فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

والهدى المذكور هنا: الكتب المنزلة، أو الرسل، أوالبيان، أو القدرة على الطاعة، أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقوال. اهـ.

.قال الفخر:

.فائدة: معاني الهدى:

في الهدى وجوه:
أحدها: المراد منه كل دلالة وبيان فيدخل فيه دليل العقل وكل كلام ينزل على نبي، وفيه تنبيه على عظم نعمة الله تعالى على آدم وحواء فكأنه قال: وإن أهبطتكم من الجنة إلى الأرض فقد أنعمت عليكم بما يؤديكم مرة أخرى إلى الجنة مع الدوام الذي لا ينقطع.
قال الحسن: لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض أوحى الله تعالى إليه يا آدم أربع خصال فيها كل الأمر لك ولولدك.
واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبين الناس، أما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي لك فإذا عملت نلت أجرتك، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فإن تصحبهم بما تحب أن يصحبوك به.
وثانيها: ما روي عن أبي العالية أن المراد من الهدي الأنبياء وهذا إنما يتم لو كان المخاطب بقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} غير آدم وهم ذريته وبالجملة فهذا التأويل يوجب تخصيص المخاطبين بذرية آدم وتخصيص الهدي بنوع معين وهو الأنبياء من غير دليل دل على هذا التخصيص. اهـ.

.فصل: حال من اتبع الهدى وحال من خالفه:

قال الفخر:
إنه تعالى بين أن من اتبع هداه بحقه علمًا وعملًا بالإقدام على ما يلزم والاحجام عما يحرم فإنه يصير إلى حال لا خوف فيها ولا حزن، وهذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئًا كثيرًا من المعاني لأن قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} [البقرة: 38] [طه: 123] دخل فيه الإنعام بجميع الأدلة العقلية والشرعية وزيادات البيان وجميع ما لا يتم ذلك إلا به من العقل ووجوه التمكن، وجميع قوله: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة: 38] تأمل الأدلة بحقها والنظر فيها واستنتاج المعارف منها والعمل بها ويجمع ذلك كل التكاليف وجمع قوله: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] جميع ما أعد الله تعالى لأولياءه لأن زوال الخوف يتضمن السلامة من جميع الآفات وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللذات والمرادات وقدم عدم الخوف على عدم الحزن لأن زوال ما لا ينبغي مقدم على طلب ما ينبغي، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف في القبر ولا عند البعث ولا عند حضور الموقف ولا عند تطاير الكتب ولا عند نصب الموازين ولا عند الصراط كما قال الله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر وتتلقاهم الملئكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] وقال قوم من المتكلمين: إن أهوال القيامة كما تصل إلى الكفار والفساق تصل أيضًا إلى المؤمنين لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وأيضًا فإذا انكشفت تلك الأهوال وصاروا إلى الجنة ورضوان الله صار ما تقدم كأن لم يمكن، بل ربما كان زائدًا في الالتذاذ بما يجده من النعيم وهذا ضعيف لأن قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} أخص من قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} والخاص مقدم على العام.
وقال ابن زيد: لا خوف عليهم أمامهم فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت، فأمنهم الله تعالى منه.
ثم سلاهم عن الدنيا فقال: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا فإن قيل قوله: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يقتضي نفي الخوف والحزن مطلقًا في الدنيا والآخرة وليس الأمر كذلك لأنهما حصلا في الدنيا للمؤمنين أكثر من حصولهما لغير المؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» وأيضًا فالمؤمن لا يمكنه القطع أنه أتى بالعبادات كما ينبغي فخوف التقصير حاصل وأيضًا فخوف سوء العاقبة حاصل، قلنا قرائن الكلام تدل على أن المراد نفيهما في الآخرة لا في الدنيا.
ولذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا حين دخلوا الجنة: {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 43] أي أذهب عنا ما كنا فيه من الخوف والإشفاق في الدنيا من أن تفوتنا كرامة الله تعالى التي نلناها الآن. اهـ.
قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الخوف هو الذعر ولا يكون إلا في المستقبل.
وخاوفني فلان فَخُفْتُه؛ أي كنت أشدّ خوفًا منه.
والتخوُّف: التنقّص؛ ومنه قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} [النحل: 47].
وقرأ الزُّهْرِيّ والحسن وعيسى بن عمرو ابن أبي إسحاق ويعقوب: {فلا خوف} بفتح الفاء على التبرئة.
والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين على الابتداء؛ لأن الثاني معرفة لا يكون فيه إلا الرفع؛ لأن لا لا تعمل في معرفة، فاختاروا في الأوّل الرفع أيضًا ليكون الكلام من وجه واحد.
ويجوز أن تكون لا في قولك: فلا خوف؛ بمعنى ليس.
والحُزْن والحَزَن: ضدّ السرور، ولا يكون إلا على ماض.
وحَزِن الرجل بالكسر فهو حزِن وحزين؛ وأحزنه غيره وحَزَنه أيضًا، مثل أسلكه وسلكه؛ ومحزون بُنِيَ عليه.
قال اليزيدي: حزنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم؛ وقد قرئ بهما.
واحتزن وتحزّن بمعنىً.
والمعنى في الآية: فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
وقيل: ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة إلا أنه يخففه عن المطيعين، وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا. والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

وفي قوله: {فمن تبع هداي} تنزيل الهدى منزلة الإمام المتبع المقتدى به، فتكون حركات التابع وسكناته موافقة لمتبوعه، وهو الهدى، فحينئذ يذهب عنه الخوف والحزن.
وفي إضافة الهدى إليه من تعظيم الهدى ما لا يكون فيه لو كان معزّفًا بالألف واللام، وإن كان سبيل مثل هذا أن يعود بالألف واللام نحو قوله: {إلى فرعون رسولًا فعصى فرعون الرسول} والإضافة تؤدي معنى الألف واللام من التعريف، ويزيد على ذلك بمزية التعظيم والتشريف. اهـ.

.قال الفخر:

قال القاضي: قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يدل على أمور:
أحدها: أن الهدى قد يثبت ولا اهتداء فلذلك قال: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ}.
وثانيها: بطلان القول بأن المعارف ضرورية.
وثالثها: أن باتباع الهدى تستحق الجنة.
ورابعها: إبطال التقليد لأن المقلد لا يكون متبعًا للهدى. اهـ.

.قال أبو حيان:

وحكى عن المفسرين في تفسير هذه الجملة أقوال: أحدها: لا خوف عليهم فيما يستقبلون من العذاب ولا يحزنون عند الموت.
الثاني: لا يتوقعون مكروهًا في المستقبل، ولا هم يحزنون لفوات المرغوب في الماضي والحال.
الثالث: لا خوف عليهم فيما يستقبلهم، ولا هم يحزنون فيما خلفه.
الرابع: لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
الخامس: لا خوف عليهم من عقاب، ولا هم يحزنون على فوات ثواب.
السادس: إن الخوف استشعار غم لفقد مطلوب، والحزن استشعار غم لفوات محبوب.
السابع: لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الدنيا، ولا هم يحزنون على ما فاتهم منها.
الثامن: لا خوف عليهم يوم القيامة، ولا هم يحزنون فيها.
التاسع: أنه أشار إلى أنه يدخلهم الجنة التي هي دار السرور والأمن، لا خوف عليهم فيها ولا حزن.
العاشر: ما قاله ابن زيد: لا خوف عليهم أمامهم، فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت، فأمنهم الله منه، ثم سلاهم عن الدنيا، ولا هم يحزنون على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا.
الحادي عشر: لا خوف حين أطبقت النار، ولا حزن حين ذبح الموت في صورة كبش على الصراط، فقيل لأهل الجنة والنار: خلود لا موت.
الثاني عشر: لا خوف ولا حزن على الدوام.
وهذه الأقوال كلها متقاربة، وظاهر الآية عموم نفي الخوف والحزن عنهم، لكن يخص بما بعد الدنيا، لأنه في دار الدنيا قد يلحق المؤمن الخوف والحزن، فلا يمكن حمل الآية على ظاهرها من العموم لذلك. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا} كرر للتأكيد، أو لاختلاف المقصود فإن الأول دل على أن هبوطهم إلى دار بلية يتعادون فيها ولا يخلدون، والثاني أشعر بأنهم أهبطوا للتكليف، فمن اهتدى الهدى نجا ومن ضله هلك، والتنبيه على أن مخافة الإهباط المقترن بأحد هذين الأمرين وحدها كافية للحازم أن تعوقه عن مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى، فكيف بالمقترن بهما، ولكنه نسي ولم نجد له عزمًا، وأن كل واحد منهما كفى به نكالًا لمن أراد أن يذكر. وقيل الأول من الجنة إلى السماء الدنيا، والثاني منها إلى الأرض وهو كما ترى. و{جَمِيعًا} حال في اللفظ تأكيد في المعنى كأنه قيل: اهبطوا أنتم أجمعون، ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط في زمان واحد كقولك: جاؤوا جميعًا {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول، وما مزيدة أكدت به إن ولذلك حسن