فصل: تفسير الآية رقم (91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (91):

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من القاعدين من أهل المدر والوبر من له عذر، استثناهم سبحانه وساق ذلك مساق النتيحة من المقدمات الظاهرة فقال: {ليس على الضعفاء} أي بنحو الهرم {ولا على المرضى} أي بنحو الحمى والرمد {ولا على الذين لا يجدون} ولو بدين يؤدونه في المستقبل {ما ينفقون} أي لحاجتهم وفقرهم {حرج} أي إثم يميل بهم عن الصراط المستقيم ويخرج دينهم.
ولما كان ربما كان أحد من المنافقين بهذ الصفة احترز عنه بقوله: {إذا نصحوا} أي في تخلفهم وجميع أحوالهم {لله} أي الذي له الجلال والإكرام {ورسوله} أي سرًا وعلانية، فإنهم حيئنذ محسنون في نصحهم الذي منه تحسرهم على القعود على هذا الوجه وعزمهم على الخروج متى قدروا، وقوله: {ما على المحسنين} في موضع ما عليهم لبيان إحسانهم بنصحهم مع عذرهم {من سبيل} أي طريق إلى ذمهم أو لومهم، والجملة كلها بيان لـ {نصحوا لله ورسوله} وقوله: {والله} أي الذي له صفات الكمال {غفور} أي محاء للذنوب {رحيم} أي محسن مجمل إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير والعجز وإن اجتهد، لا يسعه إلا العفو. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}
اعلم أنه تعالى لما بين الوعيد في حق من يوهم العذر، مع أنه لا عذر له، ذكر أصحاب الأعذار الحقيقية، وبين أن تكليف الله تعالى بالغزو والجهاد عنهم ساقط، وهم أقسام:
القسم الأول: الصحيح في بدنه، الضعيف مثل الشيوخ.
ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفًا نحيفًا، وهؤلاء هم المرادون بالضعفاء.
والدليل عليه: أنه عطف عليهم المرضى، والمعطوف مباين للمعطوف عليه، فما لم يحمل الضعفاء على الذين ذكرناهم، لم يتميزوا عن المرضى.
وأما المرضى: فيدخل فيهم أصحاب العمى، والعرج، والزمانة، وكل من كان موصوفًا بمرض يمنعه من التمكن من المحاربة.
والقسم الثالث: الذين لا يجدون الأهبة والزاد والراحلة، وهم الذين لا يجدون ما ينفقون، لأن حضوره في الغزو إنما ينفع إذا قدر على الإنفاق على نفسه.
أما من مال نفسه، أو من مال إنسان آخر يعينه عليه، فإن لم تحصل هذه القدرة، صار كلًا ووبالًا على المجاهدين ويمنعهم من الاشتغال بالمقصود، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأقسام الثلاثة قال: لا حرج على هؤلاء، والمراد أنه يجوز لهم أن يتخلفوا عن الغزو، وليس في الآية بيان أنه يحرم عليهم الخروج، لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة.
إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم، بشرط أن لايجعل نفسه كلًا ووبالًا عليهم، كان ذلك طاعة مقبولة.
ثم إنه تعالى شرط في جواز هذا التأخير شرطًا معينًا وهو قوله: {إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} ومعناه أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إلقاء الأراجيف، وعن إثارة الفتن، وسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا، إما بأن يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم، وإما بأن يسعوا في إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم، فإن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد.
ثم قال تعالى: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} وقد اتفقوا على أنه دخل تحت قوله تعالى: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} هو أنه لا إثم عليه بسبب القعود عن الجهاد، واختلفوا في أنه هل يفيد العموم في كل الوجوه؟ فمنهم من زعم أن اللفظ مقصور على هذا المعنى، لأن هذه الآية نزلت فيهم، ومنهم من زعم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والمحسن هو الآتي بالإحسان، ورأس أبواب الإحسان ورئيسها، هو قول: لا إله إلا الله، وكل من قال هذه الكلمة واعتقدها، كان من المسلمين.
