فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ...} الآيات.
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن حذيفة. أنه سئل عن المنافق. فقال: الذي يصف الإِسلام ولا يعمل به.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: النفاق نفاقان. نفاق تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم فذاك كفر، ونفاق خطايا وذنوب فذاك يرجى لصاحبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يأمرون بالمنكر} قال: هو التكذيب.
قال: وهو أنكر المنكر {وينهون عن المعروف} قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإِقرار بما أنزل الله وهو أعظم المعروف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله تعالى في القرآن فذكر المنكر عبادة الأوثان والشيطان.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بنفقة في حق الله.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بخير {نسوا الله فنسيهم} قال: نسوا من كل خير ولم ينسوا من الشر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {نسوا الله فنسيهم} قال: تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {نسوا الله} قال: تركوا أمر الله: {فنسيهم} تركهم من رحمته أن يعطيهم إيمانًا وعملًا صالحًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن الله لا ينسى من خلقه ولكن نسيهم من الخير يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نسوا في العذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {كالذين من قبلكم} قال: صنيع الكفار كالكفار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما أشبه الليلة بالبارحة {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة} إلى قوله: {وخضتم كالذي خاضوا} هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم، والذي نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جُحْر ضبٍّ لدخلتموه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {بخلاقهم} قال: بدينهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي هريرة قال: الخلاق الدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فاستمتعوا بخلاقهم} قال: بنصيبهم من الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وخضتم كالذي خاضوا} قال: لعبتم كالذي لعبوا.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذركم أن تحدثوا حدثًا في الإِسلام، وعلم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الأمة فقال الله: {فاستمتعوا بخلاقهم...} الآية. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {كالذين مِن قَبْلِكُمْ}:
فيه أوجه أحدها: هذه الكافَ في محلِّ رفعٍ تقديرُه: إنهم كالذين فهي خبر مبتدأ محذوف. الثاني: أنها في محل نصب.
قال الزجاج: المعنى: وعدكما وَعْدَ الذين مِنْ قبلكم، فهو متعلقٌ بوَعَدَ.
قال ابن عطية: وهذا قَلِقٌ.
وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكونَ متعلِّقًا بـ {يَسْتهزئون}. وفي هذا بُعْدٌ كبير.
وقوله: {كَانُواْ أَشَدَّ} تفسيرٌ لشبههم بهم وتمثيل لفعلهم. وجعل الفراءُ محلَّها نصبًا بإضمارِ فعلٍ قال: التشبيهُ من جهة الفعل أي: فعلتم كما فعل الذين من قبلكم فتكون الكافُ في موضع نصب. وقال أبو البقاء: الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف، وفي الكلام حذفُ مضافٍ تقديرُه وعدًا كوعد الذين.
وذكر الزمخشري وجهَ الرفع المتقدمَ والوجهَ الذي قدَّمْتُه عن الفراء، وشبَّهه بقول النمر بن تولب:
...................... ** كاليوم مَطْلوبًا ولا طَلَبا

بإضمار: لم أر.
قوله: {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ} الكافُ في محل نصب نعتًا لمصدرٍ محذوف أي: استمتاعًا كاستمتاع الذين.
قوله: {كالذي خاضوا} الكافُ كالتي قبله. وفي الذي وجوهٌ:
أحدُها: أن المعنى: وخضتم خوضًا كخوض الذين خاضوا، فحُذفت النونُ تخفيفًا، أو وقع المفردُ موقعَ الجمع. وقد تقدم تحقيق هذا في أوائل البقرة، فحُذِفَ المصدرُ الموصوفُ والمضافُ إلى الموصول، وعائدُ الموصول تقديرُه: خاضوه، والأصلُ: خاضوا فيه؛ لأنه يتعدى بفي فاتُّسع فيه، فَحُذِفَ الجارُّ فاتصل الضميرُ بالفعل فساغ حَذْفُه، ولولا هذا التدريجُ لَمَا ساغ الحذف؛ لِما عرفت ممَّا مرَّ أنه متى جُرَّ العائد بحرف اشتُرِط في جواز حَذْفِه جَرُّ الموصولِ بمثل ذلك الحرف، وأن يتحدَ المتعلَّق، مع شروط أُخَرَ ذكرتُها فيما تقدَّم.
الثاني: أنَّ الذي صفةٌ لمفردٍ مُفْهِمٍ للجمع أي: وخضتم خوضًا كخوضِ الفوج الذي خاضُوا، أو الفريق الذي خاضوا. والكلامُ في العائد كما سَبَق قبلُ.
