فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً} يعني شكًا ونفاقًا {في قلوبهم} والمعنى: أن ذلك البنيان صار سببًا لحصول الريبة في قلوبهم، لأن المنافقين فرحوا ببناء مسجدهم، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخريبه، ثقل ذلك عليهم وازدادوا غمًا وحزنًا وبغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان سبب الريبة في قلوبهم.
وقيل: إنهم كانوا يحسبون أنهم محسنون في بنائه كما حبب العجل إلى بني إسرائيل فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخريبه، بقوا شاكّين مرتابين لأي سبب أمر بتخريبه.
وقال السدي: لا يزال هدم بنيانهم ريبة أي حرارة وغيظًا في قلوبهم {إلا أن تقطع قلوبهم} أي تجعل قلوبهم قطعًا وتفرق أجزاء إما بالسيف وإما بالموت.
والمعنى: أن هذه الريبة باقية في قلوبهم إلى أن يموتوا عليها {والله عليم} يعني بأحوالهم وأحوال جميع عباده {حكيم} يعني فيما حكم به عليهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
يحتمل أن يكون البنيان هنا مصدرًا أي: لا يزال ذلك الفعل وهو البنيان، ويحتمل أن يراد به المبني، فيكون على حذف مضاف أي: لا يزال بناء المبنى.
قال ابن عباس: لا يزالون شاكين.
وقال حبيب بن أبي ثابت: غيظًا في قلوبهم، أي سبب غيظ.
وقيل: كفرًا في قلوبهم.
وقال عطاء: نفاقًا في قلوبهم.
وقال ابن جبير: أسفًا وندامة.
وقال ابن السائب ومقاتل: حسرة وندامة، لأنهم ندموا على بنيانه.
وقال قتادة: في الكلام حذف تقديره: لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا ريبة أي: حزازة وغيظًا في قلوبهم.
وقال ابن عطية: الذي بنوا تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع الإشكال، والريبة الشك، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه، والإعراض في الشيء والتخبيط فيه.
والحزازة من أجله، وإن لم يكن شكا فقد يرتاب من لا يشك، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك.
ومعنى الريبة في هذه الآية تعم الحيق، واعتقاد صواب فعلهم، ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام.
فمقصد الكلام: لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقي في قلوبهم حزازة وأثر سوء.
وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا، وفسرها السدي بالكفر.
وقيل له: أفكفر مجمع بن جارية؟ قال: لا، ولكنها حزازة.
قال ابن عطية: ومجمع رحمه الله، قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم، ولا قصد سوء.
والآية إنما عنت من أبطن سوءًا.
وليس مجمع منهم.
ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنيانهم الذي اتضح فيه نفاقهم.
وجملة هذا أنّ الريبة في الآية نعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق.
وقال أبو عبد الله الرازي: جعل نفس البنيان ريبة لكونه سببًا لها، وكونه سببًا لها أنه لما أمر بتخريب ما فرحوا ببنائه ثقل ذلك عليهم، وازداد بعضهم له، وارتيابهم في نبوته، أو اعتقدوا هدمه من أجل الحسد، فارتفع إيمانهم وخافوا الإيقاع بهم قتلًا ونهبًا، أو بقوا شاكين: أيغفر الله لهم تلك المعصية؟ انتهى، وفيه تلخيص.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص: إلا أن تقطع قلوبهم بفتح التاء أي: يتقطع، وباقي السبعة بالضم، مضارع قطع مبنيًا للمفعول.
وقرئ يقطع بالتخفيف.
وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: إلى أن نقطع، وأبو حيوة إلى أن تُقطع بضم التاء وفتح القاف وكسر الطاء مشددة، ونصب قلوبهم خطابًا للرسول أي: تقتلهم، أو فيه ضمير الريبة.
وفي مصحف عبد الله: ولو قطعت قلوبهم، وكذلك قرأها أصحابه.
وحكى أبو عمرو هذه القراءة: إن قطعت بتخفيف الطاء.
وقرأ طلحة: ولو قطعت قلوبهم خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو كل مخاطب.
وفي مصحف أبي: حتى الممات، وفيه حتى تقطع.
فمن قرأ بضم التاء وكسر الطاء ونصب القلوب فالمعنى: بالقتل.
وأما على من قرأه مبنيًا للمفعول، فقال ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم: بالموت أي: إلى أن يموتوا.
