فصل: فصل: في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلّى الله عليه وسلّم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلّى الله عليه وسلّم:

فمن القرآن لعنته تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة:
وقرأ نه تعالى أذاه بأذاه ولا خلاف في قتل من سب الله تعالى وأن اللعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا مُهِينًا} [33: 57].
وقال في قاتل المؤمن بمثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل، قال الله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [33: 61].
وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم: {ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنْيا} [5: 33] وقد يقع القتل بمعنى اللعن في الدنيا والآخرة ولأنه الفرق بين أذاهما وأذى المؤمنين في ما دون القتل من الضرب والنكال فكان حكم من يؤذى الله تعالى ونبيه أشد من ذلك وهو القتل، وقال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [4: 65] فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه ولم يسلم له، ومن تنقصه فقد ناقض هذا. وقال تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [49: 2] ولا يحبط العمل إلا الكفر، والكافر يقتل.
قال تبارك وتعالى: {وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ به الله} [58: 8] ثم قال: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [58: 8] وقال عز وجل: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [9: 61] ثم قال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} [9: 61] وقال جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ} [9: 65- 66] قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأما الإجماع فقد ذكرناه، وأما الآثار فقد ذكر حديث من سبّ نبيا فاقتلوه، وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتل كعب بن الأشرف، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذى الله تعالى ورسوله، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى.
وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعيش عليه وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان في سبه صلّى الله عليه وسلّم وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوى؟ فقال خالد: أنا فبعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقتله، وكذلك أمر بقتل جماعة منهم ممن كان يؤذية من الكفار ويسبه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط، وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه.
وقد روى البزار عن ابن عباس قال: إن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: بكفرك وافترائك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر عبد الرزاق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا، فبارزه، فقتله الزبير. وروي أيضا أن امرأة كانت تسبه صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها، ويروى أن رجلا كذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم فبعث علي والزبير- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- إليه ليقتلاه، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! سمعت أبى يقول فيك قولا قبيحا فقتلته، فلم يشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر- رضي الله تبارك وتعالى عنه- أن امرأة هناك في الردة غنت بسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فبلغ أبا بكر ذلك فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود.
وعن ابن عباس- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- قال: هجت امرأة من خطمة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا ينتطح فيها عنزان.
وعن ابن عباس- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أعمى كانت له امرأة تسب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى الله عليه وسلّم فتشتمه فقتلها، وأعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك فأهدر دمها. وذكر حديث أبي برزة الأسلميّ.
وقال القاضي أبو محمد بن نصر ولم يخالف عليه فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه.
ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر فكتب عمر: إنه لا يحل قتل امرئ يسب أحد من الناس إلا رجلا سب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فمن سبه فقد حل دمه.
وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟
من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم جلد.
قال القاضي أبو الفضل: كذا وقع في هذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره، وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر؟ فقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله ولعلهم ممن لم يشهر بعلم أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه، أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل هو سب أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب عن سبه فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه.
ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار من سبه أو نقّصه صلّى الله عليه وسلّم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم عليه كثير من العلماء بالردة وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري وأبي حنيفة والكوفيين.
والقول الآخر: أنه دليل على الكفر فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله غير منكر له، ولا يقلع عنه، فهذا كافر.
وقوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم فاعترافه بها، وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال تعالى في مثله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} 9: 74 قال أهل التفسير: هي قوله: إن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير. وقيل بل قول بعضهم: ما مثلنا أو مثل محمد إلا قول القائل: سمن كلبك يأكلك {لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} 63: 8 وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به فإن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه غير دينه، وقال صلّى الله عليه وسلّم من غير دينه فاضربوا عنقه، ولأن حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته يحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلّى الله عليه وسلّم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره.
فإن قلت: فلم لم يقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم اليهودي الّذي قال له: السام عليكم؟
وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الّذي قال له: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، وقد تأذى النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذلك؟ وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان؟
فاعلم وفقنا الله وإياك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أول الإسلام يستألف عليه الناس، ويستميل قلوبهم إليه ويحبب إليهم الإيمان، ويزينه في قلوبهم، ويدارئهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وكان صلّى الله عليه وسلّم يداري الكفار والمنافقين، ويجمل صحبتهم، ويفضي عنهم ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم، ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه وكان يرفقهم بالعطاء والإحسان، وبذلك أمره الله تعالى، فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 5: 13 قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 41: 34 وذلك لحاجة الناس للتألف أول الإسلام، وجمع الكلمة عليه، فلما استقر، وأظهره الله تعالى على الدين كله قتل من قدر عليه واشتهر أمره كفعله بابن خطل، ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غلبة من يهود وغيرهم، أو غلبة ممن لم ينتظمه قبل سلك صحبته، والانخراط في جملة مظهر الإيمان به، ممن كان يؤذيه، كابن الأشراف وأبي رافع والنضر، وعقبة، وكذلك ندر دم جماعة سواهم، ككعب بن زهير، وابن الزبعري، وغيرهما ممن أذاه حتى ألقوا بأيدهم ولقوة مسلمين، وبواطن المنافقين مستترة، وحكمه صلّى الله عليه وسلّم على الظاهر، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية، ومع أمثاله، ويحلفون عليها إذا نميت وينكرونها ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ 9: 74 وكان مع هذا يطمع في فيئتهم ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم فيصبر صلّى الله عليه وسلّم على هناتهم وجفوتهم كما صبر أولو العزم من الرسل، وفاء كثير منهم باطنا وظاهرا وأخلص سرا كما أظهر جهرا ونفع الله بعد بهم وقام منهم للدين، وزراء، وأعوان، وحماة، وأنصار، كما جاءت به الأخبار.
وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلّى الله عليه وسلّم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد، ومن لم يصل رتبة الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة، والدماء لا تستباح إلا بعدلين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة- رضي الله تبارك وتعالى عنها-؟ ولو كان صرح بذلك لم ينفرد بعلمه، ولهذا نبه النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه على فعلهم، وقلة صدقهم في سلامهم، وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم، وطعنا في الدين، فقال: إن اليهود إذا سلّم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم وكذلك قال بعض أصحابنا البغداديين: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقتل المنافقين بعلمه فيهم ولم يأت أنه قامت بينة على نفاقهم فلذلك تركهم، وأيضا فإن الأمر كان سرا وباطنا، وظاهرهم الإسلام والإيمان، وإن كان من أهل الذمة بالعهد والجوار والناس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميز بعد الخبيث من الطيب، وقد شاع عن المذكورين في العرب كون من يتهم بالنفاق من جملة المؤمنين، وصحابة سيد المرسلين، وأنصار الذين يحكم بظاهرهم، فلو قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر منهم، وعلمه بما أسروا في أنفسهم، لما وجد المعاند ما يقول، ولا ارتاب الشارد، وأرجف المعاند، وارتاع من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والدخول في الإسلام غير واحد ولزعم الزاعم وظن العدو الظالم أن القتل إنما كان للعداوة وطلب أخذ الترة، وقد رأيت معنا ما حررته منسوبا إلى مالك بن أنس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وقال: أولئك الذين نهاني الله تعالى عن قتلهم، وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا، والقتل، وشبهه، لظهورها، واستواء الناس في علمها.
وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ في الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ الله في الَّذِينَ خَلَوْا من قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} [33: 60- 62] قال: معناه إذا أظهروا النفاق.