فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم. فحلفوا ما قالوا شيئًا من ذلك فأنزل الله تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} وعن قتادة أن رجلين اقتتلا رجل من جهينة ورجل من غفار فظهر الغفاري على الجهني فنادى عبد الله بن أبيّ يا بني الأوس انصروا أخاكم فوالله ما مثلنا محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8] فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فجعل يحلف بالله ما قال فنزلت الآية. ومعنى قوله: {وكفروا بعد إسلامهم} أنهم أظهروا الكفر بعدما كانوا يظهرون الإسلام. أما قوله: {وهموا بما لم ينالوا} فهو الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم عند مرجعه من تبوك، وذلك أنه توافق خمسة عشر رجلًا منهم على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، وكان عمار بن ياسر أخذ بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبيناهم كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلام فالتفت فإذا هم قوم متلثمون فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا. وقيل: همّ المنافقون بقتل عامر بن قيس لرده على الجلاس بن سويد وقد مر في تفسير قوله: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم} [التوبة: 62] وقيل: أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما نقموا} وما أنكروا وما عابوا {إلا أن أغناهم} كقول القائل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فظفروا بالغنائم وجمعوا الأموال. وروي أنه قُتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثني عشر ألفًا فاستغنى، ثم استعطف قلوبهم بعد صدور هذه الجنايات العظيمة عنهم فقال: {فإن يتوبوا يك} يعني ذلك الرجوع {خيرًا لهم} وكان الجلاس ممن تاب فحسنت توبته {وإن يتولوا} يعرضوا عن التوبة {يعذبهم الله عذابًا أليمًا في الدنيا} بالقتل والسبي واغتنام الأموال. وقيل: بما ينالهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب. وقيل: في القبر وأما عذاب الآخرة فمعلوم {وما لهم في الأرض} يحتمل أرض الدنيا وأرض القيامة.
ثم بين أن هؤلاء كما ينافقون الرسول والمؤمنين فكذلك ينافقون ربهم فيما يعاهدونه عليه فقال: {ومنهم من عاهد الله} يروى عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالًا فقال: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. ثم قال مرة أخرى فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال فضة وذهبًا لسارت. فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالًا لأويتن كل ذي حق حقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالًا. فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديًا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما.
ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثًا وأنزل الله عز وجل: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلًا من جهينة ورجلًا من بني سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة وقال لهما. مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما. فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية ما أدري ما هذا، انطلقًا حتى تفرغا ثم تعودان إليّ. فانطلقا وأخبرا السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها فلما رأوها قالوا: ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذ هذا منك.
قال: بلى خذوه فإن نفسي بها طيبة. فأخذوها منه ثم رجعا على ثعلبة فقال: أروني كتابكما ثم قال: ما هذه إلا أخت الجزية، انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة ثم نزلت الآية وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فخرج إليه وقال: يا ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك. فجعل يحثوا التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني. فلما أبى أن يقبل منه شيئًا رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئًا، ثم أتى أبا بكر حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصاري فاقبل صدقتي. فقال: لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها؟ فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها، ثم جاء بها إلى عمر في خلافته فلم يقبلها في خلافة عثمان ولم يقبل صدقته واحد من الخلفاء اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقول وما ذاك إلا بشؤم اللجاج أولًا وآخرًا.
قال بعض العلماء: المعاهدة أعم من أن تكون باللسان أو بالقلب. وقال المحققون. إنه لابد من التلفظ بها لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به نفوسهم ولم يتلفظوا به» ولأن قوله عز من قائل: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن} ظاهره مشعر بالقول اللساني.
