فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: (فإن قلت): والذين اتخذوا ما محله من الإعراب؟ (قلت): محله النصب على الاختصاص كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} وقيل: هو مبتدأ وخبره محذوف، معناه فيمن وصفنا الذين اتخذوا كقوله تعالى: {والسارق والسارقة} وانتصب ضرارًا على أنه مفعول من أجله أي: مضارة لإخوانهم أصحاب مسجد قباء، ومعازّة وكفرًا وتقوية للنفاق، وتفريقًا بين المؤمنين، لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فيغتص بهم، فأرادوا أنْ يفترقوا عنه وتختلف كلمتهم، إذ كان من يجاوز مسجدهم يصرفونه إليه، وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان.
ويجوز أن ينتصب على أنه مصدر في موضع الحال.
وأجاز أبو البقاء أن يكون مفعولًا ثانيًا لاتخذوا، وإرصادًا أي: إعدادًا لأجل من حارب الله ورسوله وهو أبو عامر الراهب أعدوه له ليصلي فيه، ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد تعبد في الجاهلية فسمي الراهب، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم الفاسق، وكان سيدًا في قومه نظيرًا وقريبًا من عبد الله بن أبي بن سلول، فلما جاء الله بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرًا بذلك، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد محاورة: «لا أجد قومًا يقاتلونك إلا قاتلتك معهم» فلم يزل يقاتله وحزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم الله بغيظهم أقام بمكة مظهرًا للعداوة، فلما كان الفتح هرب إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف هرب إلى الشام يريد قيصر مستنصرًا على الرسول، فمات وحيدًا طريدًا غريبًا بقنسرين، وكان قد دعا بذلك على الكافرين وأمّن الرسول، فكان كما دعا، وفيه يقول كعب بن مالك:
معاذ الله من فعل خبيث ** كسعيك في العشيرة عبد عمرو

وقلت بأن لي شرفًا وذكرًا ** فقد تابعت إيمانًا بكفر

وقرأ الأعمش: {وإرصادًا للذين حاربوا الله ورسوله}، والظاهر أنّ من قبل متعلقًا بحارب، يريد في غزوة الأحزاب وغيرها، أي: من قبل اتخاذ هذا المسجد.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): بم يتصل قوله تعالى: {من قبل}؟ (قلت): باتخذوا أي: اتخذوا مسجدًا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف انتهى.
وليس بظاهر، والخالف هو بخرج أي: ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الحسنى والتوسعة علينا وعلى من ضعف أو عجز عن المسير إلى مسجد قباء.
قال الزمخشري: ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى، أو لإرادة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله تعالى والتوسع على المصلين انتهى.
كأنه في قوله: إلا الخصلة الحسنى جعله مفعولًا، وفي قوله: أو لإرادة الحسنى جعله علة، وكأنه ضمن أراد معنى قصد أي: ما قصدنا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإرادة الحسنى وهي الصلاة، وهذا وجه متكلف، فأكذبهم الله في قولهم، ونهاه أن يقوم فيه فقال: لا تقم فيه أبدًا نهاه لأن بناته كانوا خادعوا الرسول، فهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم، واستدعى قميصه لينهض فنزلت: {لا تقم فيه أبدًا}، وعبَّر بالقيام عن الصلاة فيه.
قال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين: المؤسس على التقوى مسجد قباء، أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء، وهي: يوم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وخرج يوم الجمعة، وهو أولى لأنّ الموازنة بين مسجد قباء ومسجد الضرار أوقع منها بين مسجد الرسول ومسجد الضرار، وذلك لائق بالقصة.
وعن زيد بن ثابت، وأبي سعيد، وابن عمر: أنه مسجد الرسول.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «هو مسجدي هذا» لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى.
وإذا صحّ هذا النقل لم يمكن خلافه، ومن هنا دخلت على الزمان، واستدل بذلك الكوفيون على أنّ من تكون لابتداء الغاية في الزمان، وتأوله البصريون على حذف مضاف أي: من تأسيس أول يوم، لأنّ من مذهبهم أنها لا تجر الأزمان، وتحقيق ذلك في علم النحو.
قال ابن عطية: ويحسن عندي أن يستغني عن تقدير، وأن تكون من تجر لفظة أول لأنها بمعنى البداءة، كأنه قال: من مبتدأ الأيام، وقد حكى لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو انتهى.
