فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعضهم: الفقير الذي يسأل الناس والمسكين الذي لا يسأل الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أبْوَابِكُمْ فَتَرُدُّونَهُ بِاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ؛ وإنَّمَا المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ الَّذِي لا يَسْألُ النَّاسَ وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ».
وقال قتادة: الفقير الذي به زمانة، والمسكين الصحيح المحتاج وقال بعضهم: الفقير الذي يكون عليه زي الفقر ولا تعرف حاجته، والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة.
ثم قال: {والعاملين عَلَيْهَا}، وهم السعاة الذين يجبون الصدقات، فيعطون على قدر حاجتهم، {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ}؛ وهم قوم كان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتألفهم بالصدقات على الإسلام؛ وكانوا رؤساء في كل قبيلة، منهم أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وعباس بن مرداس السلمي، وصفوان بن أمية وغيرهم؛ فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاؤوا إلى أبي بكر وطلبوا منه، فكتب لهم كتابًا فجاءوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه، فقال: أي شيء هذا؟ فقالوا: سهمنا.
فأخذ عمر الكتاب ومزقه وقال: إنما كان يعطيكم النبي عليه السلام يتألفكم على الإسلام؛ فأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ قال: هو إن شاء فبطل سهمهم.
ثم قال: {وَفِي الرقاب}، أي وفي فك الرقاب، وهم المكاتبون.
ثم قال: {والغارمين}، يعني: أصحاب الديون الذين استدانوا في غير فساد ولا تبذير؛ وقال مجاهد: ثلاثة من الغارمين: رجل ذهب السيل بماله، ورجل أصابه حريق فهلك ماله، ورجل ليس له مال وله عيال فهو يستدين وينفق على عياله.
{وَفِى سَبِيلِ الله}، وهم الذين يخرجون إلى الجهاد، {وابن}، يعني: المسافر المنقطع من ماله.
قال بعضهم: وجب أن تقسم الصدقات على ثمانية أصناف، وهو قول الشافعي؛ كما بيَّن في هذه الآية.
وقال أصحابنا: إذا صرف الصدقات إلى صنف من هذه الأصناف جاز.
وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: إذا أعطى الرجل الصدقة صنفًا واحدًا من الأصناف الثمانية جاز.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال: إذا وضعتها في صنف واحد فحسبك؛ إنّما قال: إنّما الصدقات للفقراء، لأن لا تجعلها في غير هذه الأصناف.
وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه أتي بصدقة فبعث بها إلى أهل بيت واحد.
ثم قال تعالى: {نَفْعًا فَرِيضَةً مّنَ الله} يعني: وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله، وهو مما أمر الله تعالى.
{والله عَلِيمٌ} بأهلها، {حَكِيمٌ} حكم قسمتها وبيّنها لأهلها. اهـ.

.قال الثعلبي:

ثم بين لمن الصدقات فقال عز من قال: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاءِ والمساكين} لا للمنافقين، واختلف العلماء في صفة الفقر والمسكين.
وقال ابن عباس والحسن وجابر بن زيد والزهري ومجاهد وابن زيد: الفقير: المتعفف عن المسألة، والمسكين: المحتاج السائل، وقال قتادة: الفقير: المؤمن المحتاج الذي به زمانة والمسكين: الذي لا زمانة به، وقال الضحاك وإبراهيم النخعي: الفقراء فقراء المهاجرين، والمساكين من لم يهاجروا من المسلمين المحتاجين، وروى ابن سلمة عن ابن علية عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ليس الفقير الذي لا مال له ولكن الفقير الأخلق الكسب قال ابن علية: الأخلق المحارف عندنا، وقال عكرمة: الفقراء فقراء المسلمين، والمساكين من أهل الكتاب.
وقال أبو بكر العبسي: رأى عمر بن الخطاب ذميمًا مكفوفًا مطروحًا على باب المدينة فقال له عمر: مالك؟ قال: استكروني في هذه الجزيرة حتى إذا كف بصري تركوني فليس لي أحد يعود عليّ بشيء، فقال: ما أُنصفت إذًا، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال: هذا من الذين قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاءِ} وهم زمنى أهل الكتاب، وقال ابن عباس: المساكين: (الطوافون)، والفقراء، من المسلمين.
أخبرنا عبد الله بن حامد. أخبرنا محمد بن جعفر. حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب. حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين هذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه».
قال الفرّاء: الفقراء أهل الصفة لم يكن لهم عشائر ولا مال، كانوا يلتمسون الفضل ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين: الطوّافون على الأبواب، وقال عبد الله بن الحسن: المسكين الذي يخشع ويستكين وإن لم يسأل، والفقير الذي يحتمل ويقبل الشيء سرًا ولا يخشع وقال ابن السكيت والقتيبي ويونس الفقير الذي له البلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له، واحتج بقول الشاعر:
إنّ الفقير الذي كانت حلوبته ** وفق العيال فلم يترك له سبد

