فصل: الحكم الرابع: (في وجوب الزكاة لكونها طهرة من الآثام):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الرابع: [في وجوب الزكاة لكونها طهرة من الآثام]:

ظاهر قوله: {تطهرهم}، أن الزكاة إنما وجبت لكونها طهرة من الآثام وصدور الآثام لا يمكن حصولها إلا من البالغ دون الصبي فوجب أن تجب الزكاة في مال البالغ دون الصبي وهذا قول أبي حنيفة ثم أجاب أصحاب الشافعي: بأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقًا.
وللعلماء في قوله سبحانه وتعالى: {تطهرهم} أقوال:
الأول: أن معناه خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بأخذها من دنس الآثام.
القول الثاني: أن يكون تطهرم متعلقًا بالصدقة تقديره خذ من أموالهم صدقة فإنها طهرة لهم وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة من أوساخ الناس فإذا أخذ الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ وكان ذلك الاندفاع جاريًا مجرى التطيهر: فعلى هذا القول يكون قوله سبحانه وتعالى: {وتزكيهم بها} متقطعًا عن قوله: {تطهرهم} ويكون التقدير: خذ يا محمد من أموالهم صدقة تطهرهم تلك الصدقة وتزكيهم أنت بها.
القول الثالث: أن تجعل التاء في قوله تطهرهم وتزكيهم ضمير المخاطب ويكون المعنى تطهرهم أنت يا محمد بأخذها منهم وتزكيهم أنت بواسطة تلك الصدقة.
القول الرابع: أن معناه تطهرهم من ذنوبهم وتزكيهم يعني ترفع منازلهم عن منازل المنافقين إلى منازل الأبرار المخلصين وقيل معنى وتزكيهم أي تنمي أموالهم ببركة أخذها منهم.

.الحكم الخامس: قوله سبحانه وتعالى: {وصل عليهم}:

يعني ادع لهم واستغفر لهم لأن أصل الصلاة في اللغة الدعاء.
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق فيقول: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت.
وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمتصدق.
وقال بعضهم: يستحب ذلك.
وقيل: يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع.
وقيل: يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي.
وقال بعضهم: يستحب أن يقول اللهم صلِّ على فلان.
ويدل عليه ما روي عن بعد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: «اللهم صلِّ عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى» أخرجاه في الصحيحين.
وقوله سبحانه وتعالى: {إن صلاتك} وقرئ: صلواتك على الجمع {سكن لهم} يعني إن دعاءك رحمة لهم.
وقال ابن عباس: طمأنينة لهم.
وقيل: إن الله قد قبل منهم.
وقال أبو عبيدة: تثبيت لقلوبهم.
وقيل: إن السكن ما سكنت إليه النفس والمعنى إن صلواتك توجب سكون نفوسهم إليها والمعنى أن الله قد قبل توبتهم أو قبل زكاتهم {والله سميع} يعني لأقوالهم أو لدعائك لهم {عليم} يعني بنياتهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم}
الخطاب للرسول، والضمير عائد على الذين خلطوا قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا» فنزلت.
فيروى أنه أخذ ثلث أموالهم مراعاة لقوله: {خذ من أموالهم}.
والذي تظاهرت به أقوال المتأولين ابن عباس وغيره: أنها في هؤلاء المتخلفين، وقال جماعة من الفقهاء: المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة.
فقوله: على هذا من أموالهم هو لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب.
وفي المأخوذ منهم كالعبيد، وصدقة مطلق، فتصدق بأدنى شيء.
وإطلاق ابن عطية على أنه مجمل فيحتاج إلى تفسير ليس بجيد.
وفي قوله: {خذ}، دليل على أنّ الإمام هو الذي يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها.
و{من أموالهم}: متعلق بخذ وتطهرهم، وتزكيهم حال من ضمير خذ، فالفاعل ضمير خذ.
وأجازوا أن يكون من أموالهم في موضع الحال، لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدم كان حالًا، وأجازوا أن يكون تطهرهم صفة، وأن يكون استئنافًا، وأن يكون ضمير تطهرهم عائدًا على صدقة، ويبعد هذا العطف، وتزكيهم فيختلف الضمير أن، فأما ما حكى مكي من أنّ تطهرهم صفة للصدقة وتزكيهم حال من فاعل خذ، فقدر ردّ بأنّ الواو للعطف، فيكون التقدير: صدقة مطهرة ومزكيًا بها، وهذا فاسد المعنى، ولو كان بغير واو جاز انتهى.
ويصح على تقدير مبتدأ محذوف، والواو للحال أي: وأنت تزكيهم، لكن هذا التخريج ضعيف لقلة نظيره في كلام العرب.
والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.
وقرأ الحسن: تطهرهم من أطهر وأطهر وطهر للتعدية من طهر.
وصلِّ عليهم أي ادع لهم، أو استغفر لهم، أو صل عليهم إذا ماتوا، أقوال.
ومعنى سكن: طمأنينة لهم، إنّ الله قبل صدقتهم مقاله: ابن عباس.
أو رحمة لهم قاله أيضًا، أو قربة قاله أيضًا، أو زيادة وقار لهم قاله: قتادة، أو تثبيت لقلوبهم قاله: أبو عبيدة، أو أمن لهم.
قال:
يا جارة الحي إن لا كنت لي سكنًا ** إذ ليس بعض من الجيران أسكنني