وقال عكرمة: إلى أن يبعث من في القبور.
وقال سفيان: إلى أن يتوبوا عما فعلوا، فيكونون بمنزلة من قطع قلبه.
قال ابن عطية: وليس هذا بظاهر، إلا أن يتأول أن يتوبوا توبة نصوحًا يكون معها من الندم والحسرة ما يقطع القلوب همًا.
وقال الزمخشري: لا يزال يبديه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم، لا يزال وسمه في قلوبهم ولا يضمحل أمره إلا أن تقطع قلوبهم قطعًا وتفرق أجزاء، فحينئذ يسألون عنه، وأما ما دامت سليمة مجتمعة فالريبة قائمة فيها متمكنة.
ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم، أو في القبور، أو في النار.
وقيل: معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم.
والله عليم بأحوالهم، حكيم فيما يجري عليهم من الأحكام، أو عليم بنياتهم، حكيم في عقوباتهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ} البنيانُ مصدرٌ أُريد به المفعولُ، ووصفُه بالموصول الذي صلتُه فعله للإيذان بكيفية بنائِهم له وتأسيسِه على أوهن قاعدةٍ وأوهى أساسٍ وللإشعار بعلة الحُكم، أي لا يزال مسجدُهم ذلك مبنيًا ومهدومًا {رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ} أي سببَ ريبةٍ وشكَ في الدين كأنه نفسُ مُريبِه. أما حالَ بنيانه فظاهرٌ لِما أن اعتزالَهم من المؤمنين واجتماعَهم في مجمع على حياله يُظهرون فيه ما في قلوبهم من آثار الكفرِ والنفاقِ ويدبِّرون فيه أمورَهم ويتشاورون في ذلك، ويُلقي بعضُهم إلى بعض ما سمعوا من أسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكًا في الدين، وأما حالَ هدمِه فلما أنه رسَخ به ما كان في قلوبهم من الشر وتضاعفت آثارُه وأحكامُه أو سبّب ريبةً في أمرهم حيث ضعُفت قلوبُهم ووهَى اعتقادُهم بخفاء أمرِهم على أمر المؤمنين لأنهم أظهروا من أمرهم بعد البناءِ أكثرَ مما كانوا يُظهرونه قبل ذلك وقت اختلاطِهم بالمؤمنين وساءت ظنونُهم بأنفسهم فلما هُدم بنيانُهم تضاعف ذلك الضَّعفُ وتقوّى وصاروا مُرتابين في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يتركهم على ما كانوا عليه من قبل أو يأمرُ بقتلهم ونهبِ أموالِهم. وقال الكلبي: معنى ريبةً حسرةً وندامة. وقال السدي وحبيب والمبرد: لا يزال هدمُ بنيانِهم حزازةً وغيظًا في قلوبهم {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ} من التفعل بحذف إحدى التاءين أي إلا أن تتقطع {قُلُوبِهِمْ} قِطعًا وتتفرّقَ أجزاءً بحيث لا يبقى لها قابليةُ إدراكٍ وإضمار قطعًا، وهو استثناءٌ من أعم الأوقاتِ أو أعم الأحوال ومحلُّه النصبُ على الظرفية أي لا يزال بنيانُهم ريبةً في كل الأوقات أو كلِّ الأحوال إلا وقتَ تقطُّع قلوبهم أو حالَ تقطعِ قلوبِهم، فحينئذ يسْلُون عنها وأما ما دامت سالمةً فالريبةُ باقيةٌ فيها فهو تصويرٌ لامتناع زوالِ الريبةِ عن قلوبهم، ويجوزُ أن يكون المرادُ حقيقةً تقطُّعُها عند قتلِهم أو في القبور أو في النار، وقرئ {تُقَطّع} على بناء المجهول من التفعيل وعلى البناء للفاعل منه على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أي إلا أن تُقطِّع أنت قلوبَهم بالقتل، وقرئ على البناء للمجهول من الثلاثي مذكرًا ومؤنثًا وقرئ إلى تقطُّعِ قلوبهم وإلى أن تُقطِّع قلوبَهم على الخطاب، وقرئ ولو قُطِّعت قلوبُهم على إسناد الفعل مجهولًا إلى قلوبهم ولو قَطَّعتَ قلوبَهم على الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد يصلُح للخطاب. وقيل: إلا أن يتوبوا توبةً تتقطّع بها قلوبُهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم {والله عَلِيمٌ} بجميع الأشياءِ التي من جملتها ما ذكر من أحوالهم {حَكِيمٌ} في جميع أفعالِه التي من زمرتها أمرُه الواردُ في حقهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا} أي بناؤهم الذي بنوه، فالبنيان مصدر أريد به المفعول كما مر، ووصفه بالمفرد ما يرد على مدعي الجمعية وكذا الأخبار عنه بقوله سبحانه: {رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ} واحتمال تقدير مضاف وجعل الصفة وكذا الخبر له خلاف الظاهر.
