فإن قلت: لم فعل ذلك؟ قلت: لنكتة فيه، وهي أنّ كثيرا كأنه يقول لعزة: امتحنى لطف محلك عندي وقوّة محبتي لك، وعاملينى بالاساءة. والإحسان، وانظري هل بتفاوت حالى معك مسيئة كنت أو محسنة؟ وفي معناه قول القائل:
أخُوكَ الذي إنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عَامِدا ** لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَفِثَّكَ في الْوَدِّ

وكذلك المعنى: أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم؟ واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم، وانظر هل ترى اختلافا بين حال الاستغفار وتركه؟ فإن قلت: ما الغرض في نفى التقبل؟ أهو ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تقبله منهم وردّه عليهم ما يبذلون منه؟ أم هو كونه غير مقبول عند اللّه تعالى ذاهبًا هباء لا ثواب له؟ قلت: يحتمل الأمرين جميعًا. وقوله: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} معناه طائعين من غير إلزام من اللّه ورسوله، أو ملزمين. وسمى الإلزام إكراها، لأنهم منافقون، فكان إلزامهم الإنفاق شاقا عليهم كالإكراه. أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم، لأنّ رؤساء أهل النفاق كانوا يحملون على الإنفاق لما يرون من المصلحة فيه، أو مكرهين من جهتهم. وروى أنها نزلت في الجدّ بن قيس حين تخلف عن غزوة تبوك وقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذا مالى أعينك به فاتركنى {إِنَّكُمْ} تعليل لردّ إنفاقهم. والمراد بالفسق: التمرّد والعتو.

.[سورة التوبة: آية 54]

{وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (54)}
{أَنَّهُمْ} فاعل منع. وهم، و{أن تقبل}: مفعولاه. وقرئ: {أن تقبل}، بالتاء والياء على البناء للمفعول. ونفقاتهم، ونفقتهم، على الجمع والتوحيد.
وقرأ السلمى: {أن يقبل منهم نفقاتهم}، على أن الفعل للّه عزّ وجلّ كُسالى بالضم والفتح، جمع كسلان، نحو سكارى وغيارى، في جمع سكران وغيران، وكسلهم لأنهم لا يرجون بصلاتهم ثوابا، ولا يخشون بتركها عقابا فهي ثقيلة عليهم كقوله تعالى: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} وقرأت في بعض الأخبار أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كره للمؤمن أن يقول: كسلت، كأنه ذهب إلى هذه الآية، فإنّ الكسل من صفات المنافقين، فما ينبغي أن يسنده المؤمن إلى نفسه. فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية، وقد جعلهم اللّه تعالى طائعين في قوله: {طَوْعًا} ثم وصفهم بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون.
قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار.