فصل: تفسير الآية رقم (63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (63):

قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين أن حلفهم هذا إنما هو لكراهة الخزي عند المؤمنين وبين من هو الأحق بأن يرضوه، أقام الدليل على ذلك في استفهام إنكار وتوبيخ مبينًا أنهم فرّوا من خزي منقض فسقطوا في خزي دائم، والخزي: استحياء في هوان، فقال: {ألم يعلموا} أي لدلالتهم على الأحق بالإرضاء.
ولما كان ذكر الشيء مبهمًا ثم مفسرًا أضخم، أضمر للشأن فقال: {أنه} أي الشأن العظيم {من يحادد الله} وهو الملك الأعظم، ويظهر المحاددة- بما أشار إليه الفك {ورسوله} أي الذي عظمته من عظمته، بأن يفعل معهما فعل من يخاصم في حد أرض فيريد أن يغلب على حد خصمه، ويلزمه أن يكون في حد غير حده {فأن له نار جهنم} أي فكونها له جزاء له على ذلك حق لا ريب فيه {خالدًا فيها} أي دائمًا من غير انقضاء كما كانت نيته المحادة أبدًا؛ ثم نبه على عظمة هذا الجزاء بقوله: {ذلك} أي الأمر البعيد الوصف العظيم الشأن {الخزي العظيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
اعلم أن المقصود من هذه الآية أيضًا، شرح أحوال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال أهل المعاني: قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} خطاب لمن حاول الإنسان تعليمه مدة وبالغ في ذلك التعليم ثم إنه لم يعلم فيقال له: ألم تعلم بعد هذه الساعات الطويلة والمدة المديدة، وإنما حسن ذلك لأنه طال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وكثرت نهاياته للتحذير عن معصية الله والترغيب في طاعته، فالضمير في قوله: {أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله} ضمير الأمر والشأن، والمعنى: أن الأمر والشأن كذا وكذا.
والفائدة في هذا الضمير هو أنه لو ذكر بعد كلمة {أن} ذلك المبتدأ والخبر لم يكن له كثير وقع.
فأما إذا قلت الأمر والشأن كذا وكذا أوجب مزيد تعظيم وتهويل لذلك الكلام.
وقوله: {مَن يُحَادِدِ الله} قال الليث: حاددته أي خالفته، والمحاددة كالمجانبة والمعاداة والمخالفة، واشتقاقه من الحد، ومعنى حاد فلان فلانًا، أي صار في حد غيره حده كقوله: شاقه أي صار في شق غير شقه، ومعنى {يُحَادِدِ الله} أي يصير في حد غير حد أولياء الله بالمخالفة.
وقال أبو مسلم: المحادة مأخوذة من الحديد حديد السلاح، ثم للمفسرين هاهنا عبارات: يخالف الله، وقيل يحارب الله، وقيل يعاند الله.
وقيل يعاد الله.
ثم قال: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} وفيه وجوه: الأول: التقدير: فحق أن له نار جهنم.
الثاني: معناه فله نار جهنم، وإن تكرر للتوكيد.
الثالث: أن نقول جواب {مِنْ} محذوف، والتقدير: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فأن له نار جهنم.
قال الزجاج: ويجوز كسر {إن} على الاستئناف من بعد الفاء والقراءة بالفتح.
ونقل الكعبي في تفسيره أن القراءة بالكسر موجودة.
قال أبو مسلم جهنم من أسماء النار، وأهل اللغة يحكون عن العرب أن البئر البعيدة القعر تسمى الجهنام عندهم، فجاز في جهنم أن تكون مأخوذة من هذا اللفظ، ومعنى بعد قعرها أنه لا آخر لعذابها، والخالد: الدائم، والخزي قد يكون بمعنى الندم وبمعنى الاستحياء، والندم هنا أولى.
لقوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} [يونس: 54]. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} يعني: يخالف الله ورسوله؛ ويقال: يخالف أمر الله وأمر رسوله، يعني: أمر الله تعالى في الفرائض، وأمر رسوله في السنن وفيما بيَّن.
وقال الأخفش: يحادد الله، يعني: يعادي الله ورسوله، {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}.
قرأ بعضهم {فَإِنَّ لَهُ} بالكسر على معنى الاستئناف، وقرأ العامة بالنصب على معنى البناء.
{خَالِدًا فِيهَا ذلك الخزى العظيم}، يعني: العذاب الشديد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}
فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: من يخالف الله ورسوله، قاله الكلبي.
والثاني: مجاوزة حدودها، قاله علي بن عيسى.
والثالث: أنها معاداتها مأخوذ من حديد السلاح لاستعماله في المعاداة، قاله ابن بحر.
{فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} وهذا وعيد، وإنما سميت النار جهنم من قول العرب بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر، فسميت نار الآخرة جهنم لبعد قعرها، قاله ابن بحر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ألم يعلموا}
روى أبو زيد عن المفضل {ألم تعلموا} بالتاء.
{أنه من يُحادِدِ الله} فيه قولان:
أحدهما: من يخالف الله، قاله ابن عباس.
والثاني: من يعادي الله، كقولك: من يُجانِبِ الله ورسوله، أي: يكون في حدٍّ، واللهُ ورسولُه في حدٍّ.
قوله تعالى: {فَأَنَّ له نارَ جهنَّم} قرأ الجمهور: {فأن} بفتح الهمزة.
وقرأ أبو رزين وأبو عمران وابن أبي عبلة: بكسرها، فمن كسر، فعلى الاستئناف بعد الفاء، كما تقول: فله نار جهنم.
ودخلت أِنّ مؤكدة.
ومن قال: {فأَنَّ له} فانما أعاد {أنَّ} الأولى توكيدًا؛ لأنه لما طال الكلام، كان إعادتها أوكد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ يعلموا} يعني المنافقين.
وقرأ ابن هُرْمُز والحسن {تعلموا} بالتاء على الخطاب.
{أَنَّهُ} في موضع نصب بيعلموا، والهاء كناية عن الحديث.
{مَن يُحَادِدِ الله} في موضع رفع بالابتداء.
والمحادّة: وقوع هذا في حَدّ وذاك في حَدّ؛ كالمشاقّة.
يُقال: حادّ فلان فلانًا أي صار في حَدّ غير حدّه.
{فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} يُقال: ما بعد الفاء في الشرط مبتدأ؛ فكان يجب أن يكون فإنّ بكسر الهمزة.
وقد أجاز الخليل وسيبويه {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} بالكسر.
قال سيبويه: وهو جَيّد وأنشد:
وعِلْمِي بأسْدام المياه فلم تَزَل ** قَلائصُ تَخْدي في طريقٍ طلائحُ

