فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله}
قال ابن عباس: وهم من أسلم من الأعراب، مثل جُهينة، وأسلم، وغِفار.
وفي قوله: {ويتخذ ما ينفق} قولان:
أحدهما: في الجهاد.
والثاني: في الصدقة.
فأما القربات، فجمع قُربة، وهي: ما يقرِّب العبدَ من رضى الله ومحبته.
قال الزجاج: وفي القربات ثلاثة أوجه: ضم الراء، وفتحها، وإسكانها.
وفي المراد بصلوات الرسول قولان:
أحدهما: استغفاره، قاله ابن عباس.
والثاني: دعاؤه، قاله قتادة، وابن قتيبة، والزجاج.
وأنشد الزجاج:
عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغْتَمِضِي ** نَوْمًا، فانَّ لِجَنْبِ المَرْءِ مضطَجَعا

قال: إن شئتَ قلتَ: مثلَ الذي، ومثلُ الذي؛ فالأول أَمْرٌ لها بالدعاء، كأنه قال: ادعي لي مثل الذي دعوتِ.
والثاني: بمعنى: عليكِ مثلُ هذا الدعاء.
قوله تعالى: {ألا إنها قُرْبَةٌ لهم} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {قربةٌ لهم} خفيفة.
وروى ورش، وإسماعيل ابن جعفر عن نافع، وأبان، والمفضل عن عاصم {قُرُبةٌ} لهم بضم الراء.
وفي المشار إليها وجهان.
أحدهما: أن الهاء ترجع إلى نفقتهم وإيمانهم.
والثاني: إلى صلوات الرسول.
قوله تعالى: {سيدخلهم الله في رحمته} قال ابن عباس: في جنته. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بالله} أي صدق.
والمراد بنو مُقَرِّن من مُزَينة؛ ذكره المهدوِيّ.
{قُرُبَاتٍ} جمع قُرْبة، وهي ما يتقرّب به إلى الله تعالى؛ والجمع قُرَب وقُرُبات وقَرَبات وقُرْبات؛ حكاه النحاس.
والقُرُبات (بالضم) ما تُقرّب به إلى الله تعالى؛ تقول منه: قرّبت لله قربانًا.
والقِربة بكسر القاف ما يستقي فيه الماء؛ والجمع في أدنى العدد قِرْبات وقِرِبات وقِرَبات، وللكثير قِرَب.
وكذلك جمع كل ما كان على فِعْلة؛ مثلُ سِدْرة وفِقرة، لك أن تفتح العين وتكسر وتسكّن؛ حكاها الجوهري.
وقرأ نافع في رواية وَرْش {قُرُبة} بضم الراء وهي الأصل.
والباقون بسكونها تخفيفًا؛ مثل كُتْب ورُسْل، ولا خلاف في قربات.
وحكى ابن سعدان أن يزيد بن القَعْقاع قرأ {ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ}.
ومعنى {وَصَلَوَاتِ الرسول} استغفاره ودعاؤه.
والصلاة تقع على ضروب؛ فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة؛ قال الله تعالى: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الملائكة الدعاء، وكذلك هي من النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ كما قال: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.
{ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} أي تقرّبهم من رحمة الله؛ يعني نفقاتهم. اهـ.

.قال الخازن:

{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}.
قال مجاهد: هم بنو مقرن من مزينة.
وقال الكلبي: هم أسلم وغفار وجهينة.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرًا من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة» فقال رجل: خابوا وخسروا.
قال: «نعم هم خير من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة».
وفي رواية أن الأقرع بن حابس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما تابعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه قال وجهينة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه قال: وجيهنة خيرًا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان قال خبوا وخسروا قال نعم».
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها» زاد مسلم في رواية له: «أما إني لم أقلها لكن الله قالها».