نعم قيل: الأخبار بريبة لا دليل فيه على عدم الجمعية لأنه يقال: الحيطان منهدمة والجبال راسية؛ وجوز بعضهم كون البنيان باقيًا على المصدرية و{الذى} مفعوله، والريبة اسم من الريب بمعنى الشك وبذلك فسرها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمراد به شكهم في نبوته صلى الله عليه وسلم المضمر في قلوبهم وهو عين النفاق، وجعل بنيانهم نفس الريبة للمبالغة في كونه سببًا لها.
قال الإمام: وفي ذلك وجوه:
أحدها أن المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوته صلى الله عليه وسلم.
وثانيها أنه لما أمر بتخريبه ظنوا أن ذلك للحسد فارتفع أمانهم عنه صلى الله عليه وسلم وعظم خوفهم فارتابوا في أنهم هل يتركون على حالهم أو يؤمر بقتلهم ونهب أموالهم.
وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء فلما أمر بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بذلك والصحيح هو الأول.
ويمكن كما قال العلامة الطيبي أن يرجح الثاني بأن تحمل الريبة على أصل موضوعها ويراد منها قلق النفس واضطرابها.
وحاصل المعنى لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا سببًا للقلق والاضطراب والوجل في القلوب ووصف بنيانهم بما وصف للإيذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على ما عليه تأسيسه مما علمت وللأشعاء بعلة الحكم، وقيل: وصف بذلك للدلالة على أن المراد بالبنيان ما هو المبني حقيقة لا ما دبروه من الأمور فإن البناء قد يطلق على تدبير الأمر وتقديره كما في قولهم كم أبني وتهدم وعليه قوله:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه ** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

وحاصله أن الوصف للتأكيد وفائدته دفع المجاز، وهذا نظير ما قالوا في قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وفيه بحث.
والاستثناء في قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} من أعم الأوقات أو أعم الأحوال وما بعد إلا في محل النصب على الظرفية أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطعها أي تفرقها وخروجها عن قابلية الإدراك وهذا كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك وإضمار الشرك بحيث لا يزوب منها ما داموا أحياء إلا إذا تقطعت وفرقت وحينئذ تخرج منها الريبة وتزول، وهو خارج مخرج التصوير والفرض، وقيل: المراد بالتقطع ما هو كائن بالموت من تفرق أجزاء البدن حقيقة وروي ذلك عن بعض السلف.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن أيوب قال: كان عكرمة يقرأ {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ في القبور} وقيل: المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فالتقطع كناية أو مجاز عن شدة الأسف.
وروى ذلك ابن أبي حاتم عن سفيان، وتقطع من التفعل بإحدى التاءين والبناء للفاعل أي تتقطع.
وقرئ {تُقَطَّعَ} على بناء الجهول من التفعيل وعلى البناء للفاعل منه على أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي إلا أن تقطع أنت قلوبهم بالقتل، وقرئ على البناء للمفعول من الثلاثي مذكرًا ومؤنثًا.
وقرأ الحسن {إلى أَن تُقَطَّعَ} على الخطاب، وفي قراءة عبد الله: {وَلَوْ قُطّعَتْ قُلُوبِهِمْ} على إسناد الفعل مجهولًا إلى قلوبهم.
وعن طلحة ولو قطعت قلوبهم على خطاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصح أن يعني بالخطاب كل مخاطب، وكذا يصح أن يجعل ضمير تقطع مع نصب قلوبهم للريبة {والله عَلِيمٌ} بجميع الأشياء التي من جملتها ما ذكر من أحوالهم {حَكِيمٌ} في جميع أفعاله التي من جملتها أمره سبحانه الوارد في حقهم. اهـ.