تأكيد الفعل بالنون وإن لم يكن فيه معنى الطلب، والمعنى: إن يأتينكم مني هدى بإنزال أو إرسال، فمن تبعه منكم نجا وفاز، وإنما جيء بحرف الشك، وإتيان الهدى كائن لا محالة لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلًا، وكرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول، وهو ما أتى به الرسل واقتضاه العقل، أي: فمن تبع ما أتاه مراعيًا فيه ما يشهد به العقل فلا خوف عليهم فضلًا عن أن يحل بهم مكروه، ولا هم يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه، فالخوف على المتوقع والحزن على الواقع نفى عنهم العقاب وأثبت لهم الثواب على آكد وجه وأبلغه. وقرئ هدى على لغة هذيل ولا خوف بالفتح. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا} كرر للتأكيد، فالفصل لكمال الاتصال والفاء في {فَتَلَقَّى} [البقرة: 7 3] للاعتراض، إذ لا يجوز تقدم المعطوف عبى التأكيد، وفائدته الإشارة إلى مزيد الاهتمام بشأن التوبة وأنه يجب المبادرة إليها ولا يمهل فإنه ذنب آخر مع ما في ذلك من إظهار الرغبة بصلاح حاله عليه السلام وفراغ باله، وإزالة ما عسى يتشبث به الملائكة عليهم السلام، وقد فضل عليهم وأمروا بالسجود له، أو كرر ليتعلق عليه معنى آخر غير الأول، إذ ذكر إهباطهم أولًا: للتعادي وعدم الخلود، والأمر فيه تكويني.
وثانيًا: ليهتدي من يهتدي، ويضل من يضل، والأمر فيه تكليفي، ويسمى هذا الأسلوب في البديع الترديد فالفصل حينئذ للانقطاع لتباين الغرضين، وقيل: إن إنزال القصص للاعتبار بأحوال السابقين، ففي تكرير الأمر تنبيه على أن الخوف الحاصل من تصور إهباط آدم عليه السلام المقترن بأحد هذين الأمرين من التعادي والتكليف كاف لمن له حزم، وخلا عن عذر أن تعوقه عن مخالفة حكمه تعالى، فكيف المخالفة الحاصلة من تصور الإهباط المقترن بهما؟؟ فلو لم يعد الأمر لعطف {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} على الأول: فلا يفهم إلا إهباط مترتب عليه جميع هذه الأمور، ويحتمل على بعد أن تكون فائدة التكرار التنبيه على أنه تعالى هو الذي أراد ذلك، ولولا إرادته لما كان ما كان؛ ولذلك أسند الإهباط إلى نفسه مجردًا عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان، فهو قريب من قوله عز شأنه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} [الأنفال: 7 1] وقال الجبائي: إن الأول: من الجنة إلى السماء.
والثاني: منها إلى الأرض، ويضعفه ذكر {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} [البقرة: 6 3] عقيب الأول و{جَمِيعًا} حال من فاعل {اهبطوا} أي مجتمعين، سواء كان في زمان واحد أو لا، وقد يفهم الاتحاد في الزمان من سياق الكلام، كما قيل به في {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] وأبعد ابن عطية فجعله تأكيدًا لمصدر محذوف أي هبوطًا جميعًا.
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
لا يدخل في الخطاب غير المكلف، وأدرج الكثيرون إبليس لأنه مخاطب بالإيمان والفار لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الأمر وأما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة للتأكيد، وكثر تأكيد الفعل بعدها بالنون، ولم يجب كما يدل عليه قول سيبويه: إن شئت لم تقحم النون، كما أنك إن شئت لم تجيء بما وقد ورد ذلك في قوله:
يا صاح أما تجدني غير ذي جدة ** فما التخلي عن الخلان من شيمي