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله» وقوله سبحانه وتعالى: {ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} جمع قربة أي يطلب بما ينفق القربة إلى الله تعالى: {وصلوات الرسول} يعني ويرغبون في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» {ألا إنها قربة لهم} يحتمل أن يعود الضمير في إنها إلى صلوات الرسول ويحتمل أن يعود إلى الإنفاق وكلاهما قربة لهم عند الله وهذه شهادة من الله تعالى للمؤمن المتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات عند الله وصلوات الرسول له مقبولة عند الله لأن الله سبحانه وتعالى أكد ذلك بحرف التنبيه وهو قوله تعالى: {ألا} وبحرف التحقيق وهو قوله تعالى: {إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته} وهذه النعمة هي أقصى مرادهم {إن الله غفور} للمؤمنين المنفقين في سبيله {رحيم} يعني بهم حيث وفقهم لهذه الطاعة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر} نزلت في بني مقرن من مزينة قاله مجاهد.
وقال عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن: كنا عشرة ولد مقرن فنزلت: {ومن الأعراب من يؤمن} الآية يريد: الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم.
وقال الضحاك: في عبد الله ذي النجادين ورهطه.
وقال الكلبي: في أسلم وغفار وجهينة.
ولما ذكر تعالى من يتخذ ما ينفق مغرمًا ذكر مقابله وهو من يتخذ ما ينفق مغنمًا، وذكر هنا الأصل الذي يترتب عليه إنفاق المال في القربات وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، إذ جزاء ما ينفق إنما يظهر ثوابه الدائم في الآخرة.
وفي قصة أولئك اكتفى بذكر نتيجة الكفر وعدم الإيمان، وهو اتخاذه ما ينفق مغرمًا وتربصه بالمؤمنين الدوائر.
والأجود تعميم القربات من جهاد وصدقة، والمعنى: يتخذه سبب وصل عند الله وأدعية الرسول، وكان يدعو للمصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» وقال تعالى: {وصل عليهم} والظاهر عطف وصلوات على قربات.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون وصلوات الرسول عطفًا على ما ينفق، أي: ويتخذ بالأعمال الصالحة صلوات الرسول قربة.
قال ابن عباس: صلوات الرسول هي استغفاره لهم.
وقال قتادة: أدعيته بالخير والبركة سماها صلوات جريًا على الحقيقة اللغوية، أو لأنّ الدعاء فيها، وحين جاء ابن أبي أوفى بصدقته قال: «آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورًا» والضمير في أنها قيل: عائد على الصلوات.
وقيل: عائد على النفقات.
وتحرير هذا القول أنه عائد على ما على معناها، والمعنى: قربة لهم عند الله.
وهذه شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق رجائه على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه، وهو ألا وحرف التوكيد وهو أنّ.
قال الزمخشري: وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين، وأنّ الصدقة منه تعالى بمكان إذا خلصت النية من صاحبها انتهى.
وتقدم الكلام معه في دعواه أنّ السين تفيد تحقيق الوعد.
وقرأ ورش: قربة بضم الراء، وباقي السبعة بالسكون، وهما لغتان.
ولم يختلفوا في قربات أنه بالضم، فإن كان جمع قربة فجاء الضم على الأصل في الوضع، وإن كان جمع قربة بالسكون فجاء الضم اتباعًا لما قبله، كما قالوا: ظلمات في جمع ظلمة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ} أي من جنسهم على الإطلاق {مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر وَيَتَّخِذُ} أي يأخذ لنفسه على وجه الاصطفاءِ والادخارِ {مَا يُنفِقُ} أي ينفقه في سبيل الله تعالى: {قربات} أي ذرائعَ إليها وللإيذان بما بينهما من كمال الاختصاصِ جُعل كأنه نفسُ القرُبات، والجمعُ باعتبار أنواعِ القرُباتِ أو أفرادِها، وهي