فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد اختلف في القدر الذي يأخذونه منها، فقيل: الثمن.
روي ذلك عن مجاهد والشافعي.
وقيل: على قدر أعمالهم من الأجرة، روي ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه.
وقيل: يعطون من بيت المال قدر أجرتهم.
روي ذلك عن مالك، ولا وجه لهذا، فإن الله قد أخبر بأن لهم نصيبًا من الصدقة فكيف يمنعون منها ويعطون من غيرها؟ واختلفوا هل يجوز أن يكون العامل هاشميًا أم لا؟ فمنعه قوم، وأجازه آخرون.
قالوا: ويعطى من غير الصدقة.
قوله: {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} هم قوم كانوا في صدر الإسلام، فقيل: هم الكفار الذين كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليسلموا.
وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف، بل بالعطاء.
وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم يحسن إسلامهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطاء؛ وقيل: هم من أسلم من اليهود والنصارى، وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع، أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليتألفوا أتباعهم على الإسلام.
وقد أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم جماعة ممن أسلم ظاهرًا كأبي سفيان بن حرب، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل تألفهم بذلك، وأعطى آخرين دونهم.
وقد اختلف العلماء هل سهم المؤلفة قلوبهم باق بعد ظهور الإسلام أم لا؟ فقال عمر، والحسن، والشعبي: قد انقطع هذا الصنف بعزّة الإسلام وظهوره، وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي: وقد ادّعى بعض الحنفية أن الصحابة أجمعت على ذلك.
وقال جماعة من العلماء: سهمهم باق لأن الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام.
وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.
قال يونس: سألت الزهري عنهم فقال: لا أعلم نسخ ذلك، وعلى القول الأول يرجع سهمهم لسائر الأصناف.
قوله: {وَفِي الرقاب} أي في فك الرقاب بأن يشتري رقابًا ثم يعتقها.
روي ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وبه قال مالك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق وأبو عبيد.
وقال الحسن البصري، ومقاتل ابن حيان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، والنخعي، والزهري، وابن زيد: إنهم المكاتبون يعانون من الصدقة على مال الكتابة، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، ورواية عن مالك، والأولى حمل ما في الآية على القولين جميعًا لصدق الرقاب على شراء العبد وإعتاقه، وعلى إعانة المكاتب على مال الكتابة.
قوله: {والغارمين} هم: الذين ركبتهم الديون ولا وفاء عندهم بها، ولا خلاف في ذلك إلا من لزمه دين في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب.
وقد أعان النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصدقة من تحمل حمالة وأرشد إلى إعانته منها.
قوله: {وَفِى سَبِيلِ الله} هم الغزاة والمرابطون، يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء، وهذا قول أكثر العلماء.
وقال ابن عمر: هم الحجاج والعمار، وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرًا منقطعًا به.
قوله: {وابن السبيل} هو: المسافر، والسبيل الطريق، ونسب إليها المسافر لملازمته إياها، والمراد الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقرّه، فإنه يعطى منها وإن كان غنيًا في بلده، وإن وجد من يسلفه.
وقال مالك: إذا وجد من يسلفه فلا يعطى.
قوله: {فَرِيضَةً مّنَ الله} مصدر مؤكد؛ لأن قوله: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} معناه: فرض الله الصدقات لهم.
والمعنى: أن كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم فرضه الله على عباده ونهاهم عن مجاوزته {والله عَلِيمٌ} بأحوال عباده {حَكِيمٌ} في أفعاله؛ وقيل: إن {فريضة} منتصبة بفعل مقدّر، أي فرض الله ذلك فريضة.
قال في الكشاف: فإن قلت: لم عدل عن اللام إلى في في الأربعة الآخرة؟ قلت: للإيذان بأنها أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره؛ وقيل: النكتة في العدول أن الأصناف الأربعة الأول يصرف المال إليهم حتى ينصرفوا به كما شاءوا، وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة، كذا قيل.
وقد أخرج البخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التيمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟» فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» الحديث حتى قال: وفيهم نزلت: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ} قال: يرزؤك ويسألك.