وقوله:
إما أقمت وإما كنت مرتحلا ** فالله يحفظ ما تبقي وما تذر

وحمل ذلك من قال بالوجوب على الضرورة وهو مما لا ضرورة إليه، والقول بأنه يلزم حينئذ مزية التابع الذي هو حرف الشرط على المتبوع وهو الفعل يدفعه أن التابع ومؤكده تابع فلا مزية، أو أن ما لتأكيد الفعل في أوله كما أن النون إذا كانت تأكيدًا له في آخره وجيء بحرف الشك إذ لا قطع بالوقوع فإنه تعالى لا يجب عليه شيء بل إن شاء هدى وإن شاء ترك، وقيل: بالقطع واستعمال إن في مقامه لا يخلو عن نكتة كتنزيل العالم منزلة غيره بعدم جريه على موجب العلم، ويحسنه سبق ما سيق وقوعه من آدم، وقيل: إن زيادة ما والتوكيد بالثقيلة لا يتقاعد في إفادة القطع عن إذا، نعم لا ينظر فيه إلى الزمان بل إلى أنه محقق الوقوع أبهم وقته، وأنت تعلم أن ما اخترناه أسلم وأبعد عن التلكف مما ذكر وإن جل قائله فتدبر و{مِنّي} متعلق بما قبله، وفيه شبه الالتفات كما في البحر وأتي بالضمير الخاص هنا للرمز إلى أن اللائق بمن هدى التوحيد الصرف وعدم الالتفات إلى الكثرة، ونكر الهدى لأن المقصود هو المطلق ولم يسبق فيه عهد فيعرف، وفي المراد به هنا أقوال، فقيل الكتب المنزلة، وقيل: الرسل، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم.
ولعل المراد هديه الذي جاء به نوابه عليهم الصلاة والسلام، والفاء في {فَمَنْ} للربط وما بعد جملة شرطية وقعت جوابًا للشرط الأول على حدّ إن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك وقال السجاوندي: جوابه محذوف أي فاتبعوه، واختار أبو حيان كون من هذه موصولة لما في المقابل من الموصول، ودخلت الفاء في خبرها لتضمنها معنى الشرط، ووضع المظهر موضع المضمر في هداي إشارة للعلية لأن الهدى بالنظر إلى ذاته واجب الاتباع، وبالنظر إلى أنه أضيف إليه تعالى إضافة تشريف أحرى وأحق أن يتبع، وقيل: لم يأت به ضميرًا لأنه أعم من الأول لشموله لما يحصل بالاستدلال والعقل، ولم يقل الهدى لئلا تتبادر العينية أيضًا لأن النكرة في الغالب إذا أعيدت معرفة كانت عين الأول مع ما في الإضافة إلى نفسه تعالى من التعظيم ما لا يكون لو أتى به معرفًا باللام، والخوف الفزع في المستقبل، والحزن ضد السرور مأخوذ من الحزن وهو ما غلظ من الأرض فكأنه ما غلط من الهمّ، ولا يكون إلا في الأمر الماضي على المشهور، ويؤل حينئذ نحو {إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} [يوسف: 3 1] بعلم ذلك الواقع، وقيل: إنه والخوف كلاهما في المستقبل لكن الخوف استشعارهم لفقد مطلوب، والحزن استشعار غم لفوت محبوب، وجعل هنا نفي الخوف كناية عن نفي العقاب، ونفي الحزن كناية عن نفي الثواب وهي أبلغ من الصريح وآكد لأنها كدعوى الشيء ببينة، والمعنى لا خوف عليهم فضلًا عن أن يحل بهم مكروه، ولا هم يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه، فالمنفي عن الأولياء خوف حلول المكروه والحزن في الآخرة، وفيه إشارة إلى أنه يدخلهم الجنة التي هي دار السرور والأمن لا خوف فيها ولا حزن، وحينئذ يظهر التقابل بين الصنفين في الآيتين.
وقال بعض الكبراء: خوف المكروه منفي عنهم مطلقا.
وأما خوف الجلال ففي غاية الكمال والمخلصون على خطر عظيم، وقيل: المعنى لا خوف عليهم من الضلال في الدنيا، ولا حزن من الشقاوة في العقبى، وقدم انتفاء الخوف لأن انتفاء الخوف فيما هو آت أكثر من انتفاء الحزن على ما فات.
ولهذا صدر بالنكرة التي هي أدخل في النفي، وقدم الضمير إشارة إلى اختصاصهم بانتفاء الحزن وأن غيرهم يحزن.
والمراد بيان دوام الانتفاء لا بيان انتفاء الدوام كما يتوهم من كون الخبر في الجملة الثانية مضارعًا لما تقرر في محله أن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام، وذكر بعض الناس أن العدول عن لا خوف لهم أو عندهم إلى لا خوف عليهم للإشارة إلى أنهم قد بلغت حالهم إلى حيث لا ينبغي أن يخاف أحد عليهم.
وفي البحر أنه سبحانه كنى بعليهم عن الاستيلاء والإحاطة إشارة إلى أن الخوف لا ينتفي بالكلية ألا ترى انصراف النفي على كونية الخوف عليهم، ولا يلزم من نفي كونية استيلاء الخوف انتفاؤه في كل حال، فلا دليل في الآية على نفي أهوال القيامة وخوفها عن المطيعين، وأنت تعلم أن فيما أشرنا إليه كناية غنية عن مثله وكذا عما قيل إن نفس الاستيلاء للتعريض بالكفار، والإشارة إلى أن الخوف مستول عليهم.
هذا وقرأ الأعرج {هُدَايَ} بسكون الياء، وفيه الجمع بين ساكنين وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف.
وقرأ الجحدري وغيره {هُدًى} بقلب الألف ياء وإدغامها في الياء على لغة هذيل.
وقرأ الزهري وغيره {فَلاَ خَوْفٌ} بالفتح، وابن محيصن باختلاف عنه بالرفع من غير تنوين، وكأنه حذف لنية الإضافة، أو لكثرة الاستعمال، أو لملاحظة اللام في الاسم على ما في البحر ليحصل التعادل في كون لا دخلت على المعرفة في كِلاَ الجملتين هو على قراءة الجمهور مبتدأ، و{عَلَيْهِمْ} خبره أو أن {لا} عاملة عمل ليس كما قال ابن عطية والأول أولى. اهـ.