فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله: {كالذين مِن قَبْلِكُمْ} يعني: صنيعكم مع نبيكم، كما صنع الأمم الخالية مع أنبيائهم عليهم السلام وقال الضحاك: يعني: لعن المنافقين، كما لعن الذين من قبلكم من الأمم الخالية؛ ويقال: ولهم عذاب دائم {كالذين مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أموالا وأولادا}، يعني: لم ينفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا ولا ينفعكم أموالكم ولا أولادكم أيضًا {فاستمتعوا بخلاقهم}، يعني: فانتفعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا.
{فَاسْتَمْتَعْتُمْ بخلاقكم}، كما يقول انتفعتم أنتم بنصيبكم من الآخرة في الدنيا، {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} من الأمم الخالية، {بخلاقهم}؛ أي بنصيبهم {وَخُضْتُمْ} في الباطل، {كالذي خَاضُواْ}؛ ويقال: كذبتم الرسول كما كذبوا رسلهم.
{أولئك}، يعني: أهل هذه الصفة حبطت أعمالهم، {حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والآخرة} يعني: بطل ثواب أعمالهم فلا ثواب لهم لأنها كانت في غير إيمان.
{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون}، يعني: في الآخرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كالذين مِن قَبْلِكُمْ} يعني فعلتم كفعل الذين كانوا من قبلكم ولُعنتم وعُذّبتم كما لعن الذين كانوا من قبلكم من كفار الأُمم الخالية {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً} بطشًا ومنعة {وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلاَدًا فاستمتعوا} وتمتعوا وانتفعوا {بِخَلاقِهِمْ} بنصيبهم من الدنيا ورضوا به عوضًا من الآخرة.
قال أبو هريرة: الخلاق: الدين {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ} في الباطل والكذب على الله وتكذيب رسله والاستهزاء بالمؤمنين {كالذي خاضوا} أراد كالذين خاضوا وذلك أن (الذي) اسم ناقص مثل (ما) و(من) يعبّر بها عن الواحد والجميع نظير قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد} [البقرة: 17] ثم قال: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} [البقرة: 17] قال الشاعر:
وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم خالد

وأن شئت جعلت (الذي) إشارة إلى ضمير، وقوله: {خضتم} كالخوض الذي خاضوا فيه إلى قوله: {الخاسرون}.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لتأخذن كما أخذت الامم من قبلكم ذراعًا بذراع وشبرًا بشبر وباعًا بباع، حتى لو أن أحد من ثمّ أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه، قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً} الآية، قالوا: يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب، قال: «وهل الناس إلا هم».
قال ابن عباس في هذه الآية: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، وقال ابن مسعود: أنتم أشبه الأُمم ببني إسرائيل سمتًا وهديًا، تتبعون عملهم حذو القذّة بالقذّة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا.
وقال حذيفة: المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌّ من المنافقين الذي كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: وكيف؟ قال: أُولئك كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء أعلنوه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاَقِهِمْ...}.
قيل بنصيبهم من خيرات الدنيا.
ويحتمل استمتاعهم باتباع شهواتهم.
وفيه وجه ثالث: أنه استمتاعهم بدينهم الذي أصروا عليه.
{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} فيه وجهان:
أحدهما: في شهوات الدنيا.
والثاني: في قول الكفر.
وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم فارس والروم.
والثاني: أنهم بنو اسرائيل. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {كالذين من قبلكم} الآية.
أمر الله نبيه أن يخاطب بها المنافقين فيقول لهم {كالذين من قبلكم}، والمعنى أنتم كالذين أو مثلكم مثل الذين من قبلكم، وقال الزجّاج: المعنى وعدًا كما وعد الذين من قبلكم فهو متعلق بوعد.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قلق، ثم قال: {كانوا أشد منكم} وأعظم فعصوا فأهلكوا فأنتم أحرى بالإهلاك لمعصيتكم وضعفكم، والخلاق الحظ من القدر والدين وجميع حال المرء وخلاق المرء الشيء الذي هو به خليق والمعنة عجلوا حظهم في دنياهم وتركوا باب الآخرة فاتبعتموهم أنتم.