الثالث: أنَّ الذي من صفةِ المصدرِ والتقدير: وخضتم خوضًا كالخوضِ الذي خاضوه. وعلى هذا فالعائدُ منصوب من غير وساطةِ حرفِ جر. وهذا الوجهُ ينبغي أن يكونَ هو الراجح إذ لا محذورَ فيه.
الرابع: أن الذي تقعُ مصدريةً، والتقدير: وخضتم خوضًا كخوضهم ومثله:
فَثَبَّتَ اللَّهُ ما آتاك مِنْ حسنٍ ** في المُرْسلين ونَصْرًا كالذي نُصِروا

أي: كنَ‍صْرهم. وقول الآخر:
يا أمَّ عمروٍ جزاكِ اللَّهُ مغفرةً ** رُدِّي عليَّ فؤادي كالذي كانا

أي: ككونِه. وقد تقدَّم أن هذا مذهب الفراء ويونس، وتقدَّمَ تأويلُ البصريين لذلك.
قال الزمخشري: فإن قلتَ: أيُّ فائدة في قوله: {فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ كَمَا}، وقوله: {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} مُغْنٍ عنه كما أغنى {كالذي خاضوا} عن أن يقال: وخاضُوا فَخُضْتُمْ كالذي خاضُوا؟ قلت: فائدتُه أَنْ يَذُمَّ الأوَّلين بالاستمتاع بما أُوتوا ورِضاهم بها عن النظر في العاقبة وطلبِ الفلاحِ في الآخرة وأن يُخَسِّسَ أمر الاستمتاع، ويُهَجِّن أمرَ الراضي به، ثم يشبه حال المخاطبين بحالهم.
وأمَّا {وخُضْتُمْ كالذي خاضوا} فمعطوفٌ على ما قبله، ومسندٌ إليه مُسْتَغْنٍ بإسناده إليه عن تلك المقدمة يعني أنه استغنى عن أَنْ يكونَ التركيبُ: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا.
وفي قوله: {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ} إيقاعٌ للظاهر موقع المضمرِ لنُكْتةٍ: وهو أن كانَ الأصلُ: فاستمتعتم فخَلاقكم كما استمتعوا بخلاقِهم، فأبرزهم بصورةِ الظاهر تحقيرًا لهم كقوله تعالى: {لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيًّا} [مريم: 44] وكقوله قبل ذلك: {المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} ثم قال: {إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]. وهذا كما يدل بإيقاع الظاهر موقعَ المضمرِ على التفخيم والتعظيم يدلُّ به على عكسِه وهو التحقير. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}
يقال: سلكتم طريقَ مَنْ قَبْلَكم من الكفار وأهل النفاق وأهل النفاق وقد كافأناهم. ويقال الذين تقدموكم زادوا عليكم فكافأناهم كما نكافئ أهل الشقاق والنفاق؛ في كثرة المدَّةِ وقوةِ العُدَّةِ، والاستمتاع في الدنيا، والاغترار بالانخراط في سِلْك الهوى.. ولكن لم تَدُمْ في الراحة مُدَّتُهم، ولم تُغْنِ عنهم يومَ الشِدَّةِ عُدَّتُهم، وعما قريبٍ يَلْحَقُ بِكُم ما لَحِقَ بالذين هم قبلكم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {إنما الصدقات} وهي صدقات مواهب الله كما قال الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا لله فيها صدقة على من يشاء من عبادة الفقراء وهم الأغنياء بالله الذين فنوا عنهم وبقوا به» {والمساكين} الذين لهم بقية أوصاف الوجود ألقوا سفينة القلب في بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا} [الكهف: 73] {والعاملين عليها} وهم أرباب الأعمال كما كان الفقراء والمساكين أرباب الأحوال {والمؤلفة قلوبهم} الذين تتألف قلوبهم بذكر الله: {وفي الرقاب} الذين يريدون أن يتخلصوا عن رق الموجودات تحر لعبودية موجدها. والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
{والغارمين} الذين استقرضوا من مراتب المكونات أوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون في الوجود فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص عن حبس الوجود {وفي سبيل الله} المجاهدين الجهاد الأكبر مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا {وابن السبيل} المسافرون عن أوصاف الطبيعة وعالم البشرية، السائرون إلى الله على أقدام الشريعة والطريقة {فريضة من الله} أوجبها على ذمة كرمه كما قال: «ألا من طلبني وجدني» {والله عليم} بطالبيه {حكيم} في معاونتهم بعد الطلب كقوله: «من تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا» {ويقولن هو أذن} رأوا محامده بنظر المذمة والعيب {قل أذن خير لكم} أي سامعيته خير لكم لأن له مقام السامعية يسمع ما يوحى إليه {يؤمن بالله} عيانًا {ويؤمن للمؤمنين} لأن فوائد إيمانه تعود إليهم كما إلى نفسه {ورحمة للذين آمنوا} لأنهم يهتدون بهداه {والذين يؤذون رسول الله} بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم {يحذر المنافقون} والحذر لا يغني عن القدر {إن نعف عن طائفة} إظهارًا للفضل والرأفة {نعذب طائفة} إظهار للقهر والعزة ولكن إظهار اللطف بلا سبب. وإظهار القهر لا يكون إلا بسبب أنهم كانوا مجرمين و{بعضهم من بعض} لأن أرواحهم كانت في صف واحد في الأزل فمعاملاتهم من نتائج خصوصيات أرواحهم {نسوا الله} ولو ذكروه قبل الإتيان بالمعاصي لم يفعلوا ما فعلوا، ولو ذكروه بعد الإتيان لاستغفروا فغفر لهم {هي حسبهم} لأنها نصيبهم في الأزل {كانوا أشد منكم قوة} بالاستعداد الفطري وضيعوها في الاستمتاع العاجل فخسروا رأس المال ولم يربحوا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (70):

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما قرر سبحانه بهذه الآية تشابههم في التمتع بالعاجل، وختمها بهذا الختام المؤذن بالانتقام، اتبع ذلك بتخويفهم من متشابهتهم فيما حل بطوائف منهم ملتفتًا إلى مقام الغيبة لأنه أوقع في الهيبة، فقال مقررًا لخسارتهم: {ألم يأتهم} أي هؤلاء الأخابث من أهل النفاق {نبأ الذين من قبلهم} أي خبرهم العظيم الذي هو جدير بالبحث عنه ليعمل بما يقتضيه حين عصوا رسلنا؛ ثم أبدل من ذلك قوله: {قوم نوح} أي في طول أعمارهم وامتداد آثارهم وطيب قرارهم بحسن التمتع في أرضهم وديارهم، أهلكهم بالطوفان، لم يبق عن عصاتهم إنسان، وعطف على قوم القبيلة فقال؛ {وعاد} أي في قوة أبدانهم وعظيم شأنهم ومصانعهم وبنيانهم وتجبرهم في عظيم سلطانهم، أهلكهم بالريح الصرصر، لم يبق ممن كفر منهم بشر {وثمود} أي في تمكنهم من بلاد الحجر عرضها وطولها، جبالها وسهولها، أهلكوا بالرجفة لم يبق من الكفار منهم ديار {وقوم إبراهيم} أي في ملك جميع الأرض بطولها والعرض، سلب الله منهم الملك بعد شديد الهلك {وأصحاب مدين} أي في جمع الأموال ومد الآمال إلى أخذها من حرام وحلال ونقص الميزان والمكيال فعمهم الله بالنكال {والمؤتفكات} أي في إعراضهم عن صيانة أعراضهم في اتباع لذائذ أغراضهم، فأثمر لهم فعلهم بعد الخسف عموم انقراضهم.
ولما كان كأنه قيل: ما نبأهم؟ قال: {أتتهم رسلهم} أي أتى كل أمة منهم رسولها {بالبينات} أي بالمعجزات الواضحات جدًا بسبب أنهم ارتكبوا من القبائح ما أوجب دمارهم {فما} أي فتسبب عن ذلك أنه {ما} {كان الله} أي مع ما له من صفات الكمال مريدًا {ليظلمهم} أي لأن يفعل بهم في الإهلاك قبل الإنذار وإنارة البينات فعل من تعدونه فيما بينكم ظالمًا، ولكنه أرسل إليهم الرسل فكذبوا ما أتوهم به من البينات، فصار العالم بحالهم إذا سمع بهلاكهم وبزوالهم يقول: ما ظلمهم الله: {ولكن كانوا} أي دائمًا في طول أعمارهم {أنفسهم} أي لاغيرها {يظلمون} أي بفعل ما يسبب هلاكها، فإن لم ترجعوا أنتم فنحن نحذركم مثل عذابهم، ولعله خص هؤلاء بالذكر من بين بقية الأمم لما عند العرب من أخبارهم وقرب ديارهم من ديارهم مع أنهم كانوا أكثر الأمم عددًا، وأنبياؤهم أعظم الأنبياء- نبه على ذلك أبو حيان.