فصل: تفسير الآية رقم (65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (65):

قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وصفهم بالنفاق، حققه بعدم مبادرتهم إلى التوبة التي هي فعل المؤمنين، وباجترائهم على الإنكار مع كون السائل لهم مَنْ بلغ الغاية في الجلال والوقار والكمال فقال: {ولئن سألتهم} أي وأنت من يجب أن يصدقه مسؤوله عما أخرجت السورة مما أظهروا بينهم من الكفر، وذلك حين قال بعضهم: انظروا إلى هذا الرجل يظن أنه يفتح قصور الشام وحصونها! هيهات هيهات! فأعلمه الله فقال: احبسوا عليّ الركب.
فسألهم {ليقولن إنما} أي ما قلنا شيئًا من ذلك، إنما {كنا نخوض} أي نتحدث على غير نظام {ونلعب} أي بما لا خرج علينا فيه ويحمل عنا ثقل الطريق، فكأنه قيل: فماذا يقال لهم إذا حلفوا على ذلك على العادة؟ فقال: {قل} أي لهم تقريرًا على استهزائهم متوعدًا لهم معرضًا عما اعتذروا إعلامًا بأنه غير أهل لأن يسمع جاعلًا لهم كأنهم معترفون بالاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير، وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته تكذيبًا لهم في قولهم: إنك إذن، بالمعنى الذي أرادوه، وبيانًا لما في إظهارك لتصديقهم من الرفق بهم {أبالله} أي هو المحيط بصفات بصفات الكمال {وآياته} أي التي لا يمكن تبديلها ولا تخفى على ذي بصر ولا بصيرة {ورسوله} أي الذي عظمته من عظمته وهو مجتهد في إصلاحكم وتشريفكم وإعلائكم {كنتم} أي دائمًا {تستهزءون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في سبب نزول الآية أمورًا:
الأول: روى ابن عمر أن رجلًا من المنافقين قال في غزوة تبوك ما رأيت مثل هؤلاء القوم أرعب قلوبًا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال واحد من الصحابة: كذبت ولأنت منافق، ثم ذهب ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد القرآن قد سبقه.
فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وكان قد ركب ناقته، فقال يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به الطريق، وكان يقول إنما كنا نخوض ونلعب.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} ولا يلتفت إليه وما يزيده عليه.
الثاني: قال الحسن وقتادة: لما سار الرسول إلى تبوك قال المنافقون بينهم أتراه يظهر على الشأن ويأخذ حصونها وقصورها هيهات، هيهات، فعند رجوعه دعاهم وقال: أنتم القائلون بكذا وكذا فقالوا: ما كان ذلك بالجد في قلوبنا وإنما كنا نخوض ونلعب.
الثالث: روى أن المتخلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم سألوا عما كانوا يصنعون وعن سبب تخلفهم، فقالوا هذا القول.
الرابع: حكينا عن أبي مسلم أنه قال في تفسير قوله: {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} [التوبة: 64] أظهروا هذا الحذر على سبيل الاستهزاء، فبين تعالى في هذه الآية أنه إذا قيل لهم لم فعلتم ذلك؟ قالوا: لم نقل ذلك على سبيل الطعن، بل لأجل أنا كنا نخوض ونلعب.
الخامس: اعلم أنه لا حاجة في معرفة هذه الآية إلى هذه الروايات فإنها تدل على أنهم ذكروا كلامًا فاسدًا على سبيل الطعن والاستهزاء، فلما أخبرهم الرسول بأنهم قالوا ذلك خافوا واعتذروا عنه بأنا إنما قلنا ذلك على وجه اللعب لا على سبيل الجد وذلك قولهم إنما كنا نخوض ونلعب أي ما قلنا ذلك إلا لأجل اللعب، وهذا يدل على أن كلمة {إنما} تفيد الحصر إذ لو لم يكن ذلك لم يلزم من كونهم لاعبين أن لا يكونوا مستهزئين فحينئذ لا يتم هذا العذر.
والجواب: قال الواحدي: أصل الخوض الدخول في مائع من الماء والطين، ثم كثر حتى صار اسمًا لكل دخول فيه تلويث وأذى، والمعنى: أنا كنا نخوض ونلعب في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق، فأجابهم الرسول بقوله: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
فرق بين قولك أتستهزئ بالله، وبين قولك أبالله تستهزئ، فالأول يقتضي الإنكار على عمل الاستهزاء، والثاني: يقتضي الإنكار على إيقاع الاستهزاء في الله، كأنه يقول هب أنك قد تقدم على الاستهزاء ولكن كيف أقدمت على إيقاع الاستهزاء في الله ونظيره قوله تعالى: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] والمقصود: ليس نفي الغول، بل نفي أن يكون خمر الجنة محلًا للغول.
المسألة الثانية:
أنه تعالى حكى عنهم أنهم يستهزئون بالله وآياته ورسوله، ومعلوم أن الاستهزاء بالله محال.