وأخرج ابن المنذر، عن قتادة قال: يطعن عليك.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود قال: لما قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، سمعت رجلًا يقول: إن هذه لقسمة ما أريد بها الله، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكرت ذلك له، فقال: «رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»، ونزل: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات}.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، قال: نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} الآية.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج، نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن حذيفة، في قوله: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} الآية قال: إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية التي سمى الله أو صنفين أو ثلاثة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي العالية، والحسن، وعطاء، وإبراهيم، وسعيد بن جبير، نحوه.
وأخرج ابن المنذر، والنحاس، وأبو الشيخ، عن قتادة، قال: الفقير الذي به زمانة، والمسكين: المحتاج الذي ليس به زمانة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عمر، في قوله: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} قال: هم زمني أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {والعاملين عَلَيْهَا} قال: السعاة أصحاب الصدقة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} قال: هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا، وكان يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه.
وأخرج البخاري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي سعيد، قال: بعث عليّ بن أبي طالب من اليمن إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بذهيبة فيها تربتها، فقسمها بين أربعة من المؤلفة: الأقرع بن حابس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الخيل الطائي؛ فقالت قريش والأنصار: يقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنما أتألفهم».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الزهري أنه سئل عن المؤلفة قلوبهم قال: من أسلم من يهودي أو نصرانيّ، قلت: وإن كان موسرًا؟ قال: وإن كان موسرًا.
وأخرج هؤلاء عن أبي جعفر قال: ليس اليوم مؤلفة قلوبهم.
وأخرج هؤلاء أيضًا عن الشعبي مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل، في قوله: {وَفِي الرقاب} قال: هم المكاتبون.
وأخرج ابن المنذر، عن النخعي، نحوه.
وأخرج أيضًا عن عمر بن عبد الله قال: سهم الرقاب نصفان: نصف لكل مكاتب ممن يدّعي الإسلام، والنصف الآخر يشتري به رقاب ممن صلى وصام، وقدم إسلامه من ذكر وأنثى، يعتقون لله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو عبيد، وابن المنذر، عن ابن عباس، أنه كان لا يرى بأسًا أن يعطى الرجل من زكاته في الحج، وأن يعتق منها رقبة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الزهري، أنه سئل عن الغارمين قال: أصحاب الدين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي جعفر، في قوله: {والغارمين} قال: هو الذي يسأل في دم أو جائحه تصيبه {وَفِى سَبِيلِ الله} قال: هم المجاهدون {وابن السبيل} قال: المنقطع به يعطى قدر ما يبلغه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمسة: العامل عليها، أو الرجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدّق عليه فأهدى منها لغنيّ».
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ ولا لذي مرة سوى» وأخرج أحمد، عن رجل من بني هلال، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي عن عبد الله بن عدي بن الجيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغنيّ ولا لقويّ مكتسب». اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله وهو يقسم قسمًا، فأعرض عنه وجعل يقسم قال: أتعطي رعاء الشاء؟ والله ما عدلت. فقال: «ويحك! من يعدل إذا أنا لم أعدل؟» فأنزل الله هذه الآية: {إنما الصدقات للفقراء...} الآية.
وأخرج أبو داود والبغوي في معجمه والطبراني والدارقطني وضعفه عن زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رجل يا رسول الله أعطني من الصدقة. فقال: «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك».
وأخرج ابن سعد عن زياد بن الحرث الصدائي قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم يشكون عاملهم، ثم قالوا: يا رسول الله آخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير للمؤمن في الإِمارة»، ثم قام رجل فقال: يا رسول الله أعطني من الصدقة. فقال: «إن الله لم يكِل قسمها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى أجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت جزأ منها أعطيتك وإن كنت غنيًا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن».
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني وابن مردويه عن موسى بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلًا، فقرأ {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فمدها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن قوله: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [الإِسراء: 26] وقوله: {إن تبدوا الصدقات} [البقرة: 271] وقوله: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين...} الآية.