فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَهَذَا تَمْثِيلٌ فِي الرُّؤْيَا لِتَحْسِينِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَجْمِيلِهِ لِلنَّفْسِ وَتَشْوِيهِ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ لَهَا، وَلِتَطْهِيرِهَا، بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى تَكُونَ كُلُّهَا حَسَنَةً جَمِيلَةً وَأَهْلًا لِدَارِ الْكَرَامَةِ بَعْدَ أَنْ تُبْعَثَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (11: 114) وَشَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِنَهْرٍ يَفِيضُ عَلَى عَتَبَةِ الْإِنْسَانِ خَمْسَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ «فَهَلْ يُبْقِي عَلَيْهَا وَسَخًا أَوْ قَذَرًا؟».
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي بَيَانِ فَوَائِدِ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ وَمَنَافِعِهَا، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا وَعَلَى التَّوْبَةِ لِمَنْ قَصَّرَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ. وَفِي الْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ، وَكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ جَاءُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُطْلِقُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ: «مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا» فَأَنْزَلَ اللهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ آبَائِهِ وَزَادَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ وَلَهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى. وَهَذَا النَّصُّ حُكْمُهُ عَامٌّ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا، عَامٌّ فِي الْآخِذِ يَشْمَلُ خُلَفَاءَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِهِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُوسِرُونَ، قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا عَامٌّ وَإِنْ عَادَ الضَّمِيرُ فِي: {أَمْوَالِهِمْ} إِلَى الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا. وَلِهَذَا اعْتَقَدَ بَعْضُ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ لَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا خَاصًّا بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَاحْتَجُّوا بِقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الْآيَةَ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّأْوِيلَ وَالْفَهْمَ الْفَاسِدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى أَدَّوُا الزَّكَاةَ إِلَى الْخَلِيفَةِ كَمَا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى قَالَ الصِّدِّيقُ: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا- وَفِي رِوَايَةٍ عِقَالًا- كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. انْتَهَى. وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالسِّيَرِ وَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهَاكَ مَعْنَى الْآيَةِ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، أوثقوا أنفسهم وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى يطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ويعذرهم.
قال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا. فأنزل الله عز وجل: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم} وعسى من الله وإنه هو التوّاب الرحيم، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا.
قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم. فأنزل الله عز وجل: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} يقول: استغفر لهم {إن صلواتك سكن لهم} يقول: رحمة لهم، فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم، وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم؟ فأنزل الله عز وجل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [التوبة: 117] إلى آخر الآية: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118] إلى {ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [التوبة: 118] يعني إن استقاموا.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه. مثله سواء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: {فاعترفوا بذنوبهم} قال: هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمدًا يذبحكم إن نزلتم على حكمه.
وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب. أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة فاطلعوا إليه وهو يدعوهم إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا لبابة أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟» فلبث حينًا حتى غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك- وهي غزوة العسرة- فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة سبعًا من بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة، قال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليَّ. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية، ثم تاب الله عليه فنودي أن الله قد تاب عليك، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه عنه بيده، فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وانتقل إليك فأساكنك، وإني أختلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال: «يجزي عنك الثلث». فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بثلث ماله ثم تاب، فلم ير منه في الإِسلام بعد ذلك إلا خيرًا حتى فارق الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك، فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة، وقالوا: نحن في الظل والطمأنينة مع النساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد، والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا، فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وكان طريقه في المسجد، فمر عليهم فقال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري؟ فقال رجل: هذا أبو لبابة وصاحبان له تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاهدوا الله لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذي أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أطلقهم حتى أُؤْمَر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يكون الله يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم، فأنزل الله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} الآية. وعسى من الله واجب، فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم، فانطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا.
يقولون: استغفر لنا وطهرنا. فقال: لا آخذ منها شيئًا حتى أومر به. فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة...} الآية.
قال: وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشيء ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الذين قال الله: {وآخرون مرجون لأمر الله} [التوبة: 106] الآية. فجعل الناس يقولون: هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم. فصاروا مرجئين لأمر الله حتى نزلت {لقد تاب الله على النبي} [التوبة: 117] إلى قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118] يعني المرجئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة فعملوا بها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري، منهم كردم ومرداس وأبو لبابة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} قال: ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك، منهم أربعة خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا: جد بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، كلهم من الأنصار تيب عليهم، وهم الذين قيل {خذ من أموالهم صدقة}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} قال: غزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وآخر سيئًا} قال تخلفهم عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عثمان النهدي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} الآية.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال: إني لاستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17].
{يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} [الفرقان: 64].
{أمن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا} [الزمر: 9] فلا أراني منهم...! فأعرض نفسي على هذه الآية: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} [المدثر: 42- 46] إلى قوله: {نكذب بيوم الدين} فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم، فأمر بهذه الآية: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا اخوتاه منهم.
وأخرج أبو الشيخ وابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر بسند قوي عن جابر بن عبد الله قال: كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ستة: أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة بن وديعة، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فجاء أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة، فربطوا أنفسهم بالسواري، وجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله، خذ هذا الذي حبسنا عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحلهم حتى يكون قتال». فنزل القران {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا...} الآية. وكان ممن أرجئ عن التوبة وخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فأرجئوا أربعين يومًا، فخرجوا وضربوا فساطيطهم، واعتزلهم نساؤهم، ولم يتولهم المسلمون ولم يقربوا منهم، فنزل فيهم {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118] إلى قوله: {التوّاب الرحيم} [التوبة: 118] فبعثت أم سلمة إلى كعب فبشرته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا...} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قول الله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} فقال: يا مالك، تابوا، عسى الله أن يتوب عليهم، وعسى من الله واجبة.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه عن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان فقالا لي: انطلق. فانطلقت معهما، فاخرجاني إلى الأرض المقدسة فأتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود إليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت لهما: سبحان الله ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت: سبحان الله ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قلت: ما هؤلاء...؟! فقالا لي: انطلق.