فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمعنى أنهم اعتذروا بالكذب.
قال الجوهري: وكان ابن عباس يقول: لعن الله المعذِّرين.
كأن الأمر عنده أن المعذّر بالتشديد هو المظهر للعذر، اعتلالًا من غير حقيقة له في العذر.
النحاس: قال أبو العباس محمد بن يزيد ولا يجوز أن يكون الأصل فيه المعتذرين، ولا يجوز الإدغام فيقع اللبس.
ذكر إسماعيل بن إسحاق أن الإدغام مجتنَب على قول الخليل وسيبويه، بعد أن سياق الكلام يدل على أنهم مذمومون لا عذر لهم، قال: لأنهم جاءوا ليؤذن لهم، ولو كانوا من الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا أن يستأذنوا.
قال النحاس: وأصل المعذرة والإعذار والتعذير من شيء واحد وهو مما يصعب ويتعذر.
وقول العرب: مَن عَذِيري من فلان، معناه قد أتى أمرًا عظيمًا يستحقّ أن أُعاقبه عليه ولم يعلم الناس به؛ فمن يَعذِرُني إن عاقبته.
فعلى قراءة التخفيف قال ابن عباس: هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: هم رهط عامر بن الطُّفَيل قالوا: يا رسول الله، لو غزونا معك أغارت أعراب طَيء على حلائلنا وأولادنا ومواشينا؛ فعذرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وعلى قراءة التشديد في القول الثاني، هم قوم من غِفَار اعتذروا فلم يعذِرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أنهم غير محقِّين، والله أعلم.
وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أخبر الله تعالى عنهم فقال: {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} والمراد بكذبهم قولهم: إنا مؤمنون.
و{لِيُؤْذَنَ} نصب بلام كَيْ. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم} يعني وجاء المعتذرون من أعراب البوادي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه في التخلف عن الغزو معه.
قال الضحاك: هم رهط عامر بن الطفيل جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معتذرين إليه دفاعًا عن أنفسهم فقالوا يا نبي الله إن نحن غزونا معك تغير أعراب طيئ على حلائلنا وأولادنا ومواشينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنبأني الله من أخباركم وسيغنى الله عنكم».
وقيل: هم نفر من بن غفار رهط خفاف بن إيماء بن رحضة.
وقيل: هم من أسد وغطفان.
وقال ابن عباس هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء المعذرون: أي المقصرون.
يعني: أنهم قصروا ولم يبالغوا فيما اعتذروا به والمعذر من يرى أن له عذرًا ولا عذر له.
إن الأصل في هذا اللفظ عند النحاة المعتذرون أدغمت التاء في الذال لقرب مخرجيهما والاعتذار في كلام العرب على قسمين يقال اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى: {يعتذرون إليكم} فرد الله عليهم بقوله: {قل لا تعتذروا} فدل ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه ويقال اعتذر إذا أتى بعذر صحيح ومنه قول لبيد:
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر

يعني فقد جاء بعذر صحيح.
وقيل: هو من التعذير الذي هو التقصير.
يقال: عذر تعذيرًا إذا قصروا ولم يبالغ فعلى هذا المعنى، يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين ومن المفسيرين من قال: إنهم كانوا صادقين، بدليل أنه تعالى لما ذكرهم قال بعده {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} فلما فصل بينهم وميزهم عن الكاذبين دلَّ ذلك على أنهم ليسوا كاذبين ويروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قيل له هذا الكلام، قال: إن قومًا تكلفوا عذرًا بباطل فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله وجاء المعذورن وتخلف آخرون لا لعذر ولا لشبهة عذر جرأة على الله تعالى فهم المراد بقوله وقعد الذين كذبوا الله ورسوله وهم منافقو الأعراب الذين ما جاؤوا وما اعتذروا وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله يعني في ادعائهم الإيمان {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} يعني في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار وإنما قال منهم لأنه سبحانه وتعالى علم أن منهم من سيؤمن ويخلص في إيمانه فاستثناهم الله من المنافقين الذي أصروا على الكفر والنفاق وماتوا عليه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله}
ولما ذكر أحوال المنافقين الذين بالمدينة شرح أحوال المنافقين من الأعراب.
قرأ الجمهور: المعذرون بفتح العين وتشديد الذال، فاحتمل وزنين: أحدهما: أن يكون فعل بتضعيف العين ومعناه: تكلف العذر ولا عذر له، ويقال عذر في الأمر قصر فيه وتوانى، وحقيقته أن يوهم أنّ له عذرًا فيما يفعل ولا عذر له.
والثاني: أن يكون وزنه افتعل، وأصله اعتذر كاختصم، فأدغمت التاء في الذال.
ونقلت حركتها إلى العين، فذهبت ألف الوصل.
ويؤيده قراءة سعيد بن جبير: المعتذرون بالتاء من اعتذر.
وممن ذهب إلى أن وزنه افتعل الأخفش والفراء وأبو عبيد وأبو حاتم والزجاج وابن الأنباري.
وقرأ ابن عباس وزيد بن علي والضحاك والأعرج وأبو صالح وعيسى بن هلال ويعقوب والكسائي في رواية المعذرون من أعذر.
وقرأ مسلمة: المعذرون بتشديد العين والذال، من تعذر بمعنى اعتذر.
قال أبو حاتم: أراد المتعذرين، والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج، وهي غلط منه أو عليه.
واختلف في هؤلاء المعذرين أهم مؤمنون أم كافرون؟ فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة: هو مؤمنون، وأعذارهم صادقة.
وقال قتادة وفرقة: هم كافرون وأعذارهم كذب.
وكان ابن عباس يقول: رحم الله المعذرين ولعن المعذرين.
قيل: هم أسد وغطفان قالوا.
إن لنا عيالًا وأن بنا جهدًا، فأذن لهم في التخلف.
وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل قالوا: إنْ غزونا معك غارت إعراب طي على أهالينا ومواشينا، فقال صلى الله عليه وسلم: «سيغني الله عنكم» وعن مجاهد: نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله تعالى.
قال ابن إسحاق: نفر من غفار منهم خفاف بن إيماء، وهذا يقتضي أنهم مؤمنون، والظاهر أن هؤلاء الجائين كانوا مؤمنين كما قال ابن عباس، لأن التقسيم يقتضي ذلك.
ألا ترى إلى قوله: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} فلو كان الجميع كفارًا لم يكن لوصف الذين قعدوا بالكذب اختصاص، وكان يكون التركيب سيصيبهم عذاب أليم.
ويحتمل أن يكونوا كفارًا كما قال قتادة، فانقسموا إلى جاء معتذر وإلى قاعد، واستؤنف إخبار بما يصيب الكافرين.
ويكون الضمير في منهم عائدًا على الأعراب، أو يكون المعنى: سيصيب الذين يوافون على الكفر من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل والسبي، وفي الآخرة بالنار.
وقرأ الجمهور: كذبوا بالتخفيف أي: في إيمانهم فأظهروا ضد ما أخفوه.
وقرأ أبيّ والحسن في المشهور عنه: ونوح وإسماعيل كذبوا بالتشديد أي لم يصدقوه تعالى ولا رسوله، وردوا عليه أمره والتشديد أبلغ في الذم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَجَاء المعذرون مِنَ الأعراب لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} شروعٌ في بيان أحوالِ منافقي الأعرابِ إثرَ بيانِ منافقي أهلِ المدينةِ، والمعذّرون من عذّر في الأمر إذا قصّر فيه وتوانى ولم يجِدَّ، وحقيقتُه أن يوهِمَ أن له عذرًا فيما يفعل ولا عذرَ له أو المعتذرون بإدغام التاءِ في الذال ونقلِ حركتِها إلى العين وهم المعتذرون بالباطل، وقرئ المُعْذِرون من الإعذار وهو الاجتهاد في العذرُ والاحتشادُ فيه، قيل: هم أسَدٌ وغطَفانُ قالوا: إن لنا عيالًا وإن بنا لجَهدًا فائذن لنا في التخلف. وقيل: هم رهطُ عامِر بنِ الطفيل قالوا: إن غزَوْنا معك أغار أعرابُ طيءٍ على أهالينا ومواشينا فقال عليه السلام: «سيغنيني الله تعالى عنكم» وعن مجاهد: نفرٌ من غِفارٍ اعتذروا فلم يعذُرهم الله سبحانه. وعن قتادة: اعتذروا بالكذب. وقرئ المُعّذّرون بتشديد العين والذال من تعذر بمعنى اعتذر وهو لحنٌ إذ التاءُ لا تُدغم في العين إدغامَها في الطاء والزاي والصاد في المطّوعين وازّكى واصّدق. وقيل: أريد بهم المعتذرون بالصحة وبه فُسّر المعذّرون والمُعْذِرون أي الذين لم يُفرطوا في العذر {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} وهم منافقوا الأعرابِ الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا فظهر أنهم كذبوا الله ورسولَه بادعائهم الإيمانَ والطاعة {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أي من الأعراب أو من المعذّرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره {عَذَابٌ أَلِيمٌ} بالقتل والأسرِ في الدنيا والنارِ في الآخرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} شروع في بيان أحوال منافقي الأعراب إثر بيان أحوال منافقي أهل المدينة.
