فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ألم يعلموا} يعني هؤلاء المنافقين {أن الله يعلم سرهم} يعني ما تنطوي عليه صدورهم من النفاق {ونجواهم} يعني ويعلم ما يفاوض به بعضهم بعضًا فيما بينهم والنجوى هو الخفي من الكلام يكون بين القوم والمعنى أنهم يعلمون أن الله يعلم جميع أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها {وأن الله علام الغيوب} وهذا مبالغًا في العلم يعني أن الله عالم بجميع الأشياء فكيف تخفى عليه أحوالهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} أي المنافقون أو من عاهد الله وقرئ بالتاء الفوقانية خطابًا للمؤمنين فالهمزةُ على الأول للإنكار والتوبيخِ والتهديد أي ألم يعلموا {أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} أي ما أسرُّوا به في أنفسهم وما تناجَوا به فيما بينهم من المطاعن وتسميةِ الصدقةِ جزيةً وغيرِ ذلك مما لا خيرَ فيه، وسرُّ تقديمِ السر على النجوى سيظهر في قوله سبحانه: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} {وَأَنَّ الله علام الغيوب} فلا يخفى عليه شيءٌ من الأشياء حتى اجترأوا على ما اجترأوا عليه من العظائم، وإظهارُ اسمِ الجلالةِ في الموقعين لإلقاء الروعةِ وتربيةِ المهابةِ، وفي إيراد العلم المتعلّق بسرهم ونجواهم بصيغة الفِعلِ الدالِّ على الحدوث والتجدد، والعلمِ المتعلقِ بالغيوب الكثيرةِ الدائمةِ بصيغة الاسم الدالِّ على الدوام والمبالغة من الفخامة والجزالةِ ما لا يخفى وعلى الثاني لتقرير عِلمِ المؤمنين بذلك وتنبُّههم على أنه تعالى مؤاخِذُهم ومجازيهم بما علم من أعمالهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)}
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} أي المنافقون أو من عاهد الله تعالى، وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ بالتاء على أنه خطاب للمؤمنين، وقيل: للأولين على الالتفات ويأباه قوله تعالى: {إِنَّ الله سِرَّهُمْ ونجواهم} وجعله التفاتًا آخر تكلف، والمراد من السر على تقدير أن يكون الضمير المنافقين ما أسروه في أنفسهم من النفاق ومن النجوى ما يتناجون به من المطاعن، وعلى التقدير الآخر المراد من الأول العزم على الاخلاف ومن الثاني تسمية الزكاة جزية، وتقديم السر على النجوى لأن العلم به أعظم في الشاهد من العلم بها مع ما في تقديمه وتعليق العلم به من تعجيل إدخال الروعة أو السرور على اختلاف القراءتين وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ينفعك هنا أيضًا {وَأَنَّ الله علام الغيوب} فلا يخفى عليه سبحانه شيء من الأشياء.
والهمزة إما للإنكار والتوبيخ والتهديد أي ألم يعلموا ذلك حتى اجترأوا على ما اجترأوا عليه من العظائم أو للتقرير والتنبيه على أن الله سبحانه مؤاخذهم ومجازيهم بما علم من أعمالهم، واظهار الاسم الجليل لإلقاء الروعة وتربية المهابة أو لتعظيم أمر المؤاخذة والمجازاة، وفي إيراد العلم المتعلق بسرهم ونجواهم احلادثين شيئًا فشيئًا بصيغة الفعل الدال على الحدوث والتجدد والعلم المتعلق بالغيوب الكثيرة بصيغة الاسم الدال على الدوام والمبالغة من الفخامة والجزالة ما لا يخفى. اهـ.

.قال القاسمي:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ} أي: ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين {وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} أي: ما غاب عن العباد.
تنبيهات:
الأول: قال السيوطي في لباب النقول: أخرج الطبراني وابن مردويه وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن أبي أمامة، أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالًا.
قال: «ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه».
قال: والله لئن آتاني الله مالًا لأوتين كل ذي حق حقه. فدعا له، فاتخذ غنمًا، فنمت حتى ضاقت عليه أزقة المدينة، فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة، فتنحى بها، فكان يشهد الجمعة ثم يخرج إليها، ثم نمت، فتنحى بها، فترك الجمعة والجماعات، ثم أنزل الله على رسوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فاستعمل على الصدقات رجلين، وكتب لهما كتابًا، فأتيا ثعلبة، فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقا إلى الناس، فإذا فرغتم فمروا بي ففعلا، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، فانطلقا، فأنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} إلى قوله: {يَكْذِبُونَ} الحديث.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه، وفيه أنه جاء بعدُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته له: «إن الله منعني أن أقبل منك»، فجعل التراب على رأسه. فقال: «هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني»، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، وكذا عمر وعثمان، ثم إنه هلك في أيام عثمان.
قال الشهاب: مجيء ثعلبة وحثوه التراب، ليس للتوبة من نفاقه، بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين، وقوله صلوات الله عليه: هذا عملك، أي: جزاء عملك، وهو عدم إعطائه المصدقين، مع مقالته الشنعاء.