والمراد بالفضل إيتاء المال بطريق التجارة أو الاستغنام ونحوهما. وأصل {لنصدقن} لنتصدقن أدغمت التاء في الصاد. والمصدق المعطي لا السائل كقوله تعالى: {وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين} [يوسف: 88] ومعنى قوله: {ولنكونن من الصالحين} عن ابن عباس أنه أراد الحج. ولعل المراد إخراج كل ما يجب إخراجه إذ لا دليل على التقييد. ثم وصفهم بصفات ثلاث فقال: {فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} فالبخل عبارة عن منع الحق الشرعي، والتولي نقض العهد، والإعراض أراد به الإحجام عن تكاليف الله وأن ذلك منهم عادة معتادة، ولترتب هذا الذم عل أمنع الصدقة ولإطلاق لفظة البخل عليه وهو في عرف الشرع عبارة عن منع الواجب. ذكر العلماء أن الصدقة الملتزمة في قوله: {لنصدقن} هي الصدقة الواجبة. وأن الرجل قد عاهد ربه أن يقول بما يلزمه من الإنفاقات الواجبة. إن وسع الله عليه دون ما يلتزنه الإنسان بالنذر من المندوبات إذ لا دليل في الآية على ذلك مع أن سبب النزول يأباه. فإن قيل: الزكاة لا تلزم بسبب الالتزام وإنما تلزم بسبب ملك النصاب وحلول الحول. قلنا إن قوله: {لنصدقن} لا دليل فيه على الفور بل المراد لنصدقن في وقته الذي يليق به. وفي الآية دلالة على أن الرجل حين عاهد بهذا العهد كان مسلمًا ثم إنه لما بخل بالمال ولم يف بالعهد صار منافقًا ويؤكده قوله سبحانه: {فاعقبهم نفاقًا} عن الحسن وقتادة أن أعقب مسند إلى ضمير البخل أي أورثهم البخل نفاقًا متمنكًا في قلوبهم لأنه كان سببًا فيه وباعثًا عليه، وكذا التأويل إن جعل عائدًا إلى التولي أو الإعراض. وضعت بأن حاصل هذه الأمور كونه تاركا لأداء الواجب وذلك لا يمكن جعله مؤثرًا في حصول النفاق في القلب لأن ترك الواجب عدم والنفاق جهل وكفر وهو أمر وجودي والعدم لا يؤثر في الوجود، ولأن هذه الترك قد يوجد في حق كثير من الفساق مع أنه لا يحصل معه النفاق، ولأنه لو أوجب حصول الكفر في القلب لأوجبه سواء كان الترك جائزًا شرعًا أو محرمًا فسبب اختلافات الأحكام الشرعية لا يخرج السبب عن كونه مؤثرًا، ولأن البخل أو التولي أو الإعراض هو بعينه خلاف ما وعدوا الله به فيصير تقدير الآية إن التولي أوجب النفاق بسبب التولي وهذا كلام كما ترى فلم يبق إلا أن يسند الفعل إلى الله تعالى فيكون فيه دليل على أن خالق الكفر في القلوب هو الله، ومن هنا قال الزجاج: معناه أنهم لما ضلوا في الماضي فالله تعالى يضلهم عن الدين في المستقبل ومما يؤكد القول بأن الضمير في {أعقب} لله أن الضمير في قوله: {إلى يوم يلقونه} عائد إلى الله. وللمعتزلة أن يقولوا: النفاق وإن سلم أنه وجودي لكنه أمر شرعي ولا يبعد جعل شيء عدمي أمارة عليه.
وأيضًا الترك المقرون بالتولي والإعراض لا نسلم أنه لا يحصل معه النفاق، ولا يلزم من كون الترك المحرم موجبًا للكفر بجعل الشارع كون الترك الجائز كذلك، ولا نسلم أن البخل هو بعينه إخلاف الوعد والكذب بل قد يقع البخل من غير سبق وعد. سلمنا عود الضمير إلى الله لكن من أين يلزم كونه خالقًا للكفر والنفاق، ولم لا يجوز أن يراد فأعقبهم الله العقوبة على النفاق بإحداث الغم في قلوبهم وضيق الصدور ما ينالهم من الذل والخوف، أو يراد فخذلهم حتى نافقوا وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا؟ ولأهل السنة أن يقولوا هذا عدول عن الظاهر مع أن الدلائل الدالة على وجوب انتهاء الكل إلى مشيئة الله وتقديره تعضد ما قلناه.
قال العلماء: ظاهر الآية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق، فعلى المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه. ومذهب الحسن البصري أن نقض العهد يوجب النفاق لا محالة تمسكًا بهذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» وقال عطاء بن أبي رباح: حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذكر قوله: «ثلاث من كن فيه فهو منافق» في المنافقين خاصة الذين حدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبوه واؤتمنوا على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه إلى الغزو فأخلفوه. ونقل أن عمرو بن عبيد فسر الحديث فقال: إذا حدث عن الله كذب عليه وعلى دينه ورسوله، وإذا وعد أخلف كما ذكره الله فيمن عاهده، وإذا أؤتمن على دين الله خان في السر وكان قلبه على خلاف لسانه. ونقل أن واصل بن عطاء أرسل إلى الحسن رجلًا فقال: إن أولاد يعقوب حدثوه في قولهم: {فأكله الذئب} [يوسف: 17] فكذبوا، ووعدوه في قولهم: {وإنّا له لحافظون} [يوسف: 12] فأخلفوا وائتمنهم أبوهم على يوسف فخانوه، فهل تحكم بكونهم منافقين؟ فتوقف الحسن في مذهبه.