وهذه أقوال متقاربة.
وقال أبو عبد الله الرازي: إنما كانت صلاته سكنًا لهم لأنّ روحه صلى الله عليه وسلم كانت روحًا قوية مشرقة صافية، فإذا دعا لهم وذكرهم بالخير ثارت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم فأشرقت بهذا السبب أرواحهم، وصفت سرائرهم، وانقلبوا من الظلمة إلى النور، ومن الجسمانية إلى الروحانية.
قال الشيخ جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان عرف بابن النقيب في كتابه التحرير والتحبير: كلام الرازي كلام فلسفي يشير فيه إلى أنَّ قوى الأنفس مؤثرة فعالة، وذلك غير جائز على طريقة أهل التفسير انتهى.
وقال الحسن وقتادة: في هؤلاء المعترفين المأخوذ منهم الصدقة هم سوى الثلاثة الذين خُلفوا.
وقرأ الأخوان وحفص: إن صلاتك هنا، وفي هود صلاتك بالتوحيد، وباقي السبعة بالجمع.
والله سميع باعترافهم، عليم بندامتهم وتوبتهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً}
روي أنهم لما أُطلقوا قالوا: يا رسولَ الله هذه أموالُنا التي خلَّفتْنا عنك فتصدقْ بها وطهِّرْنا فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أُمرتُ أن آخذَ من أموالكم شيئًا» فنولت فليست هي الصدقةُ المفروضةُ لكونها مأمورًا بها ولِما رُوي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ منهم الثلثَ وتركَ لهم الثلثين فوقع ذلك بيانًا لِما في صدقةً من الإجمال، وإنما هي كفارةٌ لذنوبهم حسبما ينبئ عنه قولُه عز وجل: {تُطَهّرُهُمْ} أي عما تلطخوا به من أوضار التخلفِ، والتاءُ للخطاب والفعل مجزومٌ على أنه جواب للأمر وقرئ بالرفع على أنه حالٌ من ضمير المخاطبِ في خذ أو صفةٌ لصدقةً والتاء للخطاب أو للصدقة والعائدُ على الأول محذوفٌ ثقةً بما بعده وقرئ تُطْهِرهم من أطْهره بمعنى طَهّره {وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} بإثبات الياءِ وهو خبرٌ لمبتدإٍ محذوفٍ والجملةُ حال من الضمير في الأمر أو في جوابه، أي وأنت تزكيهم بها أي تُنْمي بتلك الصدقةِ حسناتِهم إلى مراتب المخلِصين أو أموالَهم أو تبالغ في تطهيرهم، هذا على قراءة الجزم في تطهرْهم وأما على قراءة الرفع فسواءٌ جُعلت التاءُ للخطاب أو للصدقة وكذا جعلت الجملةُ الأولى حالًا من ضمير المخاطَب أو صفةً للصدقة على الوجهين فالثانيةُ عطفٌ على الأولى حالًا وصفةً من غير حاجةٍ إلى تقدير المبتدأ لتوجيه دخولِ الوالو في الجملة الحالية {وَصَلّ عَلَيْهِمْ} أي واعطِف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم {أن} وقرئ صلواتِك مراعاةً لتعدد المدعوِّ لهم {صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} تسكُن نفوسُهم إليها وتطمئن قلوبُهم بها ويثقون بأنه سبحانه قبل توبتَهم، والجملةُ تعليلٌ للأمر بالصلاة عليهم {والله سَمِيعٌ} يسمع ماصدر عنهم من الاعتراف بالذنب والتوبةِ والدعاء {عَلِيمٌ} بما في ضمائرهم من الندم والغمّ لما فرَط منهم ومن الإخلاص في التوبة والدعاء أو سميع يجيب دعاءَك لهم عليم بما تقتضيه الحكمةُ، والجملةُ حينئذ تذييلٌ للتعليل مقررٌ لمضمونه، وعلى الأول تذييلٌ لما سبق من الآيتين محقِّقٌ لما فيهما. اهـ.

.قال الألوسي:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} أخرج غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم لما أطلقوا انطلقوا فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال عليه الصلاة والسلام: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا فنزلت الآية فأخذ صلى الله عليه وسلم منها الثلث كما جاء في بعض الروايات، فليس المراد من الصدقة الصدقة المفروضة أعني الزكاة لكونها مأمورًا بها وإنما هي على ما قيل كفارة لذنوبهم حسبما ينبئ عنه قوله عز وجل: {تُطَهّرُهُمْ} أي عما تطلخوا به من أوضار التخلف.
وعن الجبائي أن المراد بها الزكاة وأمر صلى الله عليه وسلم بأخذها هنا دفعا لتوهم الحاقهم ببعض المنافقين فإنها لم تكن تقبل منه كما علمت وأمر التطهير سهل، وأيامًا كان فضمير أموالهم لهؤلاء المعترفين، وقيل: إنه على الثاني راجع لأرباب الأموال مطلقًا، وجمع الأموال للإشارة إلى أن الأخذ من سائر أجناس المال، والجار والمجرور متعلق بخذ ويجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا من {صَدَقَةٍ} والتاء في {تُطَهّرُهُمْ} للخطاب.
وقرئ بالجزم على أنه جواب الأمر والرفع على أن الجملة حال من فاعل {خُذِ} أو صفة لصدقة بتقدير بها لدلالة ما بعده عليه أو مستأنفة كما قال أبو البقاء، وجوز على احتمال الوصفية أن تكون التاء للغيبة وضمير المؤنث للصدقة فلا حاجة بنا إلى بها.
وقرئ {تطهرهم} من أطهره بمعنى طهره {وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} بإثبات الياء وهو خبر مبتدأ محذوف والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه وقيل استئناف أي وأنت تزكيهم بها أي تنمي بتلك الصدقة حسناتهم وأموالهم أو تبالغ في تطهيرهم، وكون المراد ترفع منازلهم من منازل المنافقين إلى منازل الإبرار المخلصين ظاهر في أن القوم كانوا منافقين والمصحح خلافه، هذا على قراءة الجزم {فِى تُطَهّرُهُمْ} وأما على قراءة الرفع فتزكيهم عطف عليه، وظاهر ما في الكشاف يدل على أن التاء هنا للخطاب لا غير لقوله سبحانه: {بِهَا} والحمل على أن الصدقة تزكيهم بنفسها بعيد عن فصاحة التزيل.
وقرأ مسلمة بن محارب {تزكهم} بدون الياء {بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم واستغفر، وعدى الفعل بعلي لما فيه من معنى العطف لأنه من الصلوين، وإرادة المعنى اللغوي هنا هو المتبادر، والحمل على صلاة الميت بعيد وان روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولذا استدل بالآية على استحباب الدعاء لمن يتصدق، واستحب الشافعي في صفته أن يقول للمتصدق آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورًا وبارك لك فيما أبقيت.
وقال بعضهم: يجب على الإمام الدعاء إذا أخذ، وقيل: يجب في صدقة الفرض ويستجب في صدقة التطوع، وقيل: يجب على الإمام ويستحب للفقير والحق الاستحباب مطلقًا {إن صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} تعليل للأمر بالصلاة، والسكن السكون وما تسكن النفس إليه من الأهل والوطن مثلا وعلى الأول جعل الصلاة نفس السكن، والاطمئنان مبالغة وعلى الثاني يكون المراد تشبيه صلاة عليه الصلاة والسلام في الالتجاء إليها بالسكن والأول أولى أي إن دعاءك تسكن نفوسهم إليه وتطمئن قلوبهم به إلى الغاية ويثقون بأنه سبحانه قبلهم.
وقرأ غير واحد من السبعة {صلواتك} بالجمع مراعاة لتعدد المدعو لهم {والله سَمِيعٌ} يسمع الاعتراف بالذنب والتوبة والدعاء {عَلِيمٌ} بما في الضمائر من الندم والغم لما فرط وبالإخلاص في التوبة والدعاء أو سميع يجيب دعاءك لهم عليم بما تقتضيه الحكمة، والجملة حينئذ تذييل للتعليل مقرر لمضمونه وعلى الأول تذييل لما سبق من الآيتين محقق لما فيهما. اهـ.