وأني إذا مَلّتْ رِكابي مُناخَها ** فإني على حَظّي من الأمر جامحُ

إلاَّ أن قراءة العامّة {فأن} بفتح الهمزة.
فقال الخليل أيضًا وسيبويه: إن أنّ الثانية مبدلة من الأولى.
وزعم المبّرد أن هذا القول مردود، وأن الصحيح ما قاله الجَرْمِيّ، قال: إن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام؛ ونظيره {وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} [النمل: 5].
وكذا {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا} [الحشر: 17].
وقال الأخفش: المعنى فوجوب النار له.
وأنكره المبرّد وقال: هذا خطأ من أجل إنّ أن المفتوحة المشدّدة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر.
وقال عليّ بن سليمان: المعنى فالواجب أن له نار جهنم؛ فإن الثانية خبر ابتداء محذوف.
وقيل: التقدير فله أن له نار جهنم.
فإن مرفوعةٌ بالاستقرار على إضمار المجرور بين الفاء وأن. اهـ.

.قال الخازن:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
قوله سبحانه وتعالى: {ألم يعلموا} قال أهل المعاني ألم تعلم خطاب لمن علم شيئًا ثم نسيه أو أنكره فيقال له ألم تعلم أنه كان كذا وكذا ولما طال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر المؤمنين والمنافقين وعلمهم من أحكام الدين ما يحتاجون إليه خاطب المنافقين بقوله ألم يعلموا يعني من شرائع الدين التي علمهم رسولنا {إنه من يحادد الله ورسوله} يعني أنه من يخالف الله ورسوله.
وأصل المحاداة في اللغة: المخالفة والمجانبة والمعادة، واشتقاقه من الحد.
يقال: حاد فلان فلانًا إذا صار في غير حده وخالفه في أمره.
وقيل: معنى يحادد الله ورسوله أي يحارب الله ورسوله ويعاند الله ورسوله {فأن له نار جهنم} أي فحق أن له نار جهنم {خالدًا فيها} يعني على الدوام {ذلك الخزي العظيم} يعني ذلك الخلود في نار جهنم هو الفضيحة العظيمة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدًا فيها ذلك الخزي العظيم} أي ألم يعلم المنافقون؟ وهو استفهام معناه التوبيخ والإنكار.
وقرأ الحسن والأعرج: بالتاء على الخطاب، فالظاهر أنه التفات، فهو خطاب للمنافقين.
قيل: ويحتمل أن يكون خطابًا للمؤمنين، فيكون معنى الاستفهام التقرير.
وإن كان خطابًا للرسول فهو خطاب تعظيم، والاستفهام فيه للتعجب، والتقدير: ألا تعجب من جهلهم في محادّة الله تعالى: وفي مصحف أبيّ ألم يعلم.
قال ابن عطية: على خطاب النبي عليه السلام انتهى.
والأولى أن يكون خطابًا للسامع، قال أهل المعاني: ألم تعلم، الخطاب لمن حاول تعليم إنسان شيئًا مدة وبالغ في ذلك التعليم فلم يعلم فقال له: ألم تعلم بعد المباحث الظاهرة والمدة المديدة، وحسن ذلك لأنه طال مكث النبي صلى الله عليه وسلم معه، وكثر منه التحذير عن معصية الله والترغيب في طاعة الله.
قال بعضهم: المحادّة المخالفة، حاددته خالفته، واشتقاقه من الحد أي كان على حد غير حادة كقولك: شاقة، كان في شق غير شقه.
وقال أبو مسلم: المحادة مأخوذة من الحديد، حديد السلاح.
والمحادة هنا، قال ابن عباس: المخالفة.
وقيل: المحاربة.
وقيل: المعاندة.
وقيل: المعادة.
وقيل: مجاوزة الحد في المخالفة.
وهذه أقوال متقاربة.
وقرأ الجمهور فإنّ له بالفتح، والفاء جواب الشرط.
فتقتضي جملة وإنّ له مفرد في موضع رفع على الابتداء، وخبره محذوف قدره الزمخشري: مقدمًا نكرة أي: فحق أن يكون وقدره غيره: متأخرًا أي فإن له نار جهنم واجب، قاله: الأخفش، ورد عليه بأن أنْ لا يبتدأ بها متقدمة على الخبر، وهذا مذهب سيبويه والجمهور.
وأجاز الأخفش والفراء وأبو حاتم الابتداء بها متقدمة على الخبر، فالأخفش خرج ذلك على أصله.
أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: فالواجب أنّ له النار.
قال علي بن سليمان: وقال الجرمي والمبرد: إن الثانية مكررة للتوكيد، كان التقدير: فله نار جهنم، وكرر أنّ توكيدًا.