فصل: أخذ القيمة في الزكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال عمر: ما أُنصِفتَ إذًا؛ فأمر له بقُوته وما يصلحه.
ثم قال: هذا من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاءِ والمساكين} الآية.
وهم زَمْنَى أهل الكتاب.
ولما قال تعالى: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاءِ والمساكين} الآية، وقابل الجملة بالجملة وهي جملة الصدقة بجملة المصرف بيّن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: «أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» فاختص أهل كل بلد بزكاة بلده.
وروى أبو داود: أن زيادًا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حُصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الدَّارَقُطْنِي والترمذِيّ عن عَوْن بن أبي جُحيفة عن أبيه قال: قدم علينا مصدّق النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلامًا يتيمًا فأعطاني منها قَلُوصًا.
قال الترمذِيّ: وفي الباب عن ابن عباس حديث ابن أبي جحيفة حديث حسن.
السادسة وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلاثة أقوال: لا تنقل؛ قاله سُحْنون وابن القاسم، وهو الصحيح لما ذكرناه.
قال ابن القاسم أيضًا: وإن نُقل بعضها لضرورة رأيته صوابًا.
ورُوي عن سُحْنون أنه قال: ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الصدقة المستحقة لغيره إليه؛ فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج.
«والمسلم أخو المسلم لا يُسْلِمه ولا يَظْلمه» والقول الثاني: تنقل.
وقاله مالك أيضًا.
وحجة هذا القول ما رُوي أن معاذًا قال لأهل اليمن: ايتوني بخَمِيس أو لَبِيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة. أخرجه الدَّارَقُطْنيّ وغيره.
والخميس لفظ مشترك، وهو هنا الثوب طوله خمس أذرع.
ويقال: سُمّيَ بذلك لأن أوّل من عمِله الْخمسُ مَلِك من ملوك اليمن؛ ذكره ابن فارس في المُجْمَل والجوهريّ أيضًا.
وفي هذا الحديث دليلان: أحدهما ما ذكرناه من نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة؛ فيتولّى النبيّ صلى الله عليه وسلم قسمتها.
ويَعْضُد هذا قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ولم يفصّل بين فقير بلد وفقير آخر. والله أعلم.

.أخذ القيمة في الزكاة:

وقد اختلفت الرواية عن مالك في إخراج القِيَم في الزكاة؛ فأجاز ذلك مرّةَ ومنع منه أُخرى، فوجهُ الجواز وهو قول أبي حنيفة هذا الحديث.
وثبت في صحيح البخارِيّ من حديث أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجَذَعة وليست عنده جذعة وعنده حِقّة فإنه تؤخذ منه وما استيسرتا من شاتين أو عشرين درهمًا» الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أُغنوهم عن سؤال هذا اليوم» يعني يوم الفِطْر.
وإنما أراد أن يُغنوا بما يسدّ حاجتهم، فأيّ شيء سدّ حاجتهم جاز.
وقد قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ولم يخص شيئًا من شيء.
ولا يُدفع عند أبي حنيفة سُكْنَى دار بدل الزكاة؛ مثل أن يجب عليه خمسة دراهم فأسكن فيها فقيرًا شهرًا فإنه لا يجوز.
قال: لأن السكنى ليس بمال.
ووجه قوله: لا تجزي القِيَم وهو ظاهر المذهب فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «في خَمْسٍ من الإبل شاةٌ وفي أربعين شاةً شاةٌ» فنص على الشاة، فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به، وإذا لم يأت بالمأمور به فالأمر باقٍ عليه.
القول الثالث وهو أن سهم الفقراء والمساكين يقسم في الموضع، وسائر السهام تنقل باجتهاد الإمام.
والقول الأوّل أصح.
والله أعلم.
السابعة وهل المعتبر مكان المال وقت تمام الحول فتفرّق الصدقة فيه، أو مكان المالك إذ هو المخاطب؛ قولان.