فلابد له من تأويل وفيه وجوه: الأول: المراد بالاستهزاء بالله هو الاستهزاء بتكاليف الله تعالى.
الثاني: يحتمل أن يكون المراد الاستهزاء بذكر الله، فإن أسماء الله قد يستهزئ الكافر بها كما أن المؤمن يعظمها ويمجدها.
قال تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] فأمر المؤمن بتعظيم اسم الله.
وقال: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] فلا يمتنع أن يقال: {أبالله} ويراد: أبذكر الله.
الثالث: لعل المنافقين لما قالوا: كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشأم وقصورها.
قال بعض المسلمين: الله يعينه على ذلك وينصره عليهم، ثم إن بعض الجهال من المنافقين ذكر كلامًا مشعرًا بالقدح في قدرة الله كما هو عادات الجهال والمُلْحِدَة، فكان المراد ذلك.
وأما قوله: {وءاياته} فالمراد بها القرآن، وسائر ما يدل على الدين.
وقوله: {وَرَسُولُهُ} معلوم، وذلك يدل على أن القوم إنما ذكروا ما ذكروه على سبيل الاستهزاء. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}
وذلك أن رسول الله عليه السلام حين رجع من تبوك، وبين يديه هؤلاء الثلاثة يسيرون ويقولون: إن محمدًا يقول إنّه نزل في إخواننا الذين تخلفوا بالمدينة كذا وكذا، وهم يضحكون ويستهزئون، فأتاه جبريل فأخبره بذلك، فبعث إليهم النبي عليه السلام عمار بن ياسر وقال له: «اذْهَبْ إلَى أُوْلَئِكَ وَاسْأَلْهُمْ عَمَّاذَا يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ» وأخبره أنهم يستهزئون بالقرآن، وأنه إذا أتاهم وسألهم يقولون: إنّما كنا نخوض ونلعب.
فلما جاء إليهم عمار بن ياسر قال لهم: ما كنتم تقولون؟ قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا، ونضحك بيننا.
فقال عمار: صدق الله، وبلغ رسوله؛ هكذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكم تقولون ذلك.
غضب الله عليكم هلكتم، فعرفوا عند ذلك أنه نزل فيهم شيء فجاؤوا واعتذروا.
فنزل: {قُلْ}، يعني: قل لهم يا محمد: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} القرآن، {وَرَسُولِهِ كُنتُمْ}.
وقال قتادة: إذا رأيا العبد، يقول الله انظروا إلى عبدي يستهزئ {قُلْ أبالله وءاياته وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ} فجاؤوا إلى النبي واعتذروا، فنزل قوله تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} الآية.
قال ابن عمر وقتادة وزيد بن أسلم ومحمد بن كعب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأُخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتحل وركب ناقة فقال: يارسول الله إنما كنّا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب يقطع به عنا الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه وهو ويقول: إنا كنّا نخوض ونعلب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم {أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} فالتفت إليه وما يزيده عليه.
وقال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا أيظن هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات هيهات، فأطلع الله نبيّه على ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم احبسوا عليَّ الركب، فدعاهم فقال لهم: قلتم كذا وكذا، فقالوا يانبي الله أنما كنا نخوض ونلعب، وحلفوا على ذلك، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا وما يدريه ما الغيب، فأنزل الله هذه الآية، وقال ابن كيسان: نزلت في وديعة بن ثابت وهو الذي قال هذه المقالة، وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أبي ورهطه كانوا يقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لا ينبغي، فإذا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا: إنّما كنا نخوض ونلعب قال الله عز وجل: {قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ولئن سألتهم} الآية.
نزلت على ما ذكر جماعة من المفسرين في وديعة بن ثابت وذلك؟ أنه مع قوم من المنافقين كانا يسيرون في عزوة تبوك، فقال بعضهم لبعض هذا يريد أن يفتح قصور الشام ويأخذ حصون بني الأصفر هيهات هيهات، فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال لهم قلتم كذا وكذا، فقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب}، يريدون كنا مجدين، وذكر ابن إسحاق أن قومًا منهم تقدموا النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم كأنكم والله غدًا في الحبال أسرى لبني الأصفر إلى نحو هذا من القول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: «أدرك القوم فقد احترقوا وأخبرهم بما قالوا» ونزلت الآية، وروي أن وديعة بن ثابت المذكور قال في جماعة من المنافقين: ما رأيت كقرائنا هؤلاء لا أرغب بطونًا ولا أكثر كذبًا ولا أجبن عند اللقاء فعنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المقالة فقالوا {إنما كما نخوض ونلعب}، ثم أمره بتقريرهم {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وفي ضمن هذا التقرير وعيد، وذكر الطبري عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت قائل هذه المقالة وديعة متعلقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول: {إنما كنا نخوض ونلعب} والنبي يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وذكر النقاش أن هذا المتعلق كان عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك خطأ لأنه لم يشهد تبوك. اهـ.