فصل: المسألة الرابعة: في أحكام متفرقة تتعلق بالزكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أصحاب الرأي: حده أن يملك مائتي درهم.
وقال قوم: من ملك خمسين درهمًا أو قيمتها لا تحل له الصدقة لما روي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجه خموش أو خدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه قال: خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهذا قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وقالوا: لا يجوز أن يعطى الرجل أكثر من خمسين درهمًا من الزكاة وقيل: أربعين درهمًا لما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» أخرجه أبو داود وكانت الأوقية في ذلك الزمان أربعين درهمًا الصنف الثالث قوله سبحانه وتعالى: {والعالمين عليها} وهم السعاة الذين يتولون جباية الصدقات وقبضها من أهلها ووضعها في جهتها فيعطون من مال الصدقات بقدر أجور أعمالهم سواء كانوا فقراء أو أغنياء وهذا قول ابن عمر وبه.
قال الشافعي وقال مجاهد والضحاك: يعطون الثمن من الصدقات.
وظاهر اللفظ مع مجاهد إلا أن الشافعي يقول: هو وأجره عمل تقدر بقدر العمل والصحيح أن الهاشمي والمطلبي لا يجوز أن يكون عاملًا على الصدقات لما روي عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا من بني مخزوم على الصدقة فأراد أبو رافع أن يتبعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل لنا الصدقة وأن مولى القوم منهم» أخرجه الترمذي والنسائي الصنف الرابع قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} وهم قسمان: قسم مسلمون وقسم كفار فأما قسم المسلمين فقسمان القسم الأول هم قوم من أشراف العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم من الصدقات يتألفهم بذلك كما أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس السلمي فهؤلاء أسلموا وكانت نيتهم ضعيفة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم لتقوى رغبتهم في الإسلام وقوم أسلموا وكانت نيتهم قوية في الإسلام وهم أشراف قومهم مثل عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم تألفًا لقومهم ترغيبًا لأمثالهم في الإسلام فيجوز للإمام أن يعطي أمثال هؤلاء من خمس خمس الغنيمة والفيء من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من ذلك ومن الصدقات أيضًا.
القسم الثاني من مؤلفة المسلمين هم قوم من المسلمين يكونون بإزاء قوم كفار في موضع لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بكلفة كبيرة ومؤنة عظيمة وهؤلاء الذين بإزائهم من المسلمين لا يجاهدونهم لضعف نيتهم أو لضعف حالهم فيجوز للإمام أن يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة وقيل من سهم المؤلفة قلوبهم ومن هؤلاء قوم بإزاء جماعة من مانعي الزكاة فيأخذون منهم الزكاة ويحملونها إلى الإمام فيعطيهم الإمام من سهم المؤلفة من الصدقات وقيل من سهم سبيل الله.
روي أن عدي بن حاتم جاء أبا بكر بثلثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرًا وأما مؤلفة الكفار فهم قوم يخشى شرهم أو يرجى إسلامهم فيجوز للإمام أن يعطي من يخاف شره أو يرجو إسلامه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس كما أعطى صفوان بن أمية لما كان يرى من ميله إلى الإسلام أما اليوم فقد أعز الله الإسلام وله الحمد على ذلك وأغناه عن أن يتألف عليه أحد من المشركين فلا يعطى مشرك تألفًا بحال وقد قال بهذا كثير من أهل العلم ورأوا أن المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط يروى ذلك عن ابن عمر وعكرمة وهو قول الشعبي وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق بن راهويه.
وقال قوم: سهمهم ثابت لم يسقط.
يروى ذلك عن الحسن وهو قول الزهري وأبي جعفر محمد بن علي وأبي ثور وقال أحمد يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك الصنف الخامس قوله سبحانه وتعالى: {وفي الرقاب} قال الزجاج: فيه حذف تقديره وفي فك الرقاب وفي تفسير الرقاب أقوال الأول أن سهم الرقاب موضوع في المكاتبين فيدفع إليهم ليعتقوا به وهذا مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وهو قول أكثر الفقهاء منهم سعيد بن جبير والنخعي والزهري والليث بن سعد ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، القول الثاني وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق أن سهم الرقاب موضوع لعتق الرقاب فيشترى به عبيد ويعتقون ويدل عليه ما روي عن ابن عباس أنه قال لا بأس أن يعتق الرجل من الزكاة القول الثالث وهو قول أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في عتق رقبة ويعان بها مكاتب لأن قوله في الرقاب يقتضي التبعيض.
القول الرابع وهو قول الزهري أن سهم الرقاب نصفان نصف للمكاتبين ونصف يشترى به عبيد ممن صلوا وصاموا وقدم إسلامهم فيعقتوا من الزكاة.
قال أصحابنا: الأحوط في سهم الرقاب أن يدفع إلى السيد بإذن المكاتب ويدل عليه أنه سبحانه وتعالى أثبت الصدقات للأصناف الأربعة المتقدمة بلام الملك فقال: {إنما الصدقات للفقراء}.
وقال: في الصنف الخامس وفي الرقاب فلابد لهذا الفرق من فائدة وهي أن الأصناف الأربعة المتقدم ذكرها يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات فيصرفون ذلك فيما شاؤوا وأما الرقاب فيوضع نصيبهم في تخليص رقابهم من الرق ولا يدفع إليهم ولا يمكنون من التصرف فيه وكذا القول في الغارمين فيصرف نصيبهم في قضاء ديونهم وفي الغزاة يصرف نصيبهم فيما يحتاجون إليه في الغزو وكذا ابن السبيل فيصرف إليه ما يحتاج إليه في سفره إلى بلوغ غرضه الصنف السادس قوله سبحانه وتعالى: {والغارمين} أصل الغرم في اللغة لزوم ما يشق عليه النفس وسمى الدين غرمًا لكونه شاقًا على الإنسان والمراد بالغارمين هنا المدينون وهم قسمان أدانوا لأنفسهم في غير معصية فيعطون من مال الصدقات بقدر ديونهم إذا لم يكن لهم مال يفي بدينونهم فإن كان عندهم وفاء فلا يعطون وقسم أدانوا في المعروف وإصلاح ذات البين فيعطون من مال الصدقات ما يقضون به دينهم وإن كانوا أغنياء لما روي عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل أسير إعانة أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني» أخرجه أبو داود مرسلًا لأن عطاء بن يسار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلًا بمعناه أما من كان دينه في معصية فلا يعطى من الصدقات شيئًا الصنف السابع قوله تعالى: {وفي سبيل الله} يعني وفي النفقة في سبيل الله وأراد به الغزاة فلهم سهم من مال الصدقات فيعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ما يستعينون به على أمر الجهاد من النفقة والكسوة والسلاح فيعطون ذلك وإن كانوا أغنياء لما تقدم من حديث عطاء وأبي سعيد الخدري ولا يعطى من سهم الله لمن أراد الحج عند أكثر أهل العلم وقال قوم يجوز أن يصرف سهم سبيل الله إلى الحج يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال بعضهم: إن اللفظ عام فلا يجوز قصره على الغزاة فقط ولهذا أجاز بعض الفقهاء صرف سهم سبيل الله إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك قال لأن قوله وفي سبيل الله عام في الكل فلا يختص بصنف دون غيره والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه.
الصنف الثامن قوله سبحانه وتعالى: {وابن السبيل} يعني المسافر من بلد إلى بلد والسبيل الطريق سمي المسافر ابن السبيل لملازمته الطريق قال الشاعر:
أنا ابن الحرب ربتني وليدًا ** إلى أن شبت واكتهلت لداتي

فكل مريد سفرًا مباحًا ولم يكن له ما يقطع به مسافة سفره يعطى من الصدقات ما يكفيه لمؤنة سفره سواء كان له مال في البلد الذي يقصده أو لم يكن له مال، وقال قتادة: ابن السبيل هو الضيف وقال فقهاء العراق: ابن السبيل هو الحاج المنقطع.
وقوله تعالى: {فريضة من الله} يعني أن هذه الأحكام التي ذكرها في الآية فريضة واجبة من الله وقيل فرض الله هذه الأشياء فريضة {والله عليم} يعني بمصالح عباده {حكيم} يعني فيما فرض لهم لا يدخل في تدبيره وحكمه نقض ولا خلل.

.المسألة الرابعة: في أحكام متفرقة تتعلق بالزكاة:

اتفق العلماء على أن المراد بقوله إنما الصدقات للفقراء هي الزكاة المفروضة بدليل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} واختلفوا في كيفية قسمتها وفي جواز صرفها كلها إلى بعض الأصناف دون بعض فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرفها كلها إلى بعض الأصناف مع وجود الباقين وهو قول عكرمة وإليه ذهب الشافعي قال: يجب أن يقسم زكاة ماله على الموجودين من الأصناف الستة الذين سماهم ثمانية أقسام قسمة على السواء لأن سهم المؤلفة ساقط وسهم العامل ساقط إذا قسم زكاته بنفسه ثم حصة كل صنف من الأصناف الستة لا يجوز أن تصرف إلى أقل من ثلاثة منهم إن وجد منه ثلاثة أو أكثر فلو فاوت بين أولئك الثلاثة جاز فإن لم يجد من بعض الأصناف إلا واحدًا دفع حصة ذلك الصنف إليه ما لم يخرج من حد الاستحقاق فإن انتهت حاجة وفضل شيء رده إلى الباقين وذهب جماعة من العلماء إلى أنه لو صرف الكل إلى صنف واحد من هذه الأصناف أو إلى شخص واحد منهم جاز لأن الله سبحانه وتعالى إنما سمى هذه الأصناف الثمانية إعلامًا منه أن الصدقة لا تخرج عن هذه الثمانية إلا إيجابًا منه لقسمتها بينهم جميعًا وهذا قول عمر وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وعطاء وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل.
قال أحمد بن حنبل: يجوز أن يضعها في صنف واحد وتفريقها أولى.
وقال إبراهيم النخعي: إن كان المال كثيرًا يحتمل الإجزاء قسمه على الأصناف وإن كان قليلًا وضعه في صنف واحد.
وقال مالك: يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الأولى فالأولى من أهل الخلة والحاجة فإن رأى الخلة في الفقراء في عام قدمهم وإن رآها في صنف آخر في عام حولها إليهم وكل من دفع غيله شيئًا من الصدقة فلا يعطي بعده شيئًا وإن كان محترفًا لكنه لا يجد آلة حرفته فيعطي قدر ما يحصل به آلة حرفته فالاعتبار عند الإمام الشافعي ما يدفع الحاجة من غير حد.
وقال أحمد بن حنبل: لا يعطي الفقير أكثر من خمسين درهمًا وقال أبو حنيفة: أكره أن يعطى رجل واحد من الزكاة مائتي درهم فإن أعطيته أجزأ فإن أعطى من يظنه فقيرًا فبان أنه غني فهل يجزئ فيه قولان ولا يجوز أن يعطي صدقته لمن تلزمه نفقته وبه قال مالك والثوري وأحمد وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يعطى والدًا وإن علا ولا ولدًا وإن سفل ولا زوجة ويعطي من عداهم وتحرم الصدقة على ذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب فلا يدفع إليهم من الزكاة شيء قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا آل بيت لا تحل لنا الصدقة» وقال أبو حنيفة تحرم على بني هاشم ولا تحرم على بني المطلب دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» وتحرم الصدقة على موالي بني هاشم وبني المطلب قوله صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم» وقال مالك لا تحرم واختلفوا في نقل الصدقة من بلد إلى بلد آخر مع وجود المستحقين في بلد المال فكرهه أكثر أهل العلم لتعلق قلوب فقراء ذلك البلد بذلك المال ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ «وأعلمهم أن الله سحبانه وتعالى افترض عليهم صدقة من أغنيائهم وترد على فقرائهم» الحديث بطوله في الصحيحين واتفقوا على أنه إذا نقل المال إلى بلد آخر وأداه إلى فقراء ذلك البلد سقط عنه الفرض إلا ما حكى عن عمر بن عبد العزيز فإنه رد صدقة حملت من خرسان إلى الشام فردها إلى مكانها من خراسان والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها}
لما ذكر تعالى من يعيب الرسول في قسم الصدقات بأنه يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، أو يخص أقاربه، أو يأخذ لنفسه ما بقي.
وكانوا يسألون فوق ما يستحقون، بيّن تعالى مصرف الصدقات، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما قسم على ما فرضه الله تعالى.
ولفظه إنما إنْ كانت وضعت للحصر فالحصر مستفاد من لفظها، وإن كانت لم توضع للحصر فالحصر مستفاد من الأوصاف، إذ مناط الحكم بالوصف يقتضي التعليل به، والتعليل بالشيء يقتضي الاقتصار عليه.
والظاهر أنّ مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف.
والظاهر أن العطف مشعر بالتغاير، فتكون الفقراء عين المساكين.
والظاهر بقاء هذا الحكم للأصناف الثمانية دائمًا، إذ لم يرد نص في نسخ شيء منها.
والظاهر أنه يعتبر في كل صنف منها ما دل عليه لفظه إن كان موجودًا، والخلاف في كل شيء من هذه الظواهر.