واختار الثاني أبو عبد الله محمد بن خُوَيْزِمَنْدَاد في أحكامه قال: لأن الإنسان هو المخاطب بإخراجها فصار المال تبعًا له؛ فيجب أن يكون الحكم فيه بحيث المخاطب.
كابن السبيل فإنه يكون غنِيًّا في بلده فقيرًا في بلد آخر؛ فيكون الحكم له حيث هو.

.مسألة [في تصدق على عبد أو كافر أو غني وهو لا يعلم]:

واختلفت الرواية عن مالك فيمن أعطى فقيرًا مسلمًا فانكشف في ثاني حال أنه أعطى عبدًا أو كافرًا أو غنيًّا؛ فقال مرة: تجزيه ومرّة لا تجزيه.
وجه الجواز وهو الأصح ما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال رجل لأتصدّقنّ الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدّثون تُصدِّق الليلة على زانية قال اللَّهُم لك الحمد على زانية لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ فأصبحوا يتحدّثون تُصدِّق على غنِيّ قال اللّهُم لك الحمد على غنيّ لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدّثون تُصدّق على سارق فقال اللّهُم لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق فأُتِي فقيل له أمّا صدقتك فقد قُبلت أما الزانية فلعلّها تستعِفّ بها عن زناها ولعلّ الغنِيّ يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل السارق يستعِف بها عن سرقته».
وروي أن رجلًا أخرج زكاة ماله فأعطاها أباه، فلما أصبح علم بذلك؛ فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: «قد كُتب لك أجر زكاتك وأجر صلة الرحم فلك أجران» ومن جهة المعنى أنه سوّغ له الاجتهاد في المعطى.
فإذا اجتهد وأعطى من يظنه من أهلها فقد أتى بالواجب عليه.
ووجه قوله: لا يَجْزِي.
أنه لم يضعها في مستحقّها؛ فأشبه العمد، ولأن العمد والخطأ في ضمان الأموال واحد فوجب أن يضمن ما أتلف على المساكين حتى يُوصِله إليهم.
الثامنة فإن أخرج الزكاة عند محلّها فهلكت من غير تفريط لم يضمن؛ لأنه وكيل للفقراء.
فإن أخرجها بعد ذلك بمدة فهلكت ضمِن؛ لتأخيرها عن محلها فتعلّقت بذمته فلذلك ضمن.
والله أعلم.
التاسعة وإذا كان الإمام يعدل في الأخذ والصرف لم يَسُغ للمالك أن يتولّى الصرف بنفسه في الناضّ ولا في غيره.
وقد قيل: إن زكاة الناضّ على أربابه.
وقال ابن الماجِشون: ذلك إذا كان الصرف للفقراء والمساكين خاصة؛ فإن احتيج إلى صرفها لغيرهما من الأصناف فلا يفرّق عليهم إلا الإمام.
وفروع هذا الباب كثيرة، هذه أُمّهاتها.
العاشرة قوله تعالى: {والعاملين عَلَيْهَا} يعني السُّعاة والجُبَاة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة بالتوكيل على ذلك.
روى البخاريّ عن أبي حُميد الساعديّ قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأسْد على صدقات بني سُليم يُدْعَى ابن اللتّبْيِة، فلما جاء حاسبه.
واختلف العلماء في المقدار الذي يأخذونه على ثلاثة أقوال: قال مجاهد والشافِعيّ: هو الثُّمن.
ابن عمر ومالك: يُعطوْن قدر عملهم من الأُجرة؛ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
قالوا: لأنه عطّل نفسه لمصلحة الفقراء، فكانت كفايته وكفاية أعوانه في مالهم؛ كالمرأة لما عطّلت نفسها لحقّ الزوج كانت نفقتها ونفقة أتباعها من خادم أو خادمين على زوجها.
ولا تقدّر بالثّمن، بل تعتبر الكفايةُ ثُمْنا كان أو أكثر؛ كرزق القاضي.
ولا تعتبر كفاية الأعوان في زماننا لأنه إسراف محض.