وقوله تعالى: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} يقتضي نفي جميع المسلمين، فهذا بعمومه يقتضي أن الأصل في حال كل مسلم براءة الذمة، وعدم توجه مطالبة الغير عليه في نفسه وماله، فيدل على أن الأصل في نفسه حرمة القتل، إلا لدليل منفصل، والأصل في ماله حرمة الأخذ، إلا لدليل منفصل، وأن لا يتوجه عليه شيء من التكاليف، إلا لدليل منفصل، فتصير هذه الآية بهذا الطريق أصلًا معتبرًا في الشريعة، في تقرير أن الأصل براءة الذمة، فإن ورد نص خاص يدل على وجوب حكم خاص، في واقعة خاصة، قضينا بذلك النص الخاص تقديمًا للخاص على العام، وإلا فهذا النص كاف في تقرير البراءة الأصلية، ومن الناس من يحتج بهذا على نفي القياس.
قال: لأن هذا النص دل على أن الأصل هو براءة الذمة، وعدم الإلزام والتكليف، فالقياس إما أن يدل على براءة الذمة أو على شغل الذمة، والأول باطل لأن براءة الذمة لما ثبتت بمقتضى هذا النص، كان إثباتها بالقياس عبثًا.
والثاني أيضًا باطل، لأن على هذا التقدير يصير ذلك القياس مخصصًا لعموم هذا النص وأنه لا يجوز، لما ثبت أن النص أقوى من القياس.
قالوا: وبهذا الطريق تصير الشريعة مضبوطة، معلومة، ملخصة، بعيدة عن الاضطراب والاختلافات التي لا نهاية لها، وذلك لأن السلطان إذا بعث واحدًا من عماله إلى سياسة بلدة، فقال له: أيها الرجل تكليفي عليك، وعلى أهل تلك المملكة، كذا وكذا، وعد عليهم مائة نوع من التكاليف مثلًا، ثم قال: وبعد هذه التكاليف ليس لأحد عليهم سبيل، كان هذا تنصيصًا منه على أنه لا تكليف عليهم فيما وراء تلك الأقسام المائة المذكورة، ولو أنه كلف ذلك السلطان بأن ينص على ما سوى تلك المائة بالنفي على سبيل التفصيل كان ذلك محالًا، لأن باب النفي لا نهاية له، بل كفاه في النفي أن يقول: ليس لأحد على أحد سبيل إلا فيما ذكرت وفصلت، فكذا هاهنا أنه تعالى لما قال: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} وهذا يقتضي أن لا يتوجه على أحد سبيل، ثم إنه تعالى ذكر في القرآن ألف تكليف، أو أقل أو أكثر، كان ذلك تنصيصًا على أن التكاليف محصورة في ذلك الألف المذكور، وأما فيما وراءه فليس لله على الخلق تكليف وأمر ونهي، وبهذا الطريق تصير الشريعة مضبوطة سهلة المؤنة كثيرة المعونة، ويكون القرآن وافيًا ببيان التكاليف والأحكام، ويكون قوله: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] حقًا، ويصير قوله: {لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] حقًا، ولا حاجة ألبتة إلى التمسك بالقياس في حكم من الأحكام أصلًا، فهذا ما يقرره أصحاب الظواهر مثل داود الأصفهاني وأصحابه في تقرير هذا الباب. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم بيّن حال الذين تخلفوا بعذر.
فقال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء}، يعني: على الزمنى والشيخ الكبير، {وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} في الجهاد {حَرَجٌ}، أي لا إثم عليهم.
{إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}، يعني: إذا كانوا مخلصين مسلمين في السر والعلانية.
{مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ}، يعني: ليس على الموحدين المطيعين من حرج، إذا تخلفوا بالعذر.
{والله غَفُورٌ} لهم بتخلفهم، {رَّحِيمٌ} بهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} الآية.
وفي الضعفاء هاهنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم الصغار لضعف أبدانهم.
الثاني: المجانين لضعف عقولهم.
الثالث: العميان لضعف بصرهم. كما قيل في تأويل قوله تعالى في شعيب: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91] أي ضريرًا.
{إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: إذا برئوا من النفاق.
الثاني: إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل.
فإن قيل بالتأويل الأول كان راجعًا إلى جميع من تقدم ذكره من الضعفاء. والمرضى الذين لا يجدون ما ينفقون.
وإن قيل بالتأويل الثاني كان راجعًا إلى الذين لا يجدون ما ينفقون خاصة.
وقيل إنها نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله ابن مُغَفّل. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}
يقول تعالى ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زمانة أو عدم نفقة إثم، والحرج الإثم، وقوله: {إذا نصحوا} يريد بنياتهم وأقوالهم سرًا وجهرًا، وقرأ حيوة {نصحوا الله ورسوله} بغير لام وبنصب الهاء المكتوبة، وقوله تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} الآية، في لائمة تناط بهم أو تذنيب أو عقوبة، ثم أكد الرجاء بقوله: {والله غفور رحيم} وقرأ ابن عباس: «والله لأهل الإساءة غفور رحيم».
قال القاضي أبو محمد: وهذا على جهة التفسير أشبه منه على جهة التلاوة لخلافه المصحف، واختلف فيمن المراد بقوله: {الذين لا يجدون ما ينفقون}، فقالت فرقة: نزلت في بني مقرن.
قال القاضي أبو محمد: وبنو مقرن ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم، وقيل كانوا سبعة، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل المزني، قاله ابن عباس. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ليس على الضعفاء}
اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما: أنها نزلت في عائذ بن عمرو وغيره من أهل العذر، قاله قتادة.
والثاني: في ابن مكتوم، قاله الضحاك.
وفي المراد بالضعفاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم الزمنى والمشايخ الكبار، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: أنهم الصغار.
والثالث: المجانين؛ سموا ضعافًا لضعف عقولهم، ذكر القولين الماوردي.
والصحيح انهم الذين يضعفون لزَمانةٍ، أو عَمىً، أو سِنٍّ، أو ضَعف في الجسم.
والمرضى: الذين بهم أعلال مانعة من الخروج للقتال. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ليس على الضعفاء} لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد واعتذروا بأعذار باطلة عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقية الصحيحة وعذرهم وأخبر أن فرض الجهاد عنهم ساقط فقال سبحانه وتعالى: {ليس على الضعفاء} والضعيف هو الصحيح في بدنه العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد مثل الشيوخ والصبيان والنساء ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفًا نحيفًا ويدل على أن هؤلاء الأصناف هم الضعفاء أن الله سبحانه وتعالى عطف عليهم المرضى فقال سبحانه وتعالى: {ولا على المرضى} والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فأما المرضى فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة وكل من كمان موصوفًا بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} يعني الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد، فلا يجدون الزاد والراحلة والسلاح ومؤنة السفر لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور {حرج} أي ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج أي إثم في التخلف عن الغزو.
وقال الإمام فخر الدين الرازي: ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلًا ووبالًا عليهم فإن ذلك طاعة مقبولة ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطًا معينًا وقوله سبحانه وتعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله} ومعناه: أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إفشاء الأراجيف وإثارة الفتن وسعوا في إيصال الخير إلى أهل المجاهدين الذين خرجوا إلى الغزو وقاموا بمصالح بيوتهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فإن جملة هذه الأمور تجري مجرى النصح لله ورسوله {ما على المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسن فنصح لله ولرسوله في تخلفه عن الجهاد بعذر قد أباحه الشارع طريق يتطرق عليه فيعاقب عليه والمعنى أنه سد بإحسانه طريق العقاب عن نفسه ويستنبط من قوله ما على المحسنين من سبيل أن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله مخلصًا من قلبه ليس عليه سبيل في نفسه وماله إلا ما أباحه الشرع بدليل منفصل {والله غفور} يعني لمن تخلف عن الجهاد بعذر ظاهر أباحه الشرع {رحيم} يعني: أنه تعالى رحيم بجميع عباده.
قال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو وأصحابه.
وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أم مكتوم وكان ضرير البصر. اهـ.