والمُعذرون من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أن يوهم أن له عذرًا فيما يفعل ولا عذر له، ويحتمل أن يكون من اعتذر والأصل المعتذون فادغمت التاء في الذال بعد نقل حركتها إلى العين، ويجوز كسرها لالتقاء الساكنين وضمها إتباعًا للميم لكن لم يقرأ بهما، وقرأ يعقوب {المعذرون} بالتخفيف وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فهو من اعذر إذا كان له عذر.
وعن مسلمة أنه قرأ {المعذرون} بتشديد العين والذال من تعذر بمعنى اعتذر.
وتعقب ذلك أبو حيان فقال: هذه القراءة إما غلط من القارئ أو عليه لأن التاء لا يجوز إدغامها في العين لتضادهما، وأما تنزيل التضاد منزلة التناسب فلم يقله أحد من النحاة ولا القراء فالاستغال بمثله عيب، ثم إن هؤلاء الجائين كاذبون على أول احتمالي القراءة الأولى، ويحتمل أن يكونوا كاذبين وإن يكونوا صادقين على الثاني منهما وكذا على القراءة الأخيرة، وصادقون على القراءة الثانية.
واختلفوا في المراد بهم فعن الضحاك أنهم رهط عامر بن الطفيل جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إنا إن غزونا معك أغارت طي على أهالينا ومواشينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله سبحانه عنكم.
وقيل: هم أسد.
وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن إسحاق أنه قال: ذكر لي أنهم نفر من بني غفار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم أهل العذر ولم يبين من هم؛ ومما ذكرنا يعلم وقوع الاختلاف في أن هؤلاء الجائين هل كانوا صادقين في الاعتذار أم لا، وعلى القول بصدقهم يكون المراد بالموصول في قوله سبحانه: {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} غيرهم وهم أناس من الأعراب أيضًا منافقون والأولون لا نفاق فيهم، وعلى القول بكذبهم يكون المراد به الأولين، والعدول عن الإضمار إلى الإظهار إظهار لذمهم بعنوان الصلة، والكذب على الأول بإدعاء الإيمان وعلى الثاني بالاعتذار، ولعل القعود مختلف أيضًا.
وقرأ أبي {كَذَّبُواْ} بالتشديد {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أي من الأعراب مطلقًا وهم منافقوهم أو من المعتذرين، ووجه التبعيض أن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره أي سيصيب المعتذرين لكفرهم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو عذاب النار في الآخرة ولا ينافي استحقاق من تخلف لكسل، ذلك عندنا لعدم قولنا بالمفهوم ومن قال به فسر العذاب الأليم بمجموع القتل والنار والأول منتف في المؤمن المتخلف للكسل فينتفي المجموع، وقيل: المراد بالموصول المصرون على الكفر. اهـ.

.قال الشوكاني:

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}
قرأ الأعرج والضحاك {المعذرون} بالتخفيف، من أعذر، ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس.
قال في الصحاح: وكان ابن عباس يقرأ {وجاء المعذرون} مخففة من أعذر، ويقول: والله هكذا أنزلت.
قال النحاس: إلا أن مدارها على الكلبي، وهي من أعذر: إذا بالغ في العذر، ومنه: من أنذر فقد أعذر أي: بالغ في العذر.