قال الحاكم: إن قيل: كيف لم تقبل صدقته وهو مكلف بالتصدق؟ أجيب:
بأنه يحتمل أن الله تعالى أمر بذلك، كيلا يجترئ الناس على نقض العهد، ومخالفة أمر الله تعالى، وردّ سعاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون لطفًا في ترك البخل والنفاق.
الثاني: قال بعض المفسرين من الزيدية: ثمرة الآية وسبب نزولها أحكام:
منها: أن الوفاء بالوعد واجب، إذا تعلق العهد بواجب، والعهد إن حمل على اليمين بالله، فذلك ظاهر، وإن حمل النذر، ففي ذلك تأكيد لما أوجب الله.
ومنها: أن للإمام أن يفعل مثل ذلك لمصلحةٍ، أي: يمتنع من أخذ الواجب إذا حصل له وجه شابه الوجهَ الذي حصل في قصة ثعلبة. انتهى.
الثالث: قال السيوطي في الإكليل: فيها أن إخلاف الوعد والكذب من خصال النفاق، فيكون الوفاء والصدق من شعب الإيمان.
وفيها المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه لقوله: {فَاَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا} واستدل به قوم على أن من حلف إن فعل كذا فلله علي كذا، أنه يلزمه.
وآخرون على أن مانع الزكاة يعاقب بترك أخذها منه، كما فعل بمن نزلت الآية فيه. انتهى.
الرابع: قال الرازي: ظاهر الآية يدل على أن نقض العهد، وخلف الوعد، يورث النفاق، فيجب على المسلم أن يبالغ في الإحتراز عنه، فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.
ومذهب الحسن البصري رحمه الله أنه يوجب النفاق لا محالة، وتمسك فيه بهذه الآية، وبقوله عليه السلام: «ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
الخامس: دل قوله تعالى: {إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} على أن ذلك المعاهد مات منافقًا.
قال الرازي: وهذا الخبر وقع مخبره مطابقًا له، فإنه روي أن ثعلبة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فقال: «إن الله تعالى منعني أن أقبل صدقتك». وبقي على تلك الحالة، وما قَبِلَ أحدٌ من الخلفاء رضي الله عنهم صدقته حتى مات، فكان إخبارًا عن غيب، فكان معجزًا.
السادس: الضمير في يلقونه للفظ الجلالة، والمراد باليوم يوم القيامة، وله نظائر كثيرة في التنزيل.
وأعرب بعض المفسرين حيث قال: الضمير في يلقونه إما لله، والمراد باليوم وقت الموت، أو للبخل والمراد يوم القيامة والمضاف محذوف، وهو الجزاء. انتهى.
واللقاء إذا أضيف إلى الكفار كان لقاءً مناسبًا لحالهم من وقوفهم للحساب مع حجبهم عنه تعالى، لأنهم ليسوا أهلًا لرؤيته، تقدس اسمه.
وإذا أضيف إلى المؤمنين، كما في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}، كان لُقْيًا مناسبًا لمقامهم من رؤيته تعالى، وذلك لما أفصحت عنه آيات أخر من حال الفريقين، مما يتنزل مثل ذلك عليها.
فمن وقف في بعض الآيات على لفظة، وأخذ يستنبط منها، ولم يراع من استعملت فيه، وأطلقت عليه، كان ذلك جمودًا وتعصبًا، لا أخذًا بيد الحق.
نقول ذلك ردًّا لقول الجبائي: إن اللقاء في هذه الآية لا يفيد رؤيته تعالى، للإجماع على أن الكفار لا يرونه تعالى، فلا يفيدها أيضًا في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}.
وللرازي معه مناقشة من طريق أخرى. وما ذكرناه أمتن. والله أعلم.
السابع: قال الرازي: السر ما ينطوي عليه صدورهم، والنجوى ما يفاوض فيه بعضهم بعضًا فيما بينهم، وهو مأخوذ من النجو، وهو الكلام الخفي، كأن المتناجييْن مَنَعَا إدخال غيرهما معهما، وتباعدا من غيرهما. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)}
استئناف لأجل التقرير.
والكلامُ تقرير للمخاطَب عنهم لأنّ كونهم عالمين بذلك معروف لدى كلّ سامع.
والسر ما يخفيه المرء من كلام وما يضمر في نفسه فلا يُطلع عليه الناس وتقدم في قوله: {سرًا وعلانية} في سورة البقرة (274).
والنجوى: المحادثة بخفاء أي يعلم ما يضمرونه في أنفسهم وما يتحادثون به حديثَ سر لئلا يطلع عليه غيرهم.
وإنّما عطفت النجوى على السرّ مع أنّه أعمّ منها لينبئهم باطّلاعه على ما يتناجَون به من الكيد والطعن.
ثم عَمّم ذلك بقوله: {وأن الله علام الغيوب} أي قوي علمُه لجميع الغيوب.
والغيوب: جمع غيب وهو ما خفي وغاب عن العيان.
وتقدّم قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} في سورة البقرة (3). اهـ.