قال القاضي أبو محمد: وأورد الطبري في تفسير هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، وما شاكل هذا الحديث مما يقتضي اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لسائر الامم، وهو معنى لا يليق بالآية جدًا إذ هي مخاطبة لمنافقين كفار أعمالهم حابطة والحديث مخاطبة لموحدين يتبعون سنن من مضى في أفعاله دنيوية لا تخرج عن الدين، وقوله: {خضتم كالذي خاضوا} أي خلطتم كالذي خلطوا، وهو مستعار من الخوض في المائعات، ولا يستعمل إلا في الباطل، لأن التصرف في الحقائق إنما هو على ترتيب ونظام، وأمور الباطل إنما هي خوض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة»، ثم قال تعالى: {أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} فيحتمل أن يراد بـ {أولئك} القوم الذين وصفهم بالشدة وكثرة الأموال والاستمتاع بالخلاق، والمعنى وأنتم أيضًا كذلك يعتريكم بإعراضكم عن الحق، ويحتمل أن يريد بـ {أولئك} المنافقين المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكون الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك خروج من خطاب إلى خطاب غير الأول، وحبط العمل وما جرى مجراه يحبط حبطًا إذا بطل بعد التعب فيه، وحبَط البطن حبَطًا بفتح الباء وهو داء في البطن، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم»، وقوله: {في الدنيا} معناه إذا كان في المنافقين ما يصيبهم في الدنيا من المقت من المؤمنين وفساد أعمالهم عليهم وفي الآخرة بأن لا تنفع ولا يقع عليها جزاء، ويقوي أن الإشارة بـ {أولئك} إلى المنافقين قوله في الآية المستقبلة {ألم يأتهم} فتأمله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وموضع الكاف في قوله: {كالذين من قبلكم} نصب، أي: وعدكم الله على الكفر به كما وعد الذين من قبلكم.
وقال غيره: رجع عن الخبر عنهم إلى مخاطبتهم، وشبَّههم في العدول عن أمره بمن كان قبلهم من الأمم الماضية.
قوله تعالى: {فاستمتَعوا بخلاقهم} قال ابن عباس: استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا.
وقال الزجاج: بحظهم من الدنيا.
قوله تعالى: {وخضتم} أي: في الطعن على الدِّين وتكذيب نبيكم كما خاضوا.
{أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا} لأنها لم تُقبل منهم، وفي الآخرة، لأنهم لا يثابون عليها، {وأولئك هم الخاسرون} بفوت الثواب وحصول العقاب. اهـ.

.قال القرطبي:

{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {كالذين مِن قَبْلِكُمْ} قال الزجاج: الكاف في موضع نصب، أي وعد الله الكفار نار جهنم وعدًا كما وَعَد الذين من قبلهم.
وقيل: المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؛ فحذف المضاف.
وقيل: أي أنتم كالذين من قبلكم؛ فالكاف في محل رفع لأنه خبر ابتداء محذوف.
ولم ينصرف {أشَدَّ} لأنه أفعل صفة.
والأصل فيه أَشْدَد، أي كانوا أشدّ منكم قوّة فلم يتهيأ لهم ولا أمكنهم رفع عذاب الله عزّ وجلّ.
الثانية روى سعيد عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تأخذون كما أخذت الأُمم قبلكم ذراعًا بذراع وشبرًا بشبر وباعًا بباع حتى لو أن أحدًا من أُولئك دخل جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه».
قال أبو هريرة: وإن شئتم فاقرءوا القرآن: {كالذين مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلاَدًا فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ} قال أبو هريرة: والخَلاَق الدِّين {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ} حتى فرغ من الآية.
قالوا: يا نبيّ الله، فما صنعت اليهود والنصارى؟ قال: «وما الناس إلاَّ هم» وفي الصحيح عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لتَتَّبِعُنّ سنَن مَنْ قبلَكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضَبّ لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» وقال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم.
ونحوه عن ابن مسعود.