فجعل له حلوبة وجعلها وقفًا لعياله أي قوتًا لا فضل فيه، يدلّ عليه ماروي عن عبد الرحمن بن أبزي قال: كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو فنسبهم الله تعالى إلى أنهم فقراء وجعل لهم سهمًا في الزكاة.
وقال محمد بن مسلمة: الفقير الذي له مسكن يسكنه، والخادم إلى [...] لأن ذلك المسكين الذي لا ملك له.
قالوا: وكل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيًا من غيره، قال الله تعالى: {يا أيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} [فاطر: 15]، والمسكين المحتاج إلى كل شيء، ألا ترى كيف حُضّ على إطعامه وجعل الكفّارة من الاطعمة له، ولا فاقة أعظم من [...] في شدة الجوعة.
أما قوله: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] وإن مسكنتهم هاهنا مساكين على جهه الرحمة والاستعفاف لا بملكهم السفينة كما قيل لمن امتحن بنكبة أو دفع إلى بلية: مسكين، وفي الحديث: «مساكين أهل النار» وقال الشاعر:
مساكين أهل الحبّ حتى قبورهم ** عليها تراب الذل بين المقابر

{والعاملين عَلَيْهَا} يعني سقاتها وجباتها الذين يتولّون قبضها من أهلها ووضعها في حقها ويعملون عليها يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء.
واختفلوا في قدر مايعطون، فقال الضحّاك: يعطون: الثمن من الصدقة، وقال مجاهد: يأكل العمال من السهم الثامن، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: يعطون على قدر عمالتهم، وهو قول الشافعي وأبي يعفور قالا: يعطون بقدر أجور أمثالهم، وإن كان أكثر من الثمن، يدلّ عليه قول عبد الرحمن بن زيد قال: لم يكن عمر ولا أُولئك يعطون العامل الثمن إنما يفرضون له بقدر عمله، وقال مالك وأهل العراق: إنّما ذلك إلى الامام وإجتهاده، يعطيهم الامام على قدر مايرى.
{والمؤلفة قُلُوبُهُمْ}، قال قتادة: هم ناس من الأعراب وغيرهم كان النبي صلى الله عليه وسلم يألفهم بالعطية كيما يؤمنوا، وقال معقل بن عبد الله: سألت الزهري عن المؤلفة قلوبهم، قال: من أسلم من يهودي أو نصراني، قلت: وإنْ كان غنيًا؟ قال: وإنْ كان غنيًا، وقال ابن عباس: هم قوم قد أسلموا، كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح، فإن كان غير ذلك عابوه وتركوه.!
وقال ابن كيسان: هم قوم من أهل الحرب كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألّفهم بالصدقات ليكفّوا عن حربه، وقال الكلبي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم: ذوو الشرف من الأحياء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم في الإسلام يتألّفهم وهم الذين قسم بينهم يوم حنين الإبل، وهم: من بني مخزوم الحرث ابن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومنهم من بني جمح صفوان بن أمية، ومن بني عامر بن لؤي سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومن بني أسد بن عبد العزى حكيم بن خزام، ومن بني هاشم أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ومن بني فزارة عيينة بن حصين، وحذيفة بن بدر، ومن بني تميم الاقرع بن حابس، ومن بني النضر مالك بن عوف بن مالك ومن بني سليم العباس بن مرادس، ومن بني ثقيف العلاء بن خارجة، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى، قال وفي رواية أخرى: مخرمة بن نوفل، وعمير بن وهيب وهشام بن عمرو.
وزاد الكلبي: أبا البعائل بن يعكل وجد بن قيس السهمي وعمرو بن مرداس وهشام بن عمرو.
قال: أعطى كل واحد منهم خمسين ناقة، فقال العباس بن مرادس في ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم:
فأصبح نهبي ونهب العبيد ** بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولاحابس ** يفوقان مرداس في المجمع

