فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} عطفٌ على المحسنين كما يُؤذِن به قولُه عز وجل فيما سيأتي: {إِنَّمَا السبيل} الآية، وقيل: عطفٌ على الضعفاء وهم البكّاؤون، سبعةٌ من الأنصار: معقِلُ بنُ يسارَ وصخرُ بنُ خنساءَ وعبدُ اللَّه بنُ كعبٍ وسالمُ بنُ عميرٍ وثعلبةُ بنُ غنمةَ وعبدُ اللَّه بنُ معقِلٍ وعلبةُ بنُ زيد أتوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نذرْنا الخروجَ فاحمِلنا على الخِفافِ المرقوعة والنعالِ المخصوفة نغْزُ معك فقال عليه السلام: «لا أجد»، فتولَّوا وهم يبكون، وقيل: هم بنو مُقرِّن معقِلٌ وسويدٌ ونُعمانُ وقيل: أبو موسى الأشعريُّ وأصحابُه رضي الله عنه تعالى عنهم {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} حالٌ من الكاف في أتوك بإضمار قد وما عامةٌ لِما سألوه عليه السلام وغيرَه مما يُحمل عليه عادة وفي إيثار (لا أجد) على ليس عندي من تلطيف الكلامِ وتطييبِ قلوبِ السائلين ما لا يخفى كأنه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده {تَوَلَّوْاْ} جوابُ إذا {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ} أي تسيل بشدة {مِنَ الدمع} أي دمعًا فإن من البيانية مع مجرورها في حيز النصب على التمييز وهو أبلغُ من يفيض دمعُها لإفادتها أن العينَ بعينها صارت دمعًا فيّاضًا والجملةُ حاليةٌ وقوله عزّ اسمُه: {حَزَنًا} نُصب على العلية أو الحالية أوالمصدرية لفعل دل عليه ما قبله أي تفيض للحزن فإن الحزنَ يُسند إلى العين مجازًا كالفيض، أو تولوا له أو حزِنين أو يحزنون حزنًا فتكون هذه الجملةُ حالًا من الضمير في تفيض {أَلاَّ يَجِدُواْ} على حذف لامٍ متعلقة بحَزَنًا أو تفيض أي لئلا يجدوا {مَا يُنْفِقُونَ} في شراء ما يحتاجون إليه إذ لم يجدوه عندك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} عطف على {المحسنين} [التوبة: 91] كما يؤذن به قوله تعالى الآتي إن شاء الله تعالى: {إِنَّمَا السبيل} [التوبة: 93] الخ، وهو من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنهم وجعلهم كانهم لتميزهم جنس آخر.
وقيل: عطف على {الضعفاء} [التوبة: 91] وهم كما قال ابن إسحاق وغيره البكاءون وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، وعلية بن زيد أخو بني حارث، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبد الله بن معقل المزنى، وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف، وعرباض بن سارية الفزاري أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحملوه وكانوا أهل حاجة فقال لهم عليه الصلاة والسلام ما قصه الله تعالى بقوله سبحانه: {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فتولوا وهم يبكون كما أخبر سبحانه، والظاهر أنه لم يخرج منهم أحد للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قال ابن إسحاق: بلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضرى لقي أبا ليلى وابن معقل وهم يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحًا له فارتحلا وزودهما شيئًا من تمر فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أن الباقين أعينوا على الخروج فخرجوا.
وعن مجاهد أنهم بنو مقرن: معقل وسويد والنعمان، وقيل: هم أبو موسى الأشعري وأصحابه من أهل اليمن وقيل وقيل: وظاهر الآية يقتضي أنهم طلبوا ما يركبون من الدواب وهو المروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالوا: أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال، ومثل هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه إنه قال: ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال، وجاء في بعض الروايات إنهم قالوا: احملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغزو معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، ومن مال إلى الظاهر المؤيد بما روي عن الحبر قال: تجوز بالخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة عن ذي الخف والحافر فكأنهم قالوا: احملنا على ما يتيسر أو المراد احملنا ولو على نعالنا وأخفافنا مبالغة في القناعة ومحبة للذهاب معه عليه الصلاة والسلام.
وأنت تعلم أن ظاهر الخبرين السابقين يبعد ذلك على أنه في نفسه خلاف الظاهر نعم الأخبار المخالفة لظاهر الآية لا يخفى ما فيها على من له اطلاع على مصطلح الحديث ومغايرة هذا الصنف بناءًا على ما يقتضيه الظاهر من أنهم واجدون لما عدا المركب للذين لا يجدون ما ينفقون إذا كان المراد بهم الفقراء الفاقدين للزاد والمركب وغيره ظاهرة وبينهما عموم وخصوص إذا أريد بمن لا يجد النفقة من عدم شيئًا لا يطيق السفر لفقده وإلى الأول ذهب الإملم واختاره كثير من المحققين، واختلف في جواب {إِذَا} فاختار بعض المحققين أنه {قُلْتَ} إلخ فيكون قوله سبحانه: {تَوَلَّوْاْ} إلخ مستأنفًا استئنافًا بيانيًا، وقيل: هو الجواب و{قُلْتَ} مستأنف أو على حذفل حرف العطف أي وقلت أو فقلت وهو معطوف على {أَتَوْكَ} أو في موضع الحال من الكاف في {أَتَوْكَ} وقد مضمرة كما في {جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] وزمان الإتيان يعتبر واسعًا كيومه وشهره فيكون مع التولي في زمان واحد ويكفي تسببه له وإن اختلف زمانهما كما ذكره الرضى في قولك: إذا جئتني اليوم أكرمتك غدًا أي كان مجيئك سببًا لإكرامك غدًا؛ وفي إيثار {لا أَجِدُ} على ليس عندي من تلطيف الكلام وتطييب قلوب السائلين ما لا يخفى كأنه عليه الصلاة والسلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده وذلك هو اللائق بمن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه وسلم وقوله سبحانه: {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع} في موضع الحال من ضمير {تَوَلَّوْاْ} والفيض انصباب عن امتلاء وهو هنا مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية، والدمع الماء المخصوص ويجوز إبقاء الفيض على حقيقته ويكون إسناده إلى العين مجازًا كجرى النهر والدمع مصدر دمعت العين دمعًا و{مِنْ} للأجل والسبب، وقيل: إنها للبيان وهي مع المجرور في محل نصب على التمييز وهو محول عن الفاعل.
وتعقبه أبو حيان بأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضًا لا يجيز تعريف التمييز إلا الكوفيون.
وأجيب عن الأول بأنه منقوض بنحو قوله عز من قائل وعن الثاني بأنه كفى إجازة الكوفيين، وذكر القطب أن أصل الكلام أعينهم يفيض دمعها ثم أعينهم تفيض دمعًا وهو أبلغ لإسناد الفعل إلى غير الفاعل وجعله تمييزًا سلوكًا لطريق التبيين بعد الإبهام ولأن العين جعلت كأنها دمع فائض ثم {أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع} أبلغ مما قبله بواسطة من التجريدية فإنه جعل أعينهم فائضة ثم جرد الأعين الفائضة من الدمع باعتبار الفيض.
وتعقب بأن {مِنْ} هنا للبيان لما قد أبهم مما قد يبين بمجرد التمييز لأن معنى تفيض العين يفيض شيء من أشياء العين كما أن معنى قولك: طاب زيد طاب شيء من أشياء زيد والتمييز رفع إبهام ذلك الشيء فكذا من الدمع فهو في محل نصب على التمييز وحديث التجريد لا ينبغي أن يصدر ممن له معرفة بأساليب الكلام وقد مر بعض الكلام في المائدة على هذه الجملة فتذكر.
وقوله تعالى: {حَزَنًا} نصب على العلية والحزن يستند إلى العين كالفيض فلا يقال: كيف ذاك وفاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن ومع مغايرة الفاعل لا نصب، وقيل: جاز ذلك نظرًا إلى المعنى إذ حاصله تولوا وهم يبكون حزنًا وجوز نصبه على الحال من ضمير {تَفِيضُ} أي حزينة وعلى المصدرية لفعل دال عليه ما قبله أي لا تحزن حزنًا والجملة حال أيضًا من الضمير المشار إليه وقد يكون تعلق ذلك على احتمالات بتولوا أي تولوا للحزن أو حزنين أو يحزنون حزنًا {أَلاَّ يَجِدُواْ} على حذف اللام وحذف الجار في مثل ذلك مطرد وهو متعلق بحزنًا كيفما كان، وقيل: لا يجوز تعلقه به إذا كان نصبًا على المصدرية لأن المصدر المؤكد لا يعمل ولعل من قال بالأول يمنع ذلك ويقول: يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره وجوز تعلقه بتفيض وقيل: وهذا إذا لم يكن {حَزَنًا} علة له وإلا فلا يجوز لأنه لا يكون لفعل واحد مفعولان لأجله والإبدال خلاف الظاهر أي لئلا يجدوا {مَا يُنْفِقُونَ} في شراء ما يحتاجون إليه في الخروج معك إذا لم يجدوه عندك وهذا بحسب الظاهر يؤيد كون هذا الصنف مندرجًا تحت قوله سبحانه: {وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 91]. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} عطف على: {الْمُحْسِنِينَ}، أو على {الضُّعَفَاءِ} أي: لتعطيهم ظهرًا يركبونه إلى الجهاد معك {قُلْتَ} أي: لهم {لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} أي: إلى الجهاد.
قوله تعالى: {تَوَلَّوْا} جواب إذا، أي: خرجوا من عندك {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} أي: في الحملان، فهؤلاء وإن كانت لهم، قدرة على تحمل المشاق، فما عليهم من سبيل أيضًا.
تنبيهات:
الأول: قال السيوطي في الإكليل: في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ}. إلخ.
رفع الجهاد عن الضعيف والمريض، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملًا. انتهى.
وقال بعض الزيدية: هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج، وهو الإثم على ترك الجهاد لهذه الأعذار، بشرط النصيحة لله ولرسوله، أي: بأن يريد لهم ما يريد لنفسه.
- عن أبي مسلم-.
الثاني: قال الحاكم: في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب، وأنه يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة.
الثالث: قال ابن الفرس: يستدل بقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها.
وقال بعض الزيدية: يدل على أن المستودع والوصيّ والملتقط، لا ضمان عليهم مع عدم التفريط، وأنه لا يجب عليهم الرد، بخلاف المستعير.
الرابع: دل قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذيِنَ} الخ، على أن العادم للنفقة، الطالب للإعانة، إِذا لم تحصل له، فلا حرج عليه، وفيه إشارة إلى المعونة إذا بدلت له من الإمام، لزمه الخروج.
الخامس: دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة، وإن كان معذورًا.
السادس: قوله تعالى: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} أبلغ من يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض، ومن للبيان، كقولك: أفديك من رجل. ومحلّ الجار والمجرور النصب على التمييز- أفاده الزمخشري-.
السابع: روى ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم على أذني، إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ} الآية.
وروى العوفي عن ابن عباس في هذه الآية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه، فيهم عبد الله بن مُغَفَّل بن مُقَرِّن المزني، فقالوا: يا رسول الله! احملنا. فقال لهم: «والله! لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا وهم يبكون، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملًا، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه، فقال: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ}.
وروى الإمام أحمد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة رجالًا، ما قطعتم واديًا، ولا سلكتم طريقًا، إلا أشركوكم في الأجر، حبسهم المرض». ورواه مسلم. اهـ.