فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}
معناه إنه طلب من المؤمنين أن يعدوا أنفسهم وأموالهم، ويخرجوا إلى الجهاد والقتال في سبيل الله، ليثيبهم الجنة.
وذكر الشراء على وجه المثل، لأن الأموال والأنفس كلها لله تعالى، وهي عند أهلها عارية، ولكنه أراد به التحريض والترغيب في الجهاد.
وهذا كقوله: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] ثم قال: {يقاتلون في سَبِيلِ الله}، يعني: في طاعة الله تعالى مع العدو.
{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، يعني: العدو ويقتلهم العدو.
قرأ حمزة والكسائي {فَيَقْتُلُونَ} بالرفع {وَيَقْتُلُونَ} بالنصب على معنى التقديم والتأخير، وقرأ الباقون {يَقْتُلُونَ} بالنصب {وَيَقْتُلُونَ} بالرفع.
{وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا}، يعني: واجبًا لهم ذلك، بأن يفي لهم ما وعد، وبين ذلك {فِي التوراة والإنجيل والقرءان وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله}، يعني: ليس أحد أوفى من الله تعالى في عهده وشرطه، لأنه عهد أن مَنْ قتل في سبيل الله، فله الجنة فيفي عهده وينجز وعده.
ثم قال: {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ} وهذا إعلان لهم أنهم يربحون في مبايعتهم.
{ذلك هُوَ الفوز العظيم}، يعني: الثواب الوافر والنجاة والوافرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}
قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسًا.
قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: «اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم أموالكم»، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: «الجنة».
وقال الأعمش: الجنة وهي قراءة عمر بن الخطاب (رضي الله عليه) {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} قال إبراهيم النخعي والأعمش وحمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل على معنى فيقتل بعضهم ويقتل الباقون، وقرأ الباقون: بتقديم الفاعل على المفعول {وَعْدًا} نصب على المصدر {عَلَيْهِ حَقًّا فِي التوراة والإنجيل والقرآن} ثم هنّأهم فقال عزّ من قائل: {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} قال قتادة: ثامنهم وأغلى ثمنهم، وقال الحسن: أسمعوا بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن، والله ما على وجه الأرض مؤمن إلاّ دخل في هذه البيعة.
قال: ومرّ أعرابي بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية قال: كلام من هذا؟ قال: «كلام الله».
قال: بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله فخرج إلى الغزو فاستشهد.
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي قال: أنشدنا أبو الحسن العقيلي. أنشدنا بشر بن موسى الأسدي. أنشدني الأصمعي عن جعفر الصادق رضي الله عنه:
أُثامن بالنفس النفيسة ربها ** فليس لها في الخلق كلهم ثمن

بها تشترى الجنات إن أنا بعتها ** بشيء سواها إن ذلكم غبن

إذا أذهبت نفسي بدنيا أصبتها ** فقد ذهب الدنيا وقد ذهب الثمن

وكان الصادق يقول: أيا من ليست له قيمة أنه ليس لأبدانكم إلاّ الجنة فلا تبيعوها إلاّ بها.
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي. أنشدنا القاضي أبو الربيع محمد بن علي. أنشدنا أبو علي الحسن بن عاصم الكوفي:
من يشتري قبة في العدن عالية ** في ظل طوبى رفيعات مبانيها