وقد كنت في الحرب ذا قوّة ** فلم أعط شيئًا ولم أمنع

الا أفائل أعطيتها ** عديد قوائمه الأربع

وكانت نهابًا تلافيتها ** بكري على المهر في الأجرع

وايقاظي القوم أن يرقدوا ** إذا هجع الناس لم أهجع

وما كنت دون أمرئ منهما ** ومن تضع اليوم لا يرفع

فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، وأعطى حكيم بن حزام سبعين ناقة فقال: يا رسول الله ما كنت أدري أن أحدًا أحق بعطائك مني فزاده عشرة أبكار، ثم زاده عشرة أبكار حتى أتمها له مائة، فقال حكيم: يا رسول الله أعطيتُك التي رغبت عنها خيرٌ أم هذه التي زادت؟ قال: لا، بل هذه التي رغبت فيها.
قال: لا آخذ غيرها، فأخذ السبعين، فمات حكيم وهو أكثر قريش مالًا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطي رجلًا وأترك الآخر، والذي أترك أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أتألف هذا بالعطية، وأُوكل المؤمن إلى إيمانه».
وقال صفوان بن أُمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس اليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
ثم اختلفوا في وجود المؤلّفة اليوم وهل يُعطون من الصدقة وغيرها أم لا؟، فقال الحسن: أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم، وقال الشعبي: إنه لم يبقَ في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا ولي أبو بكر انقطعت الرشى، وهذا تأويل أهل القرآن، يدل عليه حديث عمر بن الخطاب حين جاءه عيينة بن حصين، فقال: {الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] إن الإسلام أجلّ من أن يرشى عليه، أي ليس اليوم مؤلّفة.
وروى أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن، قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أُخرى فوجدت أبا وائل وحده فقال ردّها فضعها في مواضعها، قلت: فما أصنع بنصيب المؤلفة قلوبهم؟ فقال ردّه على الآخرين. وقال أبو جعفر محمد بن علي: في الناس اليوم المؤلفة قلوبهم ثابتة، وهو قول أبي ثور قال: لهم سهم يعطيهم الامام قدر ما يرى.
وقال الشافعي: المؤلّفة قلوبهم ضربان: ضرب مشركون فلا يعطون، وضرب مسلمون إذا اعطاهم الإمام كفّوا شرهم عن المسلمين، فأرى أن يعطيهم من سهم النبي وهو خمس الخمس ما يتألّفون به سوى سهمهم مع المسلمين، يدلّ عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلّفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وأعزّ أهله، وأمّا سهمهم من الزكاة فأرى أن يصرف في تقوية الدين وفي سدّ خلة الإسلام ولايعطى مشرك تألّف على الإسلام، ألا إنّ الله تعالى يغني دينه عن ذلك، والله أعلم.
{وَفِي الرقاب} مختصر أي في فك الرقاب من الرق، واختلفوا فيهم، فقال أكثر الفقهاء: هم المكاتبون، وهو قول الشافعي والليث بن سعد، ويروى أنّ مكاتبًا قام إلى أبي موسى الاشعري وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقال له: أيها الأمير حثّ الناس عليّ، فحث أبو موسى، فألقى الناس ملاءة وعمامة وخاتمًا حتى ألقوا عليه سوادًا كثيرًا، فلمّا رأى أبو موسى ما ألقى الناس، قال أبو موسى: أجمعوه فجُمع، ثم أمر به فبيع فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب ولم يردّه على الناس، وقال إنما أعطى الناس في الرقاب.
وقال الحسن وابن عباس: يعتق منه الرقاب وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور، وقال سعيد بن جبير والنخعي، لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في ميقات رقبة مكاتب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.