ثاني مفعولَي يتخذ وقوله تعالى: {عندَ الله} صفتُها أو ظرفٌ ليتخذ {وصلوات الرسول} أي وسائلَ إليها فإنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو للمتصدِّقين بالخير والبركة ويستغفرُ لهم ولذلك سُنّ للمُصدِّق أن يدعوَ للمتصدِّق عند أخذِ صدقتِه لكن ليس له أن يصليَ عليه كما فعله عليه الصلاة والسلام حين قال: «اللهم صلَّ على آل أبي أوْفى» فإن ذلك منصِبُه فله أن يتفضلَ به على من يشاء، والتعرُّضُ لوصف الإيمان بالله واليوم الآخر في الفريق الأخيرِ مع أن مساقَ الكلامِ لبيان الفرقِ بين الفريقين في شأن اتخاذِ ما ينفقانه حالًا ومآلًا وأن ذكرَ اتخاذِه ذريعةً إلى القربات والصلوات مغنٍ عن التصريح بذلك لكمال العنايةِ بإيمانهم وبيانِ اتصافِهم به وزيادةِ الاعتناءِ بتحقيق الفرق بين الفرقين من أول الأمرِ، وأما الفريقُ الأولُ فاتصافُهم بالكفر والنفاقِ معلومٌ من سياق النظم الكريمِ صريحًا {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} شهادةٌ لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه وتصديقٌ لرجائهم، والضميرُ لما ينفَق والتأنيثُ باعتبار الخبرِ مع ما مر من تعدّده بأحد الوجهين، والتنكيرُ للتفخيم المغني عن الجمع أي قربةٌ عظيمةٌ لا يُكتَنه كُنهُها. وفي إيراد الجملةِ اسميةً وتصديرِها بحرفي التنبيةِ والتحقيقِ من الجزالة ما لا يخفى، والاقتصارُ على بيان كونِها قربةً لهم لأنها الغايةُ القصوى وصلواتُ الرسول من ذرائعها، وقوله تعالى: {سَيُدْخِلُهُمُ الله في رَحْمَتِهِ} وعدٌ لهم بإحاطة رحمتِه الواسعةِ بهم وتفسيرٌ للقربة كما أن قوله:
عز وعلا: {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وعيدٌ للأولين عَقيبَ الدعاءِ عليهم والسينُ للدلالة على تحقق ذلك وتقررِه ألبتةَ وقوله تعالى: {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تعليلٌ لتحقق الوعدِ على نهج الاستئنافِ التحقيقيّ قيل هذا في عبد اللَّه ذي البجادَيْن وقومِه، وقيل: في بني مُقَرِّنٍ من مُزينةَ وقيل: في أسلمَ وغِفارٍ وجهُينةَ. وروى أبو هريرة رضى الله عنه أنه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أسلمُ وغفارٌ وشيءٌ من جُهينةَ ومُزينةَ خيرٌ عند الله يومَ القيامة من تميمٍ وأسدِ بنِ خزيمةَ وهوازِنَ وغَطَفان». اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ} أي من جنسهم على الإطلاق {مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر} على الوجه المأمور به {وَيَتَّخِذُ} على وجه الاصطفاء والاختيار {مَا يُنفِقُ} في سبيل الله تعالى: {قربات} جميع قربة بمعنى التقرب، وهو مفعول ثان ليتخذ، والمراد اتخاذ ذلك سببًا للتقرب على التجوز في النسبة أو التقدير، وقد تطلق القربة على ما يتقرب به والأول اختيار الجمهور، والجمع باعتبار الأنواع والأفراد، وقوله سبحانه: {عَندَ الله} صفة {قربات} أو ظرف ليتخذ.
وجوز أبو البقاء كونه ظرفا لفربات على معنى مقربات عند الله تعالى، وقوله تعالى: {وصلوات الرسول} عطف على {قربات} أي وسببًا لدعائه عليه الصلاة والسلام فإنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم، ولذلك يسن للمتصدق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلى عليه، فقد قالوا: لا يصلي على غير الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام إلا بالتبع لأن في الصلاة من التعظيم ما ليس في غيرها من الدعوات وهي لزيادة الرحمة والقرب من الله تعالى فلا تليق بمن يتصور منه الخطايا والذنوب ولاقت عليه تبعًا لما في ذلك من تعظيم المتبوع، واختلف هل هي مكروهة تحريمًا أو تنزيهًا أو خلافًا الأولى؟ صحح النووي في الأذكار الثاني، لكن في خطبة شرح الاشباه للبيري من صلى على غيرهم أثم وكره وهو الصحيح.