الثالثة قوله تعالى: {فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ} أي انتفعوا بنصيبهم من الدِّين كما فعل الذين من قبلهم.
{وَخُضْتُمْ} خروج من الغيبة إلى الخطاب.
{كالذي خاضوا} أي كخوضهم.
فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف؛ أي وخضتم خوضًا كالذين خاضوا.
و{الذي} اسم ناقص مثلُ مَن، يعبّر به عن الواحد والجمع.
وقد مضى في البقرة.
ويقال: خُضْت الماء أخوضه خَوْضًا وخِياضًا.
والموضع مخاضَة؛ وهو ما جاز الناسُ فيها مُشاةً ورُكبانًا.
وجمعها المخَاض والمَخاوِض أيضًا؛ عن أبي زيد.
وأخضت دابتي في الماء.
وأخاض القوم، أي خاضت خيلهم.
وخضت الغَمرات: اقتحمتها.
ويقال: خاضه بالسيف، أي حرّك سيفه في المضروب.
وخَوّض في نَجِيعه شدّد للمبالغة.
والمِخْوَض للشّراب كالمِجْدح للسَّويق؛ يقال منه: خضت الشراب.
وخاض القوم في الحديث وتخاوضوا أي تفاوضوا فيه؛ فالمعنى: خضتم في أسباب الدنيا باللّهو واللعب.
وقيل: في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب.
{أولئك حَبِطَتْ} بطلت.
وقد تقدّم.
{أَعْمَالُهُمْ} حسناتهم.
{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} وقد تقدّم أيضًا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {كالذين من قبلكم}
هذا رجوع عن الغيبة إلى خطاب الحضور والكاف في كالذين للتشبيه والمعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم، شبه فعل المنافقين بفعل الكفار الذين كانوا من قبلهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وقبض الأيدي عن فعل الخير والطاعة وقيل: إنه تعالى شبه المنافقين في عدو لهم عن طاعة الله واتباع أمره لأجل طلب الدنيا بمن قبلهم من الكفار ثم وصفهم الكفار بأنهم كانوا أشد من هؤلاء المنافقين قوة وأكثر أموالًا وأولادًا فقال تعالى: {كانوا أشد منكم قوة} يعني بطشًا ومنعة {وأكثر أموالًا وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم} يعني فتمتعوا بنصيبهم من الدنيا باتباع الشهوات ورضوا بها عوضًا عن الآخرة والخلاق النصيب وهو ما خلق الله للإنسان وقدر له من خير كما يقال قسم له {فاستمتعتم بخلاقكم} وهذا خطاب للحاضرين يعني فتمتعتم أيها المنافقون والكافرون بخلاقكم {كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم} فإن قلت ما الفائدة في ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم ذكره في حق المنافقين ثانيًا ثم إعادة ذكره في حق الأولين ثالثًا.
قلت فائدته أنه يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وشهواتها ورضاهم بها وتركهم النظر فيما يصلحهم في الدار الآخرة ثم شبه حال المخاطبين من المنافقين والكفار بحال من تقدمهم ثم رجع إلى ذكر حال الأولين ثالثًا وهذا كما تريد أن تبكت بعض الظلمة على قبح ظلمة فتقول له أنت مثل فرعون كان يقتل بغير حق ويعذب بغير جرم فأنت تفعل مثل ما كان يفعل فالتكرير هنا للتأكيد وتقبيح فعلهم وفعل من شابههم في فعلهم.
وقوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} معطوف على ما قبله ومستند إليه يعني وسلكتم في فعلكم مثل ما سلكوا في اتباع الباطل والكذب على الله وتكذيب رسوله والاستهزاء بالمؤمنين {أولئك حبطت أعمالهم} يعني بطلت أعمالهم {في الدنيا والآخرة} يعني أن أعمالهم لا تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة بل يعاقبون عليها {وأولئك هم الخاسرون} والمعنى أنه كما بطلت أعمال الكفار الماضين وخسروا تبطل أعمالكم أيها المنافقون وتخسرون.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لاتبعتموهم» قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن». اهـ.