القول الثالث يُعطون من بيت المال.
قال ابن العربيّ: وهذا قول صحيح عن مالك بن أنس من رواية ابن أبي أُوَيس وداود بن سعيد بن زنبوعة، وهو ضعيف دليلًا؛ فإن الله سبحانه قد أخبر بسهمهم فيها نصًّا فكيف يخلفون عنه استقراء وسَبْرًا.
والصحيح الاجتهاد في قدر الأُجرة؛ لأن البيان في تعديد الأصناف إنما كان للمحل لا للمستحقّ، على ما تقدّم.
واختلفوا في العامل إذا كان هاشميًّا؛ فمنعه أبو حنيفة لقوله عليه السلام: «إن الصدقة لا تحلّ لآل محمد إنما هي أوساخ الناس» وهذه صدقة من وجه؛ لأنها جزء من الصدقة فتُلحق بالصدقة من كل وجه كرامة وتنزيهًا لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غُسالة الناس.
وأجاز عمله مالك والشافِعيّ، ويُعطى أجر عُمالته؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث عليّ بن أبي طالب مصدّقًا، وبعثه عاملًا إلى اليمن على الزكاة، ووَلّى جماعةً من بني هاشم وولىّ الخلفاء بعده كذلك.
ولأنه أَجِير على عمل مباح فوجب أن يستوي فيه الهاشميّ وغيره اعتبارًا بسائر الصناعات.
قالت الحنفية: حديث عليّ ليس فيه أنه فرض له من الصدقة، فإن فرض له من غيرها جاز.
وروي عن مالك.
الحادية عشرة ودلّ قوله تعالى: {والعاملين عَلَيْهَا} على أن كل ما كان من فروض الكفايات كالساعي والكاتب والقَسّام والعاشِر وغيرهم فالقائم به يجوز له أخذ الأُجرة عليه.
ومن ذلك الإمامة؛ فإن الصلاة وإن كانت متوجَّهة على جميع الخلق فإن تقدّم بعضهم بهم من فروض الكفايات، فلا جَرَم يجوز أخذ الأُجرة عليها.
وهذا أصل الباب، وإليه أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» قاله ابن العربيّ.
الثانية عشرة قوله تعالى: {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} لا ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قَسْم الصدقات؛ وهم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، يتألّفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم.
قال الزهريّ: المؤلّفة من أسلم مِن يهوديّ أو نصرانِيّ وإن كان غنيًّا.
وقال بعض المتأخرين: اختلف في صفتهم؛ فقيل: هم صِنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام، وكانوا لا يُسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان.
وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيُعطَوْن ليتمكن الإسلام في صدورهم.
وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يُعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام.
قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاءُ لمن لا يتمكن إسلامه حقيقةً إلا بالعطاء؛ فكأنه ضربٌ من الجهاد.
والمشركون ثلاثة أصناف: صِنف يرجع بإقامة البرهان.
وصنف بالقهر.
وصنف بالإحسان.
والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صِنف ما يراه سببًا لنجاته وتخليصه من الكفر.
وفي صحيح مسلم من حديث أنس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني للأنصار: «فإني أُعطِي رجالًا حدِيثي عَهْدٍ بكفر أتألّفهم» الحديث.
قال ابن إسحاق: أعطاهم يتألّفهم ويتألف بهم قومهم.
وكانوا أشرافًا؛ فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه مائة بعير، وأعطى حَكيم بن حِزام مائة بعير، وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير، وأعطى سُهيل بن عمرو مائة بعير، وأعطى حُوَيطب بن عبد العُزَّى مائة بعير، وأعطى صفوان بن أُمية مائة بعير.
وكذلك أعطى مالك بن عوف والعلاء بن جارية.
قال: فهؤلاء أصحاب المِئين.
وأعطى رجالًا من قريش دون المائة منهم مخرمة بن نوفل الزهريّ، وعمير بن وَهْب الجُمَحِيّ، وهشام بن عمرو العامريّ.