دلالها المصطفى والله بايعها ** فمن أراد وجبريل يناديها

اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} اشترى أنفسهم بالجهاد، {وَأَمْوَالَهُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نفقاتهم في الجهاد.
والثاني: صدقاتهم على الفقراء.
{بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} قال سعيد بن جبير: يعني الجنة، وهذا الكلام مجاز معناه أن الله تعالى أمرهم بالجهاد بأنفسهم وأموالهم ليجازيهم بالجنة، فعبر عنه بالشراء لما فيه من عوض ومعوض مضار في معناه، ولأن حقيقة الشراء لما لا يملكه المشتري.
{يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لأن الثواب على الجهاد إنما يستحق إذا كان في طاعته ولوجهه.
{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} يعني أن الجنة عوض عن جهادهم سواء قَتَلُوا أو قُتِلُوا. فروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فكبّر الناس، فأقبل رجل من الأنصار ثانيًا طرف ردائه على أحد عاتقيه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ فقال: نَعَم، فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقبل ولا نستقبل.
وقال بعض الزهاد: لأنه اشترى الأنفس الفانية بالجنة الباقية. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية.
هذه الآية نزلت في البيعة الثالثة وهي بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين وكان أصغرهم سنًا عقبة بن عمرو، وذلك أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة فقالوا: اشترط لك ولربك، والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة، فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم حمايته مما يحمون منه أنفسهم، واشترط لربه التزام الشريعة وقتال الأحمر والأسود في الدفع عن الحوزة، فقالوا: ما لنا على ذلك؟ قال الجنة، فقالوا: نعم ربح البيع لا نقيل ولا نقال، وفي بعض الروايات ولا نستقيل فنزلت الآية في ذلك.
ثم الآية بعد ذلك عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وقال بعض العلماء: ما من مسلم إلا ولله في عنقه هذه البيعة وفى بها أو لم يف، وفي الحديث أن فوق كل بر برًا حتى يبذل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك، وهذا تمثيل من الله عز وجل جميل صنعه بالمبايعة، وذلك أن حقيقة المبايعة أن تقع بين نفسين بقصد منهما وتملك صحيح، وهذه القصة وهب الله عباده أنفسهم وأموالهم ثم أمرهم ببذلها في ذاته ووعدهم على ذلك ما هو خير منها، فهذا غاية التفضل، ثم شبه القصة بالمبايعة، وأسند الطبري عن كثير من أهل العلم أنهم قالوا: ثامن الله تعالى في هذه الآية عباده فأعلى لهم وقاله ابن عباس والحسن بن أبي الحسن، وقال ابن عيينة: معنى الآية اشترى منهم أنفسهم ألا يعملوها إلا في طاعة الله، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد: فالآية على هذا أعم من القتل في سبيل الله، ومبايعة الخلفاء هي منتزعة من هذه الآية، كان الناس يعطون الخلفاء طاعتهم ونصائحهم وجدهم ويعطيهم الخلفاء عدلهم ونظرهم والقيام بأمورهم، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع الواعظ أبا الفضل بن الجوهري يقول على المنبر بمصر: ناهيك من صفقة البائع فيها رب العلى والثمن جنة المأوى والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقوله: {يقاتلون في سبيل الله} مقطوع ومستأنف وذلك على تأويل سفيان بن عيينة، وأما على تأويل الجمهور من أن الشراء والبيع إنما هو مع المجاهدين فهو في موضع الحال، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وقتادة وأبو رجاء وغيرهم: {فيَقتلون} على البناء للفاعل {ويُقتلون} على البناء للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي والنخعي وابن وثاب وطلحة والأعمش بعكس ذلك، والمعنى واحد إذ الغرض أن المؤمنين يقاتلون فيوجد فيهم من يَقتل وفيهم من يُقتل وفيهم من يجتمعان له وفيهم من لا تقع له واحدة منهما، وليس الغرض أن يجتمع ولابد لكل واحد واحد، وإذا اعتبر هذا بان، وقوله سبحانه: {وعدًا عليه حقًا} مصدر مؤكد لأن ما تقدم من الآية هو في معنى الوعد فجاء هو مؤكدًا لما تقدم من قوله: {بأن لهم الجنة}، وقال المفسرون: يظهر من قوله: {في التوراة والإنجيل والقرآن}، أن كل أمة أمرت بالجهاد ووعدت عليه.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن ميعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم تقدم ذكره في هذه الكتب، وقوله: {ومن أوفى بعهده من الله} استفهام على جهة التقرير أي لا أحد أوفى بعهده من الله، وقوله: {فاستبشروا} فعل جاء فيه استفعل بمعنى أفعل وليس هذا من معنى طلب الشيء، كما تقول: استوقد نارًا واستهدى مالًا واستدعى نصرًا بل هو كعجب واستعجب، ثم وصف تعالى ذلك البيع بإنه {الفوز العظيم}، أي أنه الحصول على الحظ الأغبط من حط الذنوب ودخول الجنة بلا حساب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم}
سبب نزولها:
أن الأنصار لما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا سبعين رجلًا، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك، ما شئت، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قالوا فإذا فعلنا ذلك، فما لنا؟ قال: «الجنة» قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت {إن الله اشترى...} الآية، قاله محمد بن كعب القرظي فأما اشتراء النفس، فبالجهاد.
وفي اشتراء الأموال وجهان:
أحدهما: بالإِنفاق في الجهاد.
والثاني: بالصدقات.
وذِكْرُ الشراء هاهنا مجاز، لأن المشتري حقيقة هو الذي لا يملك المشترى، فهو كقوله: {من ذا الذي يُقرض الله} [البقرة: 245] والمراد من الكلام أن الله أمرهم بالجهاد بأنفسهم وأموالهم ليجازيهم عن ذلك بالجنة، فعبَّر عنه بالشراء لِما تضمن من عوض ومعوض.
وكان الحسن يقول: لا والله، إنْ في الدنيا مؤمن إلا وقد أُخذت بيعته.
وقال قتادة: ثامَنَهم والله فأغلى لهم.
قوله تعالى: {فيَقتُلون ويُقتَلون} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم {فيَقتلون ويُقتَلون} فاعل ومفعول.
وقرأ حمزة والكسائي {فيُقتلون ويَقتُلون} مفعول وفاعل.
قال أبو علي: القراءة الأولى بمعنى أنهم يَقتُلون أولًا ويُقتلون، والأخرى يجوز أن تكون في المعنى كالأولى، لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم؛ فإن لم يقدَّر فيه التقديم، فالمعنى: يقتُل من بقي منهم بعد قتل من قُتل، كما أن قوله: {فما وهنوا لما أصابهم} [آل عمران: 146] ما وهن من بقي بِقَتْلِ من قُتل.
ومعنى الكلام: إن الجنة عوض عن جهادهم، قَتَلوا أو قُتلوا.
{وعدًا عليه} قال الزجاج: نصب {وعدًا} بالمعنى، لأن معنى قوله: {بأن لهم الجنة}: {وعدًا عليه حقًا}، قال: وقوله: {في التوراة والإِنجيل} يدل على أن أهل كل ملة أُمروا بالقتال ووُعدوا عليه الجنة.
قوله تعالى: {ومن أوفى} أي: لا أحد أوفى بما وعد {من الله} {فاستبشروا} أي: فافرحوا بهذا البيع. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}
فيه ثمان مسائل:
الأولى قوله تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} قيل؛ هذا تمثيل؛ مثل قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16].