قال أهل التفسير: قوله: {إلى يوم يلقونه} دل على أن ذلك المعاهد يموت على ذلك وكان كما أخبر فيكون إخبارًا بالغيب ومعجزًا.
قال الجبائي: هذا اللقاء لا شك أنه ليس بمعنى الرؤية لأن الكفار لا يرونه بالاتفاق فدل على أن اللقاء في القرآن ليس بمعنى الرؤية، وضعف بأنه لا يلزم من عدم كون هذا اللقاء بمعنى الرؤية كون كل لقاء ورد في القرآن كذلك كقوله: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46].
ثم وبخهم على التجاهل أو عدم العلم بعلم الله وإحاطته بضمائرهم وتناجيهم فقال: {ألم يعلموا} الآية.
والسر ما ينطوي عليه الصدر، والنجوى ما يكون بين اثنين وأكثر مع الإخفاء عن غيرهم. والترتيب يدل على التخليص كما مر في الإنجاء كان المتناجيين تخلصا عن غيرهما ومنه {خلصوا نجيًا} [يوسف: 80] ومعنى الآية كيف تتجرؤون على النفاق الذي الأصل فيه الاستسرار والتناجي فيما بينهم مع أنه تعالى يعلم ذلك من حالهم كما يعلم الظاهر ويعاقب عليه كما يعاقب على الظاهر لأنه العالم بجميع المعلومات على أي وجه يفرض؟! عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم ذات يوم وحثهم على أن يجمعوا الصدقات، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله وأمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى إنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله فهما مائة وستين ألف درهم. وقيل؛ صولحت إحداهما على ثمانين ألفًا. وتصدق يومئذ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال: أجرت الليلة الماضية نفسي من رجل لإرسال الماء إلى نخيله فأخذت صاعين من تمر، أمسكت أحدهما لعيالي وأقرضت الآخر لربي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعه في الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلاَّ رياء وسمعة، وأما أبو عقيل فإنه جاء بصاعه ليذكر مع سائر الأكابر والله غني عن صاعه فأنزل الله سبحانه: {الذين يلمزون المطوعين} أي المتطوعين فأدغمت. والتطوع التنفل وهو الطاعة لله بما ليس بواجب. والجهد بالضم والفتح شيء قليل يعيش به المقل، قاله الليث. وقال الفراء: الضم لغة أهل الحجاز والفتح لغيرهم. وفرق ابن السكيت بينهما فقال: الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة. وقال الشعبي: الأول في العمل والثاني في القوة {سخر الله منهم} خير لا دعاء كقوله: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] وقد عرفت أن هذا من قبيل المشاكلة، أو المراد منه لازم السخرية وهو إيقاع الذل والهوان بهم. وقال الأصم: المراد أنه تعالى يكلفهم إنفاق المال مع أنه لا يثيبهم عليه، وإنما توجه الذم على المنافقين في هذا اللمز لأن الحكم بالرياء لمن يعطي الكثير كعبد الرحمن بن عوف وعاصم حكم على بواطن الأمور وذلك أمر استأثر الله به ورسوله. وأيضًا لمز الفقير على جهد المقل سفه لأنه لما لم يقدر إلا عليه فقد بذل كل ما له فعلم منه غالبًا أنه إن قدر على أكثر من ذلك لم يكن منه منع، وسعي الإنسان في أن يضم نفسه إلى أهل الخير والدين خير له من أن يضم نفسه إلى أهل الكسل والبطالة، ولو لم تكن فيه إلا الثقة بالله والدخول في زمرة من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة لكفى به منقبة وفضلًا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}
اللام الأولى، وهي {لَئِنْ آتانا} الله: {مِن فَضْلِهِ} لام القسم، واللام الثانية، وهي {لَنَصَّدَّقَنَّ} لام الجواب للقسم والشرط.
ومعنى: {لَنَصَّدَّقَنَّ} لنخرج الصدقة، وهي أعمّ من المفروضة وغيرها {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين} أي: من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدّين التاركين لمحرّماته {فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} أي: لما أعطاهم ما طلبوا من الرزق بخلوا به: أي بما آتاهم من فضله، فلم يتصدّقوا بشيء منه كما حلفوا به {وَتَوَلَّواْ} أي: أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله، والحال أنهم {مُّعْرِضُونَ} في جميع الأوقات قبل أن يعطيهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده.