فصل: النكتة الثالثة عشرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.النكتة الثالثة عشرة:

الحكمة في ذكر هذه الأسماء الثلاثة أن المخاطبين في القرآن ثلاثة أصناف كما قال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بالخيرات} [فاطر: 32] فقال: أنا الله للسابقين، الرحمن للمقتصدين، الرحيم للظالمين، وأيضًا الله هو معطي العطاء، والرحمن هو المتجاوز عن زلات الأولياء، والرحيم هو المتجاوز عن الجفاء، ومن كمال رحمته كأنه تعالى يقول أعلم منك ما لو علمه أبواك لفارقاك، ولو علمته المرأة لجفتك، ولو علمته الأمة لأقدمت على الفرار منك، ولو علمه الجار لسعى في تخريب الدار، وأنا أعلم كل ذلك وأستره بكرمي لتعلم أني إله كريم.

.الرابعة عشرة:

الله يوجب ولايته، قال الله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ} [البقرة: 256] والرحمن يوجب محبته، قال الله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} [مريم: 96] والرحيم يوجب رحمته: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].

.الخامسة عشرة:

قال عليه الصلاة والسلام: «من رفع قرطاسًا من الأرض فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} إجلالًا له تعالى كتب عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين» وقصة بشر الحافي في هذا الباب معروفة، وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يا أبا هريرة، إذا توضأت فقل: بسم الله، فإن حفظتك لا تبرح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ، وإذا غشيت أهلك فقل: بسم الله، فإن حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة، فإن حصل من تلك الواقعة ولد كتب لك من الحسنات بعدد نفس ذلك الولد، وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب، حتى لا يبقى منهم أحد، يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل: بسم الله والحمد لله، يكتب لك الحسنات بعدد كل خطوة، وإذا ركبت السفينة فقل: بسم الله والحمد لله، يكتب لك الحسنات حتى تخرج منها».
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا: {بسم الله الرحمن الرحيم} والإشارة فيه أنه إذا صار هذا الاسم حجابًا بينك وبين أعدائك من الجن في الدنيا أفلا يصير حجابًا بينك وبين الزبانية في العقبى؟».

.السادسة عشرة:

كتب قيصر إلى عمر رضي الله عنه أن بي صُداعًا لا يسكن فابعث لي دواء، فبعث إليه عمر قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه يسكن صداعه، وإذا رفعها عن رأسه عاوده الصداع، فعجب منه ففتش القلنسوة فإذا فيها كاغد مكتوب فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم}.

.السابعة عشرة:

قال صلى الله عليه وسلم: «من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورًا لتلك الأعضاء، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورًا لجميع بدنه». فإذا كان الذكر على الوضوء طهورًا لكل البدن فذكره عن صميم القلب أولى أن يكون طهورًا للقلب عن الكفر والبدعة.

.الثامنة عشرة:

طلب بعضهم آية من خالد بن الوليد فقال: إنك تدعي الإسلام فأرنا آية لنسلم، فقال: ائتوني بالسم القاتل، فأتى بطاس من السم، فأخذها بيده وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم} وأكل الكل وقام سالمًا بإذن الله تعالى، فقال المجوس هذا دين حق.

.التاسعة عشرة:

مر عيسى بن مريم عليه السلام على قبر فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتًا، فلما انصرف من حاجته مر على القبر فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور، فتعجب من ذلك، فصلى ودعا الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه: يا عيسى، كان هذا العبد عاصيًا ومذ مات كان محبوسًا في عذابي، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولدًا وربته حتى كبر، فسلمته إلى الكتاب فلقنه المعلم {بسم الله الرحمن الرحيم} فاستحيت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض.

.العشرون:

سئلت عمرة الفرغانية وكانت من كبار العارفات ما الحكمة في أن الجنب والحائض منهيان عن قراءة القرآن دون التسمية فقالت: لأن التسمية ذكر اسم الحبيب والحبيب لا يمنع من ذكر الحبيب.

.الحادية والعشرون:

قيل في قوله: الرحيم هو تعالى رحيم بهم في ستة مواضع في القبر وحشراته، والقيامة وظلماته، والميزان ودرجاته، وقراءة الكتاب وفزعاته، والصراط ومخافاته والنار ودركاته.

.الثانية والعشرون:

كتب عارف {بسم الله الرحمن الرحيم} وأوصى أن تجعل في كفنه فقيل له: أي فائدة لك فيه فقال: أقول يوم القيامة: إلهي بعثت كتابًا وجعلت عنوانه {بسم الله الرحمن الرحيم} فعاملني بعنوان كتابك.

.الثالثة والعشرون:

قيل {بسم الله الرحمن الرحيم} تسعة عشر حرفًا، وفيه فائدتان: إحداهما: أن الزبانية تسعة عشر، فالله تعالى يدفع بأسهم بهذه الحروف التسعة عشر، الثانية: خلق الله تعالى الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة، ثم فرض خمس صلوات في خمس ساعات فهذه الحروف التسعة عشر تقع كفارات للذنوب التي تقع في تلك الساعات التسعة عشر.