وأحق بمعنى حقيق، وليست أفعل تفضيل، إذ لا اشتراك بين المسجدين في الحق، والتاء في أن تقوم تاء خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقرأ عبد الله بن يزيد: فيه بكسر الهاء فيه الثانية بضم الهاء جمع بين اللغتين، والأصل الضم، وفيه رفع توهم التوكيد، ورفع رجال فيقوم إذ فيه الأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع.
وجوزوا في فيه رجال أن يكون صفة لمسجد، والحال، والاستئناف.
وفي الحديث قال لهم: «يا معشر الأنصار رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون»؟ قالوا: يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء يريدون الاستنجاء بالماء ففعلنا ذلك، فلما جاء الإسلام لم ندعه فقال: «فلا تدعوه إذًا» وفي بعض ألفاظ هذا الحديث زيادة واختلاف.
وقد اختلف أهل العلم في الاستنجاء بالحجارة أو بالماء أيهما أفضل؟ ورأت فرقة الجمع بينهما، وشذ ابن حبيب فقال: لا يستنجى بالحجارة حيث يوجد الماء، فعلى ما روي في هذا الحديث يكون التطهير عبارة عن استعمال الماء في إزالة النجاسة في الاستنجاء.
وقيل: هو عام في النجاسات كلها.
وقال الحسن: من التطهير من الذنوب بالتوبة.
وقيل: يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة للذنوب، فحموا عن آخرهم.
وفي دلائل النبوة للبيهقي: أن أهل قباء شكوا الحمى فقال: «إن شئتم دعوت الله فأزالها عنكم، وإن شئتم جعلتها لكم طهرة» فقالوا: بل اجعلها لنا طهرة.
ومعنى محبتهم التطهير أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب الشيء المشتهى له على أشياء، ومحبة الله إياهم أنه يحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه.
وقرأ ابن مصرف والأعمش: يطهروا بالإدغام، وقرأ ابن أبي طالب المتطهرين. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)}
أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية».
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة قال: «ما هذا الطهور الذي اثنى الله عليكم؟» فقالوا: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه، أو قال: مقعدته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو هذا».
وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: «إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟» قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئًا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا.
وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود في المنتقى والدارقطني والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، إن هذه الآية لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في الطهور فما طهوركم هذا؟» قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء.
قال: «هو ذاك فعليكموه».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجمع بن يعقوب بن مجمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟» فقالوا: نغسل الأدبار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وابن جرير والبغوي في معجمه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبدالله بن سلام عن أبيه قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرًا أفلا تخبروني؟» يعني قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} فقالوا: يا رسول الله إنا لنجد مكتوبًا في التوراة الاستنجاء بالماء، ونحن نفعله اليوم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء «ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم؟» قالوا: ما منا أحد إلا وهو يستنجي بالماء من الخلاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء «ما هذا الطهور الذي خصصتم به في هذه الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}؟» قالوا: يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم أهل قباء فقال: «إن الله قد أثنى عليكم» فقالوا: إنا نستنجي بالماء. فقال: «إنكم قد أثنى عليكم فدوموا».
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء، فأنزلت فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن خزيمة بن ثابت قال: كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط، فنزلت فيهم هذه الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين قال الله فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}؟ قال: كانوا يستنجون بالماء، وكانوا لا ينامون الليل كله وهم على الجنابة.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عروة بن الزبير أن عويم بن ساعدة قال: يا رسول الله من الذين قال الله فيهم {رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم القوم منهم عويم بن ساعدة، ولم يبلغنا أنه سمى رجلًا غير عويم».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من الأنصار «إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم؟ قالوا: نستنجي بالماء من البول والغائط».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في هذه الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا...} الآية.
قال: سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طهورهم الذي أثنى الله به عليهم، قالوا: كنا نستنجي بالماء في الجاهلية، فلما جاء الله بالإِسلام لم ندعه، قال: «فلا تدعوه».
وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن مجمع عن عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} وكانوا يغسلون أدبارهم بالماء.
وأخرج ابن سعد من طريق موسى بن يعقوب عن السري بن عبد الرحمن عن عبادة بن حمزة. أنه سمع جابر بن عبدالله يخبر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة».
قال موسى: وبلغني أنه لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منهم عويم أول من غسل مقعدته بالماء فيما بلغني».
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل الخلاء إلا توضأ أو مس ماء.
وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق الوليد بن سندر الأسلمي عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه. إن هذه الآية نزلت في أهل قباء، كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض الأنصار: «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}؟» قالوا: نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط. اهـ.