.الرابعة والعشرون:

لما كانت سورة التوبة مشتملة على الأمر بالقتال لم يكتب في أولها {بسم الله الرحمن الرحيم} وأيضًا السنة أن يقال عند الذبح: «باسم الله، والله أكبر» ولا يقال: {بسم الله الرحمن الرحيم} لأن وقت القتال والقتل لا يليق به ذكر الرحمن الرحيم، فلما وفقك لذكر هذه الكلمة في كل يوم سبع عشرة مرة في الصلوات المفروضة دل ذلك على أنه ما خلقك للقتل والعذاب، وإنما خلقك للرحمة والفضل والإحسان، والله تعالى الهادي إلى الصواب. اهـ.

.قال القرطبي:

البسملة: وفيها سبع وعشرون مسألة:

.الأولى: البسملة قسم:

قال العلماء: {بسم الله الرحمن الرحيم} قَسَم من ربّنا أنزله عند رأس كل سورة، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق، وإني أفِي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبرّي. و{بسم الله الرحمن الرحيم} مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه الأمة خصوصًا بعد سليمان عليه السلام.
وقال بعض العلماء: إن {بسم الله الرحمن الرحيم} تضمّنت جميع الشرع، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات؛ وهذا صحيح.

.الثانية: تجويد البسملة:

قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال له: جوّدها فإن رجلًا جوّدها فغفر له. قال سعيد: وبلغني أن رجلًا نظر إلى قرطاس فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} فقبّله ووضعه على عينيه فغفر له. ومن هذا المعنى قصة بِشْرٍ الحافِي، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طُيّب اسمه، ذكره القشيري. وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تَعِس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوّته صنعته ولكن قل {بسم الله الرحمن الرحيم} فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب».
وقال عليّ بن الحسين في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا} [الإسراء: 46] قال معنا: إذا قلت {بسم الله الرحمن الرحيم}. وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللَّه بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جُنّة من كل واحد. فالبسملة تسعة عشر حرفًا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 3] وهم يقولون في كل أفعالهم: {بسم الله الرحمن الرحيم} فمن هناك هي قوّتهم، وببسم الله استضلعوا. قال ابن عطية: ونظير هذا قولهم في ليلة القدر: إنها ليلة سبع وعشرين، مراعاة للفظة هي من كلمات سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [القدر: 1]. ونظيره أيضًا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: ربَّنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، فإنها بضعة وثلاثون حرفًا؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لقد رأيت بضعًا وثلاثين مَلَكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل». قال ابن عطية: وهذا من مُلَح التفسير وليس من متين العلم.

.الثالثة: الأمر بكتابة البسملة:

روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يكتب باسمك اللّهُمّ حتى أُمِر أن يكتب {بسم الله} فكتبها؛ فلما نزلت: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ} [الإسراء: 11] كتب {بسم الله الرحمن} فلما نزلت: {إِنَّهُا مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُا بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} [النمل: 30] كتبها. وفي مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة: إن النبيّ صلى الله عليه وسلّم لم يكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} حتى نزلت سورة النمل.

.الرابعة: البسملة تِيجان السُّوَر:

رُوي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: البسملة تِيجان السُّوَر.
قلت: وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها. وقد اختلف العلماء في هذا المعنى على ثلاثة أقوال:
الأول: ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها؛ وهو قول مالك.
الثاني: أنها آية من كل سورة؛ وهو قول عبد اللَّه بن المبارك.
الثالث: قال الشافعي: هي آية في الفاتحة؛ وتردّد قوله في سائر السُّوَر؛ فمرّة قال: هي آية من كل سورة، ومرّة قال: ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها. ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل.
واحتج الشافعي بما رواه الدَّارَقُطْنِيّ من حديث أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا قرأتم {الحمد لله رب العالمين} فاقرأوا {بسم الله الرحمن الرحيم} إنها أم القرآن وأمّ الكتاب والسبع المثاني و{بسم الله الرحمن الرحيم} أحد آياتها». رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر، وعبد الحميد هذا وَثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين؛ وأبو حاتم يقول فيه: محلّه الصدق؛ وكان سفيان الثوريّ يضعّفه ويحمل عليه. ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور.
وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا؛ فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «نزلت عليّ آنفًا سورة» فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ}.
وذكر الحديث، وسيأتي بكماله في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى.

.الخامسة: ثبوت القرآن:

الصحيح من هذه الأقوال قول مالك؛ لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه. قال ابن العربي: ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه.
والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها. روى مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله عزّ وجلّ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قال الله تعالى حَمِدني عبدي وإذا قال العبد: {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] قال الله تعالى أثنى عليّ عبدي وإذا قال العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] قال مَجّدني عبدي وقال مرة فوّض إلى عبدي فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6- 7] قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل». فقوله سبحانه: «قسمت الصلاة» يريد الفاتحة، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها؛ فجعل الثلاث الآيات الأوَل لنفسه، واختص بها تبارك اسمه، ولم يختلف المسلمون فيها. ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده؛ لأنها تضمنت تذلّل العبد وطلب الاستعانة منه، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات. ومما يدل على أنها ثلاث قوله: «هؤلاء لعبدي» أخرجه مالك؛ ولم يقل: هاتان؛ فهذا يدل على أن: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية. قال ابن بكير قال مالك: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، ثم الآية السابعة إلى آخرها. فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه السلام لأُبَيّ: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة».